منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By زبــــن المطيري (1)
#12299
نعم وجه "مشرق" برز خلال هذا العدوان، وهو أمر لم يكن ليحدث لولا الخدمة "الجليلة" التي ارتكبتها "اسرائيل" في غزة.

اتحدث بداية عن الخسائر ـ بهذا المنطق ـ وان لم تكن هي بالفعل خسائر، الا ان العدوان الاسرائيلي اوقع نحو 1350 شهيدا، ونحو 5500 جريح، وتم تدمير نحو 22 الف وحدة سكنية، وتدمير 41 مسجدا بالكامل، واكثر من ذلك عدد المدارس التي هدمت بما فيها المؤسسات التعليمية الدولية، والقاء اكثر من مليون كيلو غرام من المتفجرات على غزة، وارجاع القطاع الى ما قبل 20 سنة ماضية.

اذن في ظل هذا الدمار والجرائم، كيف يمكن الحديث عن وجه "مشرق" لهذه الجرائم ؟.

لم تكن القضية الفلسطينية حاضرة في الاذهان كما هي عليه الآن منذ بداية النكبة واعلان قيام دولة الكيان الاسرائيلي في عام 1948، فحرب غزة احيت هذه القضية، واعادتها الى حضنها الاصلي وهو العربي الاسلامي، بعد "اختطاف" ومحاولة " تقزيم " القضية في شعب، ثم " قزمت" اكثر لتكون في افراد، ولكن العدوان الاسرائيلي اعاد هذه القضية الى حضنها العربي الاسلامي، فقد انتفضت الشعوب العربية الاسلامية، وتلاحمت في صورة لم تحدث منذ "سرقة" فلسطين.

معركة غزة تؤرخ اليوم لمرحلة جديدة من الصراع، فلأول مرة يخوض الفلسطينيون حربا مع اسرائيل على الارض الفلسطينية، ويستطيعون تحقيق انتصار فعلي، وهو ما يعني ان الصراع قد دخل مرحلة جديدة، وان القضية قد وضعت على الطريق الصحيح..

الأمر الآخر ان المقاومة اليوم باتت هي الرقم الصعب، وهي التي تحدد ميزان القوى، ولم تعد القضية مرهونة بما تمن به "اسرائيل" على الجانب الفلسطيني فيما يسمى بعملية السلام، او المفاوضات التي امتدت لأكثر من 17 عاما دون ان تحقق دولة، او تسترجع ارضا.

اليوم المقاومة هي التي تألقت، ففي الوقت الذي انخفضت فيه البورصات العربية، وتدنت الاسهم، وتدنت اسهم عدد من الدول العربية، فان اسهم المقاومة ارتفعت، وهي آخذة بالارتفاع يوما بعد آخر، مما يعني ان الاستثمار في هذا السهم مضمونة أرباحه، فلماذا لا تستثمر الانظمة العربية في أسهم المقاومة؟

الامر الثالث ان العدوان على غزة قد كشف عن وجوه عليها "غبرة"، ترهقها "قترة"، وكشف عن "متآمرين" و"متخاذلين" و"متواطئين"، سواء كان ذلك على مستوى الافراد او على مستوى الدول، ففي هذا العدوان تمحيص لهذه الامة، ومع كل عدوان جديد تتضح الصورة اكثر واكثر.

الأمر الرابع ان الصورة التي تعمل "اسرائيل" على تقديمها للعالم أنها دولة الحرية، وواحة الديمقراطية وحقوق الانسان... انكشف كل ذلك، وباتت تمثل امام شعوب العالم أنها دولة ارهابية، تعيش على دماء الابرياء، وتقتات على اجساد الاطفال والنساء..، فهذا العدوان قد كشف كل زيف "اسرائيل"، وكل ادعاءاتها الكاذبة، وهو ما دفع مختلف شعوب العالم للتعاطف مع غزة، والوقوف صفا واحدا مع الشعب الفلسطيني، ورأينا كيف طافت المسيرات والمظاهرات شوارع العالم.

الأمر الخامس.. فقد جاء تحرك العلماء الذي مثل أول تحرك عملي عبر زيارات قاموا بها لعدد من العواصم العربية، وهو ما افتقدناه في كل الأزمات التي مرت بها أمتنا.. هذا الدور المفقود سابقا، جاء اليوم ليذكرنا بدور العلماء في النصح للقادة والحكام، والتوجيه وقيادة الرأي العام في الاحداث الجسام التي تعرضت لها أمتنا عبر التاريخ، فجاء العدوان "الاسرائيلي" ليعيد للعلماء دورهم المفقود.

الأمر السادس.. أطفالنا اليوم يحلمون باللعب مع أطفال غزة، هذا التواصل الروحاني أحياه العدوان على غزة، فلا تكاد تسأل طفلا عربيا اليوم عن أمنيته حتى تجد الاجابة تسبق السؤال: أريد ان اكفكف دمع أخي في غزة.

أمر سابع ..لم تعد "اسرائيل" تمثل قوة لا تقهر كما هو الحال في السابق، فقد أسقطت المقاومة اسطورة الجيش الذي لا يقهر، وبات هذا الجيش في مواجهة المقاومة هو من يطلب "الاستراحة" ووقف القتال، فيما المقاومة تمطره بصواريخها حتى بعد اعلان وقف اطلاق النار.

نحن اليوم امام معادلة جديدة في الصراع ، يحكمها ميزان الردع لدى المقاومة، وتنطلق من الارض الفلسطينية مباشرة، وهي أرض الصراع والقتال الفعلي.

لذلك فاننا امام هذه الايجابيات التي تركها العدوان الاسرائيلي على غزة، فانه يجوز لنا ان نقول لعدونا "شكرا"، فقد وحدت صفوفنا، وكشفت عدد من "الاقنعة"، واسست لمرحلة جديدة من صراعنا معك.

ما حدث من دمار يحدث في كل مكان قد يتعرض لاعصار او فيضان، بل ان تسونامي آسيا قد خلف مئات الآلاف من القتلى والملايين من المشردين، ودمر مناطق بأكملها، فيما غزة ـ وإن تضررت مبانيها وارضها ـ قد ازدادت شموخا وعزة وقوة وعزيمة في مواجهة التحديات، وبات اطفالها يعلمون العالم معنى الصمود والكرامة.

العدوان "الاسرائيلي" على غزة أحيا الامة من جديد، وبث فيها روحا كان البعض يعتقد انها قد خرجت ولم تعد تسري في جسد الامة.

شكرا لك "اسرائيل" على عدوانك على غزة، وما اقترفت من جرائم، فقد برهنت أن مكانك ليس هنا، فكل من ارتكب مثل هذه الجرائم على أرض فلسطين لم يعمر فيها طويلا.. اقرأوا التاريخ جيدا وستعرفون ذلك.





للحفظ الحقوق منقولة من صجف اليوم 9 مارس 2009

الكاتب الصحفي جابر الحرمي
رئيس تحرير جريدة الشرق القطرية

وتقبلو نحيات اخزكم زبـــن المطيري 1