By د.طارق الحروي - الثلاثاء مايو 19, 2009 11:05 pm
- الثلاثاء مايو 19, 2009 11:05 pm
#19053
بسم الله الرحمن الرحيم
في يد من يكمن الحل السلطة أم المعارضة ؟
• بقلم د. طارق عبد الله ثابت
الحروي.
[email protected]
جرى القول في أن أية حراك سياسي، يتوقع أن تشهده أية دولة من دول العالم، يجسد في أحد أهم جوانبه الرئيسة علاقة التأثير والتأثر المتبادلة بين مجمل تيارات السلطة مع بعضها البعض- من جهة- وفيما بينها وبين تيارات المعارضة بقواها الفاعلة أو دون ذلك- من جهة أخرى.
ومن هنا وضمن هذا السياق سوف يجري التطرق إلى موضوع هذا المقال ، من خلال الإشارة إلى أحد أهم خفايا هذه العلاقة وأهمها على صعيد السلطة في اليمن، لاسيما في ظل ما تمخض عنه الملف السياسي - الأمني من تطورات وما تبعه من نتائج كثيرة، ألقت بظلالها السلبية- في المحصلة النهائية- على مجمل حالات الحراك السياسية التي تعيشها البلاد منذ عام 2006م، والأشهر الأخيرة منها-على وجه التحديد- أنذرت بانفجار مدوي للأوضاع الداخلية، تاركة ورائها قرابة الـ18 عاماً من التضحيات والإنجازات والعطاء - حتى ولو كان ذلك مازال نسبياً دون الطموح- وفي نفس الوقت هددت بإعادة البلاد إلى نقطة الصفر، دون أن يغمض جفن لأطرافه الفاعلة الرئيسة- لا من قريب ولا بعيد- إلا بقدر تعلق الأمر بطبيعة النتائج المتوقعة، ومدى انعكاسها على مجمل مصالحها الذاتية دون الموضوعيةٍ أو من هذا وذاك.
وعليه إذا كانت البلاد طوال العقد الأول للوحدة، قد مرت بمنعطفات تاريخية عديدة ، كان أخرها بل وأهمها- على وجه الخصوص- هو متغير حرب الدفاع عن الوحدة الوطنية عام1994م، بما تضمنته من أبعاد ودلالات كثيرة، لم تخرج عن كونها- في الغالب الأعم - مجرد نتاج وامتداد طبيعي لمرحلة سابقة، جرى فيها إعادة بلورة بعض أهم المعالم الرئيسة للمرحلة التي تليها، ليس بسبب بقاء الجزء الكبير والمهم منها دون مستوى المرحلة بكل أبعادها ومتطلباتها فحسب ، بل- أيضاً- جراء عظم حجم المسئولية الملقاة على عاتق كلاً من السلطة والمعارضة على حد سواء، انطلاقاً من مقولة أساسية مستقاة من أرض الواقع السياسي المعاش، يعزى إليها الأمر في إعادة فرض هيمنتها على خط سير العملية السياسية بكل إرهاصاتها قاطبة - بصورة نسبية - مفادها " إن مجمل أنشطة وفعاليات عمليات الحراك الداخلية بشقها الرسمي- بوجه خاص- التي تعيشه البلاد ،هي - في المحصلة النهائية- نتاج لعملية التفاعل المتبادلة بين الحكام والمحكومين على حد سواء سلباً كانت أم إيجابا، باعتبار الطرفين شركاء أساسيين وأصحاب مصالح متبادلة على حد سواء، انطلاقا من تشاركهم- ولو بصورة نسبية- في تحمل معظم مستلزمات المسئولية وأعبائها كاملة ، جراء ما تتسم به الحياة السياسية اليمنية من مرونة عالية ومنقطعة النظير- ولو بصورة نسبية - في ضوء انعدام سمة الاحتكار- شبه المطلق- لمقاليد السلطة بكل مستوياتها (العليا /الوسطى/ الدنيا) من قبل قيادات الحزب الحاكم، بصورة أتاحت الفرص واسعة أمام كافة الحلفاء السياسيين كانوا أم الفرقاء سواءً في المعارضة السياسية أو خارجها لتبوء أماكنهم في إدارة شئون الدولة والمجتمع مثلهم، مثل نظرائهم السياسيين في السلطة- مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة الاستحقاقات الدستورية والقانونية لكلاً من السلطة والمعارضة... .." ، فإنها- على الأغلب- قد كانت واضحة المعالم نسبياً ، من حيث مدى وضوح المعايير الحاكمة فيها، لاسيما إن أطرافها الفاعلة الرئيسة قد كانت- على الأرجح- الأكثر وضوحاً في هذا الشأن ، لدرجة أصبحت معها سمتي الفرز كانت أم التداخل الحاصلة في الصفوف القيادية الأولى سواءً على مستوى السلطة أو المعارضة- من جهة- وفيما بينها وبين باقي فئات الشعب اليمني- من جهة ثانية- على التوالي في نهاية المطاف هي الأكثر تحديداً.
