- الأحد يناير 04, 2009 12:26 pm
#10709
وأثرها على العالم اإسلامى
الظروف التي تشكلت فيها الأحلاف والتكتلات الدولية المعاصرة:
إن المفهوم الشائع للتكتلات والأحلاف الدولية المعاصرة هو المفهوم الأوربي، حيث كانت الـدول الأوربية تتحالف وتتكتل في مواجهة ضغط المدّ الإسلامي، ثم في مهاجمة المسلمين، والوقوف في وجه الدولة العثمانية بصورة خاصّة عندما طرقت أبواب أوربا وتوّغلت فيها، ثم تحوّلت وجهة الأحلاف والتكتلات إلى التنافس لاقتسام العالم الإسلامي، بعد أن بان ضعف المسلمين وعجـزهم، وقـد قادت الأحلاف والتكتلات الأوربية إلى التنافس الاستعماري وإلى السباق في التسلح، ثم إلى حروب مريرة مدمرة، وهكذا واصلت أوربا التفكير في مفهوم الأحلاف والتكتلات إلى أن وصلت إلى المفهوم المعاصر، وشاع عالمياً في ظل سيطرة وجهة النظر الأوربية على العالم، وإلاّ فالأحلاف والتـكتلات قديمة، قدم التاريخ نفسه، ونجد من الضروري إيضاح هذا المفهوم المعاصر:
إن كلاًّ من التكتل والحلف هو تجمع، يضمّ دولتين أو أكثر ويفترض مصلحة متماثلة وخطاً استراتيجيا معينا. وقد يكون التكتل بداية للتحالف، لكن الفرق بينهما أن الحلف عادة هو تجمع ذو أغراض عسكرية سياسية بالدرجة الأولى، وأما التكتل كقاعدة يستهدف التعاون في الشئون السياسية أو الاقتصادية بالدرجة الأولى.
فكل حلف هو تكتل، وكـل تكتّـل هو تجمُّـع، ولكن العكس ليس صحيحاً. والتحالف لابدّ أن يستند إلى معاهدة دولية بالمعنى الدقيق للتعبير، ولابدّ أن يكون له هيئات تسهر على حسن تنفيذ بنود هذه المعاهدة، بعكس التكتل الذي لا يشرط فيه بالضرورة مثل ذلك .
فالحلف في القانون الدولي والعلاقات الدولية إذاًَ هو علاقة تعاقدية بين دولتن أو أكثـر، يتعهـد بموجبها الفرقاء المعنيون بالمساعدة المتبادلة في حالة الحرب . وقد يكون التحـالف متوازنـاًَ بمعنى أن يكـون توازن المنافع ضمن التحالف متبادلاً تماماً - أي أن الخدمات التي يقدمها الأطراف لبعضهم فيه متعادلة مـع المنافع المتوخاة- وهذا لا يكون إلاّ بين دول متساوية في القوة، وتعمل لمصالح متطابقة. أما الشكل المعاكس لتوازن المنافع فهو الانتفاع الوحيد الطرف- بمعنى أن طرفا واحداً يتلقى المنافع في حين يتحمل الآخرون الأعباء- وهـذا لا يختلف كثيراً عن معاهدات الحماية التي ابتكَرتها السياسة الاستعـمارية الأوربية في إطار عصبة الأمم، ثم في إطار هيئة الأمم.
والواقع أن معظم الأحلاف العسكرية تُبرم بين دولة كبيرة وبعض الدول الصغيرة، بعد أن يدخل في روعها بأنها مهدّدة بخطر خارجي يُلجئها إلى هذه الدولة الكبيرة. فتتمكن الدولة الكبيرة بالتالي من فرض سيطرتها في وقت السلم والحرب، إذ تتضمّن هذه المعاهدات إنشاء تحالف عسكري ونظام للدفاع المشترك، والاحتفاظ بقواعد عسكرية في أراضي الدولة الصغيرة، مع السماح للدولة الكبيرة بحرية استخدام الموانئ والمطارات والمواقع الاستراتيجية ، وبالطبع فإن هذا لا ينطبق بالضرورة على كلّ الأحلاف القائمة، ولكنه هو الأعمّ الأغلب. فقد تتمكن دولة صغيرة من استغلال علاقتها بحليف قوي لدعم مصالحها .
والإسلام كلّف المسلمين بتبعات إنسانية تجاه البشرية، فهو دعوة إلى السلام، يحقّق سلام الفرد في نفسه، وسلام البيت، وسلام المجتمع، وسلام العالم في تناسق واطّراد بسبب نظرتـه الكليـة عـن الحياة . وقد جعل الله سبحانه وتعالى المسلمين أوصياء على البشرية. قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} . فكلّفهم سبحانه بتحقيق السلام عن طريق إفراد الله سبحانه وتعالى بالألوهية والربوبية والحاكمية، وإقامة العدل، وتحقيق المساواة بين الناس، وضمانات الحياة القانونية والمعيشية، ومنع البغي وإزالة الظلم، وتحقيق التوازن الاجتماعي والتكافل والتعاون، وإزالة الفرقة والخصام، والنزاع بين الأفراد وبين الجماعات، وسدّ الذرائع التي تدعو إلى قيام الطبقات وتميّزها وصراعها. كما جعل الله سبحانه وتعالى أمة الإسلام، أمة الوسط، أمة العدل والخيرية في كل شيء بين طرفي التفريط والإفراط، والتقصير والغلو في كل اتجاهات الحياة. قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} .
ومن هذا نرى أن التكتلات والأحلاف في الإسلام لا تقوم على أساس من المصلحة الاقتصادية أو السياسية... وإنما تقوم على الأسس التي وضعها الله سبحانه وتعالى، تلك التي ذكرناها، وعلى الوفاء بالعهد (ومنه المعاهدات الدولية) وعدم الغدر، خدمة للبشرية، وتنفيذا لما يأمر به الإسلام لتتحقّق الخيرية، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ، فالمسلمون مطالبون بأن تكون تكتلاتهم وأحلافهم على هذه الأسس التي بيّنها لهم الإسلام، وشرعها الله سبحانه وتعالى لهم، وليس على المصالح الدنيوية الآنية الزائلة.
وقد تميّز الزمن المعاصر بتقارب المسافات بين دول العالم، وشعوبه، وباتصال المجتمعات، وتشابك المصالح، وتعقّدها، وذلك يعود إلى: سهولة المواصلات البرية، والبحرية، والجوية، وتوافر وسائل الإعلام وتقدمها من صحافة، ومذياع، وتلفاز، وخيّالة، وفيديو، واتصالات سلكية ولا سلكية، وأقمار صناعية، وما حصل من تقدم علمي في مجال الفضاء، وسهولة تبادل النقد عن طريق البنوك، والمصارف، والحوالات، والشيكات، كما تميّز بالحرب الباردة بين ما يسمى (بالمعسكر الاشتراكي الذي تتزعمه روسيا)، وما يسمى (بالمعسكر الديمقراطي الغربي الذي تتزعمه أمريكا)، وبأساليب الجاسوسية المبتكرة، والتسابق في التسلح، والتنافس في إنتاج الأسلحة الفتاكة المدمرة وتكديسها، والتفنن في إدخال التعديلات عليها وتطويرها، وبالقلق الناتج عن البحث وراء الماديات، والتسابق في اقتناء الكماليات التي تغرق الأسواق، مع بريق الإعلانات والدعايات، وتسهيل الحصول عليها بالتقسيط !! وبخفوت الفكر الديني، والفراغ العقدي.
كل ذلك وغيره قاد العالم (دولا وشعوبا) إلى البحث عن التكتلات السياسية والعسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية وإلى التنسيق بين مجموعات الدول التي تلتقي في مصالحها، لتحافظ على نفسها، ونمّي مرافقها، أو لتحافظ على هيمنتها على غيرها، فظهرت بذلك تكتلات وأحلاف مختلفة توصف بالعالمية، والإقليمية، والوطنية، والقومية، والقارية، أسهم في صنع معظمها، وخطط لها القوى المتنفذة في العالم، ملبيّة الرغبة الملحة لدى بعض الدول، ومن أجل المحافظة على نفوذها وهيمنتها على تلك الدول وحتى لا ينفلت حبل النفوذ من يدها، ولما كانت تلك الدول المتنفّذة ذات حضارة غربية اعتمدت معظم التكتلات والأحلاف المصلحة أساسا دون العقيدة، وتوزعت البلاد الإسلامية على هذه الأحلاف والتكتلات، وتشتت بينها، الأمر الذي أضعف جهودها، وربطها بعهود ومواثيق مختلفة، تتناقض في أكثرها مع عقيدتها الإسلامية وشريعتها، حيث ضعف صوت الإسلام، وخفت دوره في مواثيق هذه التكتلات، فسارت الأمور لصالح الدول المتنفّذة، صاحبة القوة والسلطان، وصاحبة التخطيط لمعظم هذه الأحلاف "اللعبة" وأصبح ما يسمى بالعالم الثالث [ والذي يعدّ الإسلام مرشحاً لزعامته] نهباً مقسّماً، موزعا على تلك الأحلاف والتكتلات الدولية.
وفيما يلي نبذة عن أهم هذه التكتلات والأحلاف الدولية، ومن خلال عرضها يظهر جلياًّ أثرها على العالم الإسلامي ومسيرته.
أولاً: هيئة الأمم المتحدة: ( U. N)
مع بداية القرن الرابع عشر الهجري، ظهر ضعف الدولة العثمانية، والعالم الإسلامي للعيان، وفقدت وزنها أمام الدول الأوروبية القومية المتغطرسة، وخاصة روسيا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والنمسا، وإيطاليا. فاتجهت تلك الدول لاقتسام أملاك الدولة العثمانية فيما أسموه: حل المسألة الشرقية ، وقد ازداد الإنتاج الصناعي في تلك الدول، وسيطرت عليها الرأسمالية، واشتدت حركة القوميات ، ورغبة السيطرة، وشهوة التسلّط، فأخذت تتسابق على المستعمرات للحصول على المواد الأوّلية الرخيصة الثمن، السوق الأعظم لاستهلاك المواد المصنّعة، فأدى ذلك إلى اشتداد المنافسة بينهما، فتكونت نتيجة ذلك الأحلاف، إذ تقاربت بريطانيا وفرنسا وروسيا رغم ما بينها من عداء. فانقسمت أوربا إلى كتلتين متنافستين، واشتد سباق التسلّح، ومع وجود الأزمات - وخاصة أزمة البلقان - اندلعت شرارة الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م) التي انتهت بانتصار الحلفاء وهم: بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا ( التي انضمت للحلفاء أثناء الحرب) والولايات المتحدة ( التي عادت لعزلتها بعد انتهاء الحرب).
وقامت الدول المنتصرة بإنشاء عصبة الأمم، وقد هيمنت عليها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، واتخذتها ستاراً لاقتسام العالم. واعتبرتها هيئة دائمة، تشدّ أزرها الحكومات القومية.
وتألفت عصبة الأمم من جمعية عمومية مؤلفة من مندوبين يمثلون الدول الأعضاء في العصبة، تنعقد مرة كلّ عام لمدة شهرين في جنيف مقرها الدائم، ومن مجلس كان يتكون أولا من تسعة مندوبين، خمسة منهم ينوبون عن الدول الكبرى التي لها كراسي دائمة في مجلس العصبة وينعقد هذا المجلس أكثر من مرة في العام. وتعدّ سكرتارية العصبة (وهي هيئة دولية من الموظفين المدنيين) أعمال الجمعية والمجلس كما أنها تشرف على تنفيذ أعمالها .
وقد بلغ أكبر عدد لأعضـاء العصبـة (ستـين دولـة)، وانضمت لها روسيا عام 1934م، في حين انسحبت منها اليابان عام 1933م، ورفضت الولايات المتحدة الانضمام إليها مؤثرة العزلة عن مشكلات أوربا، وكان للصهيونية نشاط كبير في تكوينها من أجل تحقيق أهدافها تحت ستار الشرعية الدولية.
وميثاق العصبة حمل بذور فشلها، فقد كانت رابطة دول ذات سيادة، ولم تكن اتحاد دول، وكـانت القرارات يلزمها الإجماع، وهذا أضعف مواقفها ولم تكن تملك القوة الضرورية لغرض احترام مقرراتها،، وانصبّ نشاطها على المحافظة على "الحالة الراهنة"، وبذلك عملت لصالح بعض الدول وخاصة بريطانيا وفرنسا ولم تتفق على شيء كاتفاقها ضد مصالح المسلمين: فقد أقرّت مبدأ الانتداب والوصاية، كـما اعترفت بوعد بلفور، وأصدرت صك الانتداب على فلسطين يتضمّن تكليف بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور بمشاركة الوكالة اليهودية.
وعن وضعها العام عبّر المؤرخ الأمريكي ( كاتانو سلفيميني ( GAETANO SALVEMINI الأستاذ في جامعة " هارفرد" عن رأيه فيها وقال: "إن تاريخ عصبة الأمم بين الحربين الأولى والثانية هو تاريخ الغدر، والحيل، والخيانة" فمن الطّبيعي أن تفشل العصبة في محاولاتها منع استخدام القوة في فضّ المنازعات الدولية، وفي الحدّ من التسلُح بين الدول، فعادت حدّة سباق التسلّح، وعادت التكتلات والأحلاف، وانقسمت أوربا ثانية إلى:
أ) الحلفاء من الإنجليز والفرنسيين.
ب) دول المحور: ألمانيا، وإيطاليا. وانضمت إليهما اليابان. وتمثلت فيها الدكتاتوريات.
فعاد التنافس بشكل أشدّ عمّا كان عليه قبل الحرب العالمية الأولى، وأدّى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية ( 1939-1945م).
وفي أثناء هذه الحرب الثانية ظهرت فكرة تطوير عصبة الأمم على اسم جديد هو: هيئة الأمم حيث ظهرت أفكار إنشائها عام 1941م بميثاق الأطلسي بين روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وتشرشل رئيس وزراء بريطانيا.
وتلا ذلك مشاورات كثيرة أثناء الحرب بين دول الحلفاء وبشكل خاص: الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وعقدت مؤتمرات بشأن إنشاء هيئة الأمم أهمّهـا:
أ- اجتماع البيت الأبيض عام 1942م الـذي أسفر على تصريح الأمـم المتحدة من قبل ممثـلي (26) دولة. ذكر فيه ميثاق الأطلسي مع إضافة الحرية الدينية .
ب- مؤتمر موسكو عام 1643م الذي ضم: الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، وبريطانيا، ومثل هذه الدول: روزفلت، وستالين، وتشرشل. وقد اعترفوا بضرورة وضع تنظيم دولي في أول ساعة ممكنة يقوم على: مبدأ المساواة في حقوق السيادة بين جميع الدول المحبة للسلام، وتعهـدوا بفـتح باب العضوية لجميع هذه الأمم صغيرها وكبيرها، كي تعمل على كفالة السلام، والأمن الدوليين .
ج- مؤتمر طهران عام 1944م وضم روزفلت، وستالين، وتشرشل وأكدوا فيه ما سبق.
د- مؤتمر "دمبرتن أوكس": حيث اجتمع ممثلو بريطانيا، وروسيا، والولايات المتحدة، والصين في فندق "دمبرتن أوكس" بواشنطن عام 1944م، وعملوا على وضع مشروعات تمهيدية لمنظمة دولية. ووضعوا خطوطها العريضة .
هـ- مؤتمر يالطا عام 1945م بين روزفلت وتشرشل، وقد بحث فيه أمر المنظمة .
و- مؤتمر سان فرانسيسكو في مارس عام 1945م، وقام بالدعوة إلى هذا المؤتمر كلّ من: روسيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، والصين. وقد اشتركت فيه فرنسا دون أن تكون داعية إليه باعتبار أنها لم تساهم في مؤتمر "دمبرتن أوكس" ولا في يالطا. وحضره مندوبون عن إحدى وخمسين دولة. حيث تم في 26 يونيو من العام نفسه الموافقة على ميثاق الأمم المتحدة في اليوم نفسه. واتخذت مقرها الدائم في نيويورك (امبراير ستايت).
وقد تضمنت شرعة الأمـم (19) فصلا في (111) مادة، عرّفت أولاً مبادئ المنظمة وأهدافهـا، (الديباجة والفصل الأول)، ثم وصفت مختلف الهيئات، وكيفية سير أعمالها. وقد حدّدت أهدافها في :
1- حفظ السلام والأمن في العالم، وذلك بمقاومة الأخطار التي تهدد السلام العالمي، ومنع الحروب واستعمال القوة في حل المشكلات.
2- تنظيم وتوثيق التعاون الدولي، ومدّ يد المساعدة للدّول المختلفة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والفنية.
3- حل المشكلات الدولية والخلافات الإقليمية بالطرق السلمية عن طريق المفاوضة والتوفيق، أو الوساطة، أو التحكيم.
وتكوّنت الهيئة من الأجهزة الرئيسية التالية:
1- الجمعيـة العموميـة:
وتكـونت من جميع الـدول الأعضاء: التي بلغ عددها عام 1987م (151دولة). ويمثل كل عضو فيها مندوبون لا يزيد عددهم على خمسة لهم جميعاً صوت واحد. وتقوم الجمعية: بتوثيق العلاقات والتعاون الدولي، وبحث المشكلات التي تؤثر في السلم، والأمن العالمي. وتسوية الخلافات بين الدول، والمحافظة على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وزيادة التضامن الدولي في ميادين الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والتربية، والصحة. وإقرار ميزانية الأمم المتحدة، وانتخاب أعضاء وموظفي الأجهزة الأخرى التابعة لهيئة الأمم.
وتصدر الجمعية قراراتها في المسائل الهامة بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين. وتكتفي في المسائل العادية بالأغلبية العادية.
ومما يجدر ذكره أن سلطات الجمعية استشارية محضة، فهي تدرس وتناقش، وتوصي، وتفحص التقارير، ولا تقرر أبداً فيما عدا الموافقة على عضوية دولة من الدول.
2- مجلس الأمـن:
ويتكـون من خمسة أعضاء دائمين هم ممثلو: الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، والصين (الوطنية سابقا، والشعبية حالياً). ومن ستة أعضاء غير دائمين يكون انتخابهم لمدة سنتين. وقد زيد عدد الأعضاء غير الدائمين إلى خمسة عشر عضواً.
وتصـدر القرارات في المسائل الهامة بالأغلبية العددية على أن يكون منها الأعضاء الـدائمـين الخمسة. كما يحق للأعضاء الدائمين استعمال حق الفيتو (النقض) لأي قرار يعرض على المجلس. وهذا أدّى إلى تسلّط الدول الكبرى على هذا المجلس. وضياع أي حق ما لم يوافق هواهم جميعاً.
ويقوم مجلس الأمن: بالمحافظة على الأمن والسلام في العالم بالتعاون مع الجمعية العـامة (طبعـاً بمفهوم الـدول المهيمنة)، واتّخاذ قرارات بتوقيع عقوبات اقتصادية، أو إجراءات لمنع وقوع العدوان، أو لوقفه، واتّخاذ إجراء حربي ضد المعتدي في ظروف خاصة. وقد وافقت جميع الدول الأعضـاء على أن تضع تخت تصرف المجلس أية قوات مسلحة، وتقدم كل تسهيلات عسكرية يطُلب منها أو يتفق عليها .
3- الأمانة العامة: (السكرتاريا):
وتتألف من أمين عام تعينه الجمعية العمومية للهيئة، ومن عدد من الموظفين.
ويمثل الأمـن العام حلقة الوصل بين الجمعية العمومية ومجلس الأمن، وبين الدول الأعضاء ذات المصلحـة، وبين مجلس الأمن والجمعية العمومية. كما تنظم الأمانة أمور اللجان الأخرى.
4- المجلس الاقتصادي والاجتماعي:
ويتألّف من ثمانية عشر عضـواً، تنتخبهم الجمعية العمومية، ومهمته تقديم خدمات اقتصادية، واجتماعية، وصحية، وثقافية للدول الأعضاء، عن طريق وكالات متخصّصة في هذه الميادين، يتعاون بعضها مع الآخر عن طريق المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي يقوم بدور جهاز التنسيق. ومن أهم هذه الوكالات:
منظمة الأغذية والزراعة: F. A. O ، ومنظمة اليونسكو للثقافة والتعليم U. N. E. S. C. O ومقرها باريس. ومنظمة العمل الدولية L. L. O، ومنظمة الصحة العالمية W. H. O والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة اللاجئين الدولية .U. N. R. W. A
5- محكمة العدل الدولية:
وتتألف من قضاة من كبار رجال القانون من مختلف الدول. ومركزها مدينة لاهاي في هولندة. ويعود تأسيسها إلى عام 1921م للنظر في الخلافات بين الدول، والمطالب التي تتقدّم بها على ضوء المعاهدات والاتفاقيات الدولية القائمة .
