منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
By مشعل العنزي
#69447
ثمة حوار جاد ، يتخلله الإحساس بالمرارة ، يدور منذ أشهر ، بين عدد من الكتاب والناشطين السياسيين السوريين ، حول ضعف أو إخفاق الحراك السوري المعارض ، الذي بدا أنه لم يكن متوقعاً لدى البعض منهم .. وغير مفهوم لدى البعض الآخر . وقد ذهب المتحاورون في هذا الشأن إلى مناح شتى بحثاً عن الأسباب . ووجدوا أن ما حدث يعود ، إلى غياب أو إحجام الطبقة الوسطى عن أداء دورها التاريخي الراهن ، وإلى غياب الزعامة المحورية الجامعة ، وإلى عدم مشاركة السواد الأعظم من الشعب ، ووراء كل سبب من الأسباب المذكورة تترادف كثرة من التبريرات والتفصيلات والمقارنات

ما يستخلص من هذا المعروض الحواري خطير جداً . وما يترتب عليه هو أخطر . إذ أنه يشير إلى أن القوى التي تتصدى لمهام التغيير سليمة الرؤيا والأداء . بل أن الشروط الموضوعية الخارجة عن السيطرة هي التي أعاقت وشلت قدراتها . وأن النظام عصي على التغيير ، في الوقت الراهن على الأقل ، ، ومثل هذا الطرح لابد أن يفضي إلى تعليق مسؤولية الضعف والمآل ، غير المقنع ، لحراك سنوات على مشاجب شبحية .. ولاخيار غير الانتظار .. دون تحديد انتظار ماذا .. هل هو انتظار لإعادة إحياء الطبقة الوسطى وعودتها لأداء دورها المأمول في قيادة عملية التغيير ؟ .. ومتى سيحدث ذلك ؟ أم هو انتظار حتى يجري التغيير بواسطة مفاعيل تصادم أو تقاطع مصالح إقليمية أو دولية ؟ .. وكيف وإلى أي مدى سيكون انعكاس ذلك على الوجود الوطني ؟ أم هو انتظار النظام لتغيير نفسه لأسباب شتى في مقدمها حب البقاء وا ستدامة جريان المصالح لأهله ؟ .. وهل قفزة النظام التغييرية هذه هي إلى الأمام أو إلى الخلف ؟

لاجواب .. أو لاجواب جاهز بعد للعرض والمناقشة

وفي ضوء ذلك ، يتضح أن ما يطرح في هذا المضمار ، لم يقدم الجواب المطابق على سؤال المشهد السوري المركب ، لم يدخل بعمق المسائل التي تشكل مكونات ضعف المعارضة و " قوة " النظام ، وأولها أن المعارضة لم تقرأ جيداً خرائط المجتمع السوري .. الطبقية والقومية والإثنية ، لم تدرس بعمق الشروط الاجتماعية - الاقتصادية وأبعادها السياسية ، التي يعيشها الشعب ودور هذه الشروط في تشكيل مفاهيمه ووعيه وطاقاته ، لم تندمج بمطالب وقضايا ومعناة القوى الشعبية ، وأهمها ، الغلاء وانخفاض الأجور الفعلية واختناقات أزمات الطبابة والعمل والتعليم والسكن وما يزيها آلاماً ، يوماً بعد يوم ، تطبيق اقتصاد السوق والخصخصة .. ألخ .. لم تبن سياساتها على سبيل المثال ، على التعاطي التفاعلي الصادق مع واقع معاناة ثلاثة ملايين عامل في القطاعين العام والخاص ، و مع نحو مليون ونصف مواطن مرتبطة معيشتهم برواتب من الدولة ، 60 % منهم يبلغ متوسط دخلهم 6000 ليرة في الشهر ، ومع ملايين الأسر الفلاحية في الريف وخاصة المناطق الشمالية والشرقية الأكثر فقراً في البلاد ، لم تأخذ موقفاً مبدئياً حاسماً في مسألة حماية القطاع العام باعتباره ليس قضية عمالية تشمل مليون عاملا فقط ، وإنما قضية اقتصادية واجتماعية وسياسية في آن ، كما لم تضع مسألة حرمان مئات آلاف المواطنين الأكراد من الجنسية ضمن أولويات حراكها

وأخيراً وليس آخراً ، أن المعارضة ركبت ميزان القوى إرادياً بينها وبين النظام ، وفق رؤية خاطئة لمعادلة داخل / خارج أهملت فيها دور الشعب في عملية التغيير ، وأهملت تفعيل دوره تحت قيادتها ، معتمدة في حراكها على النخب الثقافية والسياسية ، وجدّت في البحث عن الطبقة الوسطى المنضوية تحت عباءة النظام ، حيث كان التضخيم لدور الخارج ، والتأثر بإيقاعات التحرك الدولي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط ، والرهان على دور لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال " الحريري " لإحداث التغيير