لذلك وضمن هذا السياق إذا كان الشعب اليمني بفئاته وقواه الفاعلة مع بعضها البعض من الشمال إلى الجنوب، قد جسدت أعلى وأروع صورة من صور ومعاني التلاحم الوطني وتحمل المسؤولية التاريخية بكل تبعاتها ، سواء أمام نفسها أو الأجيال القادمة - بصورة لم تشهد لها البلاد مثيلاً- فإن سمتي عدم الفرز أو التداخل السلبية - على الأغلب- قد ظلت محصورة ضمن صفوف قيادات السلطة وتياراتها، التي انقسمت- في المحصلة النهائية- إلى نصفين غير متكافئين أو متساويين، جسد الأول- إرادة الجموع الغفيرة الثائرة من أبناء الشعب اليمني وقواه الفاعلة ، مثلته القيادة السياسية للرئيس على عبد الله صالح، أما الثاني- فقد مثلته بعض عناصر القيادات الحزبية للرئيس السابق على سالم البيض الذين وقفوا بالضد من هذه الإرادة.
وعليه يمكن القول أن بعض أهم الخطوط العامة الحاكمة في المشهد السياسي، كانت واضحة تماماً، فأغلبية فئات الشعب اليمني وقواه الوطنية والمعارضة منها - بوجه خاص- ظلت طوال هذه الفترة أكثر ثباتاً وتماسكاً، ومن ثم إصراراً على إحداث نقلة نوعية في الوضع السياسي الشاذ الذي فوت على البلاد فرصاً تاريخية كبيرة وعديدة- مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية مراعاة تأثيرات العامل الخارجي- قضاها تياري السلطة في التناحر والتنافر السياسي الحاد، وهو الأمر الذي بدأت بعض أهم معالمه الرئيسة واضحة ، سواءً في توقيع اتفاقية العهد والاتفاق عام 1994م ، أو في تحملها عظم المسؤولية التاريخية كاملة بكل تبعاتها مع القيادة السياسية للبلاد يداً بيد في حرب الدفاع عن الوحدة عام 1994م وما تلاها.
أما عن بعض أهم الملامح الرئيسة للمنعطف الأخير الذي تعيشه بلادنا في هذه الفترة الدقيقة والحرجة من عمر دولة الوحدة الوطنية، باعتباره واحداً من بعض أهم التطورات السياسية الأكثر تأثيراً وتأثراً بمسار العملية السياسية والوحدة الوطنية على حد سواء ، نجد إن المعايير الرئيسة الحاكمة لبعض أهم المعالم الرئيسة في هذه المرحلة لم تعد واضحة- ولو بصورة نسبية- بسبب سيادة سمتي التعقيد الحادة والتداخل السلبية التي ميزت هذه العلاقة، سواءً على مستوى تيارات السلطة أو المعارضة- من جهة- أو فيما بينها وبين باقي فئات الشعب اليمني- من جهة أخرى، وهو الأمر الذي يمكن عده أحد أهم المؤشرات الرئيسة- أو لنقل الأكثر أهمية- ليس على مدى خطورة بقاء الأزمة السياسية- الأمنية الحالية دون حل جذري، يلبي مجمل متطلبات الدولة الحديثة، ويغطي احتياجات الشعب الآنية المحلية كانت أم الإستراتيجية فحسب، بل على ما يتوقع لها أن تحدثه من انشقاقات حادة تطال كلاً من السلطة والمعارضة على حد السواء- أولاً- ثم الشعب بكل فئاته- ثانياً- بصورة يتوقع لها أن تمتد إلى تهدد أواصر الوحدة الوطنية في الصميم.
وعوداً ذا بدء ومن هذا المنطلق تتضح لنا ليس فحسب بعض أهم المعالم الرئيسة للأخطار المحدقة بدولة الوحدة ومنجزاتها المتحققة على مدار الـ18 عاماً الماضية ، بل إن امتداداتها يتوقع لها أن تلقي بظلالها السلبية على جميع الأطراف فيها بدون استثناء، حيث لا مناص لها من اتقاء أثارها السلبية تحت أية حال من الأحوال.