6- مجلس الوصاية:
وحل محل لجنة الانتدابـات الدائمة القديمة. ويشرف على شئون المستعمرات السابقة لدول المحـور ( ألمانيا، وإيطاليا، واليابان). ويتألف من أعضاء الدول التي تتولى إدارة تلك البلدان.
وقد انضمت الدول الإسلامية المستقلة إلى منظمة هيئة الأمم منذ تأسيسها وتوقيع ميثاقها، فضمت المملكة العربية السعودية، وتركيا. وقبلـت فيها أفغانستان عام 1946م ثم انضمت إليها اليمن والأردن وألبانيا عام 1947م، وإندونيسيا عام 1948م. كما ضمّت هذه المنظمة الكيان الصهـيوني في فلسطين باسم "دولة إسرائيل" التي اعترفت بها أمريكـا والاتحاد السـوفيتي من أول إعلانها عام 1948م . كما انضمت إليها الدول العربية والإسلامية تباعاًَ بعد استقلالها.
وقد عرضت القضية الفلسطينية على الهيئة مراراً ولا تزال، كـما عرضت عليها القضايا الإسلامية المختلفة، والمتتبع للأحداث يجد أن هذه القضايا لا تحل في اجتماعات هيئة الأمم وقاعاتها ومناقشاتها. فهي لا تعدو أن تكون منبراً دولياً تعرض عليه مشكلات الأمم، ومجلس الأمن مجمّد بنظام الفيتو فهو غير قادر على اتخاذ قرارات في الحالات الخطيرة، والجمعية العامة لا تستطيع أن تصدر إلاّ توصيات، كما أنه من الممكن أن يطرح كل بلد مهما كان صغيراً توصيات الجمعية، وأعمال اليهود في فلسطين، وأعـمال الحكومة العنصرية في جنوب أفريقيا ماثلة للعيان .
ثانياً. مجموعـة الدول الـ 77:
ظهرت هذه المجموعة في إطار هيئة الأمم، فقد دعت الأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر للتجارة والتنمية من أجل بحث إمكانية توسيع التبادل التجاري بين الدول النامية والدول المتقدمة صناعياً. والتعاون من أجل بناء مجتمع دولي متعاون. وفي نطاق هذا المؤتمر الذي أصبح يعقد بصورة دورية تجمعت سبع وسبعون دولة من الدول النامية في قارات: آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وعقدت أول مؤتمراتها عام 1964م في نيودلهي عاصمة الهند، وعقدت مؤتمرها الثاني في مدينته الجزائر عام 1967م، وانضم عدد من الدول النامية الأخرى إلى هذه المجموعة حتى بلغ مجموع أعضائها عام 1974م خمسا وتسعين دولة. وأما أثرها فضئيل. ومعظم دول العالم الإسلامي أعضاء في هذه المجموعة.
ثالثاً: دول حلف الأطلسي : n. a. t. o
وهذا الاسم نسبة إلى شمال المحيط الأطلسي.
تعـرّض الاتحـاد السـوفييتي في الحرب العالمية الثانية عام 1941م إلى هجوم ألماني صاعق، فدفع ذلك روسيا إلى الانخراط في المعسكر الديمقراطي الغربي ضد ألمانيا النازية، وهذا أدّى إلى إعادة النظر في الوضع السياسي بين لندن وواشنطن. فقابل الرئيس الأمريكي (روزفلت) رئيس وزراء بريطانيا "تشرتشل" في 14 آب (أغسطس) عام 1941م على ظهر الـدارعة الإنجليزية (أمير ويلز) الراسية في جون الأرض الجديدة ووضعا صكاً يُعتبر أول مَعْلم وُضع لتشكيل تضامن شعوب الأطلسي. إذ اتفقت الدولتان على :
ألاّ تُحدثـا أي تغيير أرضي مضاد لأماني الشعوب، ويحقّ لكل شعب اختيار شكل الحكم بحـرية، ولجميع الشعـوب الحق في الـوصول إلى المواد الأولية، وترجوان التعاون الاقتصادي بين جميع الدول. وأنّه بعد تقويض النازية يجب أن يشمل السـلام الأمن الدولي وحرية البحار، وأعلنا عن تخفيض عَام للتسلح!
وأسفرت الحرب العـالمية الثانية (1939-1945) عن ظهور قوتين غربيّتين: روسيا، وأمريكا. تحاول كل منهما فرض أيدلوجيتها على العالم، والحلول محلّ أوربا الغربية في السيطرة على العالم، والهيمنة عليه. وتسابقتـا في التسلح، وتزعمتا العالم في الأبحاث الخاصة بالذّرة واستعرت بينهما الحرب الباردة.
وقـد ظهرت روسيا السوفيتية بمظهر الزعيم المـدافـع عن النظام الاشتراكي (الأيدلوجية الشيوعية)، وظهرت أمريكا بمظهر الزعيم الممثل للنظام الديمقراطي الغربي (الأيدلوجية الرأسمالية الليبرالية). واشتدت الحرب الباردة بين الطرفين، وتمت القطيعة بـين النظامين عام 1947م لتسير كل منهما في تكوين حلف تتزعمه لاقتسام العالم تحت اسم: المعسكر الشرقي، والمعسكـر الغربي. وأحست الدول الأوروبية بالخوف فبحثت عن أحلاف وتكتلات فكان ميثاق بروكسل (عاصمة بلجيكا ) عام 1948 م الذي ضمّ دول البينولوكس الثلاثة وهي: هولندة، وبلجيكا، ولكمسبورج، باقتراح من بريطانيا وفرنسا. وقد وافقت الحكومات الثلاث على معاهدة لمدة خمسين سنة، نصّت على معونة عسكرية آلية في حالة عدوان ضد أحد موقعيها في أوربا، وعلى تبادل المشورة في حالة عدوان في قارة أخرى غير أوربا، أو في حالة تهديد ألمانيا لأيّ منها. كما أكدت على منع وقوع الأقطار الأوروبية تحت النفوذ السوفييتي، ونصت على إنشاء مجلس استشاري ينعقد بناء على طلب أحد الأعضاء. وتضمّنت تقـوية الـروابط الثقافية والتبـادل التجاري بين هذه الأقطار ، كـما ظهرت الرغبة عندهم في التعاون مع الولايات المتحدة التي وضعت شرطاً هو: التنظيم المسبق في أوربـا لسياسة الدفاع ضد كل عدوان من حيث أتى . فبدأ الكلام عن ميثاق أطلسي مُحتمل، يضّم اتحاد بروكسل والولايات المتحدة وكندا.
وفي الوقت نفسه كانت الدول الاسكندنافية وهي: النرويج، والسويد، تفكّر في تحقيق ميثـاق خاص. وفي جنـوب أوربـا اقترح "تسالداريس" وزير خارجية اليونان على "بيفن"- رئيس وزراء بريطانيا اشتراك إنكلترا وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، واليونان للدفاع عن البحر المتوسط .
فتهيأ الأمر لميثاق الأطلسي بزعامة أمريكا، ونقّح النصّ الكامل للميثاق في 8 آذار (مارس) عام 1948م ووصل إلى باريس، ثم إلى لندن، ونوقش من قبل مجلس الخمسة الاستشاري دون إدخال تعديلات. وفي 15 آذار دعا الخمسة والولايات المتحدة وكندا إلى اشتراك النرويج، والدانمارك، وأيسلندا، والبرتغال في الميثاق وفي نيسان (أبريل) عام 1949م تم توقيع الحلف في واشنطن من قبل اثنتي عشرة دولة وهي: الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، و بلجيكا، ولكسمبورج، والنرويج، والدانمارك، والـبرتغال، وكندا، وأيسلندا. ثم انضمت تركيا واليونان عام 1952م إلى هذا الحلف. وكذلك ألمانيا الغربية عام 1955م .
وادّعى منشئو هذا الحلف أن طابعه دفاعي، وأنه موجّه ضد خطر العدوان الشيوعي على أوربا الغربية وأعربت دول الحلف عن الثقة بأهداف هيئة الأمم المتحدة ومبادئها، ونصّت مقدمته على رغبة المتعاقدين في السلام، والتصميم على حماية النظام الديمقراطي- النموذج الغربي- بالقوة.
وتعتبر البنود العسكرية هي الأساسية من بين بنوده. ففي المادة الرابعة ميّزوا بين التهديد والعدوان. ففي حالة التهديد تتشاور الأطراف ويكفي لتعريف التهديد أن يصرّح أحدهم أنـه موجود. وأما البند الثامن في المعاهدة فإنه يخضع جميع الاتفاقيات الأخرى الدولية، وبالتالي كل سياسة المشتركين في حلف الناتو في حكام هذه المعاهدة .
ودخـل الميثـاق حيز التنفيذ في 24 آب (أغسطس) عام 1949م وأنشئ مجلس عسكـري لتحقيق أغراضـه، وقيادة عامـة للحلف. كما أنشئت "الوحدة الاستراتيجية الدائمة" لتأمين إدارة العمليات العسكرية وهي تتألف من ممثلين من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا. وتحت أمرها خمس وحدات إقليمية للعمليات: كندا في أمريكا. وشمال الأطلسي، والشمال الأوروبي، والغرب الأوروبي، والجنوب الأوروبي للمتوسـط الغربي. وقد عُينّ الجنـرال (دوايت ايزنهاور) قائداً أعلى في أوربا عام 1950م. كما خوّلت السلطة التنفيذية إلى مكتب دائم دعوه: "مكتب الثلاثة عقلاء" عام 1951م .
وقد تحوّل الحلف إلى أداة كبّلت بواسطتها الدول الداخلة فيه بقيود التبعية العسكرية للولايات المتحدة. كـما حوّلت إلى رؤوس جسور خطيرة لمرابطة القوات الأميركية، وإقامة القواعد النووية، وغيرها من القواعد العسكرية الأميركية بأشكالها المتعدّدة، وإلى مصادر للموارد البشرية، والأسلحة الإضافية المطلوبة للاستراتيجية الأمريكية . فقد تحدث الجنرال الأمريكي (جرونتر) بعد إنشاء الحلف فقال: "يحلو لنا ذلك، أم لا، ولكن رداء قيادة العالم يقع على أكتافنا، ونجاح هذا الحلف وسيتوقف على مقدار ما نستطيع تحقيق هذه القيادة " .
وقد قام الاتحاد السوفيتي بحملات عنيفة على هذا الحلف وهاجمه بشدة بالصحافة والإذاعة . وذلك بهدف ضمّ الدول الأخرى إلى جانبه. الأمر الذي يدعونا إلى القول مطمئنين: أن اتفاقاً سرياً حصل بين ما يسمى بالعملاقين لاقتسام العالم، وكبت القوى التي يمكنها الوقوف أمام كل منها وخاصة الإسلام. وقد تحولت أمريكا بموجب هذا الحلف إلى شرطي يفرض هيمنته على العالم، ويتدخل في كل قضاياه صغيرة أو كبيرة. وأمام ذلك انسحبت فرنسا عام 1966م رسمياً من الجهاز العسكري تبعاً لسياسة ديغول في أن يكون لأوربا وجود مستقل عن أمريكا، والاتحاد السوفيتي، فانتقل مركز الحلف من باريس إلى بروكسل. وألغيت "الإدارة التنفيذية للجنة العسكرية" وأوجدت جهازاً جديداً أطلق عليه اسم: " الهيئة العسكرية الدولية" .
ومن حلف الأطلسي انبثق: "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" e. c. d. o. بقصد ربط دول أوربا الغـربية بعجلة الاقتصاد الأمريكي. ومنافسة للسوق الأوروبية المشتركة. وضمت إلى جانب دول الحلف بعض الدول المحايدة مثل: النمسا، والسويد، وسويسرا، وفنلندا، ويوغسلافيا.
رابعاً: دول حلف وارسو : warso pact
نسبة إلى وارسو عاصمة بولندة (بولونيا).
كان الاتحاد السوفييتي قد سيطر أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها مباشرة على أوربا الشرقـية سيطرة كامـلة. حيث شملت عام 1948 م: ألمانيا الشرقـية، وبـولنـدة، وتشيكوسلوفاكيا، وهونغاريا، ويوغسلافيا، وألبانيا، وبلغاريا، ورومانيا. وربطت روسيا هذه البلدان بها بمعـاهدات ذات طابع سياسي وضعت أولياتها زمن الحرب ، أطلقت عليها اسم: (علاقات الصداقة والمساعدة المتبادلة بين الاتحاد السوفييتي ودول الديمقراطية الشعبية) . واعتمدت على قيام أنظمـة شيوعية مخلصة لموسكو، ترتكز على دكتاتورية البـرولوتاريا (الـطبقـة العاملة) ، واعتمدت في الحكم على القهر، والتضييق، وكبت الحريات على مختلف أشكالها وألوانها.
وبعد القطيعة بين روسيا وأمريكا عام 1947 م أشرفت روسيا على عقد معاهدات بين الدول التي تسير في فلكها، بعضها مع بعض . كما عقدت مع الصين الشيوعية معاهدة للصداقة والتحالف والمساعدة المتبادلة عام 1950م ، وأنشأت جمهورية ألمانيا الشرقية عام1949 م . وأخـذت تصـدر الشعارات الاشتراكية إلى بلاد الإسلام، باسم التقدمية، ومحـاربـة الـرجعية والاستعـمار والـرأسـمالية، فاستهوت كثيراً من الناس، وخفت صوت الإسلام، وضُرب المسلمون ضربات موجعة تحت اسم هذه الشعارات في بلاد الإسلام الـتي في الاتحاد السوفييتي، وفي يوغسلافيا، وأوربا الشرقية، والصين، ومصر، وإندونيسيا، والهند الصينية. ثم في أقطار إسلامية أخرى.
ولما وقع ميثاق حلف الأطلسي حمل الاتحاد السوفييتي مع منظومته الاشتراكية عليه بشدة ونظم مؤتمراً في موسكو عام 1954م يبحث الأمن الأوروبي ودعا إليه البلاد الغربية: بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، فرفضت. وعليه فقد اشتركت منظومة الاتحاد السوفييتي في هذا المؤتمر وحدها. وأعلن التصريح الختامي هذا المؤتمر: "بأن الموقعين في حال تصديق المعاهدات التي تستأنف فيها ألمانيا الحياة العسكرية على استعداد لاتخاذ إجراءات مشتركة تتعلق بتنظيم قواها المسلحـة وقيادتها" .
ثم أخذ الاتحاد السوفييتي بفسخ معاهدات تحالفه مع بريطانيا وفرنسا.
وفي عام 1956 م قام بعقد مؤتمر وارسو للكتلة التي دعاها "الشرقية" بزعامته. وأسفر هذا المؤتمر عن توقيع معاهدة حلف وارسو بين ثمانية بلاد من تلك التي تسير في فلكه، وتأتمر بأمره. وهي بالإضـافة إلى الاتحاد السوفييتي: بولندة (بولونيا)، وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا الشرقية، ورومانيا، وبلغاريا، وألبانيا، وهونغاريا.
وبنود الميثاق نسخة عن ميثاق الأطلسي وتنصّ مادته الخامسة على: "تنظيم قيادة عسكرية موحدة، يُعهد بها إلى الماريشال السوفييتي كومنيف" .
وحلف وارسو لم يغيرّ واقع الكتلة العسكرية الشرقية، ولكنه أعطاها معنى مؤثراً، وكرّس انقسام العالم إلى كتلتين، وألقى الرعب في قلب من كان يحاول أن يقف في وجه الكتلتين. وقد هاجمته أمريكا بالدرجة نفسها التي هاجم بها الاتحاد السوفييتي حلف الناتو، وذلك للعمل على جرّ الدول الأخرى إلى السير في مخططاتها، والارتماء في أحضان إحدى الكتلتين.
خامساً: السوق الأوروبية المشتركة:
) المجموعة الاقتصادية الأوروبية ( E. E. C.
كانت فرنسا قد فقدت دورها الاستعماري، ونفوذها بعد الحرب العالمية الثانية أمام الكتلتـين الشرقية، والغربية، فقامت بمشاريع للعمل على تكتل أوربا لإعادة دورها. فتكـوّنت بجهودها "مجموعة الأسرة الأوروبية للفولاذ والفحم" عام 1951 م، من دول: فرنسـا، وألمـا نيا الغربية، و إيطاليا، وبلجيكـا، ولكسمبـورغ، وهولنـدة . واتخـذت لكسمبورغ مركزاً لها.
وانبثقت من هذه الأسرة فكـرة "الدمج الأوروبي" حيث تكوّنت "جمعية مختصّة"، تألفت من جمعية أسرة الفولاذ والفحم، ومن تسعة أعضاء. وكلّفت عام 1952م بتحضير- دستور سياسي أوروبي. وتبنت هذه الجمعية مشروع معاهدة يتضمّن نظام الأسرة الأوروبية ذات الطابـع "فوق القومي" يكون لها نظام: برلمان من مجلسين نواب وشيوخ، ومجلس تنفيذي مسئول أمـام البرلمان، ومجلس وزراء وطنيين، ومحكمة عدل، ومجلس اقتصادي واجتماعي. ولكن المشروع اصطدم بتحفظات كثيرة فتراجعت عنه فرنسا عام 1954م بعد أن رفضها البرلمان الفرنسي وعادت إلى أسلوب التكتل الاقتصادي. فاجتمع مؤتمر الوزراء الستة في مسينا عام 1955م، وأعقب هذا الاجتماع ثمانية اجتماعات أخرى أسفرت في النهاية عن وضع مشروع "السـوق الأوروبية المشتركـة" في الاجتماع الثامن بروما عام 1957 م. ووقّعت المعاهدة. ووافقت اللجنة على نقطة ركزّت عليها فرنسا وهي: "إدخال ما وراء البحـار في السـوق المشتركة". وقد تولىّ أمرها سلطة عليا هي: مجلس الوزراء، ويساعده لجنة أوروبية تتألف من خبراء تكلّف بتحضير عمل الوزراء. وأصبحت السوق الأوروبية المشـتركة، والأسرة الأوروبية للفولاذ والفحم مؤلفة من (14)، برلمانياً، تعطي آراءهـا بأكثرية الثلثين في مراقبـة اللجنـة الأوروبية وتساعـدهـا: اللجنـة الاقتصادية والاجتماعية، واللجنة النقدية، وتوجد محكمة عدل، وبنك أوروبي للتوظيف برأسمال قدره مليار دولار . وأعلنت المجموعة أهدافها في :
أ- إزالة التعرفة الجمركية بين الدول الأعضاء تدريجياً وعلى مراحل وضّحتها وبيّنتها، وسارت في تطبيقها.
ب- إقامة تجارة فيما بين دول السوق، وفتح الحدود تدريجياً لحركات العمال، ورؤوس الأموال، عبر الحدود الوطنية .
ج- وتخضع بلاد ما وراء البحار التي تُقبل في هذه المجموعة للتجربة لمدة خمس سنوات.
ووقّعت سبـع دول أوروبية على ميثاقها هي: فرنسا، وألمانيا الغربية، وإيطاليا، وهولندة، وبلجيكـا، ولوكسمبورغ، والدانمارك. وانضمت لها ايرلندا عام 1963 م، وبريطانيا عام 1967 م.
وكـانت بريطانيا قد تزعمت منافسة هذا السوق في بداية الأمر وكَوّنت: "الرابطة الأوروبية للمبادلة الحرّة" بزعامتها عام 59 19 م، ووصفت السوق الأوروبية: "بالحصار القاري". وتكونت الرابطة من: بريطانيا، والدانمارك، والنرويج، والسويد، والبرتغال، والنمسا، وسو يسرة. ولكن الرابطة فشلت لعدم تجانسها، وتبعثرها الجغرافي ، ثم لاتجاه زعيمتها "بريطانيا" للسوق الأوروبية المشتركة.
هذا وقد حقّقت السوق الأوروبية النجاح على أكثر من صعيد، وأصبحت واضحة الأثر في الحياة الأوروبية اليومية، رغم ما كان بين دولها من تاريخ دموي حافل بالحروب، والضغائن، والإثارة منذ ما قبل حروب نابليون إلى الحرب العالمية الأولى ثم الثانية . فقد نجحت هذه الدول في تأمين أرضية مشتركة لتنسيق الأهداف والبرامج، ودمج المصالح، ومنـع التعـارض والتضـارب والتنافس فيما بينها. فأدى ذلك إلى تحقيق نوع من التكامل الاقتصادي الأوروبي، الذي أدّى بدوره إلى نوع من التطور السياسي والعسكري بحيـث أصبحت السياسات الدفاعية الخارجية، والداخلية لمختلف دول السوق شبه موحدة .
ونرى في الآونة الأخيرة (ويا للأسف) تهافت أكثر من دولة من دول بلاد الإسلام على طلب الانضمام إلى السوق الأوروبية بهدف الإفادة من عضويتها الآنية، دون النظر إلى أبعاد ذلـك على التأثيرات على عالم الإسلام، واستغلاله لمصالح تلك الدول الصناعية. التي نجحت في التحكم في أسعار المواد الأولية التي في معظمها في بلاد الإسلام، كما نجحت في، رفـع أسعار المـواد المصنّعة المصدّرة إلى بلاد الإسلام. فأثر ذلك كثيراً على أوضاع بلاد المسلمين، وعلى نقدها.
