منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#1105
الأدب الحديث في المملكة العربية السعودية

1- بداية النهضة
اقترنت بداية النهضة في بلادنا بقيام الإمام محمد بن عبد الوهاب بدعوته المباركة سنة 1157هـ، ذلك أن البلاد العربية والإسلامية بعامة كانت في ذلك التاريخ قد وصلت إلى مرحلة من الانحطاط الأخلاقي والديني يرثى لها، حيث فشا التوسل بالصالحين، والتقرب إلى الله بهم، وببعض الأشجار والأحجار وما إليها مما زينته نفوس الأشقياء ودعت الناس إليه. وفشا الزنا والربا، وكثير من المفاسد التي حرمها الإسلام، فجاءت دعوة الإمام لتأخذ لأيدي الناس قد وهدتهم الدينية والخلقية، وكان لا بد لدعوة الإمام من سلطان يؤيدها ويشد من أزرها فأكرم الله الإمام محمد بن سعود بهذا الشرف فجعل سلطانه دعما للشيخ ودعوته المباركة.
وكانت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب أول دعوة تقوم في العالم العربي والإسلامي في العصر الحديث ومن هنا تأسى بها كثير من المصلحين في العالم العربي والإسلامي، غير أنه لم يقيض لأحد منهم نصير من الزعماء، ولذا لم يكن لدعوتهم من الأثر مثل ما كان لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
تم جدت ظروف سببها تكالب الأعداء على الدولة السعودية الأولى فعاقت تطور النهضة وارتقاءها حتى وحد الملك عبد العزيز أجزاء البلاد قبيل منتصف القرن الرابع عشر للهجرة.

2- تأثير دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في الأدب:
أ- التأثير العام: لقد قامت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب من أجل إصلاح ما فسد من حال المسلمين، وكان من الطبيعي أن يكون البدء بأمور الدين والسياسة لأن ذلك هو الأساس لصلاح أحوال الناس.
ولم يلتفت رجال الدعوة إلى شؤون الأدب، إلا ما كان من أمر الخطابة على ما ستعرفه إن شاء اللّه. غير أن الأدب أبى إلا أن يشدو بذكر الدعوة، ويحدو في مواكبها فوجدنا أصداءها تتجاوب في بلاد المسلمين لا في جزيرة العرب وحدها بل فيما نأى من ديار الإسلام كالهند ونيجيريا وفارس.
وكان من طلائع العلماء الذين تغنوا بذكر الدعوة وزعمائها الإمام محمد بن الأمير الصنعاني صاحب القصيدة المشهورة:
وَإِنْ كَانَ تَسْلِيْمي عَلَى الْبُعْدِ لا يُجْدِي سَلامِي عَلَى نَجْدٍ وَمَنْ حَلَّ في نَجْدِ
حِمَاهَا وحيَّاهَا بِقَهْقَهةِ الرَّعْدِ لقد صدَرَتْ من سَفْحِ صَنْعا َسقَا الحَيَا
ولا نستطيع أن نطيل الحديث عن أثر دعوة الإمام خارج البلاد السعودية لاحتياج مثل هذا الحدث إلى الاستشهاد وبسط الحديث زد على ذلك أنه ليس من موضوعنا.

ب- تأثير الدعوة في أدب الجزيرة:
1- في الخطابة: كانت الخطابة من أهم وسائل الشيخ الإمام في دعوته ولذا وجدنا أثر الدعوة فيها يظهر مبكراً، ولعل مرجع ذلك أن الإمام نبذ الخطب القديمة لما فيها من تكلف وتصنع، وغلو ومبالغات، ثم صار إلى خطب جديدة أنشأها لنفسه رحمه الله، على ما ستعلمه مستقبلا.
واتصل أثر الدعوة في الخطابة فلما انفرط عقد الدولة السعودية الأولى سكنت ريح الخطابة وبقي الناس يرددون خطب الإِمام، وآخرون رجعوا إلى المدونات القديمة، حتى جاء منتصف القرن الرابع عشر فبدأت الحياة تدب في الخطابة من جديد وعاد تأثير الدعوة إلى أخذ مكانه في الخطابة.
2- فْي الكتابة: وما يقال عن الخطابة يقال عن كتابه التأليف التي صحبت الدعوة من بدئها واتصلت حياتها حتى في فترات ضعف الدولة السعودية الأولى والثانية. أما الكتابة الأدبية وكتابة الديوان، فقد تأخر أثرها فيهما إلى منتصف القرن الرابع عشر للهجرة.
3- في الشعر: كان الشعر أسرع الفنون الأدبية- بعد الخطابة- إلى الاستجابة للدعوة والتأثر بها.
وكان في الطليعة من الشعراء الإمام محمد بن الأمير الصنعاني وكذلك الشيخ حسين بن غنام الذي كان من المعاصرين للإمام محمد بن عبد الوهاب وأخذ عنه ودرس عليه ثم جلس لطلاب العلم في جامع الدرعية في علم النحو والصرف والعروض وعلوم أخرى، وكان شاعرا فأقبل على تأييد الدعوة بشعره ينظم في مدحها ومدح زعمائها، وفي ذم أعدائها.
وكان جنوبي البلاد مسرحا لمذاهب وطرق، وكان من أبرزها مذهب الصوفية والباطنية ونحوها، وكان فيه من العلماء من عرفوا بصلاحهم وإخلاصهم لدينهم ولذا لم يكد يسمع هؤلاء بالدعوة حتى استجابوا لها وعملوا على نشرها، فكان أن قضى على بعض الطرق والمذاهب مثل الصوفية، وأضعف بعضها وتقلص ميدانه مثل الباطنية.
ومن أهم هؤلاء العلماء آل حفظي الذين أقبلوا على تأييد الدعوة وأخذوا ينظمون الأشعار في تأييدها وتأييد زعمائها.
غير أن تأثير الدعوة كان في الأغراض والموضوعات والفكر، أما في اللغة والأسلوب فإن ذلك قد تأخر فترة من الزمن حتى ظهر أحمد بن مشرف، وعبد اللطيف بن عبد الرحمن ثم من بعدهم الأسكوبي وعبد العزيز المبارك وابن عثيمين وابن بليهد، فبدأ أثر الدقة في لفظ الشعر وأسلوبه وطريقة صوغه وحبكه.
ومن العلماء الذين كانت مؤلفاتهم معرضاً لتأثير الدعوة في الشعر والكتابة الشيخ
سليمان بن سحمان الذي وقف نفسه وقلمه في سبيل الدعوة ورجالها مثنياً عليها أو ذابا عنها وعن علمائها طاعنا في صدور أعدائها بنقض ما أبرموا في ذم الدعوة ورجالها. ومن أقوالهم في هذا الميدان قول ابن غنام في رثاء الشيح الإمام.
ولَيْس إِلى غَيْر المهيْمن مفزعْ إِلَى اللهِ فِي كَشْفِ الشًدائِدِ نفْزَعُ
وقول محمد بن أحمد الحفظي.
فعَمً حيَاهُ الكَوْنَ في الغوْر والنجْد تَأَلقً بَرْقً الْحَق فِي العارِض النًجْدي
وأخيرا قول ابن عثيمين فيمن ذم مؤلفات ابن سحمان:
تَجَلًتْ فأَجْلتْ ظلْمةَ الهَزْل وَالجذَ شُمُوْس مِنَ التًحقيق فِي طَالعِ السَّعْدِ
بِأَعْنَاق أَهْلِ الزيغِ مًرْهَفة الحدً قَواطِعُ مِنْ آي الكتابِ كأنها
واستمر أثر الدعوة في شعر الشعراء متمثلاً في نزوعهم إلى شريف المعاني والألفاظ وترفعهـم عن ساقطها، وهذا حكم ينطبق على شعراء المملكة إلا من ندر.
4- في الكتابة الفنية: قبل منتصف القرن الرابع عشر للهجرة لم يكن هناك من الكتابة الفنية إلا ما يمكن أن يلحق بها من رسائل إخوانية أو بعض النماذج اليسيرة النادرة جدا مثل المقامة الضمدية لأديب الجنوب الحسن به علي البهكلي.
ولم يختلف تأثير الدعوة في هذه النماذج عنه في الشعر من حيث إن تأثيرها كان ظاهرا في الموضوعات.
وفي عام 1340هـ بدأ تأثير الآداب الغربية والأدب المهجريَ يظهر في إنتاج بعض الأدباء حيث علق بأقلامهم شيء من شطحات أولئك.
غير أن أثر الدعوة استطاع أن يتغلب على التيارات الوافدة، واستطاع أن يحفظ على الكتابة الفنية سموها لفظاً ومعنى، يستوي في ذلك المقالة والقصة وغيرها ولذا لا تجد فيما كتب أدباؤنا سقوطاً لفظياً أو فكريَاَ، قد تلحظ شيئا من ذلك فيما نشر بعد عام 1390هـ تقريبا، فلعلها غفلة تنتهي، أو لعلها نزوة تنطفئ.
بواعث النهضة المعاصرة في المملكة

1- البواعث تاريخية:
أ- دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.

ب- فتح الرياض وضم الأحساء.

جـ- ثورة الشريف حسين بن علي.

د- توحيد المملكة العربية السعودية.

2- بواعث تثقيفية:
أ- التعليم.

ب- الطباعة.

جـ- الصحف والمجلات.

د- الكتب والمكتبات.

هـ- البعثات والانفتاح على الآداب الأخرى.

و- الإذاعة المسموعة والمرئية.


1- البواعث التاريخية

أ- دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

كانت الجزيرة العربية قد عادت إلى كثير من مظاهر الجهل وذلك نتيجة انصراف الحكومات العربية والإسلامية عن العناية بمنبع الإسلام والعربية (جزيرة العرب) ثم تسلط الأعاجم أحياناً على مقاليد الأمور فيها.
وصار لابد من وجود زعيم مؤمن مخلص يأخذ بأيدي الناس ليوجههم إلى السبيل الأمثل في أمور دينهم ثم دنياهم.
ولقد أكرم الله الإِمام محمد بن عبد الوهاب بأن جعله ذلك الرجل المنتظر فقام بدعوته سنة 1157هـ وطبيعي أن يكون الأدب من أهم وسائل الدعوة وبخاصة الخطابة والشعر، وطبيعي أيضاً أن تكون الدعوة من العوامل الهامة في النهضة الأدبية لكونها من أهم المؤثرات في بعث الفكر السليم وحسب وإنما لكونها باعثة على الإبداع في سبيل القول: مجال الشعر والنثر.

ب- فتح الرياض:

في سنة 1319هـ استطاع الملك عبد العزيز رحمه الله أن يستعيد عاصمة الدولة السعودية الثانية (الرياض).
وفي عام 1331هـ استعاد الأحساء والمناطق الشرقية من المملكة من أيدي الأتراك، بعد أن بسط نفوذه على كثير من أجزاء نجد، ولما لهذين الإنتصارين من أثر بالغ فإنهما جديران بأن يعدا من عوامل النهضة وبخاصة أن التدريس في المساجد والمدارس " الكتاتيب " نشط بعدهما نشاطاً ملحوظا لما أفضيا إليه من أمن واستقرار.