وعليه يمكن القول بدخول عشرات المبادرات التي تبنتها السلطة بتيارها المعتدل الذي يمثله الرئيس على عبد الله صالح وأنصاره في هذه الفترة ضمن هذا السياق ، فتيارات السلطة إن كانت موزعة بين أقصى اليمين والشمال- من جهة- وبينها وبين الوسط – من جهة أخرى- إلا أن التيار المعتدل فيها مازال يعيش مرحلة مخاض عسيرة ، يحاول من خلالها أن يعيد ترتيب أوراقه وأوضاعه الداخلية ، بصورة يستطيع من خلالها استعادة قدراته في فرض هيمنته على مقاليد السلطة ، لاسيما في ظل تنامي حالات التباين والتناقض الحاصلة في الرؤية والمنهج المتبعين بينها وبين باقي التيارات على مستوى السلطة أو المعارضة- من جهة- ثم فيما بينها وبين باقي فئات الشعب الأخرى- من جهة ثانية- بصورة كان يتوقع لها أن تتيح أمامه الفرصة واسعة ليس لإعادة ترتيب مرتكزات البيت الداخلي سواءً على مستوى السلطة أو الوطن- وفقاً- للرؤية والمنهج المتبعين- في هذا الشأن- واللذان جسدا - في المحصلة النهائية- مجمل المطالب الوطنية الملحة ولو بحدها الأدنى فحسب ، بل للمضي قدماً وراء محاولة شق طريقه وسط حالات الرفض والممانعة وعدم القبول التي جوبهت بها مجمل عمليات الحراك السياسية التي قام بها أثناء محاولاته المتكررة ترجمة بعض أهم مواقفه ورؤاه المعلنة ممثلة ببرنامجه الانتخابي- أولاً- ثم التصدي لتوجهات التيارات الفاعلة الأخرى في السلطة - ثانياً- فتبني هذا التيار- بحسب وجهة نظرنا- لعشرات المبادرات البناءة في اتجاه محاولة تقريب وجهات النظر أو المواقف العامة بينه وبين تيارات المعارضة الفاعلة أو دون ذلك ، إن كان مازال يسير بخطىً حثيثة في اتجاه الاستمرار في مواصلة تقديم المزيد من التنازلات المرحلية كانت أم الإستراتيجية التي تصب في إطار محاولاته تعزيز أواصر الوحدة الوطنية أو تحقيق صورة من صور التلاحم الوطني بين مختلف تيارات السلطة والمعارضة، بما يبقي مجمل الحراك الداخلي الحالي دون مستوى الانفجار، فإن ذلك- أيضاً- يعنى- في المحصلة النهائية- ازدياد حالات التباين والتناقض الحادة الحاصلة بين تيارات السلطة مع بعضها البعض انطلاقا من إن ما تتمتع به تيارات السلطة من مكاسب وامتيازات ، قد جاءت كنتاج طبيعي لاستحقاقاتها الدستورية والقانونية التي اكتسبتها بجدارة على مدار أقل من عقدين عبر الوسائل السلمية المشروعة المتاحة ، في حين بقت حجتها القوية الرئيسة في ذلك إنه كان من الأجدر بتيارات المعارضة المطالبة بامتيازات وحقوق خارج إطار ما أقره الدستور والقانون ولوائحه التنفيذية في البدء أن تقر قولاً وعملاً- بصورة مطلقة - بما تمخضت عنه العملية الانتخابية من نتائج- أولاً- ، بحجة إن شريعة وجود كلاً من السلطة والمعارضة على الساحة السياسية- في الأساس- مرتبطة بشكل وثيق الصلة بقيام الوحدة الوطنية وتبني الخيار السياسي- الديمقراطي منهجاً لها، لذلك وجب عليها بدلاً من بقائها سايره في اتجاه خوض غمار سباق عقيم وراء البحث عن مواطن النفوذ سلطة كانت أم مال- وهو حال معظم تيارات المعارضة هذا إن لم نقل جميعها- أصبح لزاماً عليها خوض غمار سباق من نوع أخر، لكنه أكثر أهمية له علاقة وثيقة الصلة بمتطلبات بناء الدولة الحديثة وتلبية احتياجات الشعب الملحة وضمان ثم حماية مقومات أمنه القومي ، باعتباره الجزء الأكثر أهمية على الإطلاق من باب الاستحقاقات الدستورية والقانونية ومن ثم الأخلاقية للشعب بفئاته المختلفة وللوطن على حد السواء ، نظراً لكونه الجهة الوحيدة الأكثر استحقاقاً لمثل هكذا اهتمام- فمنه وإليه يرجع الأمر كله- أو إن الوقت- بحسب رأي كل الفر قاء السياسيين في السلطة أم المعارضة- لم يحين بعد كي تصبح المصالح العليا للشعب اليمني موضع الاهتمام الرئيس- بل والوحيد وبدون منازع- بعيداً عن الشعارات الفضفاضة والممحاكات السياسية الضيقة من قبل تيارات السلطة والمعارضة؟ وإلى متى ؟ ألم تعي تيارات السلطة والمعارضة على حد سواء حتى الوقت الحالي، الفارق الجوهري بين مفهومي الاختلاف والخلاف ؟ نقول إذا كان الأول ظاهره تنافس مبني على الاتفاق والتراضي بين الفر قاء والحلفاء السياسيين في السلطة والمعارضة ، وباطنه رحمة ونعمة وحب مبني على الإيثار والتضحية...، فأن الثاني ظاهره صراع مبني على الخلاف والأنانية ، وباطنه عذاب ونقمة وكره مبني على الجشع والظلم...