سادساً: حول الكومنولث :common wealth
ابتكرت بريطانيا نظام الكومنولث (رابطة الشعوب التي تتكلّم الإنجليزية) لتحافظ على نوع من السلطة على البلاد التي كانت تسيطر عليها، وبدأت تكوينه مع كندا عام 1867م، بعد أن نجحت في صدّ الولايات المتحدة عنها .
وبعد الحرب العالمية الأولى رسمت سياسة أسمتها: "التفضيل الإمبراطوري" لتحقيق لون من ألوان الاكتفاء الذاتي الاقتصادي والسياسي، بالتضامن مع مستعمرات الدومنيون، ومستعمرات التاج. وقد قبل المؤتمر الإمبراطوري عام 1930م تقرير بلفور الذي أعلن فيه أن بريطانيا وممتلكاتها المستقلة متساوية في حقوقها في الحكم الذاتي داخل نطاق الإمبراطورية البريطانية، ولكنها جميعاً ترتبط بالتاج برباط الولاء المشترك، وقد عبّر عن هذه المبادئ دستور وستمنستر عام 1931م الذي نصّ على قيام الكومنولث البريطاني، المكوّن من أقطار مستقلة مرتبطة ببعضها برباط المواطنة إلى رابطة الشعوب البريطانية . وبيّنت هذه السياسة في مؤتمر رؤساء وزارة الإمبراطورية الذي عقد في أوتاوا (كندا) عام 1932م. وكانت الأراضي الخاضعة للتاج البريطاني تنتمي إلى ثلاثة أقسام وزارية كبيرة حتى عام 1944م وهي:
أ- وزارة الدومنيون، وتشرف على كندا، واستراليا، وزيلندة الجديدة، واتحاد جنوب أفريقيا، ودولة ايرلندا الحرّة. وكان لجنوب أفريقيا وضع خاص، على أساس النظام الذي وضع عام 1926م، على أساس المساواة، والاستقلال الذاتي، والولاء للتاج البريطاني. ولما تحررت الدول تلك من الرقابة البريطانية بقيت تقيم مع بريطانيا علاقات خاصة فتحولت وزارة الدومنيون إلى: وزارة الشئون الخارجية المكلفة بعلاقات مع الأسرة.
ب- وزارة الشئون الهندية ( مع وزارة برمانيا الملحقة بها) وكانت تدير سياسة الهند، ومسئولة أمام برلمان وستمنستر عن حكومة الهند، وتتّخذ القرارات مباشرة دون الرجوع إلى زعماء البلاد، مع أن بريطانيا كانت قد وعدت الهند بنظام الدومنيون منذ عام 1917م.
ج- وزارة المستعمرات: وكانت تشرف على مستعمرات بريطانيا في أفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وجزر الهند الغربية، والمحيط الهادي، والبحر الأبيض المتوسط. ولم يعرض على بساط البحث تحويل هذه المستعمرات إلى دومنيون.
فالكـومنـولث ضم البلاد التي تشرف عليها وزارة الدومنيون، والتي أصبحت عام 1944م ذات سيادة كاملة.
وقد مرّ الكومنولث بعصره الذهبي بين عامي 1927-1954م، وأطلق عام 1947م على وزارة الـدومنيون اسم: "وزارة العـلاقـات مع الكومنولث". وهي التي ورثت عام 1966م جميع علاقات المملكة المتحدة مع بلاد إمبراطوريتها القديمة، قبل أن تنصهر عام 1968م مع وزارة الخـارجية . فأصبح الكومنولث يدل على رابطة دول حرّة مستقلة ومتسـاوية ضمت عام 1968م: المملكة المتحدة، وكندا، واستراليا، وزيلندة الجديدة، والهند، وباكستان، وسيلان، وغانا، وماليزيا، ونيجيريا، وسيراليون، وقـبرص، ومالطة، وتـانـزانيا، وجامايكا، وترينداد ، وتوغو، وأوغندة، وكينيا، ومالاوي، وزامبيا، وغامبيا، وسنغافورة، وغوايانا، وليسوتو، وبوتشوانا، و بارباد، والمالديف، وناورد، وساموا الغربية، وجزيرة موريشيوش، وسوازيلاند. كـما يدل على توابع المملكة المتحدة، وبعض المستعمرات أو المحميات.
هذا وقد أضيف إلى حق الاشتراك في الكومنولث حق الخروج منه، كـما فعلت بورما (بـرمانيا) عام 1948 م، وأيرلنـدة عام 1949 م. وانضمت الهند وسيلان عام 1949 م، وباكستان عام 1948 م .
ولم يكن للكومنولث سلطة تنفيذية اتحادية، ولا سلطة تشريعية فكانت بريطانيا هي المهيمنة عليه. وشهد ضعفاً شديداً بعد عام 1968م لأسباب نوجزها فيما يلي:
1- التنظيمات الجديدة التي شهدتها أوربا ومواثيقها العسكرية.
2- نفوذ الولايات المتحدة وروسيا ودورهما في محاولات الحلول محال النفوذ البريطاني والفرنسي. والتكتلات الجديدة التي تزعمتها روسيا والولايات المتحدة.
3- ظهور كتل أخرى بمساندة الولايات المتحدة وغيرها مثل: ميثاق دفاع بـين: استراليا، وزيلندة الجديدة، والولايات المتحدة، ومنظمة معاهدة جنوب شرق آسيا التي ضمت: إندونيسيا، وتايلاند، والفليبين، وماليزيا، وبروني.
4- سياسة التمييز العنصري في أفريقية الجنوبية، وموقف بريطانيا الحرج في ذلك أمام دول الكومنولث.
5- الاعتداء الثلاثي على مصر عملية السويس- عام 1956م، حيث اشتركت بريطانيا مع فرنسا ودولة اليهود في مهاجمة مصر. فسبّب ذلك تصادمات عنيفة بين بريطانيا وأعضاء دول الكومنولث.
6- وأخيراً اتجاه بريطانيا للقارة الأوروبية ، وتشابك مصالحها وتناقضها مع كثير من مصـالـح دول الكومنولث. وضعفها الاقتصادي الذي جعلها بحاجة ماسة إلى أمريكا. ففقدت زعامتها وقيادتها، وبالتالي ضعفت أهمية الكومنولث وفقد فعاليته. وخاصة بعد أن أثبتت بريطانيا عجزها عن مسابقة أمريكا والاتحاد السوفييتي في مجال السباق الذري والفضائي .
سابعاً: جامعة الدول العربية
وهي منـظمـة إقليمية أنشئت عام 1945م من أجل مزيد من التعاون السياسي، والاقتصادي، والثقافي بين الدول العربية المستقلة. وأعضاؤها اليوم اثنتان وعشرون دولة هي: المملكة العربية السعودية، والكويت، والبحرين، وقطر، وعُمان، واليمن الشمالية، واليمن الجنـوبية، والإمـارات العـربية، والأردن، وسـوريا، ولبنـان، والعراق، ومصر، والسـودان، والصومـال، وجيبـوتي، وليبيا، وتونس، والجـزائر، والمغرب، وموريتانيا. بالإضافة إلى فلسطين. وكان مقرها القاهرة، وانتقل إلى تونس عام 1979م بعد اعتراف مصر بالكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.
كان عقد المسلمين قد انحلّ، وتبعثر بعد الحرب العالمية الأولى [1914- 1918م]، وإلغـاء الخلافة العثمانية رمز الوحدة الإسلامية، وقسمت بلاد الإسلام ومنها العربية إلى مستعمرات حكمها الإنجليز والفرنسيون والإيطاليون، ولم يبق من يتمتع باستقلاله إلاّ: المملكـة العـربية السعودية، واليمن الشمالية، وأفغـانستان وأخذت الاتجاهات الوطنية والإقليمية تجد لها صدى بين شعوب العالم الإسلامي تحت شعارات: الاستقلال، والحرية، ومكافحة الاستعمار، إلى جانب الاتجاهات الإسلامية التي لا يمكن إغفالها.
وبدأ تقارب البلاد العربية على الصعيد الدبلوماسي بمعاهدة الإِخاء والتحالف بين المملكـة العربية السعـودية والعـراق عام 6 193 م، وتنص المـادة السابعة منها: "يتعاون الفريقان المتعاقـدان الساميان على توحيد الثقافة الإسلامية والعربية، والأساليب العسكرية في بلادها، بتبادل بعثات علمية وعسكرية للاطلاع على الأساليب المتبعة في المملكتين، وتوحيد ما يمكن منها، والاستفادة من المعاهد السلمية والعسكرية والتدريب بها..." وتركت المعاهدة الباب مفتوحاً أمام الدول العربية الأخرى، فاشتركت فيها اليمن عام 1937م. كما عقدت معاهدة صداقة بين المملكة العربية السعودية ومصر في عام 1936م في القاهرة وأقامت هذه المعاهدة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لأول مرة، كمّا ألفت خطوة نحو تقارب البلاد العربية.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية ( 1939 - 1945م ) برزت مشاريع تدعو لوحدة بعض الأقطار العربية قبل مشروع الجامعة العربية ومنها:
أ- مشروع سوريا الكبرى الذي نادى به الأمير عبد الله بن الحسين أمير شرق الأردن.
ب- مشروع الهلال الخصيب: ( وحدة بلاد الشام والعراق ) الذي نادى به نوري السعيد رئيس وزراء العراق عام 1942م.
وكانت بريطانيا قد واجهت أحلك الظروف في الحرب العالمية الثانية، ووقفت وحدها أمام دول المحور بعد استسلام فرنسا لهتلر، وقبل دخول الولايات المتحدة الحرب إلى جانبها. كما كانت ألمانيا تحاول استشارة العرب ضدها بإطلاق الوعود. فخشيت بريطانيا انفلات الأمر من يدها، كما خشيت أن يتجه العرب إلى الاتجاهات الإسلامية، وهم بحكم وضعهم ولغتهم من الممكن أن يسلّم لهم العالم الإسلامي بالزعامة. هذا بالإضافة إلى أن بريطانيا كانت ترغب في إقامة منطقة نفوذ اقتصادية في الشرق الأوسط كله، فرغبت بالتالي في تمهيد الطريق أمام تقارب العرب فيما يشبه الحلف أو التضامن يسهل عليها التعامل معهم، من مركز واحد، كما كانت ترغب في انتزاع لبنان وسوريا من فرنسا ليخلوا لها الجوّ . علاوة على أنّها بتبنيها أماني العرب في الوحدة تحقّق هدفاً غالياً عند العرب طالما تمنوه وعملوا من أجله، ويزيل ما علق بنفوسهم من حقد على بريطانيا لموقفها من فلسطين وتهويدها، وتبنيها للصهيونية. من أجل ذلك كلّه كان تصريح "إيدن" رئيس وزراء بريطانيا عام 1941م في مجلس العموم البريطاني، وجاء فيه:
(لهذه البلاد- بريطانيا تقاليد طويلة من الصداقة مع العرب، وهي صداقة قد أثبتتهـا الأعمال، وليست الأقوال وحدها، ولنا بين العرب عَدد لا يُحصى ممَّن يرجون لنا الخـير، كـما أن لهم هنا أصدقاء كثيرون، وقد قلت منذ أيام في مجلس العموم أن حكومة جلالته تعطف كثيراً على أماني سوريا في الاستقلاَل، وأود أن أكرر ذلك الآن، ولكني سأذهب إلى أبعد من ذلك فأقول: إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمتّ عقب الحرب الماضية. ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من الوحدة أكثر من الدرجة التي يتمتعون بها في الحاضر، وهم إذ يحاولون بلوغ هذه الوحدة، يعتمدون على مساعدتنا. وهذا النداء الصادر عن أصدقائنا يجب ألا يبقى دون جواب ويبـدو لي أن من الطبيعي والعادل معاً أن تقوى الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية، وكذا الروابط السياسية. وإن حكومة صاحب الجلالة من جانبها ستبذل مساعدتها التامة لكل خطة يمليها اتفاق عام) .
وقد أعقب هذا التصريح جهود عربية لم تتعدّ نطاق الاستشارة أو المكاشفة والمداولة التي لم تتّخذ أية صفة رسمية عملية .
وجدّد "إيدن" تصريحه عام 1943م "بعطف بريطانيا على أماني العرب في الاتحاد على أن تكون المبادرة من العرب أنفسهم". وكانت ظروف التصريح الجديد تختلف عن ظروف سابقـه: فدول المحـور ابتدأت بالتراجع، والحلفاء يتقلّبون من نصر إلى نصر، والصهيونية تكيد لفلسطـين وتكشّر عن أنيابها، والفرنسيون يتشبّثون بسوريا ولبنان والجوّ العربي لا يخلو من سوء التفاهم . فبادر النحاس باشا رئيس الوزراء المصري إلى الاتصال بزعـماء العرب عام 1944م، وتمت عدة لقاءات ومشاورات أسفرت عن مشروع وحدوي واسع في بروتوكول الإسكندرية (مؤتمر الإسكندرية) الذي جمع في 7 تشرين الأول عام 1944م الدول العربية: مصر، والمملكة العربية السعودية، وسورية، ولبنان، والأردن، واليمن، والعراق.
ولكن المشروع "شبـه الاتحـادي" الـذي أقره بروتوكـول الإسكندرية اصطدام بالتحفظات فأسفر عن ميثاق من نوع المنتدى الدبلوماسي بروابط مرنة، ورخوة، وهو ميثاق جـامعة الـدول العربية . وقعت عليه الدول العربية في 22 من آذار عام 1945 م. والواقع أن بعض التحفظات كان لا بدّ منها عند بعض الدول، وكمثال على ذلك:
من بين أهداف الجامعة العربية: "السعي لتوحيد الثقافة وتوحيد التشريع بين الدول العربية". ولما كـان أكثر البلاد العربية قد تمسك بالعلمانية فإن المملكَة العربية السعودية بيّنت أن ظروفها، ووجود البلاد المقدسة فيها يجعل لها وضعاً خاصاً، فهي ستمتنع عن تنفيذ أي مبدأ في التعليم، أو التشريع يخالف قواعد الدين يمت الإسلامي وأصوله . ولو أخلصت النيات لتبنّت جميع الدول هذه النقطة واتجهوا إلى تحكيم الإسلام الذي هو القاسم المشترك بينهم.
وقد عبّر عبد الخالق حسونة الأمين العام للجامعة لمدة طويلة عن الميثاق بقوله: "يعتبر ميثاق الجامعة هو الحدّ الأدنى لما كان يمكن التوصل إليه آنذاك" .
والبتّ في أمورها معقّد، شاقّ طويل الأمد، إذ يتم عرض المشروع ثم يُناقش، ويتخذ القرار، تم يُصدّق عليه من الدول الأعضاء كل على حدة، والقرارات غير ملزمة، للأعضاء ولو كانت بالأغلبية. فالمادة السابعة: "ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة في الجامعة، وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزماً لمن يقبله" .
وأما أهداف الجامعة كـما بيّنها الميثاق فهي:
1- توثيق الصلات بين الدول العربية، وتنسيق خططها، تحقيقاً للتعاون بينها، وصيانة لاستقلالها وسيادتها.
2- توثيق التعـاون بين البلاد العربية، في الشئون الاقتصادية، والمالية، والثقافية، والاجتـماعية، والصحية، والعسكرية.
3- تحقيق التعاون مع الهيئات الدولية التي تعمل لنشر السلام في العالم، خاصة هيئة الأمم المتحدة وفروعها.
وأجهزة الجامعـة هي:
1- مجلس الجامعة: ويتألف من ممثلي الدول العربية المشتركة، وينعقد مرتين في العام بشكل عادي، و ينعقد بصفة استثنائية إذا دعت الحاجة إلى ذلك. ولكل دولة عضو صوت واحد، وعدد من الممثلين.
2- الأمـانـة العـامـة: وتتألف من أمين عام، وأمناء مساعدين، وعدد كبـير من الموظفين. ويعين الأمين العام من قبل مجلس الجامعة بأكثرية ثلثي الأعضاء. ومهمته: دعوة مجلس الجامعة حين الحاجة، والإشراف على إعداد مشروع الميزانية، وتحديد نصيب كل دولة من نفقات الجامعة بعد موافقة مجلس الجامعة على ذلك.
3- اللجان الخاصة: ومنها.
اللجنـة السياسية، واللجنة الاقتصـادية والمـالية، واللجنة الاجتماعية، واللجنة الثقافية، واللجنة الصحية، ولجنة التنسيق والجوازات.
هذا وقد قامت الجامعة بأنشطة رغـم ضعف ميثاقها مثل:
1- لعبت دوراً في معـارك التخلص من الاستعـمار في المغـرب، وتونس، وليبيا، والجزائر، والجنوب العربي، وذلك على مختلف الجبهات والمستويات سواء أكـان بالعمل المنظم في الأمم المتحدة. أم بالطرق الدبلوماسية بواسطة الأعضاء، أو بالوسائل المادية، أو عن طريق الدعاية.
2- حصلت على شرعيتها العالمية، فمنها وفد في الأمم المتحدة، وهو عضو في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) حيث أدخلت اللغة العربية لغة عالمية عام 1974م.وهي عضو بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. وعضو بمنظمة الصحة العالمية. ومنظمات أخرى مماثلة.
3 - كلّفتها الأمم المتحدة بالوساطة وفض النزاع في بعض القضايا مثل: الصراع بين العراق والكويت.
4- لها تمثيل دبلوماسي لدى بعض الدول منها الهند، وأسبانيا .
5- قامت بمشـاريع توحيد نظم التعليم، وبرامجـه، والتقريب بين القوانين، وإجراءات تنفيذها. والتخطيط المشترك في شئون المواصلات وشبكة الطرق وبتوحيد الغرف التجـارية والصناعية والزراعية. وبتنسيق سياسة البترول، والمواصلات الجوية والبحرية ووسائل الإِعلام، وبتوجيهات بشأن السوق العربية المشتركة، وإنجازاتها في هذه المجالات ضعيفة.
وأبرز مساهمتها في الأمم المتحـدة، وفي الكتلة الآسيوية الأفريقية وفي مجموعة الـ "77". كـما قامت بتنظيم عقد مؤتمرات القمة العربية حيث عُقد حتى عام 1988م خمسة عشر مؤتمراً. الأول في القاهرة عام 1964 م، والرابع عشر في عمان عام 1987 م، والأخير في الجزائر (وكان طارئاً) عام 1988م/ 1408هـ. ولا تزال تؤدي دورها رغم أنها تعاني من الإِفلاس.
ثامناً: دول عدم الانحياز : THE NON - ALIGNAENT GROUP
وعدم الانحياز يقصد به عدم الانحياز إلى إحدى الكتلتين اللتين تتزعمهما روسيا والـولايات المتحـدة، والـوقوف إلى جانب الحق والعـدل. وأطلق عليه اسم: "الحياد الإيجـابي"، بمعنى أنـه: موقف سياسي تتخذه الدول منها ابتعاداً عن المشاركة في صراع المعسكرين، ورفضاً للاستسلام لأي منهما في الميادين السياسية، والاقتصادية، والعسكرية.
وقد بدأت فكرة عدم الانحياز في كولومبو (عاصمة سيلان) عندما عقد مؤتمر عام 1954م ضم: الهند، وباكستان، وإندونيسيا، وبرمانيا، وسيلان. حيث بحث المؤتمر تقرير موقف مشترك أمام الدول الكبرى الاستعمارية، ودراسة قضية الهند الصينية، ومحاولة إنشاء جبهة آسيوية محايدة.
وأعقب مؤتمر كولمبو توقيع المعاهدة التي أقامت منظمة حلف جنوب شرق آسيا عام 1954م، التي ضمت الدول: تايلاند، وماليزيا، وسنغافورة، وإندونيسيا، سلطنة بروني، والفلبين. وبعد توقيع هذه المعاهدة اجتمع أعضاء مؤتمر كولولمبو الخمس في "بوغور" بالقرب من جاكارتا بإندونيسيا في العام نفسه وقرروا دعوة الدول الأفريقية والآسيوية للاجتماع معهم في باندونغ عام 1955م. ووجهوا الدعوة إلى (24) بلداً، بالإضافة إلى دول مؤتمر كولومبو الخمس وهذه البلاد هي:
أ- البلاد العربية المستقلة: مصر، وليبيا، والعراق، ولبنان، والأردن، وسوريا، والمملكة العربية السعودية، واليمن، والسودان.
ب- البلاد الإسلامية المستقلة الأخرى في آسيا وهي: تركيا، وإيران، وأفغانستان.
ج- من البلاد الأفريقية المستقلة: الحبشة، وساحل الذهب (غانا)، وليبيريا، واتحاد أفريقيا الوسطى (وهي البلد الوحيد الذي لم يحضر المؤتمر من الدول المدعوة إليه).