جـ- ثورة الشريف حسين بن علي واستقلال الحجاز عن الأتراك:

وفي عام 1334هـ استطاع الملك حسين بن على أن يستقل بالحجاز عن الأتراك الذين ساءت سياستهم للبلاد التي حكموها وبخاصة حين تشددوا في إنفاذ مناهج التتريك، غير أن الملك حسين لم يكن موفقاْ في بعض أعماله وبخاصة حين شدد الرقابة على الصحف، ولو لم يكن من نتائج الاستقلال عن الأتراك إلا عودة اللغة العربية إلى الدواوين والصحف والتدريس، لكان كافياً بأن يعد من عوامل النهضة.

د- توحيد المملكة:

في عام 1345هـ كان الملك عبد العزيز- رحمه الله- قد فرغ من توحيد أجزاء المملكة وصار يطلق عليه [سلطان نجد والحجاز وملحقاتهما] وفي سنة 1351هـ أطلق على البلاد اسمها الحالي "المملكة العربية السعودية". ومنذ دخل الملك عبد العزيز الحجاز سنة 1343هـ والحركة الفكرية تنتقل من نشاط إلى نشاط، حيث جد افتتاح المدارس هنا وهناك، وصدرت صحيفة أم القرى التي فتحت صفحاتها لأقلام الكاتبين بعد أن رفعت القيود المفروضة على الصحافة.
وبدأ تطوير مطبعة أم القرى، ويعد أهم الأحداث التاريخية في حياة الأدب بخاصة والفكر بعامة إلا ما كان من أمر دعوة الإمام فإن أثرها أعم وأشمل.

2- البواعث التثقيفية

أ- التعليم

أولا:- قبل العهد السعودي:
أ- كانت الدولة التركية قد أنشأت مدارس هزيلة في مكة والمدينة وجدة، زد على ذلك أنها فرضت اللغة التركية على التعليم كما فرضتَها في الصحافة والدواوين، وكاد اللسان العربي أن يستعجم في مهبط الوحي.
ب- وفي عام 1291هـ حجت امرأة هندية وأرادت أن يكون لها في مكة عمل يخدم الإسلام والمسلمين وكان الاستياء من عمل التتريك قد بلغ من نفوس الحجازيين مبلغا جعلهم يشيرون على هذه المرأة بافتتاح مدرسة تعلم باللغة العربية فاشترت أرضا أقامت المدرسة عليها وعينت الشيخ محمد بن خليل الرحمن مديرًا لها كما وظفت عددا من المدرسين العرب والهنود المستعربين وأجرت لهم مرتبات طيبة وبدأت المدرسة عملها في سنهَ 1292هـ وتسمى (الصولتية).
جـ – وأحس العلماء بنجاح تلك المدرسة ولذا قام أحد مدرسيها [عبد الحق قاري] بالدعوة إلى التبرع لإنشاء مدرسة أخرى فتم له ذلك وافتتحت المدرسة الفخرية سنة 1296هـ وفى عام 1323هـ قام أحد تجار اللؤلؤ محمد علي زينل بإنشاء مدرسة في جدة سماها مدرسة الفلاح ثم افتتح لها فرعين سميا باسمها أحدهما في مكة المكرمة والثاني في بومباي بالهند، وكان ينفق على هذه المدارس من ماله حتى أصيبت تَجارته بجائحة اضطرته إلى أن يقبل التبرعات للإنفاق على هذه المدارس.
وقد بقيت هذه المدارس تعمل في الحجاز حتى جاء العهد السعودي فاندرجت في وزارة المعارف خلا الصولتيه.
د- وحين استقل الملك حسين بالحجاز خلص التعليم من سيطرة اللغة التركية كما خلص الصحف ودواوين الحكومة وكان بمثابة الممهد للأعمال الجادة التي تمت بعد ذلك في العهد السعودي.

ثانياً:- في العهد السعودي:
أ- حين استتب الأمر للملك عبد العزيز في الحجاز سنة 1344هـ أمر في السنة نفسها بإنشاء إدارة المعارف التي شرعت في افتتاح المدارس الابتدائية في كافة أنحاء البلاد، وكانت الظروف المالية غير ميسرة ولذا تأخر إنشاء المعاهد السعودية إلى عام 1354هـ وكان الغرض من هذه المعاهد إيجاد نخبة من الشباب يسدون احتياجات الحكومة إلى الموظفين.
ب- وفي عام 1355هـ افتتحت مدرسة تحضير البعثات بمكة كما افتتحت مدارس مماثلة في المدن الأخرى وكان الهدف منها تهيئة مجموعات من الشباب يبتعثون للخارج للدراسة، وتحولت هذه المد ارس إلى مد ارس ثانوية ومتوسطة سنة 1369هـ.
جـ- وفي عام 1363 هـ أمر الملك عبد العزيز بإنشاء دار التوحيد بالطائف وجمع طلابها من المدارس الابتدائية المختلفة وكان الغرض منها إعداد شباب يهيؤن للتوسع في علوم الشريعة واللغة.
د- وفي سنة 1371 هـ افتتح المعهد العلمي بالرياض وكانت تشرف عليه إدارة تسمى الرئاسة العامة للكليات والمعاهد وهى نواة جامعة الإِمام محمد ابن سعود الإِسلامية وقد افتتحت هذه الرئاسة ثم الجامعة معاهد بلغ عددها 58 معهدا منبثة في مدن المملكة ومنها خمسة خارج البلاد.
هـ- وقبل ما ينيف على 35 عامًا بدأ إنشاء المدارس العسكرية بقيام أول مدرسة بالطائف ثم انبثت المدارس العسكرية في أهم مدن المملكة، كما أنشئت بعض المعاهد الفنية والمهنية قبل ما ينيف على 20 عاما.
و- أما تعليم البنات فقد بقي ممثلاً في مدارس خاصة تقيمها بعض النسوة في بيوتهن ويقصرن الاهتمام فيها على أمور الدين، ثم ما يتعلق بطبيعة المرأة كالتدبير المنزلي ونحوه، ولم تتبنّ الحكومة تلك المدارس إلا حين افتتحت مدارس تعليم البنات سنة 1379هـ وكان الإقبال عليها منقطع النظير ولذا كان التوسع في افتتاح المدارس سريعاً حمَى باتت تساير مدارس البنين.
ز- أما التعليم الجامعي فإن أول كلية افتتحت في المملكة كانت في عام 1369هـ وهى كلية الشريعة واللغة بمكة المكرمة.
وفي عام 1373هـ افتتحت كلية الشريعة بالرياض وفي العام الذي يليه افتتحت كلية اللغة العربية بالرياض أيضا، وكانتا تابعتين للرئاسة العامة للكليات والمعاهد وهي نواة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، التي أخذت شكلها الرسمي بهذا الاسم عام 1395هـ وافتتحت فيها كلية أصول الدين وكلية العلوم الاجتماعية والمعهد العالي للدعوة، وكان قبل ذلك كلية الشريعة وكلية اللغة والمعهد العالي للقضاء.
ثم افتتحت فروعاَ لها في بريدة وأبها والأحساء.
وفي عام 1377هـ افتتحت جامعة الملك سعود بالرياض واستقبلت الطلاب في كلية الآداب ثم شرعت في إنشاء الكليات الأخرى حتى اكتملت فيها جميع الكليات خلا كلية الحقوق، لعدم الاحتياج إليها في بلاد تحكم بشريعة الإسلام، كما افتتحت كليات خاصة للبنات في بعض التخصصات.
وفي عام 1381هـ افتتحت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وجل اهتمامها بغير السعوديين.
وفي عام 1387هـ أنشئت جامعة الملك عبد العزيز بجدة وضمت إليها كلية
الشريعة واللغة بمكة المكرمة، وكانت تابعة لوزارة المعارف وتشتمل على عدد من الكليات كالآداب والتجارة والتربية والطب وبها دراسات للبنات.
وفي عام 1383هـ أنشئت في الدمام كلية البترول والمعادن ثم حولت إلى جامعة البترول والمعادن عام 1395هـ.
وفي عام 1394هـ أنشئت في الدمام والأحساء جامعة الملك فيصل.
أما آخر جامعة أنشئت في المملكة فهي جامعة أم القرى سابعة الجامعات السعودية ومقرها مكة المكرمة وقد ضمت إليها كليتا الشريعة والتربية وكانتا تابعتين لجامعة الملك عبد العزيز بجدة.
كما أنشئت الكليات العسكرية مثل كلية الملك عبد العزيز الحربية وكلية الملك فيصل الجوية وكلية الملك خالد العسكرية وكلية الملك فهد الأمنية.
كما أنشأت وزارة المعارف كليات متوسطة الغرض منها تخريج مدرسين أكفاء بالمراحل الأولى للتعليم ولا يزال التعليم في المملكة يتقدم بخطوات واسعة ثابتة تحوطها عناية اللّه ثم عناية جلالة الملك فهد أول وزير للمعارف.

ب- الطباعة:

لم تجد الطباعة طريقها إلى جزيرة العرب إلا في عام 1294هـ حيث أسست الدولة العثمانية مطبعة في صنعاء أما في الحجاز فإن أقدم مطبعة أسست في عام 1300هـ أسستها الدولة التركية لطباعة الكتاب السنوي الذي كانت تضمنه أخبار الحجاز وأحداثه وأموراً تتصل بالبلاد والسكان وترجمة اسمه (الوقائع السنوية لولاية الحجاز) وقد طبع في هذه المطبعة بعض من كتب التراث وهي قليلة ومنها (ديوان على بن المقرب العيوني) الذي طبع سنة 1301هـ، ثم أسست جمعية الاتحاد والترقي في جدة مطبعة لطبع صحيفتها سنة 1327هـ ثم أسس بعض المساهمين مطبعة في جده سموها مطبعة الإصلاح سنة 1327هـ، أما أول مطبعة في المدينة المنورة فقد أسسها الشيخ كامل الخجا سنة 1329 هـ.
وفي عام 1335هـ أسس الأتراك في المدينة مطبعة لطبع جريدة الحجاز، ثم استعادوها في العام نفسه إلى الشام عن طريق الخط الحجازي.
وفى عام 1346هـ أسس أحمد الفيض أبادي وعبد الحق النقشبندي مطبعة الفيحاء، وفي عام 1347هـ أسس محمد صالح نصيف وأرباب المكتبة السلفية مطبعة كاملة بجدة، وقد عنيت الحكومة السعودية بالمطبعة في مكة واستقدمت لها أدوات ومعدات كثيرة، وحرصت على تطويرها وسمتها مطبعة (أم القرى) وهو اسم الصحيفة الرسمية.
ولكي تضمن الحكومة استمرار المطبعة في أداء رسالتها فقد أرسلت إلى مصر بعثات متتابعة لدراسة فن الطباعة، ومعمل الطوابع والزنكوغراف، والتجليد واستمرت هذا المطبعة في طبع التراث إلى جانب عملها الأساسي وهو طبع صحيفة " أم القرى ".
أما أول مطبعة قامت في الرياض فإنها مطابع الرياض التي دعا إلى إنشائها الأستاذ حمد الجاسر فأقبل الناس على الاكتتاب فيها وافتتحت سنة 1374هـ ثم اتصلت حركة الطباعة في البلاد حتى بات الآن في كل جامعة مطبعة خاصة بها ولكل مجلة أو صحيفة في مصلحة أو مؤسسة مطبعة وكثرت المطابع التجارية في جميع المدن الأمر الذي يسر عملية النشر، وقرب الكتاب من أيدي القراء.