ثم ألم تعي تيارات السلطة والمعارضة الفارق الشاسع الحاصل بين مطلبين رئيسين لكنهما متداخلين ومتلازمين في آن واحد، يسعى ورائهما كلاً منهما على حد السواء؟ مع وجوب الأخذ بعين الاعتبار صعوبة فك الارتباط أو التمييز بينهما في حالة بقاء سمة الخلاف أكثر منه الاختلاف مهيمنة على جوهر العلاقة القائمة بينهما، وظلت في نفس الوقت سمة الاختلاف مجرد صيغة شكلية فقط لا غير تؤطر هذه العلاقة من قريب أو بعيد، المطلب الأول يمكن إعادة بلورته في السعي الحثيث- بلا هوادة- وراء البحث عما تعتبره هذه الأحزاب حصصاً لها في الثروة (المغانم) والنفوذ سلطة كانت أم مال ، وهو الأمر الذي تمثله المرحلة الأولى من مراحل أية حراك سياسي في أية بلد ، حيث يتم فيها الرجوع فيها ، ومن ثم الاحتكام إلى رأي الشعب؛ من خلال صندوق الاقتراع السري المباشر، بهدف الوصول إلى تحديد ماهية الجهة المستحقة لشغل موقع السلطة أو المعارضة.
أما المطلب الثاني فهو امتداد للمرحلة الأولى ومكملة لها في آن واحد، يمكن إعادة بلورته في محاولة السعي وراء إحداث نقلة نوعية تتبناها كلاً من السلطة والمعارضة بكل تياراتها على حد السواء في اتجاه محاولة تقريب- هذا إن لم نقل توحيد- الرؤى والمواقف- من جهة- وتثو ير الطاقات والإمكانات المتاحة كانت أم الكامنة صوب بناء مرتكزات الدولة الحديثة المنشودة - من جهة ثانية- فالحقيقة - في هذا الشأن- هي مستقاة من أرض الواقع السياسي اليمني المعاش على مدار الـ18 عاماً ، إلا أنها- بحسب رأينا- مازالت غائبة عن معظم رؤى وموقف القيادات الحزبية وجماهيرها في المعارضة قبل السلطة- بوجه خاص- هذا إن لم نقل مغيبة عمداً ، تؤكد على ضرورة أن تدرك المعارضة بكل تياراتها قبل السلطة حقيقة إن السلطة هي السلطة والمعارضة هي المعارضة، من حيث أن المرحلة الأولى بمطلبها الرئيس الذي كفلته مواد الدستور ونظمته القوانين ولوائحها التنفيذية ، قد انتهت بمجرد إعلان نتائج العملية الانتخابية وبدء المرحلة الثانية بكل إرهاصاتها، مع وجوب الأخذ بعين الاعتبار إن بقاء المطلب الأول حاضراً في أذهان وحراك هذه الأطراف إزائه ، يبقى أمراً وارداً بل وضرورياً، لكن بعد أن يدرك الجميع على حد السواء حدود وأبعاد حالات التداخل الحاصلة بينهما- كما أسلفنا ذكرها آنفا- وإلا فأنه يتوقع أن تبقى مدركات وحراك هذه الأطراف سلطة كانت أم معارضة محصورة في حدود المرحلة الأولى، وهو الأمر الذي يعني بقاء مستوى فعلها المرحلي كان أم الاستراتيجي دون مستوى المرحلة الحالية كانت أم القادمة ومتطلباتها، بصورة فوتت- ومازالت- على الشعب وأبناءه الشرفاء- بوجه خاص- فرصة تاريخية للعبور بالسفينة الأم إلى شاطئ الأمان، ليس بسبب فقدان مجمل الفرص الواسعة المتاحة بين أياديها فحسب، بل مع وجود احتمالية تبؤ الملف الأمني- العسكري للمكانة الأولى في اهتمامات صناع القرار، جراء تنامي حالات الاضطرابات والقلاقل الأمنية .
وهو الأمر الذي يمكن أن نستشفه من عملية التحول الجوهرية الحاصلة في اهتمامات الدولة من الجانب الأمني بشقيه الاقتصادي والاجتماعي- بوجه خاص- إلى الجانب الأمني- العسكري، وهو الأمر الذي فوت على الوطن والتيار المعتدل في السلطة فرصاً كثيرة، كان يمكن الاستفادة منها في تعظيم حجم المكاسب إلى ما دون المتوسط- على الأقل.