د- من البـلاد الآسيوية المستقلة: كامبـوتشيا ( كمبـوديا)، ولاوس، والفيتنام، وتايلاند، والفلبين، ونيبال، والصين الشعبية، واليابان.
وانعقد مؤتمر باندونغ بالفعل عام 1955 م، وسط مظاهر الدعاية والشعارات، حيث ضم ممثلين عن 65% من سكان الأرض. وبرز فيه أسماء كبار قادة ما سمّي بالحياد الإيجابي: نهرو رئيس الهنـد، وأحمد سوكارنو الرئيس الإندونيسي، وبروز تيتو الرئيس اليوغسلافي، وشوان لاي الزعيم الصيني، وجمال عبد الناصر الرئيس المصري.
وكان جدول أعمال المؤتمر غامضاً للغاية، كـما كانت القضية معرفة ما ستكون عليه المناقشات. وبعد جوّ من الخطابة صوّت على ميثاق من عشر نقاط ذات طابع عام جداً، ومرن للغاية هي:
1- احترام حقوق الإنسان.
2- احترام أهداف ومبادئ شرعة الأمم المتحدة.
3- احترام سيادة الدول وسلامتها القومية.
4- مساواة الشعوب والأمم.
5- عدم التدخل في شئون الدول الداخلية.
6- تسوية الخلافات بالطرق السلمية.
7- إعلاء شأن المصالح المشتركة والتعاون.
8- شجب الاستعمار بجميع مظاهره.
9- شجب التمييز العنصري.
10- دعم حقوق الشعب العربي في فلسطين.
وعندما طالبت سيلان وتركيا والعراق شجب الاستعمار الروسي في أوربا الشرقية، قام نهرو بهجوم، وطالب باشتراك البلاد الأفرو - آسيوية بقوة دولية ثالثة تشجع التعايش بين الشرق والغرب. واكتفي أخيراً بالاقتراح الغامض: شجب الاستعمار بجميع مظاهره، وأما الحياد فلم يؤخذ به لأن أحد المبادئ صيغ على الشكل التالي:
"احترام حق كل أمة بالدفاع عن نفسها فردياً وجماعياً، طبقاً لشرعة الأمم المتحدة" .
ومن خلال هذه الـدول تأسست عام 1958 " منظمة التضـامن الآسيوي الأفريقي" واتخذت القاهرة مقراً لها.
وعقدت دول عدم الانحياز عدداً من المؤتمـرات بعـد مؤتمر باندونغ كان عاشرها بزيمبابوي عام 1986م. وضمت دولاً أخرى فبلغ عدد المنتمين إليها (106) دول، ولكن الدول الغير المنحازة فعلاً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ولهذا ظلت أهداف هذه المنظمة ومبادئها وشعاراتها نوعاً من أضغاث الأحلام، أو السّراب بحيث أصبح لسان حال أقطابها اليوم:
"نحن نجتمع، إذاً نحن موجودون" . ولم تؤثر على الأحلاف التي أقامتها الولايات المتحدة وروسيا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في آسيا أو في أفريقيا .
تاسعاً: منظمة الوحدة الأفريقية:
أخذت الدول الأفريقية التي استقلت تتنبه إلى أهمية المسائل الاقتصادية، وإلى ضرورة معالجتها، فظهرت محاولات في هذا الميدان . وبدأ التفكير بتكوين منظمة في مؤتمر باندونغ عام 1955م، ثم في اجتماعات القاهرة عام 1957م ت وكونكري عـام 1960م. فتكونت مجموعة دول كازابلانكا، (الدار البيضاء) عام 1961م من دول: المغرب، وجبهة التحرير الجزائرية، وغانا، ومالي. ومجموعة دول برازافيل من اثنتي عشرة دولة ناطقة بالفرنسية في أفريقيا، حيث وقعت اتفاقاً في"تناناريف"(عاصمة مالاجاش) عام 1961م، ودعي بميثاق: "اتحاد أفريقية - مالاجاش". وكذلك تم اجتماع مونروفيا حضرته دول أفريقية السوداء، وأعقبه مؤتمر لاجوس (عاصمة نيجيريا) عام 1962م بهدف إقامة تعاون بين الشعوب الأفريقية السوداء .
كل هذه الاتفاقيات والمؤتمرات كانت خطوات نحو انعقاد مؤتمر كبير في أديس أبابا (عاصمة أثيوبيا) عام 1963م بحضور ثلاثين وزير خارجية أفريقي من الدول المستقلة.
حيث أنهى هذا المؤتمر ميثاق كازابلانكا، وميثاق مونروفيا، واقترح إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية.
وفي العـام نفسـه عقدت بأديس أبابا أول قمة أفريقية: وتم إعلان إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية، متعهدة بالتمسك بأهداب ومبادئ الأمم المتحدة، والاتجاهات الدولية السلمية. واتخذت أديس أبابا مركزاً لها.
وتبع ذلك عدة مؤتمرات منها: المؤتمر الثاني في القاهرة عام 1964 م، والثالث في أكرا عام 1965م. وهكذا أخذت أديس أبابا تلعب دوراً في السياسة الأفريقية لصالح أثيوبيا التي ظهرت من خلال هذه المنظمة بطلة الوحدة الأفريقية، مما أثر كـثير اً على قضايا المسلمين في قارة أفريقيا، وخاصة في إريتريا وأوجادين والحبشة هذا وقد اهتمت قمة أديس أبابا عام 1980م بالمشكلاَت الاقتصادية الأفريقية، دون أن تتوصل إلى نتائج عملية.
وتتلخص أغراض هذه المنظمة في:
- العمل على تعاون الشعوب الأفريقية في شتى الميادين السياسية، والاقتصادية، والفنية، والاجتماعية.
- والسعي إلى تحرير بقية الأجزاء من الاستعمار، ومجابهة الاستعمار الجديد.
- وتسوية مشكلات القارة الأفريقية كمنازعات الحدود.
- ومكافحة التمييز العنصري في القارة الأفريقية.
وهي أغراض كـما تلاحظ عامة وغير محددة. كقرارات مؤتمراتها.
وأما أجهزة المنظمة فهي:
1- الجمعية العمومية: وهي مجلس رؤساء الدول الذي يعقد اجتماعاً سنوياً.
2- مجلس وزراء الخارجية.ويجتمع مرتين في العام.
3- الأمانة العامة: ومقرها أديس أبابا.
4- لجان متنوعة منها: لجنة الوساطة والتحكيم، واللجان المتخصّصة العليا الاقتصادية .
عاشراً منظمة أوبك- الدول المصدرة للنفط : O. P. E. C.
وهي تنظيم رسمي لمجموعة من الدول المنتجة والمصدرة للبترول، بهدف تنسيق، وتوحيد، وتطوير السياسات النفطية لهذه الدول بالصورة التي تكفل المحـافظة على مصالحها بالتفاوض مع شركات البترول العالمية.
فقد رأت الدول المنتجة للنفط والمصدرة له أن الشركات الغربية التي تستخرج النفط من أراضيها تستغلّها، وتتحكم بأسعاره كـما تشاء. فقامت بإنشاء هذه المنظمة للحدّ من استغلال الشركات، وتحديد أسعار النفط لخدمة هذه الدول الاقتصادية والتنموية.
وقـد تأسست هذه المنظمـة في بغـداد عام 1960م من الـدول الخمس التالية: الكويت، والعراق، والمملكة العربية السعودية، وإيران، وفنزويلا. وتركت المجال مفتوحاً لانضمام أي دولة منتجه ومصدرة للبترول بشرط أن يوافق على انضمامها ثلاثة أرباع الدول كاملة العضوية من بينها الخمسة المؤسسة للمنظمة. فتوالى انضمام الدول الأعضاء، فأصبح عددها ثلاث عشرة دولة. وهي بالإضافة إلى الخمسة:
الجزائر، والإكوادور، والغابون، وإندونيسيا، وليبيا، ونيجيريا، وقطر، والإمارات العربية.
وأنشأت المنظمة الصندوق الخاص بها. وكان مقرها في جنيف، ثم نقل إلى فينا .
ويمكن تلخيص أهدافها كـما أعلنتها في:
1- تنسيق وتوحيد وتطوير السياسات البترولية للدول الأعضاء، وتحديد السبل لحماية مصالحهم منفردين أو مجتمعين.
2- المشاركـة الفعـالـة في وضع السياسات التسعيرية التي تضمن تحقيق استقرار الأسعار في الأسواق العالمية وتجنب التقلّبات الضارة في إيرادات البترول.
3- المشاركة الفعالة في وضع السياسات الإنتاجية التي تضمن مصالح الدولة المنتجة والمستهلكة.
4- تحقيق عائد عادل على الاستثمار في الموارد الناضبة.
كـما عملت على امتلاك الدولة المنتجة للبترول لأسهم شركات البترول عن طريق مبدأ المشاركة الذي طرحته المملكة العربية السعودية بديلا لمبدأ التأميم. وهذا المبدأ يقوم على مساهمة الدولة المنتجة للبترول بجزء من رأسمال الشركة الحائزة على الامتياز البترولي بحيث تصبح الدولة مالكة لجزء من الشركة البترولية، وتمتد المشاركة لتشمل جميع مراحل الإنتاج البترولي. فأصبحت المملكة العربية السعودية تملك جميع الأسهم عام 1980م عن طريق هذا المبدأ .
هذا وقد نجحت منظمة أوبك، وأفادت الدول المشتركة، وكانت بمثابة القذى في أعين الأوروبيين والروس والأمريكان، فاستُهدفت منذ تأسيسها، واشتد الكيد لها. وكانت أعمالها، وقراراتها، ومشاريعها عرضة للمؤامرات والمناورات والدسائس. واستخدم الغرب والشرق مع أعضائها شتى صنوف المغريات، وأقسى أنواع التهديدات، بقصد فصْم عرى وحدتها . وبذلت المملكة العربية السعودية وبعض الدول المشتركَة الأخرى جهودا جبارة للإبقاء عليها، رغم الظروف المرّة التي مرّت بها هذه المنظمة، والتي اشتدت منذ عام 1975م إلى اليوم، ورغم عمق تناقضات أعضائها.
وقـد أنشأت بعض الأقطار العربية منظمة: "أوابك" أي منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول. بهدف تنسيق السياسة البترولية العربية. ووقّع على اتفاقيتها كل من: المملكة العربية السعودية، والكويت، وليبيا عام 1968 م. واتخذت الكويت مقراً لها. ثم ضمت بعد ذلك: الإِمارات العربية، والبحرين، والجزائر، والعراق، وقطر، ومصر، وسورية .
ومن هذا العرض السريع للتكتلات الدولية يتضح تبعثر جهد المسلمين، وخفوت صوت الإسلام ومناهجه فيها، ولما كَان الإسلام يفرض وجوده، ويجمع أفراده، فقد تحركت الغيرة في بعض بلدانـه ودوله وقـادته فقامت بجهود مشكورة في سبيل تجميع المسلمين وطاقاتهم فظهر للوجود: منظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. وسنتكلم عنهما باختصار:
أولاً: مجلس التعاون لدول الخليج العربية:
وجدت دول الخليج العربية أن التحديات التي تواجه هذه المنظمة تتعاظم بتعاظم حاجة العالم الصناعي للنفط، فأدركت أن اندماجها هو العامل الحاسم نحو توجه جديد لصياغة سياسة اقتصادية واجتماعية تبعد المنطقة عن التنافس الدولي، ويكسبها قوة تفاوضية كبيرة، ومقدرة على اتخاذ القرار لصالحها، وتمكينها من حمايته. فقررت إقامة تنظيم باسم (مجلس التعاون لدول الخليج العربية). وقّعت على قيامـه كل من: المملكـة العربية السعـودية، ودولة الإمارات العربية، ودولة البحرين، وسلطنة عُمان، ودولة قطر، ودولة الكويت، وأهدافه:
1- تحقيق التنسيق، والتكامل، والترابط بـين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.
2- تعمق وتوثيق الروابط والصَّلات، وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
3- وضـع أنظمـة مماثلـة في مختلف الميادين: الاقتصـادية، والمالية، والتجارية، والجمارك، والمواصلات، وفي الشئون التعليمية والثقافية، والتشريعية والإِدارية.
4- دفـع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين، والزراعة، والثروات المـائية، والحيوانية، وإنشاء مراكز بحـوث علمية، وإقامة مشاريع مشتركة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص.
وأما أجهزة مجلس التعاون فهي:
1- المجلس الأعلى- يتكون من رؤساء الدول الأعضاء وتكون رئاسته دورية حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول المشتركة.
2- المجلس الوزاري- ويتكون من وزراء الخارجية للدول الأعضاء، أو من ينوب عنهم من الوزراء، ويعقد اجتماعاته مرة كل ثلاثة أشهر، ويجوز له عقد دورات استثنائية بناء على دعوة أي عضو من الأعضاء وتأييد عضو آخر.
3- اللجان والاجتماعات الوزارية والمتخصصة، للعمل على تنفيذ سياسات المجـلس ووضع الإِجراءات التفصيلية لذلك.
4- الأمانة العامة- تتكون من أمين عام يعاونه أمناء مساعدون وما تستدعيه الحاجة من موظفـين. وتعتبر الأمانـة العامة الأداة الأساسية لتقديم مقترحات الجهات المسئولة للسياسات والخطط والبرامج المؤدية إلى تحقيق أهداف المجلس.
ومن أهم منجزات المجلس "الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون" التي وُقعت في الـرياض عام 1402هـ/1981م وذلك لتنمية وتوسيع وتدعيم الروابط الاقتصادية فيما بين دول مجلس التعاون على أسس متينة لما فيه خير شعوبها، ومن أجل العمل على تنسيق وتوحيد سياستها الاقتصادية والمالية والنقدية، وكذلك التشريعات التجارية والصناعية، والنظم الجمركية المطبقة فيها.
وقد شجعت هذه التجربة الناجحة لمجلس التعاون الخليجي أقطار المغرب العربي على التفكير الجدي في إنشاء مجلس تعاون مغربي مشابه، فعقد رؤساء " المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا" اجتماع قمة يوم 10/ 6/ 1988م لهذا الغرض. وكونوا لجاناً فنية تجتمع دورياً لصياغة الترتيبات المؤسسة لهذا المجلس المرتقب.
ثانياً: منظمة المؤتمر الإسلامي
وتعود فكرة إنشائها إلى عام 1350هـ/1931م حيث عقد مؤتمر إسلامي في بيت المقدس ورفع صوته احتجاجاً على اضطهاد المسلمين في الاتحاد السوفييتي، وأصدر نداء للرأي العام ناشده المساعدة. وأخذت الأحداث تشغل أقطار المسلمين بأنفسهم. إلى أن تقرر إنشاء هذه المنظمة في القمة الإسلامية بالرباط عام 1389هـ/ 1969م بوصفها ردّ فعل على الجريمة اليهودية في إحراق المسجد الأقصى.
وقد تم إقرار ميثاق المنظمة في المؤتمر الثالث لوزراء خارجية الدول الإسلامية بجدة عام 1392هـ/ 1972م ووقعته ثلاثون دولة مسلمة. وفتح باب العضوية لكل دولة مسلمة ترغب في الانضمام. ويمثَّل النشاط الرئيسي لهذه المنظَّمة على مستوى وزراء خارجية الدول المسلمة، أو ملوكها، ورؤسائها.
وكان الملك فيصل بن عبد العزيز قد تبنّى الدعوة إلى التضامن الإسلامي للوقوف في وجه المخططات الاستعمارية ولم شعث المسلمين، ومجابهة الغزو الفكري بجميع أشكاله، فقام من أجل ذلك بعدة جولات في البلاد الإسلامية كالمغرب وغينية، ومالي، وتونس، والجزائر، والسنغال، وأوغندا، وتشاد، والنيجر، كما أرسلت المملكة عدة بعثات لأفريقية واستقبلت مئات الطلاب في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والجامعات الأخرى. وكانت نتائج ذلك:
1- تنبهت الدول الأفريقية للخطر الصهيوني الذي تسلل إليها منذ عام 1376هـ بعد احتلال اليهود لمضائق تيران وخليج العقبة.
2- أنشئ البنك الإسلامي للتنمية ليسدّ الفراغ في مساعدة الدول الأفريقية النامية، وليقوم بمشاريع التنمية على أسس خالية من المعاملات الربوية.
3- أنشئت الأمانة العامة للدول الإسلامية بجدة، بعد انعقاد عدة دورات لملوك ورؤساء الدول الإسلامية (منظمة الدول الإسلامية) وقد أسفر مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عن تأسيس مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة.
4- مدّ يد العـون إلى الشعـوب والأقليات المسلمة، تلك التي تعاني الظلم والاضطهاد، أو الفقر والمجاعة. ففي مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عام 1401 هـ أضيف موضوع الأقـليات المسلمة إلى جدول أعمال المؤتمر بناء على موافقة مؤتمر وزراء خارجية العالم الإسلامي الثاني عشر الذي عُقد بمدينة الطائف. وهكذا تبنت منظمة الدول الإسلامية القضايا الإسلامية.
هذا وبناء على قرار صدر عن المؤتمر الإسلامي العام الأول الذي عقد بمكة المكرّمة عام 1382 هـ/1962م أُنشئت رابطة العالم الإسلامي . وهي منظمة إسلامية عالميه، تمثّل فيها جميع الشعوب المسلمة، ومقرّها مكة المكّرمة، ولها مجلس تأسيسي مؤلف من كبار العلماء، ورجال الفكـر في العالم الإسـلامي. وقد لقيت التشجيع والمؤازرة والدعم من الحكـومة السعودية. وقامت بنشاط في مجال تبليغ الدعوة، والتصدي للتيارات والأفكار الهدّامة، والدفاع عن القضايا الإسلامية.
كـما قرّرت منظمة المؤتمر الإِسلامي عام 1982 م تنفيذاً لتوجيهات قادة الدول الإسلامية إنشاء المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) بأجهزتها الخاصة.
والمسلمون مطالبـون إلى أن تتجـه تكتلاتهم وأحلافهم إلى وجهة إسلامية. تخدم قضاياهم، وتخدم البشرية المتعبة كلها في أرجاء المعمورة.
ا لمراجـع
1- أحمد عطية- قاموس السياسي- دار النهضة العربية 1968 م.
2- إسماعيل صبري مقلد - العلاقات السياسية الدولية - مطبوعات جامعة الكويت 1971 م.
3- بيير رونوفن - تاريخ القرن العشرين- تعريب د. نور الدين حاطوم - مطبعة الجامعة السورية دمشق 1378 هـ / 1959 م.
4- تاريخ السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي- مجموعة من المؤلفين - جزءان إصدار موسكو.
5- جميل المصري - حاضر العـالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة - جزءان- ط1/ الجامـعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1406هـ /1986م.
6- Joseph dunner dictionary of political scince vision press ltd London 1965
7- حـاطوم - د. نور الدين - تاريخ عصرنا: دار الفكر 1970/ 1971م.
8- دروزيل- ج. ب- التاريخ الدبلوماسي- تعريب نور الدين حاطوم مطبعة جامعة دمشق 1381 هـ/1962م.
9- الدّسوقي- د. محمد كـمال- الدولة العثمانية والمسألة الشرقية- دار الثقافة/ القاهرة 1976م.
10- سيّد فتحي أحمد الخولي- اقتصاديات البترول- جدّة.
11- سيّد قطب- السلام العالمي والإسلام- هـ مكتبة وهبة ط 5/ القاهرة 1386هـ/1966م.
12- طربين- أحمد- الوحدة العربية- دار الهلال ط 2/1963 م.
13- العمري- أحمد سويلم- الإفريقيون والعرب- مكتبة الإِنجلو المصرية/ القاهرة 1967م.
14- فشر- هـ. أ. ل- تاريخ أوربا في العصر الحديث/ تعريب أحمد نجيب هاشم ووديع الضبع ط 4/ دار المعارف بمصر 1964 م.
15- لويس. ل. سنـايدر الـعـالم في القـرن العشرين- ترجمـة سعيد عبـود السامرائي- مراجعة وتقديم عطا بكري مكتبة الحياة- بيروت - مغفل السنة.
16- ليختهم- جورج- أوربا الجديدة، حاضرها ومستقبلها- ترجمة محمود محمد حسن، 1966م. المكتبة المركزية بالجامعة رقم 940 ل. ي. أ.
17- محمد عزيز شكري- الأحلاف والتكتلات السياسية العالمية عالم المعرفة (7) الكويت رجب 1398 هـ/ تموز (يوليو) 1978م.
18- مصطفى ماهر- ألمانيا والعالم العربي- ( ترجمة) دار صادر- بيروت- 1974 م.
19- موفّق المرجة- موسوعة إسلامية.
20- بعض الصحف والمجلات والنشرات.