جـ- الصحف والمجلات:

1- قبل العهد السعودي:
تعد الصحف أهم الوسائل التثقيفية بعد المدارس، بل ربما كان لها من الشأن ما ليس لغيرها، ولقد بقيت بلادنا محرومة من الصحف حتى انقضى الربع الأول من القرن الرابع عشر للهجرة وكانت الدولة التركية قد منعت دخول الصحف العربية إلى الحجاز ويعد عام 1326هـ أول عهد الحجاز بالصحف والمجلات، فلقد صدرت في العهد التركي ست صحف هي.
1- الحجاز سنة 1326هـ وصدرت بمكة.
2- شمس الحقيقة وصدرت بمكة أيضًا سنة 1327هـ
3- وفي السنة نفسها صدرت الإصلاح الحجازي بجدة
4- وصدرت صفا الحجاز في سنة 1327هـ بجدة
5، 6- في السنة نفسها صدرت بالمدينة المنورة صحيفتان:
أ- الرقيب ب- المدينة المنورة
وكانت كلها تصدر بوجهين عربي وتركي وكانت صحيفة الحجاز هي الصحيفة الرسمية للولاية وكان بعضها جناية على الحجاز كشمس الحقيقة التي كرست نفسها للعمل على تتريك الحجازيين، وفى عام 1334هـ انتهى العهد التركي في الحجاز. وتم تعريب الصحف وصدرت في العهد الهاشمي ثلاث صحف هي (القبلة) و(الفلاح) و(بريد الحجاز) وكان بعضها لا يزيد عمره على سنة أو تقل.

2- في العهد السعودي:
عرفت الحكومة السعودية ما للصحافة من شأن في حياة المجتمعات ولذا أولتها كبير الاهتمام سواء من حيث الإنشاء، أو من حيث تهيئة الجو المناسب لنموها وتأثيرها، وأول عمل قامت به رفع القيود والرقابة المفروضة على الصحف.
ثم قامت في الوقت نفسه في سنة 1343هـ بإنشاء صحيفة (أم القرى) في مكة المكرمة وكانت الصحيفة الرسمية للدولة ولا تزال، وقد فتحت صحيفة أم القرى صدور صفحاتها للكاتبين في شتى مجالات الحياة وبخاصة الأدب، وظلت كذلك حتى كثرت الصحف والمجلات وزحمت أعمال الحكومة وبياناتها صفحات الصحيفة فوقفت نفسها على هذا الميدان الأخير.
وفي سنة 1347هـ صدرت بمكة مجلة (الإِصلاح). ثم صدرت (صوت الحجاز) في جدة سنة 1355هـ.
وفي عام 1355هـ صدرت مجلة (المنهل) وصحيفة (المدينة)، تم تتابع صدور الصحف والمجلات في المنطقة الوسطى والشرقية ومنها "اليمامة" التي أصدرها الشيخ حمد الجاسر سنة 1372هـ وكانت مجلة شهرية تم أسبوعية تم صدرت صحيفة وعادت إلى مجلة أسبوعية. وفي الظهران صدرت (أخبار الظهران) عام 1374هـ. تم صدرت صحف ومجلات كثيرة منها صحيفة (القصيم).
وقد كثر إصدار الصحف والمجلات في الفترة الواقعة لين 1370هـ- 1383هـ حيث بلغ مجموع ما صدر 33 صحيفة ومجلة، وبدأت الأهداف والأغراض الشخصية توجه بعض الصحف وجرت منافسة غير موجهة فوجدت الحكومة نفسها مضطرة لأن تعمل شيئا ينقذ الصحافة مما تردت فيه، فصدر الأمر بدمج الصحف والمجلات في ثماني مؤسسات هيْ:
1- مؤسسة البلاد للصحافة والنشر وتصدر عنها لآن جريدة [البلاد اليومية] ومجلة اقرأ.
2- مؤسسة الجزيرة للصحافة وتصدر عنها الآن صحيفتان يوميتان: الجزيرة والمسائية بالرياض.
3- مؤسسة الدعوة الإسلامية وتصدر عمها الآن مجلة الدعوة الأسبوعية بالرياض
4- مؤسسه عكاظ الصحفية وتصدر عنها الآن جريدة عكاظ اليومية بجدة.
5- مؤسسة المدينة وتصدر عنها الآن جريدة المدينة اليومية بجدة.
6- مؤسسة مكة للصحافة وتصدر عنها الآن جريدة الندوة اليومية بمكة المكرمة.
7- مؤسسة اليمامة للصحافة وتصدر عنها الآن جريدة الرياض اليومية بالرياض ومجلة اليمامة الأسبوعية.
8- مؤسسة اليوم للصحافة وتصدر عنها الآن جريدة اليوم اليومية بالدمام.
واستثنيت من ذلك بعض المحلات الخاصة مثل (المنهل) ثم رخص لمجلات أخرى من أهمها [المجلة العربية] و[الفيصل].
وهناك مجلات ذات صبغة تخصصية تصدرها المعاهد والكليات وبعض المؤسسات الحكومية من أهمها مجلة الدارة.
ومما تصدره كليات جامعة الإمام محمد بن سعود مجلة كلية اللغة العربية ومجلة كلية الشريعة ومجلة مركز البحوث ومجلة (هذه سبيلي) التي يصدرها المعهد العالي للدعوة الإسلامية بالرياض ومجلة كلية أصول الدين- ومجلة كلية العلوم الاجتماعية.
وعلى أي حال فإن الصحافة في المملكة تقوم بدور مهم في التوجيه السليم للرأي العام بعامة والسعودي بخاصة وهي في مجملها تنطلق من منطلق إسلامي وقد يشوه بعض صفحاتها شيء من التساهل في أمور الدين واللغة والأدب ويقيننا أن هذا مرض عارض ستبرأ منه إن شاء الله.

د- الكتب والمكتبات:

لا جدال في أن المكتبات العامة من أهم وسائل التثقيف، ولقد عرف العرب ذلك فسعوا إلى تأسيس خزائن الكتب في المساجد كما تنافسوا في اقتناء الكتب فكثرت خزائن الكتب الخاصة، وأقدم ما نعرفه من خزائن الكتب في بلادنا خزانة الكتب في الحرم المكي الشريف التي أسست في القرن السادس بأمر من نور الدين بن صلاح الدين الرسولي.
أما أول بناء لمكتبة الحرم فكان بأمر من السلطان العثماني عبد الحميد غير أنه توفي قبل الفراغ منها وصارت مكتبة الحرم تنمو بالهبات والإهداء، وكان بعض العلماء يوصىِ بمكتبته لها وآخر ما ضم إليها مكتبة محمد رشدي والي الحجاز.
وفي المدينة المنورة كانت مكتبة الشيخ عارف حكمت وهي أكبر مكتبة بها، ثم مكتبة الحرم النبوي و قد منيت هذه المكتبات بسرقات وآفات قضت على كثير من محتوياتها وكانت هناك أسر في أنحاء البلاد اشتهرت بكثرة العلماء فيها كما اشتهرت بعض خزائن الكتب لديهم ومن هؤلاء آل عبد القادر، وآل المبارك، والملافي المنطقة الشرقية وآل حفظي في الجنوب، أما خزائن كتب أئمة الدعوة وعلماء نجد فقد انبثت في أنحاء البلاد، وذكر (فلبي) من خبرها ما ذكر ومن أهمها مكتبة الشيخ حمد بن فارس بالرياض.
وحين جاء العهد السعودي عني بالمكتبات عناية فائقة تمثلت في تنظيم المكتبات القديمة وصيانتها، ثم إنشاء المكتبات الجديدة.
ومن طلائع المكتبات في العهد السعودي المكتبة التي أسسها في مدينة عنيزهَ الشيخ عبد الرحمن بن سعدي سنة 1359هـ، تم مكتبة الأمير مساعد بن عبد الرحمن التي أسسها في مدينة الرياض سنة 1364هـ وفتح أبوابها للمرتادين وفي سنة 1372هـ أمر ولي العهد آنذاك الملك سعود رحمه الله بإنشاء مكتبة عامة في مدينة الرياض وأسند الإشراف عليها إلى الشيخ محمد بن إبراهيم وقد حوت من نفائس الكتب ما جعلها فريدة في بابها ثم أنشئت دار الكتب بمدينة الرياض وأنشئت مكتبات عامة في كل مدينة من مدن المملكة كما عمدت وزارة المعارف إلى تأسيس مكتبة في كل مدرسة.
وأهم المكتبات في المملكة في عصرنا هذا ثلاث: المكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد ابن سعود، والمكتبة المركزية بجامعة الملك سعود، والمكتبة المركزية بجامعة الملك عبد العزيز، وفي كل كلية ومعهد مكتبة تستطيع إمداد الدارس بحاجته.

هـ- البعثات:

حين فرغ الملك عبد العزيز من توحيد البلاد بدأت الحكومة السعودية تعمل على رفع المستوى الفكري لأبناء هذه البلاد فجدت في افتتاح المدارس كما علمت، لكن كان لابد للتعليم من أن يبني على أسس سليمة وأن يوجه توجيهاً سليماً يستفيد من الحكمة أنى وجدت، وأن يكون هناك من الرجال من يكفي للقيام بهذا الأمر، فأنشأت الحكومة مدرسة تحضير البعثات وجعلت مهمتها تخريج أفواج من الشباب يبتعثون للخارج.
وأول فوج ابتعث كان إلى مصر سنة 1361هـ.
ثم وسعت الحكومة ميدان مصادر الابتعاث فصارت تبعث من خريجي المعاهد السعودية ثم الثانويات بعد تحويل تحضير البعثات إلى ثانويات، وكانت تلك الأفواج
من المبتعثين تعود فتسهم في النهضة بعامة ونهضة التعليم بخاصة. ولا تزال البعوث مستمرة بشكل أوسع بكثير، غير أن ملاحظة التخصصات صار من أهم الأهداف في هذا الميدان، ثم قصرت الحكومة البعثات على الدراسات العليا لما لوحظ من سلبيات كثيرة، ولتوفر الجامعات في بلادنا حتى يتم الاكتفاء التام إن شاء الله.