ومن هنا يتعين علينا القول- في هذا الشأن- بأهمية أن تدرك تيارات المعارضة بقياداتها المعتدلة صاحبة القلوب القوية لا القاسية التي تفيض انتماء ملئ بالحب والعطاء وسعة الأفق والتسامح ونكران الذات... ، مدى دقة المرحلة التي يعيشها الوطن بكل أبناءه حكاماً كانوا أم محكومين ، ومدى صعوبة اللحظة التي يعيشها التيار المعتدل في السلطة، جراء تعاظم الضغوط المحيطة به من داخل السلطة وخارجها، وبأن الفرصة التاريخية قد أصبحت مؤتية لها أكثر من ذي قبل، كي تتقدم الصفوف القيادية في تيارات المعارضة ، من خلال السعي الحثيث وراء محاولة الإمساك بقوة بأيادي السلطة الممدودة لها التي يمثلها التيار المعتدل- على وجه الخصوص- بهدف تسجيل مواقفها الوطنية على مستوى المعارضة والوطن ، وفي نفس الوقت تعزيز مواقف التيار المعتدل بين باقي التيارات الرئيسة في السلطة، لأن ضعف- هذا إن لم نقل انعدام- مثل هكذا إدراك لخط سير العملية السياسية، يتوقع له أن يفوت على المعارضة - أولاً- والوطن- ثانياً- ثم التيار المعتدل- ثالثاً- فرصة مواكبة الحراك السياسي المساوئ له في القوة والمضاد له في الاتجاه، وفي نفس الوقت على التيار المعتدل في السلطة أن يدرك أن تمسكه بهذه الرؤية والنهج هو الضمانة الوحيدة ، بل صمام الأمان الحقيقي لبقائه متقدماً الصفوف القيادية داخل السلطة وخارجها ، نظراً لما يتوقع أن يترتب عليه ذلك ، سواءً من تقوية لمواقع نفوذه على صعيد السلطة والمعارضة آن واحد ، ومن ثم وصولاً إلى الصعيد الشعبي ، أو من تشجيع وتقوية لتوجهات التيارات المعتدلة في المعارضة كي تحذو حذوه ، بصورة تولد حراكاً سياسي حقيقياً، يلبي- في المحصلة النهائية- متطلبات المرحلة التي نعيشها بكل إرهاصاتها.
ولكن مع ذلك تبقى هنالك جملة من التساؤلات الجوهرية المثارة- في هذا الشأن- والتي أوجهها للمعارضة قبل السلطة، نورد منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي :-
هل تعتقد بعض تيارات السلطة- من جهة- والمعارضة السياسية في الداخل كانت أم في الخارج أو أطراف أخرى محلية كانت أم خارجية- من جهة أخرى- أن عملية إثارة الاضطرابات والقلاقل الأمنية بما فيها النعرات الطائفية والمناطقية في طول البلاد وعرضها ، تكفي- بحسب وجهة نظرها- لهز وإضعاف مكانة التيار المعتدل أو لإحداث تغيير(جزئي/ كلي) للنظام السياسي القائم- هذا إن لم نقل إسقاطه- أم إنها- في المجمل النهائي- تهدد بتمزيق وحدة التراب الوطني ونسيجه المجتمعي، لدرجة يصبح معها الخوض في مثل هكذا خيار خطاً أحمر لا يمكن السكوت عنه مطلقاً ؟ كيف ولماذا ؟ اضربوا لي أمثلة حية من التجارب العملية الحية المعاصرة- تؤيد ذلك أو تنقضه- بما تمخضت عنه من نتائج أفضت إلى تغيير خط سير الأوضاع الحالية نحو الأفضل أو الأسوأ- على سبيل المثال لا الحصر ؟ أو هل تعتقدون إن ذلك يمكن حصوله عن طريق الاستعانة بالخارج وأذنابه التي تتربص بالمصالح العليا للوطن من كل حدب وصوب أم لا؟ كيف ولماذا ؟ وأخيراً هل تعتقدون بإمكانية حصول ذلك عبر تبني العملية السياسية المحضة ؟ كيف ولماذا ؟ ومن تتوقعون سوف يكون المستفيد الأول- هذا إن لم نقل الوحيد- في نهاية المطاف ؟
إليكم رأينا- بغض النظر سواءً كان الجواب نعم أم لا - علينا العودة إلى الوراء قليلاً والتفكير ملياً قبل الإجابة عن ما تم إثارته من تساؤلات آنفاً ، كيف إن اختلاق الاضطرابات والقلاقل داخل البلاد لم ولن تسقط أنظمة سياسية ، بل يتوقع لها أن تمزق وحدة التراب الوطني ونسيجه المجتمعي شر ممزق في آن واحد- هذا أولا- وكذلك فقد أثبتت الوقائع التاريخية إن تغيير أية نظام سياسي لا يكون إلا من الداخل عبر امتهان الوسائل السلمية ، وبصورة تدريجية، بما يضمن بقاء وحماية المنجزات والمصالح العليا للشعب, أي بمعنى أخر عندما تكون المعارضة السياسية تحديداً (قبل السلطة) قد امتلكت عاملي القوة والقدرة على خوض سباق سياسي حقيقي، يمكنها من إحداث تغييرات جذرية في خط سير العملية السياسية الحالية، أما الاستعانة بالخارج فقد أصبح أمراً غير مجدي على الإطلاق فالتجربة العراقية مازالت شاخصة للعيان، هي خير دليل على ذلك- في هذا الشأن- فالجميع خسروا وليس هنالك رابح على الإطلاق إلا أولئك المنتفعين القلائل- في كل زمان ومكان- على حساب مصالح الشعب والوطن- ثانياً.