بحث مقدم من د/ جميل عبد الله محمد المصرى
كلية الدعوة وأصول الدين الجامعة الإسلامية
الظروف التي تشكلت فيها الأحلاف والتكتلات الدولية المعاصرة:
إن المفهوم الشائع للتكتلات والأحلاف الدولية المعاصرة هو المفهوم الأوربي، حيث كانت الـدول الأوربية تتحالف وتتكتل في مواجهة ضغط المدّ الإسلامي، ثم في مهاجمة المسلمين، والوقوف في وجه الدولة العثمانية بصورة خاصّة عندما طرقت أبواب أوربا وتوّغلت فيها، ثم تحوّلت وجهة الأحلاف والتكتلات إلى التنافس لاقتسام العالم الإسلامي، بعد أن بان ضعف المسلمين وعجـزهم، وقـد قادت الأحلاف والتكتلات الأوربية إلى التنافس الاستعماري وإلى السباق في التسلح، ثم إلى حروب مريرة مدمرة، وهكذا واصلت أوربا التفكير في مفهوم الأحلاف والتكتلات إلى أن وصلت إلى المفهوم المعاصر، وشاع عالمياً في ظل سيطرة وجهة النظر الأوربية على العالم، وإلاّ فالأحلاف والتـكتلات قديمة، قدم التاريخ نفسه، ونجد من الضروري إيضاح هذا المفهوم المعاصر:
إن كلاًّ من التكتل والحلف هو تجمع، يضمّ دولتين أو أكثر ويفترض مصلحة متماثلة وخطاً استراتيجيا معينا. وقد يكون التكتل بداية للتحالف، لكن الفرق بينهما أن الحلف عادة هو تجمع ذو أغراض عسكرية سياسية بالدرجة الأولى، وأما التكتل كقاعدة يستهدف التعاون في الشئون السياسية أو الاقتصادية بالدرجة الأولى.
فكل حلف هو تكتل، وكـل تكتّـل هو تجمُّـع، ولكن العكس ليس صحيحاً. والتحالف لابدّ أن يستند إلى معاهدة دولية بالمعنى الدقيق للتعبير، ولابدّ أن يكون له هيئات تسهر على حسن تنفيذ بنود هذه المعاهدة، بعكس التكتل الذي لا يشرط فيه بالضرورة مثل ذلك .
فالحلف في القانون الدولي والعلاقات الدولية إذاًَ هو علاقة تعاقدية بين دولتن أو أكثـر، يتعهـد بموجبها الفرقاء المعنيون بالمساعدة المتبادلة في حالة الحرب . وقد يكون التحـالف متوازنـاًَ بمعنى أن يكـون توازن المنافع ضمن التحالف متبادلاً تماماً - أي أن الخدمات التي يقدمها الأطراف لبعضهم فيه متعادلة مـع المنافع المتوخاة- وهذا لا يكون إلاّ بين دول متساوية في القوة، وتعمل لمصالح متطابقة. أما الشكل المعاكس لتوازن المنافع فهو الانتفاع الوحيد الطرف- بمعنى أن طرفا واحداً يتلقى المنافع في حين يتحمل الآخرون الأعباء- وهـذا لا يختلف كثيراً عن معاهدات الحماية التي ابتكَرتها السياسة الاستعـمارية الأوربية في إطار عصبة الأمم، ثم في إطار هيئة الأمم.
والواقع أن معظم الأحلاف العسكرية تُبرم بين دولة كبيرة وبعض الدول الصغيرة، بعد أن يدخل في روعها بأنها مهدّدة بخطر خارجي يُلجئها إلى هذه الدولة الكبيرة. فتتمكن الدولة الكبيرة بالتالي من فرض سيطرتها في وقت السلم والحرب، إذ تتضمّن هذه المعاهدات إنشاء تحالف عسكري ونظام للدفاع المشترك، والاحتفاظ بقواعد عسكرية في أراضي الدولة الصغيرة، مع السماح للدولة الكبيرة بحرية استخدام الموانئ والمطارات والمواقع الاستراتيجية ، وبالطبع فإن هذا لا ينطبق بالضرورة على كلّ الأحلاف القائمة، ولكنه هو الأعمّ الأغلب. فقد تتمكن دولة صغيرة من استغلال علاقتها بحليف قوي لدعم مصالحها .
والإسلام كلّف المسلمين بتبعات إنسانية تجاه البشرية، فهو دعوة إلى السلام، يحقّق سلام الفرد في نفسه، وسلام البيت، وسلام المجتمع، وسلام العالم في تناسق واطّراد بسبب نظرتـه الكليـة عـن الحياة . وقد جعل الله سبحانه وتعالى المسلمين أوصياء على البشرية. قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} . فكلّفهم سبحانه بتحقيق السلام عن طريق إفراد الله سبحانه وتعالى بالألوهية والربوبية والحاكمية، وإقامة العدل، وتحقيق المساواة بين الناس، وضمانات الحياة القانونية والمعيشية، ومنع البغي وإزالة الظلم، وتحقيق التوازن الاجتماعي والتكافل والتعاون، وإزالة الفرقة والخصام، والنزاع بين الأفراد وبين الجماعات، وسدّ الذرائع التي تدعو إلى قيام الطبقات وتميّزها وصراعها. كما جعل الله سبحانه وتعالى أمة الإسلام، أمة الوسط، أمة العدل والخيرية في كل شيء بين طرفي التفريط والإفراط، والتقصير والغلو في كل اتجاهات الحياة. قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} .
ومن هذا نرى أن التكتلات والأحلاف في الإسلام لا تقوم على أساس من المصلحة الاقتصادية أو السياسية... وإنما تقوم على الأسس التي وضعها الله سبحانه وتعالى، تلك التي ذكرناها، وعلى الوفاء بالعهد (ومنه المعاهدات الدولية) وعدم الغدر، خدمة للبشرية، وتنفيذا لما يأمر به الإسلام لتتحقّق الخيرية، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ، فالمسلمون مطالبون بأن تكون تكتلاتهم وأحلافهم على هذه الأسس التي بيّنها لهم الإسلام، وشرعها الله سبحانه وتعالى لهم، وليس على المصالح الدنيوية الآنية الزائلة.
وقد تميّز الزمن المعاصر بتقارب المسافات بين دول العالم، وشعوبه، وباتصال المجتمعات، وتشابك المصالح، وتعقّدها، وذلك يعود إلى: سهولة المواصلات البرية، والبحرية، والجوية، وتوافر وسائل الإعلام وتقدمها من صحافة، ومذياع، وتلفاز، وخيّالة، وفيديو، واتصالات سلكية ولا سلكية، وأقمار صناعية، وما حصل من تقدم علمي في مجال الفضاء، وسهولة تبادل النقد عن طريق البنوك، والمصارف، والحوالات، والشيكات، كما تميّز بالحرب الباردة بين ما يسمى (بالمعسكر الاشتراكي الذي تتزعمه روسيا)، وما يسمى (بالمعسكر الديمقراطي الغربي الذي تتزعمه أمريكا)، وبأساليب الجاسوسية المبتكرة، والتسابق في التسلح، والتنافس في إنتاج الأسلحة الفتاكة المدمرة وتكديسها، والتفنن في إدخال التعديلات عليها وتطويرها، وبالقلق الناتج عن البحث وراء الماديات، والتسابق في اقتناء الكماليات التي تغرق الأسواق، مع بريق الإعلانات والدعايات، وتسهيل الحصول عليها بالتقسيط !! وبخفوت الفكر الديني، والفراغ العقدي.
كل ذلك وغيره قاد العالم (دولا وشعوبا) إلى البحث عن التكتلات السياسية والعسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية وإلى التنسيق بين مجموعات الدول التي تلتقي في مصالحها، لتحافظ على نفسها، ونمّي مرافقها، أو لتحافظ على هيمنتها على غيرها، فظهرت بذلك تكتلات وأحلاف مختلفة توصف بالعالمية، والإقليمية، والوطنية، والقومية، والقارية، أسهم في صنع معظمها، وخطط لها القوى المتنفذة في العالم، ملبيّة الرغبة الملحة لدى بعض الدول، ومن أجل المحافظة على نفوذها وهيمنتها على تلك الدول وحتى لا ينفلت حبل النفوذ من يدها، ولما كانت تلك الدول المتنفّذة ذات حضارة غربية اعتمدت معظم التكتلات والأحلاف المصلحة أساسا دون العقيدة، وتوزعت البلاد الإسلامية على هذه الأحلاف والتكتلات، وتشتت بينها، الأمر الذي أضعف جهودها، وربطها بعهود ومواثيق مختلفة، تتناقض في أكثرها مع عقيدتها الإسلامية وشريعتها، حيث ضعف صوت الإسلام، وخفت دوره في مواثيق هذه التكتلات، فسارت الأمور لصالح الدول المتنفّذة، صاحبة القوة والسلطان، وصاحبة التخطيط لمعظم هذه الأحلاف "اللعبة" وأصبح ما يسمى بالعالم الثالث [ والذي يعدّ الإسلام مرشحاً لزعامته] نهباً مقسّماً، موزعا على تلك الأحلاف والتكتلات الدولية.
وفيما يلي نبذة عن أهم هذه التكتلات والأحلاف الدولية، ومن خلال عرضها يظهر جلياًّ أثرها على العالم الإسلامي ومسيرته.
أولاً: هيئة الأمم المتحدة: ( U. N)
مع بداية القرن الرابع عشر الهجري، ظهر ضعف الدولة العثمانية، والعالم الإسلامي للعيان، وفقدت وزنها أمام الدول الأوروبية القومية المتغطرسة، وخاصة روسيا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والنمسا، وإيطاليا. فاتجهت تلك الدول لاقتسام أملاك الدولة العثمانية فيما أسموه: حل المسألة الشرقية ، وقد ازداد الإنتاج الصناعي في تلك الدول، وسيطرت عليها الرأسمالية، واشتدت حركة القوميات ، ورغبة السيطرة، وشهوة التسلّط، فأخذت تتسابق على المستعمرات للحصول على المواد الأوّلية الرخيصة الثمن، السوق الأعظم لاستهلاك المواد المصنّعة، فأدى ذلك إلى اشتداد المنافسة بينهما، فتكونت نتيجة ذلك الأحلاف، إذ تقاربت بريطانيا وفرنسا وروسيا رغم ما بينها من عداء. فانقسمت أوربا إلى كتلتين متنافستين، واشتد سباق التسلّح، ومع وجود الأزمات - وخاصة أزمة البلقان - اندلعت شرارة الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م) التي انتهت بانتصار الحلفاء وهم: بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا ( التي انضمت للحلفاء أثناء الحرب) والولايات المتحدة ( التي عادت لعزلتها بعد انتهاء الحرب).
وقامت الدول المنتصرة بإنشاء عصبة الأمم، وقد هيمنت عليها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، واتخذتها ستاراً لاقتسام العالم. واعتبرتها هيئة دائمة، تشدّ أزرها الحكومات القومية.
وتألفت عصبة الأمم من جمعية عمومية مؤلفة من مندوبين يمثلون الدول الأعضاء في العصبة، تنعقد مرة كلّ عام لمدة شهرين في جنيف مقرها الدائم، ومن مجلس كان يتكون أولا من تسعة مندوبين، خمسة منهم ينوبون عن الدول الكبرى التي لها كراسي دائمة في مجلس العصبة وينعقد هذا المجلس أكثر من مرة في العام. وتعدّ سكرتارية العصبة (وهي هيئة دولية من الموظفين المدنيين) أعمال الجمعية والمجلس كما أنها تشرف على تنفيذ أعمالها .
وقد بلغ أكبر عدد لأعضـاء العصبـة (ستـين دولـة)، وانضمت لها روسيا عام 1934م، في حين انسحبت منها اليابان عام 1933م، ورفضت الولايات المتحدة الانضمام إليها مؤثرة العزلة عن مشكلات أوربا، وكان للصهيونية نشاط كبير في تكوينها من أجل تحقيق أهدافها تحت ستار الشرعية الدولية.
وميثاق العصبة حمل بذور فشلها، فقد كانت رابطة دول ذات سيادة، ولم تكن اتحاد دول، وكـانت القرارات يلزمها الإجماع، وهذا أضعف مواقفها ولم تكن تملك القوة الضرورية لغرض احترام مقرراتها،، وانصبّ نشاطها على المحافظة على "الحالة الراهنة"، وبذلك عملت لصالح بعض الدول وخاصة بريطانيا وفرنسا ولم تتفق على شيء كاتفاقها ضد مصالح المسلمين: فقد أقرّت مبدأ الانتداب والوصاية، كـما اعترفت بوعد بلفور، وأصدرت صك الانتداب على فلسطين يتضمّن تكليف بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور بمشاركة الوكالة اليهودية.
وعن وضعها العام عبّر المؤرخ الأمريكي ( كاتانو سلفيميني ( GAETANO SALVEMINI الأستاذ في جامعة " هارفرد" عن رأيه فيها وقال: "إن تاريخ عصبة الأمم بين الحربين الأولى والثانية هو تاريخ الغدر، والحيل، والخيانة" فمن الطّبيعي أن تفشل العصبة في محاولاتها منع استخدام القوة في فضّ المنازعات الدولية، وفي الحدّ من التسلُح بين الدول، فعادت حدّة سباق التسلّح، وعادت التكتلات والأحلاف، وانقسمت أوربا ثانية إلى:
أ) الحلفاء من الإنجليز والفرنسيين.
ب) دول المحور: ألمانيا، وإيطاليا. وانضمت إليهما اليابان. وتمثلت فيها الدكتاتوريات.
فعاد التنافس بشكل أشدّ عمّا كان عليه قبل الحرب العالمية الأولى، وأدّى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية ( 1939-1945م).
وفي أثناء هذه الحرب الثانية ظهرت فكرة تطوير عصبة الأمم على اسم جديد هو: هيئة الأمم حيث ظهرت أفكار إنشائها عام 1941م بميثاق الأطلسي بين روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وتشرشل رئيس وزراء بريطانيا.
وتلا ذلك مشاورات كثيرة أثناء الحرب بين دول الحلفاء وبشكل خاص: الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وعقدت مؤتمرات بشأن إنشاء هيئة الأمم أهمّهـا:
أ- اجتماع البيت الأبيض عام 1942م الـذي أسفر على تصريح الأمـم المتحدة من قبل ممثـلي (26) دولة. ذكر فيه ميثاق الأطلسي مع إضافة الحرية الدينية .
ب- مؤتمر موسكو عام 1643م الذي ضم: الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، وبريطانيا، ومثل هذه الدول: روزفلت، وستالين، وتشرشل. وقد اعترفوا بضرورة وضع تنظيم دولي في أول ساعة ممكنة يقوم على: مبدأ المساواة في حقوق السيادة بين جميع الدول المحبة للسلام، وتعهـدوا بفـتح باب العضوية لجميع هذه الأمم صغيرها وكبيرها، كي تعمل على كفالة السلام، والأمن الدوليين .
ج- مؤتمر طهران عام 1944م وضم روزفلت، وستالين، وتشرشل وأكدوا فيه ما سبق.
د- مؤتمر "دمبرتن أوكس": حيث اجتمع ممثلو بريطانيا، وروسيا، والولايات المتحدة، والصين في فندق "دمبرتن أوكس" بواشنطن عام 1944م، وعملوا على وضع مشروعات تمهيدية لمنظمة دولية. ووضعوا خطوطها العريضة .
هـ- مؤتمر يالطا عام 1945م بين روزفلت وتشرشل، وقد بحث فيه أمر المنظمة .
و- مؤتمر سان فرانسيسكو في مارس عام 1945م، وقام بالدعوة إلى هذا المؤتمر كلّ من: روسيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، والصين. وقد اشتركت فيه فرنسا دون أن تكون داعية إليه باعتبار أنها لم تساهم في مؤتمر "دمبرتن أوكس" ولا في يالطا. وحضره مندوبون عن إحدى وخمسين دولة. حيث تم في 26 يونيو من العام نفسه الموافقة على ميثاق الأمم المتحدة في اليوم نفسه. واتخذت مقرها الدائم في نيويورك (امبراير ستايت).
وقد تضمنت شرعة الأمـم (19) فصلا في (111) مادة، عرّفت أولاً مبادئ المنظمة وأهدافهـا، (الديباجة والفصل الأول)، ثم وصفت مختلف الهيئات، وكيفية سير أعمالها. وقد حدّدت أهدافها في :
1- حفظ السلام والأمن في العالم، وذلك بمقاومة الأخطار التي تهدد السلام العالمي، ومنع الحروب واستعمال القوة في حل المشكلات.
2- تنظيم وتوثيق التعاون الدولي، ومدّ يد المساعدة للدّول المختلفة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والفنية.
3- حل المشكلات الدولية والخلافات الإقليمية بالطرق السلمية عن طريق المفاوضة والتوفيق، أو الوساطة، أو التحكيم.
وتكوّنت الهيئة من الأجهزة الرئيسية التالية:
1- الجمعيـة العموميـة:
وتكـونت من جميع الـدول الأعضاء: التي بلغ عددها عام 1987م (151دولة). ويمثل كل عضو فيها مندوبون لا يزيد عددهم على خمسة لهم جميعاً صوت واحد. وتقوم الجمعية: بتوثيق العلاقات والتعاون الدولي، وبحث المشكلات التي تؤثر في السلم، والأمن العالمي. وتسوية الخلافات بين الدول، والمحافظة على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وزيادة التضامن الدولي في ميادين الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والتربية، والصحة. وإقرار ميزانية الأمم المتحدة، وانتخاب أعضاء وموظفي الأجهزة الأخرى التابعة لهيئة الأمم.
وتصدر الجمعية قراراتها في المسائل الهامة بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين. وتكتفي في المسائل العادية بالأغلبية العادية.
ومما يجدر ذكره أن سلطات الجمعية استشارية محضة، فهي تدرس وتناقش، وتوصي، وتفحص التقارير، ولا تقرر أبداً فيما عدا الموافقة على عضوية دولة من الدول.
2- مجلس الأمـن:
ويتكـون من خمسة أعضاء دائمين هم ممثلو: الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، والصين (الوطنية سابقا، والشعبية حالياً). ومن ستة أعضاء غير دائمين يكون انتخابهم لمدة سنتين. وقد زيد عدد الأعضاء غير الدائمين إلى خمسة عشر عضواً.
وتصـدر القرارات في المسائل الهامة بالأغلبية العددية على أن يكون منها الأعضاء الـدائمـين الخمسة. كما يحق للأعضاء الدائمين استعمال حق الفيتو (النقض) لأي قرار يعرض على المجلس. وهذا أدّى إلى تسلّط الدول الكبرى على هذا المجلس. وضياع أي حق ما لم يوافق هواهم جميعاً.
ويقوم مجلس الأمن: بالمحافظة على الأمن والسلام في العالم بالتعاون مع الجمعية العـامة (طبعـاً بمفهوم الـدول المهيمنة)، واتّخاذ قرارات بتوقيع عقوبات اقتصادية، أو إجراءات لمنع وقوع العدوان، أو لوقفه، واتّخاذ إجراء حربي ضد المعتدي في ظروف خاصة. وقد وافقت جميع الدول الأعضـاء على أن تضع تخت تصرف المجلس أية قوات مسلحة، وتقدم كل تسهيلات عسكرية يطُلب منها أو يتفق عليها .
3- الأمانة العامة: (السكرتاريا):
وتتألف من أمين عام تعينه الجمعية العمومية للهيئة، ومن عدد من الموظفين.
ويمثل الأمـن العام حلقة الوصل بين الجمعية العمومية ومجلس الأمن، وبين الدول الأعضاء ذات المصلحـة، وبين مجلس الأمن والجمعية العمومية. كما تنظم الأمانة أمور اللجان الأخرى.
4- المجلس الاقتصادي والاجتماعي:
ويتألّف من ثمانية عشر عضـواً، تنتخبهم الجمعية العمومية، ومهمته تقديم خدمات اقتصادية، واجتماعية، وصحية، وثقافية للدول الأعضاء، عن طريق وكالات متخصّصة في هذه الميادين، يتعاون بعضها مع الآخر عن طريق المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي يقوم بدور جهاز التنسيق. ومن أهم هذه الوكالات:
منظمة الأغذية والزراعة: F. A. O ، ومنظمة اليونسكو للثقافة والتعليم U. N. E. S. C. O ومقرها باريس. ومنظمة العمل الدولية L. L. O، ومنظمة الصحة العالمية W. H. O والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة اللاجئين الدولية .U. N. R. W. A
5- محكمة العدل الدولية:
وتتألف من قضاة من كبار رجال القانون من مختلف الدول. ومركزها مدينة لاهاي في هولندة. ويعود تأسيسها إلى عام 1921م للنظر في الخلافات بين الدول، والمطالب التي تتقدّم بها على ضوء المعاهدات والاتفاقيات الدولية القائمة .
6- مجلس الوصاية:
وحل محل لجنة الانتدابـات الدائمة القديمة. ويشرف على شئون المستعمرات السابقة لدول المحـور ( ألمانيا، وإيطاليا، واليابان). ويتألف من أعضاء الدول التي تتولى إدارة تلك البلدان.