و- الإذاعة والتلفاز:

تعد الإذاعة والتلفاز من المنجزات العلمية المتأخرة ومع ذلك فإن تاريخ بدئها في بلادنا يعد متقدما نسبياً حيث افتتحت الإذاعة السعودية سنة 1368هـ وكانت في بدايتها تبث في زمن محدد ظل ينمو حتى صار يغطى معظم ساعات الليل والنهار وكانت الإذاعة عند افتتاحها مقصورة على تلاوة القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ثم الأخبار وبعض الأحاديث الدينية والثقافية.
ثم صارت تقدم فيها بعض التمثيليات الهادفة، والبرامج المتنوعة وظلت برامج الإذاعة تنمو حتى صارت تشتمل على كثير من البرامج التي تتناول جوانب الحياة المختلفة وصار البث فيها يغطي أنحاء العالم، إذ باتت في أيامنا هذه من أقوى الإذاعات العالمية وصارت تذيع بلغات أوربية وآسيوية وأفريقية مختلفة، وحين ظهر التلفاز أسرعت وزارة الإعلام إلى بناء محطات له ظلت تقويها حتى صارت شبكته تغطي أنحاء البلاد.
ومما يرجى للإذاعة والتلفاز في بلادنا أن تجعل مهمتها الأساسية بناء المجتمع وخدمة الفكر الإِسلامي وهذا ليس بغريب على إعلام بلاد جعلها اللّه مركز القيادة الإسلامية.
الاتجاهات الشعرية في الأدب السعودي

أ- نشأة الشعر السعودي:
علمنا ما كان لجزيرة العرب من رصيد شعري ضخم في العصر الجاهلي والعصور الأولى من تاريخ الإسلام، ثم مرت البلاد بفترات مظلمة أقوت فيها ربوع الآداب وصوحت رياض الفكر، وفي منتصف القرن الثاني عشر للهجرة بدأت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب فسار الشعر في موكبها سيرا متحفظا. فما خلاصة حياة الشعر ومسيرـته في هذه البلاد في عصرها الحديث؟
يمكننا أن نقسم حياة الشعر إلى ثلاثة أقسام هي:
1- مقدمات النهضة الشعرية من 1157هـ- 1300هـ
2- بداية النهضة من 1301هـ-1343هـ
3- عصر النهضة من 1343هـ إلى هذه الأيام.

1- مقدمات النهضة الشعرية من 157 ا هـ- 1300 هـ:
عندما قام الإمام محمد بن عبد الوهاب بدعوته المباركة وسعى إلى إصلاح المجتمع لم يكن الإصلاح الأدبي من أهدافه الأولى، ولذا بقي الشعر في بداية الأمر على ما هو عليه من تقاليد في اللغة والتصوير والأداء ولم يكن تقليدهم يتجاوز العصور العثمانية والتركية.
أما الموضوعات فإن الدعوة قد غيرت فيها تغييراً كبيراً وجعلتها تعالج قضايا الإسلام وعلومه، وذكر زعماء الدعوة من طريق مدح الأحيِاء ورثاء من يموت منهم ونحو ذلك مما عالجه الشيخ حسين بن غنام وغيره في شعره وكان الشعر في الجنوب يعكف على الاتجاهات الصوفية والطرق المذهبية فاستنقذتة الدعوة من ذلك وجعلته يساير عقيدة السلف الصالح، وذلك ما تقرؤه في شعر (آل حفظي) وأمثالهم، غير أن صفة النظم كانت تطغى على شعر الشعراء في تلك الفترة حتى ظهرفي القرن الثالث عشر جيل من شعراء العلماء، أمثال الشيخ أحمد بن مشرف، والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، والشيخ عبد العزيز بن طوق، الذين استطاعوا أن ينزعوا بالشعر في لفظه وأسلوبه منزعا جديدا من حيث مخالفته لشعر طبقة ابن غنام واتجاهه إلى مسايرة شعر الفحول في أيام المماليك، في حين أن طبقة ابن غنام كانت تحاكي شعراء العصر التركي المتأخر.
وكانت الحركة الشعرية في هذا القرن تبدو أظهر في الأحساء ثم الجنوب ثم نجد والحجاز غير أنها حركة تقليدية على أي حال.

2- بداية النهضة من سنة 1 130هـ-1343هـ:
في مطلع النصف الأول من القرن الرابع عشر للهجرة برز في الميدان الأدبي شعراء قويت صلتهم بالتراث، واتصل بعضهم بأحداث العصر خارج الجزيرة العربية وأهم هؤلاء الشعراء سبعة: إبراهيم الأسكوبي، وعبد العزيز بن عبد اللطيف المبارك، ومحمد بن عثيمين، ثم أحمد بن إبراهيم الغزاوي، وابن سحمان، وابن بليهد، ومحمد الحفظي.
وقد اختلفت أساليبهم حسب اختلاف ثقافتهم " فالأسكوبي " و " المبارك" كانت ثقافتهما اللغوية قريبة المنزع حيث رجعا إلى فحول عصر المماليك فجاءت ألفاظهم وأساليبهم مراوحة بين التكلف، واليسر والسهولة، في حين رجع ابن عثيمين والغزاوي إلى عصور الازدهار وإن اختلفا في ذلك، فابن عثيمين كانت محاكاته لأساليب العصور الأولى أكثر في حين حاكى الغزاوي شعراء العصر العباسي أكثر من محاكاته لشعراء العصور الأولى.
وكما اختلف الشعراء الأربعة في اللغة والأساليب، اختلفوا كذلك في الموضوعات فالأسكوبي، والمبارك، والغزاوي، طرقوا جميعآ ما شاع من أغراض عصرهم، فتحدثوا عن مواقف الدولة التركية، كصنيع الأسكوبي في رائيته، وعن الاستعمار، كما فعل المبارك في عينيته، كما طرقوا الموضوعات الاجتماعية والوطنية ونحوها، وكان ذلك نتيجة اتصالهم بالأحداث خارج الجزيرة.
أما ابن عثيمين فإن ما وصلنا من شعره هومدحه للملك عبد العزيز والملك سعود ـرحمهما الله- ولـ (آل ثاني وآل خليفة)، وقصائد يسيرة في الرثاء، ويبدو أن عدم ورود الأحداث خارج الجزيرة في شعر ابن عثيمين لم يكن مصدره الجهل أو الغفلة، وإنما لأنه ينظم المدح في ملوك وأمراء همه ذكر أمجادهم وكفى، وقد يضمن شعره بعض الإشارات إلى مواقف الأتراك أو غيرهم فتأتي عرضا كما هو في بائيته التي مدح بها الملك عبد العزيز بعد فتح الأحساء.
ومن هنا يتبين لنا أن هؤلاء الشعراء ومزامنيهم قد مهدوا بشعرهم للنهضة الشعرية التي بدأت تنشط في أخريات النصف الأول من القرن الرابع عشر فعملهم شبيه بعمل البارودي في مصر، وبخاصة الشيخ محمد بن عثيمين رحمهم الله جميعا.

3- عصر النهضة: من 1343 إلى هذه الأيام:
في عام 1343هـ انضم الحجاز إلى نجد على يد الملك عبد العزيز رحمه الله. وكانت اللغة العربية قد عادت إلى الدواوين والصحف والمدارس، كما عرفت سلفا. وأمرت الحكومة السعودية برفع القيود المفروضة على الصحف والمجلات، فتنفست الأقلام الصعداء وأقبل الأدباء الناشئون على ما قذفته المطابع في مصر والشام يقرأون فيه القديم والحديث في فنون الأدب المختلفة.
ووجد الشعراء منهم أن ما ينشدونه في مجال الشعر غير ذلك الذي عرفوه لدى شيوخهم، فبدأوا يتحسسون طريقهم إلى المستوى الشعري الذي ينشدون، ووجدوا أن ذلك لا بد فيه من احتذاء شعراء العرب المحدثين، فأقبلوا على شعر أولئك الشعراء مثل أحمد شوقي، وخليل مطران، وعبد الرحمن شكري، وإيليا أبو ماضي، وأمثالهم
وقد تبع هؤلاء آخرون لم يكتفوا بالوقوف عند الشعر الحر بل تجاوزوه إلى الشعر المنثور، وفي الحر والمنثور خروج عن نظام القصيدة العربية، والفرق بينهما أن الحر مبني على التفعيلة الواحدة، أما المنثور فلم يبنى على شيء، وهما من نزوات التحديد وقد لا يطول بهما العهد.
الاتجاهات الشعرية في الأدب السعودي

ب- اتجاهات الشعر السعودي:
بقي الشعراء في القرن الثالث عشر للهجرة وما قبله يدورون حول الأغراض التي شاعت في زمنهم وأخصها وأشهرها الإخوانيات، والمدح والرثاء ونظم العلوم الفنون. وما جد لديهم سوى النظم في تأييد دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، والدفع عنها، وهذا مجال رحب وخصب جال فيه ابن غنام، وآل حفظي، وابن مشرف، وأمثالهم.
وفى صدر القرن الرابع عشر الهجري طرق الشعراء أغراضا جديدة مثل الشعر السياسي والوطني، والاجتماعي، وأهم هؤلاء إبراهيم الأسكوبي وعبد العزيز بن عبد اللطيف المبارك، واتسع ميدان الثقافة واطلع أبناء البلاد على ما أخرجته المطابع من قديم الفكر وحديثه بدأوا يطرقون بأشعارهم ميادين أوسع وأرحب مما طرق أسلافهم غير أن فيهم من بالغ في التقليد، وبخاصة فيما يتصل بشعر المناسبات حيث هاجمه بعضهم وعدوه مظهر من مظاهر التخلف الفكري إلا أنهم هاجموه نظريا وسايروه في التطبيق، كصنيع محمد حسن عواد الذيَ نظم في المناسبات شعرًا كثيراً.
وهذا عرض يسير لأهم الأغراض في شعر شعرائنا:


