منتديات الحوار الجامعية السياسية

قسم مختص باستقبال أسئلة الطلاب
#64418
ارتبطت فكرة الحرية بالثورة البرجوازية في أوروبا وخصوصاً بالثورة الفرنسية التي رفعت شعارات الحرية والإخاء والمساواة وتبنت مبدأ " دعه يمر دعه يعمل "، ويرتبط وجود الحرية في مجتمع ما بالوضع الاقتصادي في هذا المجتمع ، هذا الوضع الاقتصادي يقسم الناس إلى طبقات متنافسة أو متناحرة ، ولا تكاد توجد حرية مطلقة في العالم؛ لأن الحرية هي الوجه الآخر للدكتاتورية، والحرية رديف الديموقراطية، إن غابت الديموقراطية غابت الحرية والعكس صحيح .
وقد كان الماركسيون أكثر وضوحاً حين تحدثوا عن دكتاتورية الطبقة العاملة بمعنى أن الحرية كل الحرية للفقراء والكادحين ولا حرية لرأس المال المستغل، في حين منحت البورجوازية كل الحرية للطبقة الرأسمالية وتراكم رأس المال من خلال سرقة فائض القيمة، وبين هاتين الطبقتين تتذبذب الطبقة المتوسطة في مواقفها فهي أشبه بالمثل الذي يشبه الانتهازي بإبليس وبأن إبليس عين على الجنة وعين على النار.
الحرية الشخصية :
يتصور البعض أن الحرية تعني أن يتصرف الإنسان كما يحلو له دون أية ضوابط، ويتناسى هؤلاء أن الحرية تخضع للقوانين التي تفرضها الطبقة الحاكمة، والحرية تعني أن يتمكن الإنسان من إبداء رأيه دون أن يتعرض للعقاب والقمع ما لم يتجاوز حدود الحفاظ على كرامة الآخرين أفراداً كانوا أم جماعات، فحرية الرأي وتقبل الرأي الآخر يجب تشكل معلماً رئيسياً من معالم الحرية في أي مجتمع.
ولما كان الأفراد وخصوصاً الرجال يعانون من الكبت والاضطهاد في المجتمع فإنهم يعكسون ذلك على زوجاتهم وأبنائهم فتتحول الضحية إلى الجلاد تمارس ما كان يمارسه الجلاد عليها من قمع كما يرى فرانز فانون أو كما يقول المثل الفلسطيني: "الناس بتضربني وأنا بضرب مرتي ، وأنا بعون الله عليها قادر".
الأحزاب الفلسطينية والحريات :
انعكس الاضطهاد الذي مارسه الاحتلال الإسرائيلي والبريطاني قبله على سلوك التنظيمات الفلسطينية التي تقمص أفرادها وقادتها دور الجلاد لشعبها فمارست ضده كل أنواع التنكيل الجسدي والاقتصادي وصارت الضحية جلاداً تمارس على أبناء شعبها ما مارسه الجلاد عليها.
حين عقد مؤتمر مدريد ترأس الدكتور حيدر عبد الشافي الوفد الفلسطيني لمفاوضات مدريد بتكليف من ياسر عرفات وأخذ معه صوراّ توضح بشاعة جرائم الاحتلال، فما كان من الوفد الإسرائيلي إلا أن قدم صوراً لنساء شبه عاريات أو حوامل قتلن في الشوارع أو على أبواب المساجد وصوراً لرجال قتلوا باستخدام الفئوس والسكاكين مما يؤكد أن قادة وأعضاء التنظيمات لم يدرسوا سلبيات ثورة 1936 حين تحولت التنظيمات الفلسطينية إلى استخدام العنف ضد أبناء شعبها لم تتخذ هذه التنظيمات برنامجاً فكرياً يهذب مسلكيات عناصرها اعتقاداً منها أن العنف يشكل أقصر الطرق نحو تحقيق الاستقلال، ولم يدرس هؤلاء تجربة الثورة الفيتنامية وكيف تعاملت مع العملاء ولم يدرسوا كذلك تجربة الثورة الجزائرية، وقد أدت السلبيات التي مورست سنة 1936 إلى نكبة عام 1948 وأدت سلبيات انتفاضة عام 1987 إلى اتفاق أوسلو المبهم والهزيل لأن اليأس والخوف الذي دب في قلوب الناس جعلهم يقبلون بأي مخرج ولو من عنق زجاجة أوسلو؛ لأن الجميع باتوا يشعرون بالخطر حتى أن البعض وضعوا أغصان الزيتون في فوهات بنادق جنود الاحتلال التي كان حاملوها يطلقون النار منها على صدورهم العارية.

وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وقعت حركة فتح في خطأ قاتل حين تماهت مع السلطة وتطابقت معها تمام التطابق فتحملت أوزار السلطة وخصوصاً أوزار العسكر الذين مارسوا عمليات الاعتقال العشوائي وتقاضوا الرشاوى التي صارت تتضخم تدريجياً في مقابل تحقيق المواطن لمصالحه أو من أجل حصوله على وظيفة، وسأتحدث هنا عن تجربة شخصية فقد حاول أحد الضباط أن يأخذ مني رشوة ولما رفضت ... ادعى هذا الضابط في مكالمة مع الارتباط العسكري أني محسوب على الجبهة الشعبية وأنني أصور مواقع عسكرية إسرائيلية وكأنه يريد القول إنني أخطط للهجوم على موقع رقم 8 أو رقم 6 وهو يدرك أنه كاذب فما كان من ربحي عرفات إلا أن طلب منه أن يجلبني إلى موقع الارتباط العسكري غرب القطاطوة ولما رفضت أمر أحد جنوده من عائلة الأخرس والذي يعمل تنفيذية حماس بإطلاق النار علي وقد اعتذر هذا الجندي لي في نوفمبر 1909 عند برج الفرا على ما فعله معي وتبين لي أنه أحد طلابي واحتج بأنه نفذ أوامر ضابطه.