وقد انضمت الدول الإسلامية المستقلة إلى منظمة هيئة الأمم منذ تأسيسها وتوقيع ميثاقها، فضمت المملكة العربية السعودية، وتركيا. وقبلـت فيها أفغانستان عام 1946م ثم انضمت إليها اليمن والأردن وألبانيا عام 1947م، وإندونيسيا عام 1948م. كما ضمّت هذه المنظمة الكيان الصهـيوني في فلسطين باسم "دولة إسرائيل" التي اعترفت بها أمريكـا والاتحاد السـوفيتي من أول إعلانها عام 1948م . كما انضمت إليها الدول العربية والإسلامية تباعاًَ بعد استقلالها.
وقد عرضت القضية الفلسطينية على الهيئة مراراً ولا تزال، كـما عرضت عليها القضايا الإسلامية المختلفة، والمتتبع للأحداث يجد أن هذه القضايا لا تحل في اجتماعات هيئة الأمم وقاعاتها ومناقشاتها. فهي لا تعدو أن تكون منبراً دولياً تعرض عليه مشكلات الأمم، ومجلس الأمن مجمّد بنظام الفيتو فهو غير قادر على اتخاذ قرارات في الحالات الخطيرة، والجمعية العامة لا تستطيع أن تصدر إلاّ توصيات، كما أنه من الممكن أن يطرح كل بلد مهما كان صغيراً توصيات الجمعية، وأعمال اليهود في فلسطين، وأعـمال الحكومة العنصرية في جنوب أفريقيا ماثلة للعيان .
ثانياً. مجموعـة الدول الـ 77:
ظهرت هذه المجموعة في إطار هيئة الأمم، فقد دعت الأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر للتجارة والتنمية من أجل بحث إمكانية توسيع التبادل التجاري بين الدول النامية والدول المتقدمة صناعياً. والتعاون من أجل بناء مجتمع دولي متعاون. وفي نطاق هذا المؤتمر الذي أصبح يعقد بصورة دورية تجمعت سبع وسبعون دولة من الدول النامية في قارات: آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وعقدت أول مؤتمراتها عام 1964م في نيودلهي عاصمة الهند، وعقدت مؤتمرها الثاني في مدينته الجزائر عام 1967م، وانضم عدد من الدول النامية الأخرى إلى هذه المجموعة حتى بلغ مجموع أعضائها عام 1974م خمسا وتسعين دولة. وأما أثرها فضئيل. ومعظم دول العالم الإسلامي أعضاء في هذه المجموعة.
ثالثاً: دول حلف الأطلسي : n. a. t. o
وهذا الاسم نسبة إلى شمال المحيط الأطلسي.
تعـرّض الاتحـاد السـوفييتي في الحرب العالمية الثانية عام 1941م إلى هجوم ألماني صاعق، فدفع ذلك روسيا إلى الانخراط في المعسكر الديمقراطي الغربي ضد ألمانيا النازية، وهذا أدّى إلى إعادة النظر في الوضع السياسي بين لندن وواشنطن. فقابل الرئيس الأمريكي (روزفلت) رئيس وزراء بريطانيا "تشرتشل" في 14 آب (أغسطس) عام 1941م على ظهر الـدارعة الإنجليزية (أمير ويلز) الراسية في جون الأرض الجديدة ووضعا صكاً يُعتبر أول مَعْلم وُضع لتشكيل تضامن شعوب الأطلسي. إذ اتفقت الدولتان على :
ألاّ تُحدثـا أي تغيير أرضي مضاد لأماني الشعوب، ويحقّ لكل شعب اختيار شكل الحكم بحـرية، ولجميع الشعـوب الحق في الـوصول إلى المواد الأولية، وترجوان التعاون الاقتصادي بين جميع الدول. وأنّه بعد تقويض النازية يجب أن يشمل السـلام الأمن الدولي وحرية البحار، وأعلنا عن تخفيض عَام للتسلح!
وأسفرت الحرب العـالمية الثانية (1939-1945) عن ظهور قوتين غربيّتين: روسيا، وأمريكا. تحاول كل منهما فرض أيدلوجيتها على العالم، والحلول محلّ أوربا الغربية في السيطرة على العالم، والهيمنة عليه. وتسابقتـا في التسلح، وتزعمتا العالم في الأبحاث الخاصة بالذّرة واستعرت بينهما الحرب الباردة.
وقـد ظهرت روسيا السوفيتية بمظهر الزعيم المـدافـع عن النظام الاشتراكي (الأيدلوجية الشيوعية)، وظهرت أمريكا بمظهر الزعيم الممثل للنظام الديمقراطي الغربي (الأيدلوجية الرأسمالية الليبرالية). واشتدت الحرب الباردة بين الطرفين، وتمت القطيعة بـين النظامين عام 1947م لتسير كل منهما في تكوين حلف تتزعمه لاقتسام العالم تحت اسم: المعسكر الشرقي، والمعسكـر الغربي. وأحست الدول الأوروبية بالخوف فبحثت عن أحلاف وتكتلات فكان ميثاق بروكسل (عاصمة بلجيكا ) عام 1948 م الذي ضمّ دول البينولوكس الثلاثة وهي: هولندة، وبلجيكا، ولكمسبورج، باقتراح من بريطانيا وفرنسا. وقد وافقت الحكومات الثلاث على معاهدة لمدة خمسين سنة، نصّت على معونة عسكرية آلية في حالة عدوان ضد أحد موقعيها في أوربا، وعلى تبادل المشورة في حالة عدوان في قارة أخرى غير أوربا، أو في حالة تهديد ألمانيا لأيّ منها. كما أكدت على منع وقوع الأقطار الأوروبية تحت النفوذ السوفييتي، ونصت على إنشاء مجلس استشاري ينعقد بناء على طلب أحد الأعضاء. وتضمّنت تقـوية الـروابط الثقافية والتبـادل التجاري بين هذه الأقطار ، كـما ظهرت الرغبة عندهم في التعاون مع الولايات المتحدة التي وضعت شرطاً هو: التنظيم المسبق في أوربـا لسياسة الدفاع ضد كل عدوان من حيث أتى . فبدأ الكلام عن ميثاق أطلسي مُحتمل، يضّم اتحاد بروكسل والولايات المتحدة وكندا.
وفي الوقت نفسه كانت الدول الاسكندنافية وهي: النرويج، والسويد، تفكّر في تحقيق ميثـاق خاص. وفي جنـوب أوربـا اقترح "تسالداريس" وزير خارجية اليونان على "بيفن"- رئيس وزراء بريطانيا اشتراك إنكلترا وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، واليونان للدفاع عن البحر المتوسط .
فتهيأ الأمر لميثاق الأطلسي بزعامة أمريكا، ونقّح النصّ الكامل للميثاق في 8 آذار (مارس) عام 1948م ووصل إلى باريس، ثم إلى لندن، ونوقش من قبل مجلس الخمسة الاستشاري دون إدخال تعديلات. وفي 15 آذار دعا الخمسة والولايات المتحدة وكندا إلى اشتراك النرويج، والدانمارك، وأيسلندا، والبرتغال في الميثاق وفي نيسان (أبريل) عام 1949م تم توقيع الحلف في واشنطن من قبل اثنتي عشرة دولة وهي: الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، و بلجيكا، ولكسمبورج، والنرويج، والدانمارك، والـبرتغال، وكندا، وأيسلندا. ثم انضمت تركيا واليونان عام 1952م إلى هذا الحلف. وكذلك ألمانيا الغربية عام 1955م .
وادّعى منشئو هذا الحلف أن طابعه دفاعي، وأنه موجّه ضد خطر العدوان الشيوعي على أوربا الغربية وأعربت دول الحلف عن الثقة بأهداف هيئة الأمم المتحدة ومبادئها، ونصّت مقدمته على رغبة المتعاقدين في السلام، والتصميم على حماية النظام الديمقراطي- النموذج الغربي- بالقوة.
وتعتبر البنود العسكرية هي الأساسية من بين بنوده. ففي المادة الرابعة ميّزوا بين التهديد والعدوان. ففي حالة التهديد تتشاور الأطراف ويكفي لتعريف التهديد أن يصرّح أحدهم أنـه موجود. وأما البند الثامن في المعاهدة فإنه يخضع جميع الاتفاقيات الأخرى الدولية، وبالتالي كل سياسة المشتركين في حلف الناتو في حكام هذه المعاهدة .
ودخـل الميثـاق حيز التنفيذ في 24 آب (أغسطس) عام 1949م وأنشئ مجلس عسكـري لتحقيق أغراضـه، وقيادة عامـة للحلف. كما أنشئت "الوحدة الاستراتيجية الدائمة" لتأمين إدارة العمليات العسكرية وهي تتألف من ممثلين من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا. وتحت أمرها خمس وحدات إقليمية للعمليات: كندا في أمريكا. وشمال الأطلسي، والشمال الأوروبي، والغرب الأوروبي، والجنوب الأوروبي للمتوسـط الغربي. وقد عُينّ الجنـرال (دوايت ايزنهاور) قائداً أعلى في أوربا عام 1950م. كما خوّلت السلطة التنفيذية إلى مكتب دائم دعوه: "مكتب الثلاثة عقلاء" عام 1951م .
وقد تحوّل الحلف إلى أداة كبّلت بواسطتها الدول الداخلة فيه بقيود التبعية العسكرية للولايات المتحدة. كـما حوّلت إلى رؤوس جسور خطيرة لمرابطة القوات الأميركية، وإقامة القواعد النووية، وغيرها من القواعد العسكرية الأميركية بأشكالها المتعدّدة، وإلى مصادر للموارد البشرية، والأسلحة الإضافية المطلوبة للاستراتيجية الأمريكية . فقد تحدث الجنرال الأمريكي (جرونتر) بعد إنشاء الحلف فقال: "يحلو لنا ذلك، أم لا، ولكن رداء قيادة العالم يقع على أكتافنا، ونجاح هذا الحلف وسيتوقف على مقدار ما نستطيع تحقيق هذه القيادة " .
وقد قام الاتحاد السوفيتي بحملات عنيفة على هذا الحلف وهاجمه بشدة بالصحافة والإذاعة . وذلك بهدف ضمّ الدول الأخرى إلى جانبه. الأمر الذي يدعونا إلى القول مطمئنين: أن اتفاقاً سرياً حصل بين ما يسمى بالعملاقين لاقتسام العالم، وكبت القوى التي يمكنها الوقوف أمام كل منها وخاصة الإسلام. وقد تحولت أمريكا بموجب هذا الحلف إلى شرطي يفرض هيمنته على العالم، ويتدخل في كل قضاياه صغيرة أو كبيرة. وأمام ذلك انسحبت فرنسا عام 1966م رسمياً من الجهاز العسكري تبعاً لسياسة ديغول في أن يكون لأوربا وجود مستقل عن أمريكا، والاتحاد السوفيتي، فانتقل مركز الحلف من باريس إلى بروكسل. وألغيت "الإدارة التنفيذية للجنة العسكرية" وأوجدت جهازاً جديداً أطلق عليه اسم: " الهيئة العسكرية الدولية" .
ومن حلف الأطلسي انبثق: "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" e. c. d. o. بقصد ربط دول أوربا الغـربية بعجلة الاقتصاد الأمريكي. ومنافسة للسوق الأوروبية المشتركة. وضمت إلى جانب دول الحلف بعض الدول المحايدة مثل: النمسا، والسويد، وسويسرا، وفنلندا، ويوغسلافيا.
رابعاً: دول حلف وارسو : warso pact
نسبة إلى وارسو عاصمة بولندة (بولونيا).
كان الاتحاد السوفييتي قد سيطر أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها مباشرة على أوربا الشرقـية سيطرة كامـلة. حيث شملت عام 1948 م: ألمانيا الشرقـية، وبـولنـدة، وتشيكوسلوفاكيا، وهونغاريا، ويوغسلافيا، وألبانيا، وبلغاريا، ورومانيا. وربطت روسيا هذه البلدان بها بمعـاهدات ذات طابع سياسي وضعت أولياتها زمن الحرب ، أطلقت عليها اسم: (علاقات الصداقة والمساعدة المتبادلة بين الاتحاد السوفييتي ودول الديمقراطية الشعبية) . واعتمدت على قيام أنظمـة شيوعية مخلصة لموسكو، ترتكز على دكتاتورية البـرولوتاريا (الـطبقـة العاملة) ، واعتمدت في الحكم على القهر، والتضييق، وكبت الحريات على مختلف أشكالها وألوانها.
وبعد القطيعة بين روسيا وأمريكا عام 1947 م أشرفت روسيا على عقد معاهدات بين الدول التي تسير في فلكها، بعضها مع بعض . كما عقدت مع الصين الشيوعية معاهدة للصداقة والتحالف والمساعدة المتبادلة عام 1950م ، وأنشأت جمهورية ألمانيا الشرقية عام1949 م . وأخـذت تصـدر الشعارات الاشتراكية إلى بلاد الإسلام، باسم التقدمية، ومحـاربـة الـرجعية والاستعـمار والـرأسـمالية، فاستهوت كثيراً من الناس، وخفت صوت الإسلام، وضُرب المسلمون ضربات موجعة تحت اسم هذه الشعارات في بلاد الإسلام الـتي في الاتحاد السوفييتي، وفي يوغسلافيا، وأوربا الشرقية، والصين، ومصر، وإندونيسيا، والهند الصينية. ثم في أقطار إسلامية أخرى.
ولما وقع ميثاق حلف الأطلسي حمل الاتحاد السوفييتي مع منظومته الاشتراكية عليه بشدة ونظم مؤتمراً في موسكو عام 1954م يبحث الأمن الأوروبي ودعا إليه البلاد الغربية: بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، فرفضت. وعليه فقد اشتركت منظومة الاتحاد السوفييتي في هذا المؤتمر وحدها. وأعلن التصريح الختامي هذا المؤتمر: "بأن الموقعين في حال تصديق المعاهدات التي تستأنف فيها ألمانيا الحياة العسكرية على استعداد لاتخاذ إجراءات مشتركة تتعلق بتنظيم قواها المسلحـة وقيادتها" .
ثم أخذ الاتحاد السوفييتي بفسخ معاهدات تحالفه مع بريطانيا وفرنسا.
وفي عام 1956 م قام بعقد مؤتمر وارسو للكتلة التي دعاها "الشرقية" بزعامته. وأسفر هذا المؤتمر عن توقيع معاهدة حلف وارسو بين ثمانية بلاد من تلك التي تسير في فلكه، وتأتمر بأمره. وهي بالإضـافة إلى الاتحاد السوفييتي: بولندة (بولونيا)، وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا الشرقية، ورومانيا، وبلغاريا، وألبانيا، وهونغاريا.
وبنود الميثاق نسخة عن ميثاق الأطلسي وتنصّ مادته الخامسة على: "تنظيم قيادة عسكرية موحدة، يُعهد بها إلى الماريشال السوفييتي كومنيف" .
وحلف وارسو لم يغيرّ واقع الكتلة العسكرية الشرقية، ولكنه أعطاها معنى مؤثراً، وكرّس انقسام العالم إلى كتلتين، وألقى الرعب في قلب من كان يحاول أن يقف في وجه الكتلتين. وقد هاجمته أمريكا بالدرجة نفسها التي هاجم بها الاتحاد السوفييتي حلف الناتو، وذلك للعمل على جرّ الدول الأخرى إلى السير في مخططاتها، والارتماء في أحضان إحدى الكتلتين.
خامساً: السوق الأوروبية المشتركة:
) المجموعة الاقتصادية الأوروبية ( E. E. C.
كانت فرنسا قد فقدت دورها الاستعماري، ونفوذها بعد الحرب العالمية الثانية أمام الكتلتـين الشرقية، والغربية، فقامت بمشاريع للعمل على تكتل أوربا لإعادة دورها. فتكـوّنت بجهودها "مجموعة الأسرة الأوروبية للفولاذ والفحم" عام 1951 م، من دول: فرنسـا، وألمـا نيا الغربية، و إيطاليا، وبلجيكـا، ولكسمبـورغ، وهولنـدة . واتخـذت لكسمبورغ مركزاً لها.
وانبثقت من هذه الأسرة فكـرة "الدمج الأوروبي" حيث تكوّنت "جمعية مختصّة"، تألفت من جمعية أسرة الفولاذ والفحم، ومن تسعة أعضاء. وكلّفت عام 1952م بتحضير- دستور سياسي أوروبي. وتبنت هذه الجمعية مشروع معاهدة يتضمّن نظام الأسرة الأوروبية ذات الطابـع "فوق القومي" يكون لها نظام: برلمان من مجلسين نواب وشيوخ، ومجلس تنفيذي مسئول أمـام البرلمان، ومجلس وزراء وطنيين، ومحكمة عدل، ومجلس اقتصادي واجتماعي. ولكن المشروع اصطدم بتحفظات كثيرة فتراجعت عنه فرنسا عام 1954م بعد أن رفضها البرلمان الفرنسي وعادت إلى أسلوب التكتل الاقتصادي. فاجتمع مؤتمر الوزراء الستة في مسينا عام 1955م، وأعقب هذا الاجتماع ثمانية اجتماعات أخرى أسفرت في النهاية عن وضع مشروع "السـوق الأوروبية المشتركـة" في الاجتماع الثامن بروما عام 1957 م. ووقّعت المعاهدة. ووافقت اللجنة على نقطة ركزّت عليها فرنسا وهي: "إدخال ما وراء البحـار في السـوق المشتركة". وقد تولىّ أمرها سلطة عليا هي: مجلس الوزراء، ويساعده لجنة أوروبية تتألف من خبراء تكلّف بتحضير عمل الوزراء. وأصبحت السوق الأوروبية المشـتركة، والأسرة الأوروبية للفولاذ والفحم مؤلفة من (14)، برلمانياً، تعطي آراءهـا بأكثرية الثلثين في مراقبـة اللجنـة الأوروبية وتساعـدهـا: اللجنـة الاقتصادية والاجتماعية، واللجنة النقدية، وتوجد محكمة عدل، وبنك أوروبي للتوظيف برأسمال قدره مليار دولار . وأعلنت المجموعة أهدافها في :
أ- إزالة التعرفة الجمركية بين الدول الأعضاء تدريجياً وعلى مراحل وضّحتها وبيّنتها، وسارت في تطبيقها.
ب- إقامة تجارة فيما بين دول السوق، وفتح الحدود تدريجياً لحركات العمال، ورؤوس الأموال، عبر الحدود الوطنية .
ج- وتخضع بلاد ما وراء البحار التي تُقبل في هذه المجموعة للتجربة لمدة خمس سنوات.
ووقّعت سبـع دول أوروبية على ميثاقها هي: فرنسا، وألمانيا الغربية، وإيطاليا، وهولندة، وبلجيكـا، ولوكسمبورغ، والدانمارك. وانضمت لها ايرلندا عام 1963 م، وبريطانيا عام 1967 م.
وكـانت بريطانيا قد تزعمت منافسة هذا السوق في بداية الأمر وكَوّنت: "الرابطة الأوروبية للمبادلة الحرّة" بزعامتها عام 59 19 م، ووصفت السوق الأوروبية: "بالحصار القاري". وتكونت الرابطة من: بريطانيا، والدانمارك، والنرويج، والسويد، والبرتغال، والنمسا، وسو يسرة. ولكن الرابطة فشلت لعدم تجانسها، وتبعثرها الجغرافي ، ثم لاتجاه زعيمتها "بريطانيا" للسوق الأوروبية المشتركة.
هذا وقد حقّقت السوق الأوروبية النجاح على أكثر من صعيد، وأصبحت واضحة الأثر في الحياة الأوروبية اليومية، رغم ما كان بين دولها من تاريخ دموي حافل بالحروب، والضغائن، والإثارة منذ ما قبل حروب نابليون إلى الحرب العالمية الأولى ثم الثانية . فقد نجحت هذه الدول في تأمين أرضية مشتركة لتنسيق الأهداف والبرامج، ودمج المصالح، ومنـع التعـارض والتضـارب والتنافس فيما بينها. فأدى ذلك إلى تحقيق نوع من التكامل الاقتصادي الأوروبي، الذي أدّى بدوره إلى نوع من التطور السياسي والعسكري بحيـث أصبحت السياسات الدفاعية الخارجية، والداخلية لمختلف دول السوق شبه موحدة .
ونرى في الآونة الأخيرة (ويا للأسف) تهافت أكثر من دولة من دول بلاد الإسلام على طلب الانضمام إلى السوق الأوروبية بهدف الإفادة من عضويتها الآنية، دون النظر إلى أبعاد ذلـك على التأثيرات على عالم الإسلام، واستغلاله لمصالح تلك الدول الصناعية. التي نجحت في التحكم في أسعار المواد الأولية التي في معظمها في بلاد الإسلام، كما نجحت في، رفـع أسعار المـواد المصنّعة المصدّرة إلى بلاد الإسلام. فأثر ذلك كثيراً على أوضاع بلاد المسلمين، وعلى نقدها.