1- الاتجاه الديني الإسلامي:
ونعني ذلك الشعر الذي اتخذ من الدين والفكر الإسلامي موضوعا له، وهو اتجاه له أصوله القوية في تراثنا الشعري غير أنه أخذ يتسع ويكثر تبعا لتجدد العدوان على الإسلام وتكاثر المعتدين.
ولقد نشط هذا الغرض نشاطا ملحوظا عندما قام الإمام محمد بن عبد الوهاب بدعوته في منتصف القرن الثاني عشر، فوقف في وجهه أعداء الدعوة، وكان فيهم من استخدم الشعر سلاحاً وبخاصة في القرن الثالث عشر الهجري وما بعده.
وكان من الشعراء من استخدم الشعر في نظم العلوم والفنون ومسائل الدين، مثل الشيخ ابن مشرف، أوفي نظم المواعظ والحكَم، مثل أحمد بن عبد القادر الحفظي صاحب [التحفة القدسية والنفحة الأنسية] التي يقول فيها.
أَيُها الناس استجيبوا إن دعيْتم للحياةْ
واسْتَقيموا وأنيبوا قبلِ تعجيل المماتْ
ونظموا الشعر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم كابن مشرف غير أنهم لم يقبلوا على ذلك كثيرا إلا بعد منتصف القرن الرابع عشر حين رأوا إقبال المتأخرين على ذلك، ويندر أن تجد شاعرا من هؤلاء المتأخرين لم يطرق هذا الميدان.
وحيز وقف بعض الشعراء في وجه دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب يطعنون فيها ويذمون زعماءها، تصدى لهم شعراء الدعوة بنفس السلاح يفندون أقوالهم ويزيفون آراءهم بالحجة والبرهان ومن هؤلاء الشيخ ابن غنام، وابن مشرف، وأحمد الحفظى، ثم الشيخ سليمان بن سحمان الذي وقف قلمه في هذا الميدان شعرًا ونثرا، وله قصائد في هذا معدودة في جيد المناقضات.
وبعد منتصف القرن الرابع عشر بدأ الشعراء يعالجون في شعرهم القضايا الإسلامية العامة، كمواقف أعداء الإسلام منه ومن رجاله، وبخاصة مواقفهم من الكتاب العزيز، ومن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسنتَه المطهرة، وهذا كثير في شعرهم، لشيوع ذلك في آثار المستشرقين والمستغربين من العرب.
وإذا تحدث المتأخرون من الشعراء عن العبادات فإن حديثهم يجيء على نحو من قول محمد على السنوسي في أذان الفجر، فلقد سمع الشاعر في أذان الفجر دعوة
تهيب بالناس والحياة أن يستقبلوا يومهم الجديد بعبادة الباري تبارك وتعالى الذي جعل الليل لباسا وجعل النهار معاشاً.
يسمع آذان الفجر فيبصر مع كل نغمة من نغمات المؤذن موجة من أمواج نور الصباح الجديد، ويحس فيه جمال النسمات العطرة [تتندى بها النفوس وترتاح] فتبادر إلى ترديد لفظ الأذان مع المؤذن، وهي ترفع مع الشاعر الدعاء إلى الله بأن يظل هذا النداء خالدا خلود الوجود إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ارْتفَاعُ الآذَانِ فَوْقَ المَآذِنْ فِي انْبِلاَجِ الصَّبَاحِ وَاللَّيْلُ سَاكِنْ
دعوةٌ تحملُ الحياةَ إلى الكوْ نِ وسُكَّانِهِ قُرَىً ومدائِن
ونِداءٌ من السماءِ إلى الأرْ ضِ إلى ظاهرٍ عليها وباطِنْ
ولقاءٌ بين الملائك والإِيـْ ـــمانِ والمؤمنينَ مِنْ غيرِ آذِنْ
وانطلاقٌ إلى الفلاح إلى الخيـْ ـر إلى الحقِّ والهُدى والمحاسِنْ
كُلَما رَدًدَ المُؤَذًّنُ لَفْظاً شَعْشَعَ النوْرُ وانْجَلَى كل غَايِنْ
نَغمات كأنها نَسَمَات رَقْرَقَتهَا خَمَائِل وَجَنَائِنْ
تَتَنَدَّى بها النفوسُ وترتا حُ ارتياحَ الرُّبى بقَطْرِ الهواتِنْ
تمْسخ الأرْض مِنْ غبار الملاَهِيْ ودُخُان الهَوَى وَلَهْوِ الَمَفاتِنْ
كلُّ حرْفٍ مِنْ لفْظِهِ كًل معْنىً منْ معَانيْه يَسْتَثِيْرُ الكَوَامِنْ
رَدَّدتْة منَابر وَقِبَاب تتعَالَى ورجَّعَتْها مَلاسِن
فأفِضْهُ يا رب مِلءَ الأحاسيـ سِ ومِلْءَ النُّهى ومِلءَ الشَّواحِنْ
وَامْلأ النفْسَ مِنْ شَذَاهً عَبِيْراً وامْلأ الرُّوْحَ مِنْ صداهُ مَلاَحِنْ
أَذًن الفَجْرُ يا َفُؤُاديْ وَلاَحَت قَسمَات الضيَاء فاسْمَعْ وَعَايِنْ
وتَأَمًلْ رْؤىً تَشفُّ ودُنْياً تتجلى سرائر وَعَلاين
أشْرَقَتْ فَامَحَى الظلامُ وَزَالتْ كِسَفُ من سحائِبِ ودجَائِنْ
فَالْتَمِسْ مِنْ خَزائِنِ الله مَاشِئْـ ــتَ نوَالاً فليس لله خازِنْ

2- الاتجاه الاجتماعي:
هذا هو الميدان الذي يعالج فيه الشاعر قضايا مجتمعة معالجة يقصد فيها إلى تلمس الأدواء ومداواتها وتحسس منابع الخير والصلاح وتنمْيتها والدعوة إليها.
فمن ذلك السفور الذي شغلت قضيته أهل العصر منذ بدأ الدعوة إليها قاسم أمين إلى يومنا هذا.
وقد اختلفت نظرة الشعراء ومواقفهم حيال هذه القضية، فرفضها بعضهم رفضًا قاطعاً كأحمد محرم، وأيدها آخرون مثل الرصافي، وآخرون وقفوا في عرض الطريق يؤيدون تارة ويتراجعون أخري ومنهم شوقي، وحافظ.
أما شعراء المملكة فإنهم قد رفضوا السفور رفضاً قاطعا وإن جاءت أقوال بعضهم غير واضحة في هذا كالمقارنة التي كتبها محمد حسن عواد بين السفور والحجاب. ومنه تفشي المجاملة في المجتمع إلى حد جعل الصراحة ممقوتة، وذلك ما تناوله إبراهيم فوده بالعرض والتحليل في إحدى قصائده، ويتألم خالد الفرج من أولئك الذين يقولون غير ما يفعلون ويفعلون غير ما يقولون.
لأبْنَاءِ حَوّا مِنَي الهُزْءُ وَالعطْفُ فَأقْوَالُهُمْ صِنْف وَأفْعَالُهْم صِنْفُ
وينفر طاهر زمخشَري من المتلونين الذين لا يثبتون على مودة إلا بقدر ما يخدم مصالحهم ولذا فإن واحدهم يتلون تلون الحرباء فيضحك إن رأى منفعة ويعبس ويكشر إن فقد أملاً فيها:
دَعِ المَوَدَاتِ إنَ الوُدَ إِغْرَاءُ وَصَاحِب الْيَوْم في دُنْيَاكَ حِرْبَاءُ
مُلَوَن لا يَفِيْ إلا لِحَاجَتِهِ يُبْدِي الْوَلاَء وملءُ النَّفْسِ شحْنَاءُ
يُبْدي النوَاجِذ إمَا كُنْتَ ذَا سَعَةٍ كَالأُسْد يُضْحِكُها حِقْد وَبَغْضَاءُ
وَيَسْتريْحُ إِلى لُقْيَاكَ مُبْتسماً وفِي تَضَاعيْفه تَنْدسُ أَشْيَاءُ
وَيَستبيْك بأَلْوانٍ منَمَقَةٍ وجوْهر القول لوْ فتًشْت أدْوَاءً
ويمضي يصور حال المخادعين بالمودة وحال المخدوع الذي أقبل عليه المنافقون يمدحون ويثنون ويفدونه بالنفس والنفيس فلما مال عليه الزمان وبات من ماله صفر اليدين نفروا منه فلم ير أحدًا حين احتاج إلى العود.
ولذا فإن الزمخشري يختم قصيدته بهذه النصيحة التي قسم في بدايتها المخادعين إلى أربعة ثم فضل فيه المخدوع على الخادع لأن المخدوع بقي نقي الخلال صافي الطباع وإن أضِيْر من صنيع الآخرين.
فَصاحِب حَال ثَوْبِ الوُدَ يَنْسجُهُ من الخداع ونسْجً الثًوْب اِقْذاء
وَآخَر تَمْلأ الدُنْيا محبًتهُ وملْء برْديْه تضْليْل وإِغْراء
وَثَالِث لا يَنِي عَنْ ذِكْر مَحْمَدةٍ يشْدوْ بها ويغنَيْ وهْوَ مسْتاء
وَرَابِع حاقِد لَكِنْ يُغالِبُهْ وفي مْغَالبةِ الأَحْقَادِ أَهْواءً
ألْوَانُ ودٍّ تسَاقَيْنَا بِأَكُؤْسِهَا وَخيْرُنَا شَارب وَالكأسُ حُوْيَاءُ
فَمَنْ يًصَافِيْكَ أَوْ تُصْفِي الوِدَادَ لَه فَصَفْحة نَشْرُها شرُّ وَإِيْذَاءُ
فَحَاسِبِ النَّفْسَ وَأعْرِضْ مَا تَجِيْشُ بِهِ تَلْق المَودَّة سِفْراً خَطًهُ المَاءُ
وَمَنْ صَفَا لَك وَالسَّرَاءُ مُدْبِرة تَصْفُوْ لهُ وفِجَاجُ الأَرْضِ دَكْنَاءُ
قَرْضاً تُعَاطِيْه لا وُدَّاً تُبادِلُهُ طُوْلَ المَدَى يَتَعَاطى القرْضَ أَحْياءُ
ومما يتصل بذلك ما يصدقَ عليه الاتجاه الإنساني وهو أن يعالج الشاعر مشكلة في مجتمع لا تربطه به رابطة عقيدة أو دم أو لغة، وذلك صنيع صالح به أحمد العثيمين من قصيدة يتحدث فيها عن قنبلة هيروشيما التي خلفت دمارا وآثاراً ظلت تلاحق الأبرياء حتى في ذراريهم الذين نالهم الضرر مجسماً في التشويه.
فها هي [هيروشيْما] سل أَرْضها فقَدْ سَحَقَتْها أَكُفُ الْعَدَمْ
فَأَضْحتْ طلُولاً تناجي الذُّرى وَتبْكِي عَلى عَهْدِها المًنْهَزِمْ
رمَتْها على قلبها [ذرَّة] تحِيل القصُور َكبَعْضِ الأكمْ
فزلْزلت الأرض منْ هوْلها وأَغْشى الفضاء وَدكً العَلَمْ
فستًوْنَ أَلْفَاً دهاها الرًدى وفرق منْ شمْلِها مَا التَأَمْ
سَقَتْهمْ كؤوسَ الرًدَى صِرْفَها فغطوْا بِلَيْلٍ عَبوُس الغَسَمْ