وعلى ذلك ، فإنه من الطبيعي أن يتم تضخيم الذات المعارضة ، الذي تجلى باعتبار توقيع العرائض المطلبية الاحتجاجية من قبل النخبة الثقافية والسياسية ، وتصريحات الرموز الكبيرة في المعارضة عبر الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية ، وكتابة المقالات التحريضية المليئة بالجمل النارية ، كفيل بزعزعة النظام وفرض الاستسلام عليه
ومثل هذه السياسات والممارسات ، كما أثبتت تجارب الشعوب ، غير مؤهلة لإفراز زعامات محورية

وعندما سارت الأمور حسب قوانينها ، بين النظام وقوى الخارج ، من خلال موازين القوى المتداعية والمستجدة ، التي فرضت فهم المصالح المتبادلة ، والبحث عن قنوات للمساومة والصفقات ، انكشف العجز .. وبدلاً من التقييم الموضوعي النقدي لما سبق من تجارب ومعاناة والتوجه جدياً لتصحيح الحراك المعارض بالعودة إلى الشعب ، اتجه البعض إلى الشكوى من تعويق النظام وقوانينه القمعية لهذا الحراك من جهة ، ولتحميل المسؤولية ، إما لقوى غير موجودة أوغير مؤهلة فعلاً للقيام بدور ذي أهمية ، أو لقوى لم يحترم وجودها ودورها منذ البدايات من جهة أخرى . وهذا يدل على أن هناك عدم وضوح رؤيا إزاء ماهية النظام وإزاء آليات تغييره وإزاء الحامل الاجتمتعي لهذا التغيير . النظام الديكتاتوري ا ستدعى وجود المعارضة .. لكنه يتطلب معارضة مكافئة لمفاعيل بطشه وظلمه .. وهذا يستدعي فهم مبدئي أكثر جدية لهذا النظام ، أي ألاّ ينتظر منه السماح بمعارضته ومنحه التراخيص لمعارضيه ، كما ، وألاّ يعتقد أن مثل هذا النظام يمكن تغييره ، على الطريقة التشيكية أو الأوكرانية أو الجورجية ، بالتصريحات والمقالات والبيانات والاعتصامات الرمزية ، مع كامل الاحترام لمبدعيها وموقعيها ومنفذيها ، وإنما بفعاليات كبيرة مكافئة ، وهذا لايتحقق إلاّ بحضور جماهيري كاسح ، وهذا الحضور لايأتي تلقائياً أو عفوياً ، ولاتأتي به " الطبقة الوسطى " خاصة في ظروف ا شتداد القمع ، بل بالعمل الدؤوب بالاتصال ..بالاندماج المباشر بالناس .. بالعيش معهم ومع معاناتهم .. وبناء الثقة من خلال النضال في المقدمة من أجل حقوقهم وحريلتهم

وا ستطرداً ، يمكننا القول ، أن المرارة التي تتخلل الحوار حول مآل الحراك المعارض ، ينبغي أن ترد إلى مصادرها الأساس بشفافية وصدق ، إلى المفاهيم والرؤى والخيارات الخاطئة ، التي انبنى عليها هذا الحراك، وخاصة ما أطلق عليها جدلية داخل / خارج لتحقيق التغيير ، في وقت كان واضحاً منذ البدايات خطأ هذه الجدلية ، وإن كان ومازال وسيبقى ، من الهام جداً مراقبة ودراسة وتوظيف معطيات الخارج وانعكاساتها الموضوعية الايجابية ، لتحقيق التراكم الضروري المؤدي إلى تكريس جدلية معارضة / نظام في عملية التغيير الوطني الديمقراطي . ما يسمح لنا بالزعم ، أن النظام لن يتغير ما لم تغير المعارضة في مفاهيمها وآلياتها .. ما لم تعد إلى الشعب

بمعنى أن الحراك المعارض السوري ، رغم كل صعوباته لم يفشل .. ولن يفشل .. نعم هناك نواقص وصعوبات لكن يمكن معالجتها وتجاوزها .. شرط العودة إلى الشعب .. شرط أن يتجدد ويتحدد الحراك حسب ظروفنا نحن .. وحسب سمات وقدرات شعبنا .. حسب معاييرنا نحن .. وليس معايير أي بلد آخر .. سواء وجدت الطبقة الوسطى أو غابت .. وسواء ا شتد القمع أو تراخى . إن الحراك المعارض أوجدته ضرورة الحرية لمواجهة الاستبداد .. وهو محكوم بالاستمرار والتوسع والتحول نحو الأفضل