منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By أماني علي الأحمري
#11066
لا تستغرب حين يوجد من بيننا كبير في جسمه وحجمه لكنه طفل في عقله وتفكيره. دعوني أسقْ لكم بعض الأمثلة التي نراها في حياتنا بين الفترة والأخرى في عالم الرجال والنساء: هل سمعتم عن رجل كبير في جسمه يزعل ويتضايق ويبتعد عمن حوله ويصاب بغمة وقلق وتوتر، وربما ييأس من حياته لا لشىء سوى أن فريقه الذي يعشقه قد خسر في مباراة ما؟ كلنا نحب الرياضة ونتابعها، وقد نتضايق بسبب خسارة فريق ما في لعبة من الألعاب. ولكن هناك فرقاً بين الضيق المبرر الذي له حدود طبيعية وبين الزعل الطفولي، الذي نراه عند بعض الرجال نتيجة فوز أو خسارة النادي في مسابقة ما.



عند النساء حالات كثيرة تؤيد فكرة الكبار الأطفال، وهناك قصص كثيرة تُروى في هذا المجال. هناك نساء يتضايقن حتى من بناتهن، لأنهن يلبسن بعض أدواتهن. وقد يكون هناك مبرر ما للاعتداء على ملكية الفرد، فكلنا يحب أن تكون له أملاكه الخاصة، ولكن أن يصل الأمر بالمرأة إلى البكاء، بل الحزن والقنوط وربما الزعل والخصام، لأن ابنتها قررت أن تستخدم بعض أدواتها، فهذه حالة تستحق فعلاً التوقف عندها. وبشكل عام نجد في عالم النساء قصصاً وحكايات تُروى عن الإفراط في الزعل والحساسية لأسباب قد لا تكون منطقية، كأن تدعو إحداهن صديقاتها لمناسبة ما وتنسى في زحمة الحياة دعوة إحداهن، وهنا تكون الطامة ولا ينفع أن تتقدم تلك المرأة بقربان الأرض كي تعذر، ماذا نسمي هذه الحساسية المفرطة؟ لا أعرف صراحة سوى أن هؤلاء الكبار رغم تقدمهم في العمر وتجاوزهم مراحل المراهقة والشباب ووصولهم إلى مستوى الرشد الذي يكون فيه الانسان في أشد قواه لكنهم في حقيقتهم أطفال من أعماق أنفسهم.

لذلك قالت العرب قديماً:

لا بأس بالقوم من طول ومن قصر/ طول البغال وأحلام العصافير.



نعم فطول الجسم وعرض القامة لا يقتضيان بالضرورة اعتدال الفكر ونمو العقل، فالعربي في بيت الشعر الماضي، يبين لنا أن الانسان لا يُقاس بطول جسمه أو قصره ما دام عقله في وزن عقل العصفور، وفي أمثالنا: "الطول طول نخلة والعقل عقل سخلة"، بمعنى أن الطول كأنك تنظر إلى نخلة، لكن العقل هو عقل الماعز أجلَّكم الله. وفي القرآن الكريم يصف الله تعالى البعض بقوله، "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة". فما الذي يوصل الإنسان إلى مثل هذه الحال، هناك عوامل كثيرة منها: اعتقاد البعض أن النمو الجسمي المادي، والذي يحصل بالتغذية المناسبة وشيء من الرياضة، يتزامن معه نمو تلقائي في نفسية الإنسان وعقله. وهذا الاعتقاد أدى بالبعض إلى إهمال عقولهم وعدم توجيه أي نوع من الرعاية لها. وفي حقيقة الأمر، فإن العقل بحاجة إلى رياضة كي ينمو ويتفتح وينشط، وإلا فإنه يبقى متخلفاً عن النمو الجسمي.


ومن الاعتقادات الخاطئة عند البعض، والتي أدت إلى إهمال تنمية العقل لديهم، أن المدرسة والجامعة، وما تقدمهما للإنسان من مناهج ومواد دراسية تمثلان التربية النظامية للعقل البشري. وحقيقة الأمر أن كثيراً من العقلاء استفادوا من التربية النظامية إلا أنها لم تكن هي العامل الوحيد في التنمية العقلية للإنسان، فهناك فرق بين من يدرس وهو يعلم لم هو كذلك، وآخر يذهب إلى المدرسة أو الجامعة ويسجل مجرد الحضور الجسدي دون العقلي. نعم ففي مدارس اليوم يصدق علينا قول العربي: وإطراق طرف العين ليس بنافع/ إذا كان طرف العقل ليس بمطرق.