3- الشعر الوطني والسياسي:
ونعني ذلك الشعر الذي يتغنى بالوطن، إما من طريق الحديث عن طبيعته وما فيها من سحر وجمال كصنيع حمزة شحاته في قصيدته التي وصف فيها (جدة) وفي مطلعها قال:
النُّهى بَيْن شَاطئَيْك غريْق والهوَى فيكِ حالم مَا يُفِيْقُ
أو التغني بالأحداث والمناسبات التي تجد وتدرجَ على أديم الوطن، مثل فتح الرياض الذيَ كان مفتاحا لما آل إليه أمر هذه البلاد من خير عميم نالته على يد بطل ذلك الفتح الملك عبد العزيز.
ولقد نظم في ذلك كثير من الشعراء منهم سعد البواردي الذيَ يقول.
صَحوْتُ كَرِيْماً على دفْء شمْس وقدْ جُلًلتْ بِالأكاليْل نفْسي
تُلَملمُ حوْلَ خيُوط الضياء شريط اللقا بيْن يوْمِي وَأَمْسي
وتَمْنَحُ للخائفيْن الأمانَ فمِن عِزً ةٍ بَعْدَ خوْفٍ وبُؤْسِ
لَكَ اللهً يا مَوْطن المكْرُمَات أَيَا نَغْمةَ الخلْد تَمْلأ حِسي
بأَمْسك يا موْطني كنْت شيْئا صَغيراً تُمَزقُهُ النَّائِبَاتْ
صغيراً ينَامُ على جرْحه وَتُوْشِكُ منْهُ تَفزُ الَحيَاةْ
وَجاء طبيْبُك عبْدُ العزيز ليَدْفع عَنْك الأَذَى في ثَبَاتْ
يعمًق فيْك معاني الحياة ويدْرَأ عَنْك هوَان الشًتَاتْ
مع الفجْر جئْت وليْد ضياءِ يشيْعُ التُّقَى في كِيَان الوُجوْدْ
وَيًرْسى عَلى أًسُس شامِخات مِنَ العِلْم والعَدْلِ صَرْح الخُلُوْد
مَع الفجْرِ جئْت فَعزتْ حَياة وطابَتْ رياض ونَدَّت وُرُوْدْ
فكنت المجِيْد بكُلَ بنيْك وَكنْت السعِيْد بآلِ سُعُوْدْ
أَمَهْدَ الرًسالات طبْت مُقَاماً فمِنْك عَلى الأرض شَعَ التُّقَى
رُبُوعُكَ تَزْهُو رَبِيْعاً ندِيأً يُفْيضُ عَلَى الْكَوْن عِطْرَ البَقَاءْ
وتَمْنَحُ لِلْعَرَب الْمسْلِمِيْن دُروْعاً وَقتهًمْ سِهَام الشَقَاءْ
ستَبْقَيْن يَا مَوْطن المَكْرُمات مِثَالا لأرْض الِإبَا والنقَاءْ
ويكون كذلك في الإعلان عن حب الوطن وتمكن ذلك الحب من النفس تمكناً جعله أعذب أغنية يمليها الحس والشعور ومنه قول أحمد قنديل:
بِلادِيْ بِلادِيْ لا عَدمْتكِ موْطناً حبيْباً إِلى قَلْبِيْ وَنَفْسِيْ وخَاطِرِيْ
ذَكرْتُكِ وَالذكْرَى مِن الْحُبِّ رُوْحُهُ وَمِنْ خَلَجَاتِ النَّفْس وَحْيُ الضًمَائِرِ
وَذِكْرُكِ فِي الأَحْيَاءِ هَمْسَةُ وَاجدٍ وَتَرْديْدُ إيْماءٍ وَقوْلَةُ عَابِرِ
وَلَكنهُ فِيْ مُهْجَتِي وَدَمِيْ هوَىً سَرى كحياتيْ فِيْكِ مَسْرى الخَوَاطِرِ
أما الشعر السياسي فإنه يمتزج بالشعر الوطني غالباً، فالحديث عن أحدهما حديث عن الآخر، زد على ذلك أن بلادنا قد كفيت شر الاستعمار، خلا ما كان من أمر البريمي الذي ظلت بريطانيا تصارع فيه، وفي هذأ يقول فؤاد شاكر:
تلك الحِمايَةُ أو تلك الوصَايَةُ أَوْ تلْك الأضاليْل وهْي السمُّ في الدَّسَم
وَما البرَيْمِي ومَا أَنْتمْ وما لكُمو بِأَهْله منْ صلات الْقرب والرحم
لَا يأْخُذَنَّكَ فِيْمَن طاش جامحُهُمْ عنْ شرْعة الحق يوْماَ لوْم منْ يلُم
الرأْيُ عِندِي وَفيْه الخيْرُ لا جرم وعِنْدهُ تَتلاقى صفْوة الحكم
بأَنْ يَثُوبَ عن العُدْوَانِ مُغْتَصِب وَيَرْعوي عن خِداع الرأْي والوهم
أًوْلاَ فَإِنَ الحُسامَ العضْبَ مُنْسلط إِذا امْتشَقْنَاهُ فِي إِقدامِ مُعْتزِمِ
فِيْه الشِّفَاءُ لِمنْ فِي رأْسه حمق أَو فِي جوارِحِهِ مَسر مِنَ السقَمِ
وإذا لم يصارع شعراء هذه البلاد الاستعمار في بلادهم لنجاتها منه- والحمد لله- فإنهم قد أسهموا في مهاجمة الاستعمار في البلاد الإسلامية الأخرى، كالاستعمار الفرنسي في الجزائر، والاعتداء الثلاثي على مصر سنة 1376هـ ثم ما جرى بعد ذلك من أحداث في مصر والشام والعراق وباكستان وأفغانستان ونحوها، ومن الشعراء الذين أسهموا في هذا الميدان عبد الله بن خميس، وحسن القرشي، وسعد البواردي، وطاهر زمخشري.

4- شعر الطبيعة:
ونعني هنا ذلك الشعر الذي أتخذ من الطبيعة مادة لشعره يصف فيه ظواهرها وما يبدو منها للناس من حسن أو قبح، أو يرسل خياله خلف مكامن الحسن والجمال فيها، أو منازع الشر والألم.
ولقد تناول شعراء بلادنا القول في هذا الميدان غير أنهم اختلفوا في أسلوب تناولهم.
فكان منهم من نسج على نول الأقدمين في أسلوب التناول مع اختلاف طريقة التعبير والتصوير الأدبي، ومثال ذلك قصيدة " الغيداء وواديها" لحسين سرحان ومنها:
ما بعد واديك يا غيداء منْ وادي يشْدًو به الطيْر أَو يحْدُو له الحاديْ
سما به [الطَور] حتَى بددتْ يدهُ شمل الكواكب منْ مثْنى وآحَادِ
يحبو النَسيم على الكثبان فِيْه ضُحى يرده الشًجْو فيْها أَيً ترْدَادِ
والزهر أثْمل منْ كأْسِ على شفةِ لمْياء في روْضِه المُعْشوْشِبِ النادِي
وفي الضًفاف هنا أَوْ هاهًنا عبق آراجُه روْحُ أَنْفَاسٍ وَكْبَادِ
كذاك واديْكِ ما أَنْفكّ أَذْكُرُهُ فِي يقْظتي وَمنامِيْ ذِكْر مُزْدَاد
ذكرْتهُ بعد عشر عجَّ جانبهُ نبْتاً وأَسْقَاهُ صوبُ الرًائح الغَادي
حُبيكِ زُخْرف منْة كُلّ ذيْ عَطلٍ حُسناً وَقُوِّمَ مِنْهُ كُل مُنْادِ
لوْ عشت فِي المحْل لاهتزً الثًرى ورَبا بمَا يشُوْقُ ارْتيَاداً كُلَّ مُرْتادِ
وأَطْلعَتْ كلُ أَرْض منْ خمائلها وشْياً تُفَوِّفُة تَفْوِيْف إِيْرَادِ
وآخرون انغمسوا في الطبيعة يبثونها آمالهم وآلامهم ويودعون جمالها مشاعرهم وإحساساتهم على نحو ما هو في قصيدة "عروس الصحراء" لمحمد بن سليمان الشبل:
بِقَلْبِيَ ما أَهْواهُ فيْك من السِّحْر وَما بفُؤادِيْ عَنْكِ منْ طَيِّبِ الذِّكْرِ
وما لاحَ فِي دُنْياكِ مِنْ صُور الهوى حَياةً عَلى كفَّيْ مَرَابِعك الخُضْرِ
أَنا العاشقُ الوَلْهانُ ذَوَيْت مهجتيْ فَسَالتْ بأَنْفَاسِ الصًبَابَةِ فِي شِعْرِي
رؤىً- كالأمانِي- وَلْولتْ فِيْ مَشاعرِيْ كَنادِبَة الأطْلالِ فِيْ مُوْحِشِ القَفْرِ
تجرًعت مِنْها مَا جَنيْتُ مِنَ الأسى وَمَازَال قلْبِي بَيْن طَياتِها يجْرِي
سقَى اللهُ من نبْع السَّماء مرابِعاً تَرنَّمَ فِي أَفْيَائِها ساجًع الطًيْر
تُقَبل فيْها الورد مائسَةُ الرُبا وَتلْثمُ قَطْراتُ النَدىَ عَطشَ الزهْرِ
يَذوْبُ بها رُوْحُ الربيْعِ خمائلاً تزينُ مُحياهَا بعقْدٍ مِنَ الذُرِ
وَرَوْضٍ كَأحْلامِ الأسَاطِيْرِ راقصٍ على نفثاتِ العِطْرِ في هَدْأَةِ الفجرِ
يَذُوْبُ كَمَا ذَابَ المُتَيَّمُ في الهَوَى وَيَخْطُر كالإشْعَاعِ فِي ألَقِ البَدْرِ
تَرنَّمُ فِيْه الطًيرُ مَا بْيَنَ ذَاهِلٍ خَلِيٍّ وَمُشْتَاقٍ بِزَنْدِ الجَوَى يُوْرِي