تراكمت أخطاء السلطة وتحملت فتح نتيجة هذه الأخطاء فكان الحصاد مراً فقد فشلت الحركة في الحصول على ثقة أبناء الشعب الفلسطيني الذين صوتوا تصويتاً انتقامياً ظناً منهم أن منحهم أصواتهم لطرف آخر سيخلصهم من أخطاء السلطة وبدلاً من أن يمنح الناس أصواتهم لثلاث كتل تكون متوازنة منحوا أصواتهم لحركة حماس التي سارت على درب الأخطاء الفتحاوية بسرعة الجاذبية الأرضية .
ولعل من أغرب الأمور السياسية في العالم وليس في فلسطين أن تنقلب أية حكومة على نفسها في جزء من الوطن مما أدى إلى انقسام أضر بالقضية الفلسطينية وأضعف الجبهة الداخلية الفلسطينية بعد القمع الذي مورس في حزيران عام 2007 وبعده.
بعد فوزها الساحق في الانتخابات ابتلعت حركة حماس الطعم وقبلت بتشكيل حكومة ذات لون واحد لأن جميع التنظيمات الفلسطينية رفضت المشاركة في هذه الحكومة وخصوصاً بعد أن هدد العالم الغربي وإسرائيل بمحاصرة مناطق السلطة إن شكلت حركة حماس الحكومة، ولم تستوعب حركة حماس التهديد أو لم تصدقه، وقد كان من واجبها أن تعيد الكرة إلى ملعب أبي مازن وأن تطلب منه أن يكلف شخصاً من خارج حركتي حماس وفتح بتشكيل حكومة مهنية لتطوير أوضاع الحريات في مناطق السلطة وتطوير أسس بناء دولة المؤسسات وأن يقوم ممثلو حماس في المجلس التشريعي بمراقبة أداء هذه الحكومة ومساءلتها.
والغريب أن الغرب الذي يدعي أنه ديمقراطي حر والذي طالب بإجراء الانتخابات في مناطق السلطة بعد استشهاد ياسر عرفات الذي قام بإرجاء هذه الانتخابات ربما لأنه رأى ما ستؤدي إليه هذه الانتخابات أو ما ستفرزه، الغريب أن الغرب رفض نتيجة الانتخابات ورفض حق حماس في تشكيل الحكومة الفلسطينية، وكنت أعتقد جازماً وقتها أن من حق حركة حماس أن تشكل الحكومة لأن تشكيل حماس للحكومة سيضعها على المحك العملي في مواجهة لجماهير، كما ناديت من بأن تشكل جبهة الإنقاذ المجالس البلدية في الجزائر بعد أن فازت بها بدلاً من الانقلاب عليها ومنعها من ذلك مما قاد إلى شلال دم لا مبرر له في الجزائرن وحدث الشيء ذاته في غزة، فقد حسمت حماس الأمور كما يقول منظروها وهنا لا بد من القول إن حماس كسبت غزة وخسرت نفسها وخسرت أبناء قطاع غزة الذين عانوا وما زالوا يعانون الأمرين من حجر على الحريات وقمع للرأي الآخر بدلاً من الرد على الحجة بالحجة " كما حدث مع الشاعر توفيق الحاج " وقد وصل الأمر إلى حد مصادرة بطاقات التأمين الصحي الخاصة بالعسكريين وقوات الأمن الوطني من عيادة د. منتصر صوالي ومطالبة العسكريين بالتوجه إلى أنصار وكأنهم موظفون في أجهزة حكومة غزة الأمنية مع أن علاجهم يصرف لهم على حساب السلطة من رام الله.
إن ما تقوم به حركة حماس من ممارسات يصب في مصلحة أبي مازن وخصوصاً ما قامت به سنة 2007 ، فقد جعلت حركة فتح تلتف حول أبي مازن، ولعل أهم ما سيحفظه التاريخ للرجل أنه قبل بإجراء الانتخابات وبمبدأ تداول السلطة سلمياً، لتأتي حركة حماس وتقول إن هذه الانتخابات ستوكن آخر الانتخابات وأنها حركة ربانية أي أنها وصلت الحكم في غزة بتفويض إلهي وليس بتفويض من الشعب.
إن أي تنظيم لا يمارس الحرية في داخله لا يمكن أن يمارسها في وطنه ومع أبناء شعبه وخصوصاً التنظيمات الدينية التي تتصف بالشمولية والمركزية حيث تتركز السلطة السياسية بيد الإمام والفقيه اللذين يسقطان أحكام العبادات على الأمور الدينوية، كما تنكر الأحزاب الدينية مبدأ الحرية الشخصية وتدخله ضمن دائرة الكفر.
بينما اهتمت حركة فتح بديموقراطية غابة البنادق التي نادى بها ياسر عرفات، وقد تركزت السلطة بيد رجل واحد، وبعد قيام السلطة نادت حركة فتح بإجراء انتخابات كانت أقرب إلى الديموقراطية الشكلية، وتوقف الأمر فترة عشر سنوات من عام 1996 حتى 2006 لندخل في مأزق الانقسام الذي وأد الديموقراطية والحريات االوليدة في مهدها وطمس القضية تحت ركام الفرقة والتناحر الحزبي.