وضمن هذا السياق - أيضاً- نستبعد إمكانية حدوث أية تغيير جوهري في النظام السياسي القائم، عبر تبني مسار العملية السياسية المجتزأة في شكلها الحالي، ولو حتى بصورة جزئية كانت أم كلية ، إلا من خلال السعي الجدي وراء تبني برنامج عمل سياسي وطني موحد(مؤتمر وطني) طويل الأجل؛ يجمع بين كل تيارات المعارضة مع بعضها البعض في الداخل والخارج - من جهة - ثم بينها وبين تيارات السلطة على حد السواء- من جهة أخرى- ضمن إطار ما تنص عليه مبادئ الدستور والقوانين ولوائحها التنفيذية من مواد لها علاقة بهذا الشأن، وصولاً إلى الخروج بنتائج موضوعية وسريعة تؤسس بقوة لحياة سياسية حقيقية، لأن أمراً كهذا يصبح غير وارد- أيضاً - في المرحلة الراهنة، بسبب عقم الساحة الداخلية كانت أم الخارجية بأن تلد أية نموذج حي يؤشر احتمالية وجود أية نجاح في هذا المجال ، في ظل مراعاة خصوصية التجربة بين بلد وأخر- وهذا ما بدأت بعض أهم معالمه الرئيسة واضحة في أقرب مثال حي ما زلنا نعيش أهم فصوله المجهولة حتى الوقت الراهن ، جسدته التجربة السياسية الباكستانية ، فماذا استفادت باكستان حكومة كانت أم شعباً منذ خلع الرئيس السابق برويز مشرف من سدة السلطة- وفقاً- للأزمات الداخلية قبل الخارجية الحادة التي تعيشها البلاد وتهدد بانفجار مدوي لها لاٌ أحد يعرف عواقبه ؟- ثالثاً- أسئلة سوف نظل نطرقها- على الدوام- بمرور الوقت حتى نحصل على إجابة وافية عليها ، إلا أني في الأخير سوف أترك أبواب الخيارات مفتوحة أمامكم ، ولكن ليس على مصراعيها، كي تقرروا ما الذي تسعون ورائه وتحبذوه بعد ذلك ، لإن عامل الزمن لم يعد يسير في صالحنا سواءً طالت المدة أو قصرت قبل أن نحدد مواقفنا العملية من هذا الاتجاه أو ذاك .
في يد من يكمن الحل السلطة أم المعارضة ؟
• بقلم د. طارق عبد الله ثابت
الحروي.
[email protected]
جرى القول في أن أية حراك سياسي، يتوقع أن تشهده أية دولة من دول العالم، يجسد في أحد أهم جوانبه الرئيسة علاقة التأثير والتأثر المتبادلة بين مجمل تيارات السلطة مع بعضها البعض- من جهة- وفيما بينها وبين تيارات المعارضة بقواها الفاعلة أو دون ذلك- من جهة أخرى.
ومن هنا وضمن هذا السياق سوف يجري التطرق إلى موضوع هذا المقال ، من خلال الإشارة إلى أحد أهم خفايا هذه العلاقة وأهمها على صعيد السلطة في اليمن، لاسيما في ظل ما تمخض عنه الملف السياسي - الأمني من تطورات وما تبعه من نتائج كثيرة، ألقت بظلالها السلبية- في المحصلة النهائية- على مجمل حالات الحراك السياسية التي تعيشها البلاد منذ عام 2006م، والأشهر الأخيرة منها-على وجه التحديد- أنذرت بانفجار مدوي للأوضاع الداخلية، تاركة ورائها قرابة الـ18 عاماً من التضحيات والإنجازات والعطاء - حتى ولو كان ذلك مازال نسبياً دون الطموح- وفي نفس الوقت هددت بإعادة البلاد إلى نقطة الصفر، دون أن يغمض جفن لأطرافه الفاعلة الرئيسة- لا من قريب ولا بعيد- إلا بقدر تعلق الأمر بطبيعة النتائج المتوقعة، ومدى انعكاسها على مجمل مصالحها الذاتية دون الموضوعيةٍ أو من هذا وذاك.
