منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
By مشعل العنزي
#69468
الحوار بين الآراء المختلفة ، ليس مجرد ترف فكري . أو أنه شكل بسيط معبر عن مفاعيل السياسة في حركة الفكر فحسب ، وإنما هو انعكاس لحركة الواقع المعاش .. لحركة صراع المصالح الطبقية الاقتصادية والاجتماعية .. هو مؤشر ملموس للوعي في المجتمع في مختلف مستوياته . إنه إلى حد ما ، يشكل انعكاساً لحركة وتوازن مصالح الطبقات الاجتماعية المتناقضة " في المجتمع الطبقي " ، وانعكاساً لمستوى المستوى الوعي داخل كل طبقة بذلتها ، ويتعدى ذلك ليكون أيضاً انعكاساً لمدى التطور الحضاري على المستوى الوطني . وفي الحركة الحوارية الديمقراطية المتاحة ، يتعمق الوعي بالمصلحة الذاتية " الطبقية " والعامة " الوطنية " ، وبها تنمو المعرفة الإنسانية وتتفاعل إيجابياً مع مستويات التطور عامة ، حيث يكون التأثير المتبادل بين حركة الواقع وحركة الفكر بحالة جدلية .. حالة عطاء متبادل ، مما يثري المعرفة ، ويضيء دروب أ شكال اقتصادية واجتماعية أكثر حرية وعدالة وكرامة

ولهذا ، فإن الحوار الانساني الهادف على كل المستويات يشكل دينامية هامة مساعدة على إضاءة العقل .. وفتح آفاق إنسانية وحضارية متجددة .. إنه الأب الشرعي للمعرفة ولإكتشاف الحقيقة
وعلى ذلك ، ليس من مصلحة أنظمة الديكتاتورية وقوى التسلط الديني الجامدة انتشار الحوار الحر الحضاري ، الذي يستدعي مناخات حرية وثقافية مغايرة ، ويؤدي إلى نهوض سياسي وثقافي تحرري من الاستبداد السياسي والتسلط الديني . ولدينا في تاريخنا مثالاً ملموساً على ذلك . ففي عهد المأمون ، قبل أكثر من ألف عام ، عندما فتح المجال للحوار ، انتشر علم الكلام ، وظهر المفكرون والفلاسفة ، وظهر المعتزلة رواد الحوار الأوائل ، وتطورت العلوم الأخرى ، وغدت بغداد منارة .. تحولت إلى عاصمة عالمية مشعة علماً ورقياً وحضارة . وبعد المأمون والمعتصم ، جاء من ضاق ذرعاً بالحوار وآفاقه الثقافية والتنويرية ، فا ستعان بالإمام الغزالي الذي فشل بالحوار وأعلن غلق باب الإجتهاد ، وناشد " الخليفة " ا ستخدام السيف لقطع الحوار والرؤوس . وكانت مجزرة عار جسدية وفكرية بشعة ، لم يشهد التاريخ مثيلاً لهل من قبل ومن بعد ، مجزرة أدخلتنا كهف الظلمات حتى اليوم

ثم كان تكفير المعري ، الذي آثر المحبسين ، كما قال طه حسين . وتوفي في غرفة صغيرة متواضعة في مسجد صغير دفن فيه بناء على وصيته

ثم كانت مأساة ابن رشد العظيم ، الذي حطمه الاستبداد والتسلط الديني . وعندما توفي رفض أولو الأمر دفنه في المغرب ، وحملوه مع ما تبقى من كتبه على ظهر بغل ونفوه ميتاً إلى الأندلس

ومشكلة طه حسين مع التخلف الديني لاتحتاج إلى بيان

وأخيراً وليس آخراً ، اضطهاد الدكتور نصر حامد أبو زيد ، والدكتور حسن حنفي في مصر

حتى الدكتور حسن الترابي لم يسلم من الاضطهاد ، عندما اجتهد في مسألة الحجاب وزواج المسلمة من غير المسلم

ومع قطع أي مجال للحوار تحت السطوة الثنائية الاستبدادية .. تنقطع كل مجالات احترام حقوق الإنسان الأساسية .. وخاصة حقوق المرأة .. وحقوق الأقليات الدينية والمذهبية والقومية

ومن أسف ، لابد في هذا السياق من تناول ، انعدام الحوار أيضاً في جل الأحزاب اليسارية . " الحوار " هنا مسموح لفسير وتبرير طروحات الحزب وأمينه العام . أما الرأي الآخر ، فإن مصير صاحبه التحجيم والعقوبة ، وفي أغلب الأحيان الطرد مع التشهير . وهذا ما أدى إلى ضعف هذه الأحزاب واستعصائها على التطور وعلى القدرة على تحقيق برامجها وأهدافها ، ولهذا لم يظهر في حركة اليسار في البلدان العربية على امتداد 14 مليون كيلو متر مربع مساحة وعلى امتداد قرن من الزمان ، لم يظهر قائد يساري على مستوى لينين وبليخانوف وماوتسي تونغ وهوشي منة وروزا لوكسمبورغ وكاسترو
ومن أسف أشد ، صرنا شهوداً على ظهور قادة يساريين ينتقلون إلى من الماركسية إلى الليبرالية البورجوازية .. أو التحالف مع أنظمة ديكتاتورية

الحوار أول الحركة إلى أمام .. الحوار مفتاح العقل ، وأداة راقية من أدوات الثقافة والحرية والتقدم بالنسبة للإنسان كفرد ، وبالنسبة للحركة .. للحزب .. والطبقة .. والمجتمع
وتمسكنا بالحوار ونشره شرط أولي لتعميم كل جديد .. وبهيج في عالمنا .. وخاصة الحرية وحقوق الإنسان والعدالة

من هنا .. يحق لنا .. ومن حق " حوارنا المتمدن " علينا .. أن نشعل خمس شمعات حمراء في الذكرى الخامسة لإنطلاقة " الحوار المتدن " .. وأن نقدم لهيئة التحرير فيها .. فرداً .. فردا .. أحلى باقات الزهور .. مرفقة ببطاقة تحمل كلمة واحدة من أعماق القلب .. شكراً