5- شعر التشاؤم:
لم يكن هذا الغرض بالجديد على الشعر العربي كما ادعى بعضهم، وإنما الجديد فيه اتساع ميدانه، وكثرة وراده، وشمول النظرة في جوانب الحياة حاضرها ومستقبلها.
وربما كانت علة ذلك فيما غشي العصر الحديث من ويلات وحروب، ثم طغيان المادة في حياة الأمم، ولقد تناول شعراء بلادنا القول في هذا الغرض متأثرين فيه بشعراء العربية في الأقاليم الأخرى، أو منفعلين بمظاهر الحياة والمجتمع مثل ما انفعل أولئك.
ويندر أن تجد شاعراً من شعراء بلادنا لم يجنح إلى هذا الميدان وبخاصة الفحول مثل حمزة شحاته، ومحمد حسن عواد، وطاهر زمخشري، غير أن أحداً منهم لم يبلغ في ذلك ما بلغه فيه حمد الحجي الذي انطبع شعره كله بروح التشاؤم العنيف.
ومن شعراء التشاؤم (محمد سعيد الشيخ علي) الذي غلبت عليه النزعة التشاؤمية وأثقله إحساسه بالفراغ ففي قصيدته (الغد الباكي) ينظر إلى غده من زوايا حاضره فلا يراه إلا شموعاً ذائبة ورياضَا ذاوية، بل جثة هامدة يمزق أشلاءها الداميات مخلب النائبات، ولا يبصر من خلال هذا المنظر الأسود إلا الظلام والقتام وطيوف المخاوف والشجون، وهذه الحياة على سعتها لا تستطيع أن تملأ ذلك الفراغ العميق في نفسه الحزينة البائسة:
أرى مِنْ زَوايا حَيَاتِي غَدِيْ فَأبْصِرُهُ رَوْضةً ذَاوِبَة
تَوَقَفَ عَنْها مَعِيْنُ الحَيَاةِ وَغَارتْ جَدَاوِلُهَا الشادِيَهْ
وَمَذَ الخَرِيْفُ نِجهَا كَنتَهُ فَقَصَّف أَفْنانها الزًاهيه
تَسَاقَطَ مِنْها رَجَاً ضاحِك كَحُلْمِ الربيع عَلى الرَابيه
* * *
أرىَ مِنْ زَوَايا حَيَاتِي غَدِي شُمُوْعَاً تذُوْبُ بوَهجً الغرَامْ
فَأبْصِرُهُ شَبَحاً مُرْعِبا تَمدً د في مُقْلًتِي كالظًلاَمْ
يُضِيءُ لِغَيْرِي بِرَغْمِ الدُّنَا وأَسْرِىْ بِرغْمِي بهذَا القَتَامْ
طُيُوْفُ المَخاوِفِ في مُقْلَتي تَرَاقَصُ مِثْل طُيُوْفِ الغَمَامْ
* * *
أرَاهُ كَباحِثَةٍ فِي الثرَى تُفتشً عَنْ عَالَمٍ غَابرِ
وَتنشُدُ بَيْنَ طُلُول السّنين قُبوراَ عَفتْها يَدُ القًادرِ
كَشَيْخٍ يُنَقَبُ عَنْ حُلْمِه ويبكي لِعصْرِ الضَبَا الزَّاهِر
أراكَ غَدِي قَاتماً باكياً ذبيْح الضنى حَاشرَ النَّاظَر


نموذجان نثريان من أدب المملكة العربية السعودية الحديث

(1) من خطبة للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين:
فضل أهل العلم
قال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه وصلى على نبيه محمد صلى اللَه عليه وسلم:
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن من أكبر نعمه عليكم أن حفظ عليكم هذا الدين برجاله المخلصين، وهم العلماء العاملون، الذين كانوا أعلاماً يهتدى بهم وأئمة يقتدى بهم، وأقطاباً تدور عليهم معارف الأمة، وأنواراً تتجلى بهم غياهب الظلمة. فإن في وجود أمثال هؤلاء في الأمة حفظاً لدينها، وصوناً لعزتها وكرامتها. فإنهم السياج المتين يحول بين الدين وبين أعدائه، والنور المبين تستنير به الأمة عند اشتباه الحق وخفائه، وهم ورثة الأنبياء في أممهم، وأمناؤهم على دينهم، فإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
وهم شهداء الله في الأرض الذين شهدوا بالحق. وأعلنوها على الملأ بأنه لا إله إلا الله، وأنه سبحانه وتعالى هو القائم بالقسط، وأن كل حكم يخالف حكمه فهو ظلم وجور، قال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}.
وهم شهداء الله في أرضه يشهدون أن رسله صادقون مصدقون وأنهم بلغوا الرسالة ونصحوا الأمة، وجاهدوا في الله حق جهاده.
وهم شهداء الله في أرضه يشهدون بأحكامه على خلقه، يقرؤون كتاب الله وسنة رسوله فيفهمونهما، فيشهدون على الخلق بما فيهما من أحكام عادلة، وأخبار صادقة، فليس في الأمة كمثلهم ناصحاً مخلصاً، يعلمون أحكام الله ويعظون عباد الله، ويقودون الأمة لما فيه الخير والصلاح فهم القادة حقاً، وهم الزعماء المخلصون، وهم أهل الخشية لله {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.
ولهذا تكاثرت النصوص في فضل العلم وأهله، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة)... وقوله (وإن فقيهاً واحدا أشد على الشيطان من ألف عابد) وذلك لأن العابد منفعته قاصرة على نفسه، وأما الفقيه فقد حفظ دين الله ونفع عباد اللّه، فهو يقود الأمة إلى الخير، ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد، والشيطان يقودهم إلى الشر: (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير).
فدعوة الفقيه ودعوة الشيطان ضدان، والشيطان والداعي إلى الخير متعاديان فلذلك كان الشيطان يفرح بموت العلماء لأنهم أعداؤه يحولون بينه وبين ما يريد...
أيها الناس: إذا كان هذا فضل العلم وحال العالم، أفلا يليق بنا أن نبذل الجهد لتحصيل العلم النافع بالسؤال والقراءة والبحث والتَحقيق لنفوز بإرث الأنبياء الكرام، وصحبتهم في دار السلام، فنعم الموروث الأنبياء ونعم الرفيق..... نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن ييسر لهذه الأمة ما يحفظ به عليها دينها، وينصر به أهل طاعته، ويذل به أهل معصيته، إنه جواد كريم رؤوف رحيم.

(2) مقال الشيخ/ حسن بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله:
(الرشوة والمرتشي)
لو علم المرتشي مبلغ جنايته على مجتمعه وأمته لما استطاع أن ينظر مع جريمته إلى أحد. فالرشوة داء فاتك يخفي معالم الحق، ويفصم روابط الإخاء، ويدع الناس حيارى بين حق مشروع، وباطل يحجب أصحابه عنه، وبدفعه إلى من لا يستحقه. ولخطرها وسوء أثرها، فقد استحق مقدمها وآخذها والساعي بينهما (لعنة الله).
وانتشار الرشوة في مجتمع دليل على ضعف أفراده وتخاذلهم، وموت ضمائرهم.
والعلاج دائما لا يكمن في عقوبات الدولة وحدها بقدر ما يعتمد على وعي المواطن ويقظته ومبادرته لكشف الجريمة بعد حصرها. ولا ترحموا من تمتد يده ليرتشي. فهو مجرم، وملعون، وظالم، وهو بصنيعه يعادي كل أفراد مجتمعه، فانبذوه وشهروا به، فقد طرده الله من رحمته.
من كتاب خواطر جريئة ص (56).
النثر الأدبي في المملكة

1- الكتابة الفنية:
أ- الكتابة من سنة 1157هـ - 1325هـ
لم تنل الكتابة الفنية في هذه الفترة الطويلة اهتمام العلماء والمتأدبين ولذا لا نجد لها أثرا إلا في ميادين ثلاثة:
1- المقدمات التيِ يفتتح بها العلماء مؤلفاتهم وبخاصة كتب التاريخ، وهي أقرب إلى الوصف التاريخي والاجتماعي وذلك مثل مقدمة (عنوان المجد) لابن بشر ونحوه.
2- ورسائل العلماء والأمراء التي يوجهونها إلى عامة الناس من أجل النصح والإرشاد والتوجيه، وهي أقرب إلى الأساليب العلمية، خلا رسائل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، فإنها ذات صبغ وصوغ أدبي جميل وجلها مثبت في كتاب الدرر السنية.
3- أما الرسائل الإخوانية فإنها معدودة في فنون الأدب، رفيعها من رفيعه ورديئها من رديئه.
وهو الفن الأدبي الذي ظل متصل العرى منذ نشأت في تاريخ الأدب العربي إلى أيامنا هذه وإن اعتراها في هذا الزمن شيء من الإهمال. ولقد حفظت لنا بعض المدونات والكتب كثيرا من الرسائل الإِخوانية يشوب أكثرها شيء من اللحن حتى تلك التي كتبها بعض كبار العلماء، وتمثل رسائل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن الذروة في زمنها، لما فيها من حسن التأليف وإشراق الديباجة وجمال الصياغة والبعد والترفع عن اللحن والابتذال، ومنها رسالته إلى الشيخ حمد بن عتيق التي ضمنها لوم
الشيخ حمد على أسلوبه في رسالة بعث بها إليه. ومن رسالة الشيخ عبد اللطيف قوله:
" وبعد فإني أحمد إليك الله سبحانه على نعمه، والخط وصل وصلك الله بما يقربك إليه، وما أشرت إليه صار معلوماً، لاسيما الإشارة الخفية، والنكت الأدبية، التي منها تشبيه أخيك بالطير المبرقع، وإيراد المواعظ وأنت بمكان علو أرفع، وكنت حال وصوله قد قرأته بمرأى من أهل الأدب ومسمع." والرسالة بكاملها في الدرر السنية.
غير أن هذا النهج الذي سلكه الشيخ عبد اللطيف في رسائله لم يكن له أثر في أقلام الكاتبين ولم يكن له نظير: اللهم إلا ما كان لدى أدباء الجنوب وبخاصة أدباء جازان ورجال ألمع.
ولعل ذلك راجع إلى أن الشيخ لم يدع إلى هذا النهج، ثم إن أحداثا جرت على أديم البلاد شغلت الناس عن مثل هذا والله أعلم، زد على ذلك أن تعصب القوميين الأتراك للغتهم عن طريق فرضها على المدارس والدواوين كان من أهم الأسباب التي عاقت الحركة الأدبية، وإن ظلت الرسائل الإخوانية تعيش حياة هزيلة في الحجاز والخليج.

ب- الكتابة الفنية من 1326هـ- 1344هـ:
في هذه الفترة بدأ ظهور الصحف وبخاصة في الحجاز غير أنها كانت عديمة الجدوى على الأدب لكونها تصدر باللغة التركية، وفي عام 1331هـ انتهى عهد الأتراك في الأحساء، وفي عام 1334هـ انتهى أمرهم في الحجاز وبذلك استعادت اللغة العربية سلطانها في التدريس والدواوين والصحف، فبدأت الآمال تنشط وتحركت الأقلام، غير أن الشريف حسيناً خاف من اندفاع أرباب الأقلام إلى ميدان الكتابة ففرض على الصحافة قيودا عاقت الأدب إلى حين.