وعليه إذا كانت البلاد طوال العقد الأول للوحدة، قد مرت بمنعطفات تاريخية عديدة ، كان أخرها بل وأهمها- على وجه الخصوص- هو متغير حرب الدفاع عن الوحدة الوطنية عام1994م، بما تضمنته من أبعاد ودلالات كثيرة، لم تخرج عن كونها- في الغالب الأعم - مجرد نتاج وامتداد طبيعي لمرحلة سابقة، جرى فيها إعادة بلورة بعض أهم المعالم الرئيسة للمرحلة التي تليها، ليس بسبب بقاء الجزء الكبير والمهم منها دون مستوى المرحلة بكل أبعادها ومتطلباتها فحسب ، بل- أيضاً- جراء عظم حجم المسئولية الملقاة على عاتق كلاً من السلطة والمعارضة على حد سواء، انطلاقاً من مقولة أساسية مستقاة من أرض الواقع السياسي المعاش، يعزى إليها الأمر في إعادة فرض هيمنتها على خط سير العملية السياسية بكل إرهاصاتها قاطبة - بصورة نسبية - مفادها " إن مجمل أنشطة وفعاليات عمليات الحراك الداخلية بشقها الرسمي- بوجه خاص- التي تعيشه البلاد ،هي - في المحصلة النهائية- نتاج لعملية التفاعل المتبادلة بين الحكام والمحكومين على حد سواء سلباً كانت أم إيجابا، باعتبار الطرفين شركاء أساسيين وأصحاب مصالح متبادلة على حد سواء، انطلاقا من تشاركهم- ولو بصورة نسبية- في تحمل معظم مستلزمات المسئولية وأعبائها كاملة ، جراء ما تتسم به الحياة السياسية اليمنية من مرونة عالية ومنقطعة النظير- ولو بصورة نسبية - في ضوء انعدام سمة الاحتكار- شبه المطلق- لمقاليد السلطة بكل مستوياتها (العليا /الوسطى/ الدنيا) من قبل قيادات الحزب الحاكم، بصورة أتاحت الفرص واسعة أمام كافة الحلفاء السياسيين كانوا أم الفرقاء سواءً في المعارضة السياسية أو خارجها لتبوء أماكنهم في إدارة شئون الدولة والمجتمع مثلهم، مثل نظرائهم السياسيين في السلطة- مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة الاستحقاقات الدستورية والقانونية لكلاً من السلطة والمعارضة... .." ، فإنها- على الأغلب- قد كانت واضحة المعالم نسبياً ، من حيث مدى وضوح المعايير الحاكمة فيها، لاسيما إن أطرافها الفاعلة الرئيسة قد كانت- على الأرجح- الأكثر وضوحاً في هذا الشأن ، لدرجة أصبحت معها سمتي الفرز كانت أم التداخل الحاصلة في الصفوف القيادية الأولى سواءً على مستوى السلطة أو المعارضة- من جهة- وفيما بينها وبين باقي فئات الشعب اليمني- من جهة ثانية- على التوالي في نهاية المطاف هي الأكثر تحديداً.
لذلك وضمن هذا السياق إذا كان الشعب اليمني بفئاته وقواه الفاعلة مع بعضها البعض من الشمال إلى الجنوب، قد جسدت أعلى وأروع صورة من صور ومعاني التلاحم الوطني وتحمل المسؤولية التاريخية بكل تبعاتها ، سواء أمام نفسها أو الأجيال القادمة - بصورة لم تشهد لها البلاد مثيلاً- فإن سمتي عدم الفرز أو التداخل السلبية - على الأغلب- قد ظلت محصورة ضمن صفوف قيادات السلطة وتياراتها، التي انقسمت- في المحصلة النهائية- إلى نصفين غير متكافئين أو متساويين، جسد الأول- إرادة الجموع الغفيرة الثائرة من أبناء الشعب اليمني وقواه الفاعلة ، مثلته القيادة السياسية للرئيس على عبد الله صالح، أما الثاني- فقد مثلته بعض عناصر القيادات الحزبية للرئيس السابق على سالم البيض الذين وقفوا بالضد من هذه الإرادة.
وعليه يمكن القول أن بعض أهم الخطوط العامة الحاكمة في المشهد السياسي، كانت واضحة تماماً، فأغلبية فئات الشعب اليمني وقواه الوطنية والمعارضة منها - بوجه خاص- ظلت طوال هذه الفترة أكثر ثباتاً وتماسكاً، ومن ثم إصراراً على إحداث نقلة نوعية في الوضع السياسي الشاذ الذي فوت على البلاد فرصاً تاريخية كبيرة وعديدة- مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية مراعاة تأثيرات العامل الخارجي- قضاها تياري السلطة في التناحر والتنافر السياسي الحاد، وهو الأمر الذي بدأت بعض أهم معالمه الرئيسة واضحة ، سواءً في توقيع اتفاقية العهد والاتفاق عام 1994م ، أو في تحملها عظم المسؤولية التاريخية كاملة بكل تبعاتها مع القيادة السياسية للبلاد يداً بيد في حرب الدفاع عن الوحدة عام 1994م وما تلاها.
أما عن بعض أهم الملامح الرئيسة للمنعطف الأخير الذي تعيشه بلادنا في هذه الفترة الدقيقة والحرجة من عمر دولة الوحدة الوطنية، باعتباره واحداً من بعض أهم التطورات السياسية الأكثر تأثيراً وتأثراً بمسار العملية السياسية والوحدة الوطنية على حد سواء ، نجد إن المعايير الرئيسة الحاكمة لبعض أهم المعالم الرئيسة في هذه المرحلة لم تعد واضحة- ولو بصورة نسبية- بسبب سيادة سمتي التعقيد الحادة والتداخل السلبية التي ميزت هذه العلاقة، سواءً على مستوى تيارات السلطة أو المعارضة- من جهة- أو فيما بينها وبين باقي فئات الشعب اليمني- من جهة أخرى، وهو الأمر الذي يمكن عده أحد أهم المؤشرات الرئيسة- أو لنقل الأكثر أهمية- ليس على مدى خطورة بقاء الأزمة السياسية- الأمنية الحالية دون حل جذري، يلبي مجمل متطلبات الدولة الحديثة، ويغطي احتياجات الشعب الآنية المحلية كانت أم الإستراتيجية فحسب، بل على ما يتوقع لها أن تحدثه من انشقاقات حادة تطال كلاً من السلطة والمعارضة على حد السواء- أولاً- ثم الشعب بكل فئاته- ثانياً- بصورة يتوقع لها أن تمتد إلى تهدد أواصر الوحدة الوطنية في الصميم.