سادساً: حول الكومنولث :common wealth
ابتكرت بريطانيا نظام الكومنولث (رابطة الشعوب التي تتكلّم الإنجليزية) لتحافظ على نوع من السلطة على البلاد التي كانت تسيطر عليها، وبدأت تكوينه مع كندا عام 1867م، بعد أن نجحت في صدّ الولايات المتحدة عنها .
وبعد الحرب العالمية الأولى رسمت سياسة أسمتها: "التفضيل الإمبراطوري" لتحقيق لون من ألوان الاكتفاء الذاتي الاقتصادي والسياسي، بالتضامن مع مستعمرات الدومنيون، ومستعمرات التاج. وقد قبل المؤتمر الإمبراطوري عام 1930م تقرير بلفور الذي أعلن فيه أن بريطانيا وممتلكاتها المستقلة متساوية في حقوقها في الحكم الذاتي داخل نطاق الإمبراطورية البريطانية، ولكنها جميعاً ترتبط بالتاج برباط الولاء المشترك، وقد عبّر عن هذه المبادئ دستور وستمنستر عام 1931م الذي نصّ على قيام الكومنولث البريطاني، المكوّن من أقطار مستقلة مرتبطة ببعضها برباط المواطنة إلى رابطة الشعوب البريطانية . وبيّنت هذه السياسة في مؤتمر رؤساء وزارة الإمبراطورية الذي عقد في أوتاوا (كندا) عام 1932م. وكانت الأراضي الخاضعة للتاج البريطاني تنتمي إلى ثلاثة أقسام وزارية كبيرة حتى عام 1944م وهي:
أ- وزارة الدومنيون، وتشرف على كندا، واستراليا، وزيلندة الجديدة، واتحاد جنوب أفريقيا، ودولة ايرلندا الحرّة. وكان لجنوب أفريقيا وضع خاص، على أساس النظام الذي وضع عام 1926م، على أساس المساواة، والاستقلال الذاتي، والولاء للتاج البريطاني. ولما تحررت الدول تلك من الرقابة البريطانية بقيت تقيم مع بريطانيا علاقات خاصة فتحولت وزارة الدومنيون إلى: وزارة الشئون الخارجية المكلفة بعلاقات مع الأسرة.
ب- وزارة الشئون الهندية ( مع وزارة برمانيا الملحقة بها) وكانت تدير سياسة الهند، ومسئولة أمام برلمان وستمنستر عن حكومة الهند، وتتّخذ القرارات مباشرة دون الرجوع إلى زعماء البلاد، مع أن بريطانيا كانت قد وعدت الهند بنظام الدومنيون منذ عام 1917م.
ج- وزارة المستعمرات: وكانت تشرف على مستعمرات بريطانيا في أفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وجزر الهند الغربية، والمحيط الهادي، والبحر الأبيض المتوسط. ولم يعرض على بساط البحث تحويل هذه المستعمرات إلى دومنيون.
فالكـومنـولث ضم البلاد التي تشرف عليها وزارة الدومنيون، والتي أصبحت عام 1944م ذات سيادة كاملة.
وقد مرّ الكومنولث بعصره الذهبي بين عامي 1927-1954م، وأطلق عام 1947م على وزارة الـدومنيون اسم: "وزارة العـلاقـات مع الكومنولث". وهي التي ورثت عام 1966م جميع علاقات المملكة المتحدة مع بلاد إمبراطوريتها القديمة، قبل أن تنصهر عام 1968م مع وزارة الخـارجية . فأصبح الكومنولث يدل على رابطة دول حرّة مستقلة ومتسـاوية ضمت عام 1968م: المملكة المتحدة، وكندا، واستراليا، وزيلندة الجديدة، والهند، وباكستان، وسيلان، وغانا، وماليزيا، ونيجيريا، وسيراليون، وقـبرص، ومالطة، وتـانـزانيا، وجامايكا، وترينداد ، وتوغو، وأوغندة، وكينيا، ومالاوي، وزامبيا، وغامبيا، وسنغافورة، وغوايانا، وليسوتو، وبوتشوانا، و بارباد، والمالديف، وناورد، وساموا الغربية، وجزيرة موريشيوش، وسوازيلاند. كـما يدل على توابع المملكة المتحدة، وبعض المستعمرات أو المحميات.
هذا وقد أضيف إلى حق الاشتراك في الكومنولث حق الخروج منه، كـما فعلت بورما (بـرمانيا) عام 1948 م، وأيرلنـدة عام 1949 م. وانضمت الهند وسيلان عام 1949 م، وباكستان عام 1948 م .
ولم يكن للكومنولث سلطة تنفيذية اتحادية، ولا سلطة تشريعية فكانت بريطانيا هي المهيمنة عليه. وشهد ضعفاً شديداً بعد عام 1968م لأسباب نوجزها فيما يلي:
1- التنظيمات الجديدة التي شهدتها أوربا ومواثيقها العسكرية.
2- نفوذ الولايات المتحدة وروسيا ودورهما في محاولات الحلول محال النفوذ البريطاني والفرنسي. والتكتلات الجديدة التي تزعمتها روسيا والولايات المتحدة.
3- ظهور كتل أخرى بمساندة الولايات المتحدة وغيرها مثل: ميثاق دفاع بـين: استراليا، وزيلندة الجديدة، والولايات المتحدة، ومنظمة معاهدة جنوب شرق آسيا التي ضمت: إندونيسيا، وتايلاند، والفليبين، وماليزيا، وبروني.
4- سياسة التمييز العنصري في أفريقية الجنوبية، وموقف بريطانيا الحرج في ذلك أمام دول الكومنولث.
5- الاعتداء الثلاثي على مصر عملية السويس- عام 1956م، حيث اشتركت بريطانيا مع فرنسا ودولة اليهود في مهاجمة مصر. فسبّب ذلك تصادمات عنيفة بين بريطانيا وأعضاء دول الكومنولث.
6- وأخيراً اتجاه بريطانيا للقارة الأوروبية ، وتشابك مصالحها وتناقضها مع كثير من مصـالـح دول الكومنولث. وضعفها الاقتصادي الذي جعلها بحاجة ماسة إلى أمريكا. ففقدت زعامتها وقيادتها، وبالتالي ضعفت أهمية الكومنولث وفقد فعاليته. وخاصة بعد أن أثبتت بريطانيا عجزها عن مسابقة أمريكا والاتحاد السوفييتي في مجال السباق الذري والفضائي .
سابعاً: جامعة الدول العربية
وهي منـظمـة إقليمية أنشئت عام 1945م من أجل مزيد من التعاون السياسي، والاقتصادي، والثقافي بين الدول العربية المستقلة. وأعضاؤها اليوم اثنتان وعشرون دولة هي: المملكة العربية السعودية، والكويت، والبحرين، وقطر، وعُمان، واليمن الشمالية، واليمن الجنـوبية، والإمـارات العـربية، والأردن، وسـوريا، ولبنـان، والعراق، ومصر، والسـودان، والصومـال، وجيبـوتي، وليبيا، وتونس، والجـزائر، والمغرب، وموريتانيا. بالإضافة إلى فلسطين. وكان مقرها القاهرة، وانتقل إلى تونس عام 1979م بعد اعتراف مصر بالكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.
كان عقد المسلمين قد انحلّ، وتبعثر بعد الحرب العالمية الأولى [1914- 1918م]، وإلغـاء الخلافة العثمانية رمز الوحدة الإسلامية، وقسمت بلاد الإسلام ومنها العربية إلى مستعمرات حكمها الإنجليز والفرنسيون والإيطاليون، ولم يبق من يتمتع باستقلاله إلاّ: المملكـة العـربية السعودية، واليمن الشمالية، وأفغـانستان وأخذت الاتجاهات الوطنية والإقليمية تجد لها صدى بين شعوب العالم الإسلامي تحت شعارات: الاستقلال، والحرية، ومكافحة الاستعمار، إلى جانب الاتجاهات الإسلامية التي لا يمكن إغفالها.
وبدأ تقارب البلاد العربية على الصعيد الدبلوماسي بمعاهدة الإِخاء والتحالف بين المملكـة العربية السعـودية والعـراق عام 6 193 م، وتنص المـادة السابعة منها: "يتعاون الفريقان المتعاقـدان الساميان على توحيد الثقافة الإسلامية والعربية، والأساليب العسكرية في بلادها، بتبادل بعثات علمية وعسكرية للاطلاع على الأساليب المتبعة في المملكتين، وتوحيد ما يمكن منها، والاستفادة من المعاهد السلمية والعسكرية والتدريب بها..." وتركت المعاهدة الباب مفتوحاً أمام الدول العربية الأخرى، فاشتركت فيها اليمن عام 1937م. كما عقدت معاهدة صداقة بين المملكة العربية السعودية ومصر في عام 1936م في القاهرة وأقامت هذه المعاهدة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لأول مرة، كمّا ألفت خطوة نحو تقارب البلاد العربية.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية ( 1939 - 1945م ) برزت مشاريع تدعو لوحدة بعض الأقطار العربية قبل مشروع الجامعة العربية ومنها:
أ- مشروع سوريا الكبرى الذي نادى به الأمير عبد الله بن الحسين أمير شرق الأردن.
ب- مشروع الهلال الخصيب: ( وحدة بلاد الشام والعراق ) الذي نادى به نوري السعيد رئيس وزراء العراق عام 1942م.
وكانت بريطانيا قد واجهت أحلك الظروف في الحرب العالمية الثانية، ووقفت وحدها أمام دول المحور بعد استسلام فرنسا لهتلر، وقبل دخول الولايات المتحدة الحرب إلى جانبها. كما كانت ألمانيا تحاول استشارة العرب ضدها بإطلاق الوعود. فخشيت بريطانيا انفلات الأمر من يدها، كما خشيت أن يتجه العرب إلى الاتجاهات الإسلامية، وهم بحكم وضعهم ولغتهم من الممكن أن يسلّم لهم العالم الإسلامي بالزعامة. هذا بالإضافة إلى أن بريطانيا كانت ترغب في إقامة منطقة نفوذ اقتصادية في الشرق الأوسط كله، فرغبت بالتالي في تمهيد الطريق أمام تقارب العرب فيما يشبه الحلف أو التضامن يسهل عليها التعامل معهم، من مركز واحد، كما كانت ترغب في انتزاع لبنان وسوريا من فرنسا ليخلوا لها الجوّ . علاوة على أنّها بتبنيها أماني العرب في الوحدة تحقّق هدفاً غالياً عند العرب طالما تمنوه وعملوا من أجله، ويزيل ما علق بنفوسهم من حقد على بريطانيا لموقفها من فلسطين وتهويدها، وتبنيها للصهيونية. من أجل ذلك كلّه كان تصريح "إيدن" رئيس وزراء بريطانيا عام 1941م في مجلس العموم البريطاني، وجاء فيه:
(لهذه البلاد- بريطانيا تقاليد طويلة من الصداقة مع العرب، وهي صداقة قد أثبتتهـا الأعمال، وليست الأقوال وحدها، ولنا بين العرب عَدد لا يُحصى ممَّن يرجون لنا الخـير، كـما أن لهم هنا أصدقاء كثيرون، وقد قلت منذ أيام في مجلس العموم أن حكومة جلالته تعطف كثيراً على أماني سوريا في الاستقلاَل، وأود أن أكرر ذلك الآن، ولكني سأذهب إلى أبعد من ذلك فأقول: إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمتّ عقب الحرب الماضية. ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من الوحدة أكثر من الدرجة التي يتمتعون بها في الحاضر، وهم إذ يحاولون بلوغ هذه الوحدة، يعتمدون على مساعدتنا. وهذا النداء الصادر عن أصدقائنا يجب ألا يبقى دون جواب ويبـدو لي أن من الطبيعي والعادل معاً أن تقوى الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية، وكذا الروابط السياسية. وإن حكومة صاحب الجلالة من جانبها ستبذل مساعدتها التامة لكل خطة يمليها اتفاق عام) .
وقد أعقب هذا التصريح جهود عربية لم تتعدّ نطاق الاستشارة أو المكاشفة والمداولة التي لم تتّخذ أية صفة رسمية عملية .
وجدّد "إيدن" تصريحه عام 1943م "بعطف بريطانيا على أماني العرب في الاتحاد على أن تكون المبادرة من العرب أنفسهم". وكانت ظروف التصريح الجديد تختلف عن ظروف سابقـه: فدول المحـور ابتدأت بالتراجع، والحلفاء يتقلّبون من نصر إلى نصر، والصهيونية تكيد لفلسطـين وتكشّر عن أنيابها، والفرنسيون يتشبّثون بسوريا ولبنان والجوّ العربي لا يخلو من سوء التفاهم . فبادر النحاس باشا رئيس الوزراء المصري إلى الاتصال بزعـماء العرب عام 1944م، وتمت عدة لقاءات ومشاورات أسفرت عن مشروع وحدوي واسع في بروتوكول الإسكندرية (مؤتمر الإسكندرية) الذي جمع في 7 تشرين الأول عام 1944م الدول العربية: مصر، والمملكة العربية السعودية، وسورية، ولبنان، والأردن، واليمن، والعراق.
ولكن المشروع "شبـه الاتحـادي" الـذي أقره بروتوكـول الإسكندرية اصطدام بالتحفظات فأسفر عن ميثاق من نوع المنتدى الدبلوماسي بروابط مرنة، ورخوة، وهو ميثاق جـامعة الـدول العربية . وقعت عليه الدول العربية في 22 من آذار عام 1945 م. والواقع أن بعض التحفظات كان لا بدّ منها عند بعض الدول، وكمثال على ذلك:
من بين أهداف الجامعة العربية: "السعي لتوحيد الثقافة وتوحيد التشريع بين الدول العربية". ولما كـان أكثر البلاد العربية قد تمسك بالعلمانية فإن المملكَة العربية السعودية بيّنت أن ظروفها، ووجود البلاد المقدسة فيها يجعل لها وضعاً خاصاً، فهي ستمتنع عن تنفيذ أي مبدأ في التعليم، أو التشريع يخالف قواعد الدين يمت الإسلامي وأصوله . ولو أخلصت النيات لتبنّت جميع الدول هذه النقطة واتجهوا إلى تحكيم الإسلام الذي هو القاسم المشترك بينهم.
وقد عبّر عبد الخالق حسونة الأمين العام للجامعة لمدة طويلة عن الميثاق بقوله: "يعتبر ميثاق الجامعة هو الحدّ الأدنى لما كان يمكن التوصل إليه آنذاك" .
والبتّ في أمورها معقّد، شاقّ طويل الأمد، إذ يتم عرض المشروع ثم يُناقش، ويتخذ القرار، تم يُصدّق عليه من الدول الأعضاء كل على حدة، والقرارات غير ملزمة، للأعضاء ولو كانت بالأغلبية. فالمادة السابعة: "ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة في الجامعة، وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزماً لمن يقبله" .
وأما أهداف الجامعة كـما بيّنها الميثاق فهي:
1- توثيق الصلات بين الدول العربية، وتنسيق خططها، تحقيقاً للتعاون بينها، وصيانة لاستقلالها وسيادتها.
2- توثيق التعـاون بين البلاد العربية، في الشئون الاقتصادية، والمالية، والثقافية، والاجتـماعية، والصحية، والعسكرية.
3- تحقيق التعاون مع الهيئات الدولية التي تعمل لنشر السلام في العالم، خاصة هيئة الأمم المتحدة وفروعها.
وأجهزة الجامعـة هي:
1- مجلس الجامعة: ويتألف من ممثلي الدول العربية المشتركة، وينعقد مرتين في العام بشكل عادي، و ينعقد بصفة استثنائية إذا دعت الحاجة إلى ذلك. ولكل دولة عضو صوت واحد، وعدد من الممثلين.
2- الأمـانـة العـامـة: وتتألف من أمين عام، وأمناء مساعدين، وعدد كبـير من الموظفين. ويعين الأمين العام من قبل مجلس الجامعة بأكثرية ثلثي الأعضاء. ومهمته: دعوة مجلس الجامعة حين الحاجة، والإشراف على إعداد مشروع الميزانية، وتحديد نصيب كل دولة من نفقات الجامعة بعد موافقة مجلس الجامعة على ذلك.
3- اللجان الخاصة: ومنها.
اللجنـة السياسية، واللجنة الاقتصـادية والمـالية، واللجنة الاجتماعية، واللجنة الثقافية، واللجنة الصحية، ولجنة التنسيق والجوازات.
هذا وقد قامت الجامعة بأنشطة رغـم ضعف ميثاقها مثل:
1- لعبت دوراً في معـارك التخلص من الاستعـمار في المغـرب، وتونس، وليبيا، والجزائر، والجنوب العربي، وذلك على مختلف الجبهات والمستويات سواء أكـان بالعمل المنظم في الأمم المتحدة. أم بالطرق الدبلوماسية بواسطة الأعضاء، أو بالوسائل المادية، أو عن طريق الدعاية.
2- حصلت على شرعيتها العالمية، فمنها وفد في الأمم المتحدة، وهو عضو في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) حيث أدخلت اللغة العربية لغة عالمية عام 1974م.وهي عضو بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. وعضو بمنظمة الصحة العالمية. ومنظمات أخرى مماثلة.
3 - كلّفتها الأمم المتحدة بالوساطة وفض النزاع في بعض القضايا مثل: الصراع بين العراق والكويت.
4- لها تمثيل دبلوماسي لدى بعض الدول منها الهند، وأسبانيا .
5- قامت بمشـاريع توحيد نظم التعليم، وبرامجـه، والتقريب بين القوانين، وإجراءات تنفيذها. والتخطيط المشترك في شئون المواصلات وشبكة الطرق وبتوحيد الغرف التجـارية والصناعية والزراعية. وبتنسيق سياسة البترول، والمواصلات الجوية والبحرية ووسائل الإِعلام، وبتوجيهات بشأن السوق العربية المشتركة، وإنجازاتها في هذه المجالات ضعيفة.
وأبرز مساهمتها في الأمم المتحـدة، وفي الكتلة الآسيوية الأفريقية وفي مجموعة الـ "77". كـما قامت بتنظيم عقد مؤتمرات القمة العربية حيث عُقد حتى عام 1988م خمسة عشر مؤتمراً. الأول في القاهرة عام 1964 م، والرابع عشر في عمان عام 1987 م، والأخير في الجزائر (وكان طارئاً) عام 1988م/ 1408هـ. ولا تزال تؤدي دورها رغم أنها تعاني من الإِفلاس.
ثامناً: دول عدم الانحياز : THE NON - ALIGNAENT GROUP
وعدم الانحياز يقصد به عدم الانحياز إلى إحدى الكتلتين اللتين تتزعمهما روسيا والـولايات المتحـدة، والـوقوف إلى جانب الحق والعـدل. وأطلق عليه اسم: "الحياد الإيجـابي"، بمعنى أنـه: موقف سياسي تتخذه الدول منها ابتعاداً عن المشاركة في صراع المعسكرين، ورفضاً للاستسلام لأي منهما في الميادين السياسية، والاقتصادية، والعسكرية.
وقد بدأت فكرة عدم الانحياز في كولومبو (عاصمة سيلان) عندما عقد مؤتمر عام 1954م ضم: الهند، وباكستان، وإندونيسيا، وبرمانيا، وسيلان. حيث بحث المؤتمر تقرير موقف مشترك أمام الدول الكبرى الاستعمارية، ودراسة قضية الهند الصينية، ومحاولة إنشاء جبهة آسيوية محايدة.
وأعقب مؤتمر كولمبو توقيع المعاهدة التي أقامت منظمة حلف جنوب شرق آسيا عام 1954م، التي ضمت الدول: تايلاند، وماليزيا، وسنغافورة، وإندونيسيا، سلطنة بروني، والفلبين. وبعد توقيع هذه المعاهدة اجتمع أعضاء مؤتمر كولولمبو الخمس في "بوغور" بالقرب من جاكارتا بإندونيسيا في العام نفسه وقرروا دعوة الدول الأفريقية والآسيوية للاجتماع معهم في باندونغ عام 1955م. ووجهوا الدعوة إلى (24) بلداً، بالإضافة إلى دول مؤتمر كولومبو الخمس وهذه البلاد هي:
أ- البلاد العربية المستقلة: مصر، وليبيا، والعراق، ولبنان، والأردن، وسوريا، والمملكة العربية السعودية، واليمن، والسودان.
ب- البلاد الإسلامية المستقلة الأخرى في آسيا وهي: تركيا، وإيران، وأفغانستان.
ج- من البلاد الأفريقية المستقلة: الحبشة، وساحل الذهب (غانا)، وليبيريا، واتحاد أفريقيا الوسطى (وهي البلد الوحيد الذي لم يحضر المؤتمر من الدول المدعوة إليه).