جـ- الكتابة الفنية من 1344هـ إلى هذه الأيام:
حين انضم الحجاز إلى نجد على يد الملك عبد العزيز رحمه الله بادرة الحكومة السعودية إلى تأسيس صحيفة أم القرى، وتطوير مطبعتها بمكة، ثم افتتاح المدارس، كما رفعت القيود التي كانت مضروبة على الأقلام، وسمحت للصحف والكتب الواردة بدخول البلاد- وكل هذه أمور عرفت شأنها فيما سلف- من هنا نشطت الأقلام وبدأ الشباب في طرق أبواب الفكر والإصلاح بأقلامهم، فكتبوا في الأدب، وفي النقد الأدبي، والنقد الاجتماعي، وغير ذلك من مجالات الفكر، وبدأت ثمار ذلك تظهر على صفحات أم القرى، ثم في طلائع المطبوعات مثل (خواطر مصرحة) لمحمد حسن عواد، و (أدب الحجاز، والمعرض) وهما من جمع وتصنيف (محمد سرور الصبان).
ثم صدرت صوت الحجاز والمدينة المنورة والمنهل فاتسعت دائرة الكتابة لاتساع ميادينها ووجدنا ثمار ذلك تظهر أقوى وأكبر في كتاب (وحي الصحراء) لمحمد سعيد عبد المقصود وعبد الله بلخير ومن أجل ما فيه دراستان إحداهما مقدمة الكتاب لمحمد سعيد عبد المقصود خوجه والثانية محاضرة عن الأدب الحجازي لأحمد العربي. وقد ترسم أدباء صدر هذه الفترة خطوات أدباء العربية في مصر والشام والمهجر، فالعواد يحاكي العقاد في أسلوبه وثورته على القديم ونزعته إلى محاكاة الغربيين، وعزيز ضياء يحاكي طه حسين في أسلوبه الهادئ الرزين، وحسين سرحان يحاكي المازني في سخريته وتهكمه وهكذا.
غير أن هذه النزعة التقليدية أخذت تتلاشى شيئا فشيئا حتى صار لكل أديب شخصيته إلا ما ندر. وإذا كان بعضهم قد أقبل على معالجة الضعف الأدبي والوهن الاجتماعي بأسلوب هادئ كصنيع عزيز ضياء وعبد الوهاب آشي، فإن فيهم من غلب على قلمه العنف والجرأة على لغة العرب وتراثهم، وعلى علماء الدين ومن ذلك ما يظهر فيما كتب محمد حسن عواد رحمه اللَه وبخاصة في كتاب (خواطر مصرحة) وهو نهج لامه عليه زملاؤه مثل عبد الوهاب آشي الذي أنكر عليه تطرفه في الدعوة إلى الأخذ بكل ما في أيدي الغربيين وتفضيله ذلك على كل ما أنجبته أفكار العرب في القديم والحديث.
وفي الرد على هذا الاتجاه قال عبد الوهاب آشي في تقديمه لخواطر مصرحة:
"وهناك نظرة أخرى نحب أن نناقش الأستاذ فيها وهو تغنيه بالغرب، وولوعه بذكر عجائبه وتمجيده، ودعاؤنا إلى مضاهاته مما لا تكاد تخلو منه مقالاته إنه لحسن في ظاهره ولكن رويداً. ما هو الغرب وما عجائبه؟ أليس هو أوربا التي لا تزال تهددنا بأهوالها لا عجائبها، وتجد في سحق معنويتنا من وجه الكون ‍‍ وما أنجبه سوى المدمرات الموبقات؟ وإن كان لديه من حسنة فما هي إلا نتيجة تحديه لمدنيتنا السالفة أضعناها فورثها أبناؤه وأهملناها فاتخذوها حلية لأنفسهم يفتخرون بها علينا- وكان الأحرى بالأستاذ أن يرجع بنا إلى ما كان في عهد أجدادنا الغابرين أساتذة العالم ورواده في ميادين العمل الصحيح والمدنية القويمة ففيه الغناء عن ذكر أي مفخرة ".
ومما يحمد لجل أدباء الطليعة استصحابهم الأصالة وحرصهم على أن تظل لغتهم قويهَ رصينة، وأن يظل أسلوبهم متمكناً من أسباب البلاغة وحسن التأليف ويتجلى ذلك فيما كتبه حسين سرحان وعبد الوهاب آشي وعزيز ضياء وأمثالهم.
وكبر الشباب فنما معهم فنهم، وصحبهم آخرون أنجبتهم اليقظة الفكرية وحركة التعليم. ومن هنا وجدناهم يقبلون على الكتابة ويتنافسون في إنشاء الصحف والمجلات حتى بلغ مجموعها في عام 1382هـ ثلاثاً وثلاثين صحيفة ومجلة- كما عرفت سلفاً- وكان من أهم تلك الصحف والمجلات في رقي الكتابة الفنية وتقدم المقالة الصحفية، صحيفة أم القرى، ثم مجلة المنهل.
فلما صدرت مجلة الجزيرة سنة 1379هـ حملت لواء الأدب الراقي ولذا كانت من أهم أسباب التجويد في اللفظ والأسلوب، والعمق في الفكرة. وحين تحولت إلى صحيفة خلفتها مجلات أخرى سارت إلى جانب المنهل ومنها المجلة العربية، ومجلة الفيصل، واليمامة، واقرأ، وغيرها، وفي آخر القرن الرابع عشر بلغ فن المقالة بخاصة مرتبة الصدارة في الأدب العربي المعاصر.
ومن طريف مقالاتهم [طائر في العنق] لمحمد عمر توفيق تحدث فيه عن المذكرات وأحسب غرضه من ذلك ما ضمنه الأسطر الأخيرة من مقاله، وهو الإشارة
إلى عمل ملكي الخير والشر اللذين يصحبان الإنسان فيسجلان ما يأتي وما يذر في نهاره وليله، وذلك في قوله: " إنه سجل ضخم ذلك الذي يحتوي كل شيء عن اليوم تستوعبه أقلام أخرى ليس منها قلمي أو أي قلم سواه.. أقلام لا أدري على وجه التحديد أين هي منا، كل ما هناك أنها طائر في العنق وأنها تكتب بأدق مما يمكن أن يكسَبه أي قلم أو أي جهاز يخترعه العلم، تكتب سجلا ضخماً لكل منا، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها".

2- القصة في الأدب السعودي:
في منتصف القرن الرابع عشر كانت القصة قد أخذت مكانها في أدب مصر والشام أما الأدب السعودي فلم تظهر فيه سوى بدايات تشبه المقامات فيما كتبه محمد حسن عواد تحت عنوان "الزواج الإجباري" وما كتبه عبد الوهاب آشي تحت عنوان "على ملعب الأحداث" من هنا فإن أول عمل قصصي ظهر في الأدب السعودي قصة "التوأمان" لعبد القدوس الأنصاري- رحمه الله- وكان صدورها في سنة 1349هـ.
لم تشفع التوأمان بعمل آخر حتى عام 1355هـ حيث نشط كتاب القصة وأخذوا يعالجون المشكلات الاجتماعية في قصص اتخذت من الرمز أسلوبا لئلا تتأذى مشاعر الآخرين لما يكتبون.
ومن هؤلاء الكتاب أحمد السباعي في [صحف الجن]، ومحمد حسن كتبي في [عقل عصفور]، وحمزة شحاته في [حمارياته] وحسين سرحان في [كراث بن ليمون الفجلي] و [أديب يسخر من نفسه]. وكثيرا ما اتخذت هذه القصص من السخرية أسلوبا في معالجة المشكلات، وكان القِصَر يغلب على جل كتابات أولئك.
وممن اكتسبوا شهرة في ميدان القصة رغم قلة أعمالهم القصصية محمد زارع عقيل، و عبد الرحمن الشاعر، وخالد خليفة.
ويعد إبراهيم الناصر أشهر القاصين في بلادنا وأوفرهم إنتاجا حيث تزيد أعماله على عشرة منها (ثقب في رداء الليل) و (شبح المدينة) و (أرض بلا مطر) و (خيبة الأمل) و (الشتاء)، ثم هو كاتب روائي أيضأ، لا ينافسه في هذه البلاد سوى حامد دمنهوري كاتب [ثمن التضحية] و [ومرت الأيام].
وفي الربع الأخير من القرن الماضي وجدت القصة إقبالا لم تشهده من قبل كما أسهمت المرأة في هذا الميدان.
غير أن القصة في هذه الفترة بدأت تجنح في لفظها إلى العامية، وفي أسلوبها إلى الغثاثة والرمزية، وفى أحداثها إِلى توافه الأمور، وذلك لعدم توفر أصحاب هذا الفن على تهذيبه وتجويده، فعسى أن ينتبهوا إلى ذلك.

3- الخطابة:
قام الإمام محمد بن عبد الوهاب بدعوته المباركة سنة 1157هـ وكان لا بد له من اتخاذ الخطابة وسيلة في دعوته.
وحين نظر إلى خطباء عصره وجدهم يقرأون من المدونات القديمة فنظر فيها فوجد أنها لا تحقق الغرض الذي يقصد إليه لأسباب منها:
1- غلبة السجع المتكلف المفضي بصاحبه حيناً إلى الغرابة أو اللحن بحثا عن السجعة.
2- التكلف والضعف في الأسلوب والتأليف.
3- اشتمالها- أو أغلبها- على شيء من المبالغة، والتوسل وهذا يناقض ما يدعو إليه الإمام. من هنا عمد الشيخ الإمام إلى تأليف خطب جديدة تجلت فيها السمات الآتية:
1- وضوح القصد وذلك لسببين:
أ- قرب تناول اللفظ وسهولة مأخذه والبعد عن الغريب النافر.
ب- النزوع بالتركيب عن أسباب الغموض والخفاء، كالأساليب الفلسفية والتقديم والتأخير ونحوها.
2- قصر الخطبة.
3- قصر الفقر.
4- السجع غير المتكلف.
5- وحدة الموضوع غالبا.
6- التركيز على النواحي العقدية.
7- نبذ الخزعبلات والأساطير والبدع.
وبقي الناس يرددون خطب الإمام وعاد بعضهم إلى المدونات القديمة، إلى أن بدأ عصر النهضة سنة 1343هـ حيث بدأ الخطباء يحاولون الاستقلال عن المدونات القديمة ومن طلائع أولئك الخطباء الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ثم الشيخ عبد الله خياط والشيخ عبد العزيز بن عبد اللّه بن حسن آل الشيخ.
وفي آخر القرن الماضي صار الخطباء ينشئون خطبهم بأنفسهم غير أنهم صاروا إلى أمرين كانوا في غنية عنهما:
1- أنهم يدونون خطبهم ثم يقرأونها من الورق على المنابر، وفي هذا ما فيه من إضعاف التأثير، وعدم وضوح شخصية الخطيب.
2- ثم إنهم صاروا يتنافسون في طول الخطب، وفي هذا مخالفة لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله [إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة (أي دليل) من فقهه]. رواه مسلم.
صورة العضو الرمزية
By نهى المشيط
#1168
أشكرك اخي أحمد

حقيقةً ان موضوعك مرجع غني بالمعلومات


:idea: :idea: :idea:
By عبد العزيز ناصر الصويغ
#1195
السلام عليكم أخي أحمد على هذا الموضوع ولو تأملنا للأسف في الوقت الحاضر دخول عناصر ليس عندها أي معرفه بالأدب السعودي ويقال عنهم أدباء .
By احمد العبدالعالي
#1196
اشكركم على المرور اخواني
صحيح كلامك اخوي عبدالعزيز وكثير اشياء اصبحت دخيلهاا باايامنا هذي وماتمت بصلها لااصلهاا مااوقفت على الشعر
By بندر شويمي الشويمي
#1204
مشكووووووووور اخوي احمد على الموووضووووع


وانا مع اخووي عبدالعزيز

ننتظر جديدك