د- من البـلاد الآسيوية المستقلة: كامبـوتشيا ( كمبـوديا)، ولاوس، والفيتنام، وتايلاند، والفلبين، ونيبال، والصين الشعبية، واليابان.
وانعقد مؤتمر باندونغ بالفعل عام 1955 م، وسط مظاهر الدعاية والشعارات، حيث ضم ممثلين عن 65% من سكان الأرض. وبرز فيه أسماء كبار قادة ما سمّي بالحياد الإيجابي: نهرو رئيس الهنـد، وأحمد سوكارنو الرئيس الإندونيسي، وبروز تيتو الرئيس اليوغسلافي، وشوان لاي الزعيم الصيني، وجمال عبد الناصر الرئيس المصري.
وكان جدول أعمال المؤتمر غامضاً للغاية، كـما كانت القضية معرفة ما ستكون عليه المناقشات. وبعد جوّ من الخطابة صوّت على ميثاق من عشر نقاط ذات طابع عام جداً، ومرن للغاية هي:
1- احترام حقوق الإنسان.
2- احترام أهداف ومبادئ شرعة الأمم المتحدة.
3- احترام سيادة الدول وسلامتها القومية.
4- مساواة الشعوب والأمم.
5- عدم التدخل في شئون الدول الداخلية.
6- تسوية الخلافات بالطرق السلمية.
7- إعلاء شأن المصالح المشتركة والتعاون.
8- شجب الاستعمار بجميع مظاهره.
9- شجب التمييز العنصري.
10- دعم حقوق الشعب العربي في فلسطين.
وعندما طالبت سيلان وتركيا والعراق شجب الاستعمار الروسي في أوربا الشرقية، قام نهرو بهجوم، وطالب باشتراك البلاد الأفرو - آسيوية بقوة دولية ثالثة تشجع التعايش بين الشرق والغرب. واكتفي أخيراً بالاقتراح الغامض: شجب الاستعمار بجميع مظاهره، وأما الحياد فلم يؤخذ به لأن أحد المبادئ صيغ على الشكل التالي:
"احترام حق كل أمة بالدفاع عن نفسها فردياً وجماعياً، طبقاً لشرعة الأمم المتحدة" .
ومن خلال هذه الـدول تأسست عام 1958 " منظمة التضـامن الآسيوي الأفريقي" واتخذت القاهرة مقراً لها.
وعقدت دول عدم الانحياز عدداً من المؤتمـرات بعـد مؤتمر باندونغ كان عاشرها بزيمبابوي عام 1986م. وضمت دولاً أخرى فبلغ عدد المنتمين إليها (106) دول، ولكن الدول الغير المنحازة فعلاً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ولهذا ظلت أهداف هذه المنظمة ومبادئها وشعاراتها نوعاً من أضغاث الأحلام، أو السّراب بحيث أصبح لسان حال أقطابها اليوم:
"نحن نجتمع، إذاً نحن موجودون" . ولم تؤثر على الأحلاف التي أقامتها الولايات المتحدة وروسيا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في آسيا أو في أفريقيا .
تاسعاً: منظمة الوحدة الأفريقية:
أخذت الدول الأفريقية التي استقلت تتنبه إلى أهمية المسائل الاقتصادية، وإلى ضرورة معالجتها، فظهرت محاولات في هذا الميدان . وبدأ التفكير بتكوين منظمة في مؤتمر باندونغ عام 1955م، ثم في اجتماعات القاهرة عام 1957م ت وكونكري عـام 1960م. فتكونت مجموعة دول كازابلانكا، (الدار البيضاء) عام 1961م من دول: المغرب، وجبهة التحرير الجزائرية، وغانا، ومالي. ومجموعة دول برازافيل من اثنتي عشرة دولة ناطقة بالفرنسية في أفريقيا، حيث وقعت اتفاقاً في"تناناريف"(عاصمة مالاجاش) عام 1961م، ودعي بميثاق: "اتحاد أفريقية - مالاجاش". وكذلك تم اجتماع مونروفيا حضرته دول أفريقية السوداء، وأعقبه مؤتمر لاجوس (عاصمة نيجيريا) عام 1962م بهدف إقامة تعاون بين الشعوب الأفريقية السوداء .
كل هذه الاتفاقيات والمؤتمرات كانت خطوات نحو انعقاد مؤتمر كبير في أديس أبابا (عاصمة أثيوبيا) عام 1963م بحضور ثلاثين وزير خارجية أفريقي من الدول المستقلة.
حيث أنهى هذا المؤتمر ميثاق كازابلانكا، وميثاق مونروفيا، واقترح إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية.
وفي العـام نفسـه عقدت بأديس أبابا أول قمة أفريقية: وتم إعلان إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية، متعهدة بالتمسك بأهداب ومبادئ الأمم المتحدة، والاتجاهات الدولية السلمية. واتخذت أديس أبابا مركزاً لها.
وتبع ذلك عدة مؤتمرات منها: المؤتمر الثاني في القاهرة عام 1964 م، والثالث في أكرا عام 1965م. وهكذا أخذت أديس أبابا تلعب دوراً في السياسة الأفريقية لصالح أثيوبيا التي ظهرت من خلال هذه المنظمة بطلة الوحدة الأفريقية، مما أثر كـثير اً على قضايا المسلمين في قارة أفريقيا، وخاصة في إريتريا وأوجادين والحبشة هذا وقد اهتمت قمة أديس أبابا عام 1980م بالمشكلاَت الاقتصادية الأفريقية، دون أن تتوصل إلى نتائج عملية.
وتتلخص أغراض هذه المنظمة في:
- العمل على تعاون الشعوب الأفريقية في شتى الميادين السياسية، والاقتصادية، والفنية، والاجتماعية.
- والسعي إلى تحرير بقية الأجزاء من الاستعمار، ومجابهة الاستعمار الجديد.
- وتسوية مشكلات القارة الأفريقية كمنازعات الحدود.
- ومكافحة التمييز العنصري في القارة الأفريقية.
وهي أغراض كـما تلاحظ عامة وغير محددة. كقرارات مؤتمراتها.
وأما أجهزة المنظمة فهي:
1- الجمعية العمومية: وهي مجلس رؤساء الدول الذي يعقد اجتماعاً سنوياً.
2- مجلس وزراء الخارجية.ويجتمع مرتين في العام.
3- الأمانة العامة: ومقرها أديس أبابا.
4- لجان متنوعة منها: لجنة الوساطة والتحكيم، واللجان المتخصّصة العليا الاقتصادية .
عاشراً منظمة أوبك- الدول المصدرة للنفط : O. P. E. C.
وهي تنظيم رسمي لمجموعة من الدول المنتجة والمصدرة للبترول، بهدف تنسيق، وتوحيد، وتطوير السياسات النفطية لهذه الدول بالصورة التي تكفل المحـافظة على مصالحها بالتفاوض مع شركات البترول العالمية.
فقد رأت الدول المنتجة للنفط والمصدرة له أن الشركات الغربية التي تستخرج النفط من أراضيها تستغلّها، وتتحكم بأسعاره كـما تشاء. فقامت بإنشاء هذه المنظمة للحدّ من استغلال الشركات، وتحديد أسعار النفط لخدمة هذه الدول الاقتصادية والتنموية.
وقـد تأسست هذه المنظمـة في بغـداد عام 1960م من الـدول الخمس التالية: الكويت، والعراق، والمملكة العربية السعودية، وإيران، وفنزويلا. وتركت المجال مفتوحاً لانضمام أي دولة منتجه ومصدرة للبترول بشرط أن يوافق على انضمامها ثلاثة أرباع الدول كاملة العضوية من بينها الخمسة المؤسسة للمنظمة. فتوالى انضمام الدول الأعضاء، فأصبح عددها ثلاث عشرة دولة. وهي بالإضافة إلى الخمسة:
الجزائر، والإكوادور، والغابون، وإندونيسيا، وليبيا، ونيجيريا، وقطر، والإمارات العربية.
وأنشأت المنظمة الصندوق الخاص بها. وكان مقرها في جنيف، ثم نقل إلى فينا .
ويمكن تلخيص أهدافها كـما أعلنتها في:
1- تنسيق وتوحيد وتطوير السياسات البترولية للدول الأعضاء، وتحديد السبل لحماية مصالحهم منفردين أو مجتمعين.
2- المشاركـة الفعـالـة في وضع السياسات التسعيرية التي تضمن تحقيق استقرار الأسعار في الأسواق العالمية وتجنب التقلّبات الضارة في إيرادات البترول.
3- المشاركة الفعالة في وضع السياسات الإنتاجية التي تضمن مصالح الدولة المنتجة والمستهلكة.
4- تحقيق عائد عادل على الاستثمار في الموارد الناضبة.
كـما عملت على امتلاك الدولة المنتجة للبترول لأسهم شركات البترول عن طريق مبدأ المشاركة الذي طرحته المملكة العربية السعودية بديلا لمبدأ التأميم. وهذا المبدأ يقوم على مساهمة الدولة المنتجة للبترول بجزء من رأسمال الشركة الحائزة على الامتياز البترولي بحيث تصبح الدولة مالكة لجزء من الشركة البترولية، وتمتد المشاركة لتشمل جميع مراحل الإنتاج البترولي. فأصبحت المملكة العربية السعودية تملك جميع الأسهم عام 1980م عن طريق هذا المبدأ .
هذا وقد نجحت منظمة أوبك، وأفادت الدول المشتركة، وكانت بمثابة القذى في أعين الأوروبيين والروس والأمريكان، فاستُهدفت منذ تأسيسها، واشتد الكيد لها. وكانت أعمالها، وقراراتها، ومشاريعها عرضة للمؤامرات والمناورات والدسائس. واستخدم الغرب والشرق مع أعضائها شتى صنوف المغريات، وأقسى أنواع التهديدات، بقصد فصْم عرى وحدتها . وبذلت المملكة العربية السعودية وبعض الدول المشتركَة الأخرى جهودا جبارة للإبقاء عليها، رغم الظروف المرّة التي مرّت بها هذه المنظمة، والتي اشتدت منذ عام 1975م إلى اليوم، ورغم عمق تناقضات أعضائها.
وقـد أنشأت بعض الأقطار العربية منظمة: "أوابك" أي منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول. بهدف تنسيق السياسة البترولية العربية. ووقّع على اتفاقيتها كل من: المملكة العربية السعودية، والكويت، وليبيا عام 1968 م. واتخذت الكويت مقراً لها. ثم ضمت بعد ذلك: الإِمارات العربية، والبحرين، والجزائر، والعراق، وقطر، ومصر، وسورية .
ومن هذا العرض السريع للتكتلات الدولية يتضح تبعثر جهد المسلمين، وخفوت صوت الإسلام ومناهجه فيها، ولما كَان الإسلام يفرض وجوده، ويجمع أفراده، فقد تحركت الغيرة في بعض بلدانـه ودوله وقـادته فقامت بجهود مشكورة في سبيل تجميع المسلمين وطاقاتهم فظهر للوجود: منظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. وسنتكلم عنهما باختصار:
أولاً: مجلس التعاون لدول الخليج العربية:
وجدت دول الخليج العربية أن التحديات التي تواجه هذه المنظمة تتعاظم بتعاظم حاجة العالم الصناعي للنفط، فأدركت أن اندماجها هو العامل الحاسم نحو توجه جديد لصياغة سياسة اقتصادية واجتماعية تبعد المنطقة عن التنافس الدولي، ويكسبها قوة تفاوضية كبيرة، ومقدرة على اتخاذ القرار لصالحها، وتمكينها من حمايته. فقررت إقامة تنظيم باسم (مجلس التعاون لدول الخليج العربية). وقّعت على قيامـه كل من: المملكـة العربية السعـودية، ودولة الإمارات العربية، ودولة البحرين، وسلطنة عُمان، ودولة قطر، ودولة الكويت، وأهدافه:
1- تحقيق التنسيق، والتكامل، والترابط بـين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.
2- تعمق وتوثيق الروابط والصَّلات، وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
3- وضـع أنظمـة مماثلـة في مختلف الميادين: الاقتصـادية، والمالية، والتجارية، والجمارك، والمواصلات، وفي الشئون التعليمية والثقافية، والتشريعية والإِدارية.
4- دفـع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين، والزراعة، والثروات المـائية، والحيوانية، وإنشاء مراكز بحـوث علمية، وإقامة مشاريع مشتركة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص.
وأما أجهزة مجلس التعاون فهي:
1- المجلس الأعلى- يتكون من رؤساء الدول الأعضاء وتكون رئاسته دورية حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول المشتركة.
2- المجلس الوزاري- ويتكون من وزراء الخارجية للدول الأعضاء، أو من ينوب عنهم من الوزراء، ويعقد اجتماعاته مرة كل ثلاثة أشهر، ويجوز له عقد دورات استثنائية بناء على دعوة أي عضو من الأعضاء وتأييد عضو آخر.
3- اللجان والاجتماعات الوزارية والمتخصصة، للعمل على تنفيذ سياسات المجـلس ووضع الإِجراءات التفصيلية لذلك.
4- الأمانة العامة- تتكون من أمين عام يعاونه أمناء مساعدون وما تستدعيه الحاجة من موظفـين. وتعتبر الأمانـة العامة الأداة الأساسية لتقديم مقترحات الجهات المسئولة للسياسات والخطط والبرامج المؤدية إلى تحقيق أهداف المجلس.
ومن أهم منجزات المجلس "الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون" التي وُقعت في الـرياض عام 1402هـ/1981م وذلك لتنمية وتوسيع وتدعيم الروابط الاقتصادية فيما بين دول مجلس التعاون على أسس متينة لما فيه خير شعوبها، ومن أجل العمل على تنسيق وتوحيد سياستها الاقتصادية والمالية والنقدية، وكذلك التشريعات التجارية والصناعية، والنظم الجمركية المطبقة فيها.
وقد شجعت هذه التجربة الناجحة لمجلس التعاون الخليجي أقطار المغرب العربي على التفكير الجدي في إنشاء مجلس تعاون مغربي مشابه، فعقد رؤساء " المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا" اجتماع قمة يوم 10/ 6/ 1988م لهذا الغرض. وكونوا لجاناً فنية تجتمع دورياً لصياغة الترتيبات المؤسسة لهذا المجلس المرتقب.
ثانياً: منظمة المؤتمر الإسلامي
وتعود فكرة إنشائها إلى عام 1350هـ/1931م حيث عقد مؤتمر إسلامي في بيت المقدس ورفع صوته احتجاجاً على اضطهاد المسلمين في الاتحاد السوفييتي، وأصدر نداء للرأي العام ناشده المساعدة. وأخذت الأحداث تشغل أقطار المسلمين بأنفسهم. إلى أن تقرر إنشاء هذه المنظمة في القمة الإسلامية بالرباط عام 1389هـ/ 1969م بوصفها ردّ فعل على الجريمة اليهودية في إحراق المسجد الأقصى.
وقد تم إقرار ميثاق المنظمة في المؤتمر الثالث لوزراء خارجية الدول الإسلامية بجدة عام 1392هـ/ 1972م ووقعته ثلاثون دولة مسلمة. وفتح باب العضوية لكل دولة مسلمة ترغب في الانضمام. ويمثَّل النشاط الرئيسي لهذه المنظَّمة على مستوى وزراء خارجية الدول المسلمة، أو ملوكها، ورؤسائها.
وكان الملك فيصل بن عبد العزيز قد تبنّى الدعوة إلى التضامن الإسلامي للوقوف في وجه المخططات الاستعمارية ولم شعث المسلمين، ومجابهة الغزو الفكري بجميع أشكاله، فقام من أجل ذلك بعدة جولات في البلاد الإسلامية كالمغرب وغينية، ومالي، وتونس، والجزائر، والسنغال، وأوغندا، وتشاد، والنيجر، كما أرسلت المملكة عدة بعثات لأفريقية واستقبلت مئات الطلاب في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والجامعات الأخرى. وكانت نتائج ذلك:
1- تنبهت الدول الأفريقية للخطر الصهيوني الذي تسلل إليها منذ عام 1376هـ بعد احتلال اليهود لمضائق تيران وخليج العقبة.
2- أنشئ البنك الإسلامي للتنمية ليسدّ الفراغ في مساعدة الدول الأفريقية النامية، وليقوم بمشاريع التنمية على أسس خالية من المعاملات الربوية.
3- أنشئت الأمانة العامة للدول الإسلامية بجدة، بعد انعقاد عدة دورات لملوك ورؤساء الدول الإسلامية (منظمة الدول الإسلامية) وقد أسفر مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عن تأسيس مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة.
4- مدّ يد العـون إلى الشعـوب والأقليات المسلمة، تلك التي تعاني الظلم والاضطهاد، أو الفقر والمجاعة. ففي مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عام 1401 هـ أضيف موضوع الأقـليات المسلمة إلى جدول أعمال المؤتمر بناء على موافقة مؤتمر وزراء خارجية العالم الإسلامي الثاني عشر الذي عُقد بمدينة الطائف. وهكذا تبنت منظمة الدول الإسلامية القضايا الإسلامية.
هذا وبناء على قرار صدر عن المؤتمر الإسلامي العام الأول الذي عقد بمكة المكرّمة عام 1382 هـ/1962م أُنشئت رابطة العالم الإسلامي . وهي منظمة إسلامية عالميه، تمثّل فيها جميع الشعوب المسلمة، ومقرّها مكة المكّرمة، ولها مجلس تأسيسي مؤلف من كبار العلماء، ورجال الفكـر في العالم الإسـلامي. وقد لقيت التشجيع والمؤازرة والدعم من الحكـومة السعودية. وقامت بنشاط في مجال تبليغ الدعوة، والتصدي للتيارات والأفكار الهدّامة، والدفاع عن القضايا الإسلامية.
كـما قرّرت منظمة المؤتمر الإِسلامي عام 1982 م تنفيذاً لتوجيهات قادة الدول الإسلامية إنشاء المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) بأجهزتها الخاصة.
والمسلمون مطالبـون إلى أن تتجـه تكتلاتهم وأحلافهم إلى وجهة إسلامية. تخدم قضاياهم، وتخدم البشرية المتعبة كلها في أرجاء المعمورة.
ا لمراجـع
1- أحمد عطية- قاموس السياسي- دار النهضة العربية 1968 م.
2- إسماعيل صبري مقلد - العلاقات السياسية الدولية - مطبوعات جامعة الكويت 1971 م.
3- بيير رونوفن - تاريخ القرن العشرين- تعريب د. نور الدين حاطوم - مطبعة الجامعة السورية دمشق 1378 هـ / 1959 م.
4- تاريخ السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي- مجموعة من المؤلفين - جزءان إصدار موسكو.
5- جميل المصري - حاضر العـالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة - جزءان- ط1/ الجامـعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1406هـ /1986م.
6- Joseph dunner dictionary of political scince vision press ltd London 1965
7- حـاطوم - د. نور الدين - تاريخ عصرنا: دار الفكر 1970/ 1971م.
8- دروزيل- ج. ب- التاريخ الدبلوماسي- تعريب نور الدين حاطوم مطبعة جامعة دمشق 1381 هـ/1962م.
9- الدّسوقي- د. محمد كـمال- الدولة العثمانية والمسألة الشرقية- دار الثقافة/ القاهرة 1976م.
10- سيّد فتحي أحمد الخولي- اقتصاديات البترول- جدّة.
11- سيّد قطب- السلام العالمي والإسلام- هـ مكتبة وهبة ط 5/ القاهرة 1386هـ/1966م.
12- طربين- أحمد- الوحدة العربية- دار الهلال ط 2/1963 م.
13- العمري- أحمد سويلم- الإفريقيون والعرب- مكتبة الإِنجلو المصرية/ القاهرة 1967م.
14- فشر- هـ. أ. ل- تاريخ أوربا في العصر الحديث/ تعريب أحمد نجيب هاشم ووديع الضبع ط 4/ دار المعارف بمصر 1964 م.
15- لويس. ل. سنـايدر الـعـالم في القـرن العشرين- ترجمـة سعيد عبـود السامرائي- مراجعة وتقديم عطا بكري مكتبة الحياة- بيروت - مغفل السنة.
16- ليختهم- جورج- أوربا الجديدة، حاضرها ومستقبلها- ترجمة محمود محمد حسن، 1966م. المكتبة المركزية بالجامعة رقم 940 ل. ي. أ.
17- محمد عزيز شكري- الأحلاف والتكتلات السياسية العالمية عالم المعرفة (7) الكويت رجب 1398 هـ/ تموز (يوليو) 1978م.
18- مصطفى ماهر- ألمانيا والعالم العربي- ( ترجمة) دار صادر- بيروت- 1974 م.
19- موفّق المرجة- موسوعة إسلامية.
20- بعض الصحف والمجلات والنشرات.
بحث مقدم من د/ جميل عبد الله محمد المصرى
كلية الدعوة وأصول الدين الجامعة الإسلامية
أنت تكتب ليس من أجل أن تثير أراء الأخرين ،،،،إنما تكتب كى تُفهم