وعوداً ذا بدء ومن هذا المنطلق تتضح لنا ليس فحسب بعض أهم المعالم الرئيسة للأخطار المحدقة بدولة الوحدة ومنجزاتها المتحققة على مدار الـ18 عاماً الماضية ، بل إن امتداداتها يتوقع لها أن تلقي بظلالها السلبية على جميع الأطراف فيها بدون استثناء، حيث لا مناص لها من اتقاء أثارها السلبية تحت أية حال من الأحوال.
وعليه يمكن القول بدخول عشرات المبادرات التي تبنتها السلطة بتيارها المعتدل الذي يمثله الرئيس على عبد الله صالح وأنصاره في هذه الفترة ضمن هذا السياق ، فتيارات السلطة إن كانت موزعة بين أقصى اليمين والشمال- من جهة- وبينها وبين الوسط – من جهة أخرى- إلا أن التيار المعتدل فيها مازال يعيش مرحلة مخاض عسيرة ، يحاول من خلالها أن يعيد ترتيب أوراقه وأوضاعه الداخلية ، بصورة يستطيع من خلالها استعادة قدراته في فرض هيمنته على مقاليد السلطة ، لاسيما في ظل تنامي حالات التباين والتناقض الحاصلة في الرؤية والمنهج المتبعين بينها وبين باقي التيارات على مستوى السلطة أو المعارضة- من جهة- ثم فيما بينها وبين باقي فئات الشعب الأخرى- من جهة ثانية- بصورة كان يتوقع لها أن تتيح أمامه الفرصة واسعة ليس لإعادة ترتيب مرتكزات البيت الداخلي سواءً على مستوى السلطة أو الوطن- وفقاً- للرؤية والمنهج المتبعين- في هذا الشأن- واللذان جسدا - في المحصلة النهائية- مجمل المطالب الوطنية الملحة ولو بحدها الأدنى فحسب ، بل للمضي قدماً وراء محاولة شق طريقه وسط حالات الرفض والممانعة وعدم القبول التي جوبهت بها مجمل عمليات الحراك السياسية التي قام بها أثناء محاولاته المتكررة ترجمة بعض أهم مواقفه ورؤاه المعلنة ممثلة ببرنامجه الانتخابي- أولاً- ثم التصدي لتوجهات التيارات الفاعلة الأخرى في السلطة - ثانياً- فتبني هذا التيار- بحسب وجهة نظرنا- لعشرات المبادرات البناءة في اتجاه محاولة تقريب وجهات النظر أو المواقف العامة بينه وبين تيارات المعارضة الفاعلة أو دون ذلك ، إن كان مازال يسير بخطىً حثيثة في اتجاه الاستمرار في مواصلة تقديم المزيد من التنازلات المرحلية كانت أم الإستراتيجية التي تصب في إطار محاولاته تعزيز أواصر الوحدة الوطنية أو تحقيق صورة من صور التلاحم الوطني بين مختلف تيارات السلطة والمعارضة، بما يبقي مجمل الحراك الداخلي الحالي دون مستوى الانفجار، فإن ذلك- أيضاً- يعنى- في المحصلة النهائية- ازدياد حالات التباين والتناقض الحادة الحاصلة بين تيارات السلطة مع بعضها البعض انطلاقا من إن ما تتمتع به تيارات السلطة من مكاسب وامتيازات ، قد جاءت كنتاج طبيعي لاستحقاقاتها الدستورية والقانونية التي اكتسبتها بجدارة على مدار أقل من عقدين عبر الوسائل السلمية المشروعة المتاحة ، في حين بقت حجتها القوية الرئيسة في ذلك إنه كان من الأجدر بتيارات المعارضة المطالبة بامتيازات وحقوق خارج إطار ما أقره الدستور والقانون ولوائحه التنفيذية في البدء أن تقر قولاً وعملاً- بصورة مطلقة - بما تمخضت عنه العملية الانتخابية من نتائج- أولاً- ، بحجة إن شريعة وجود كلاً من السلطة والمعارضة على الساحة السياسية- في الأساس- مرتبطة بشكل وثيق الصلة بقيام الوحدة الوطنية وتبني الخيار السياسي- الديمقراطي منهجاً لها، لذلك وجب عليها بدلاً من بقائها سايره في اتجاه خوض غمار سباق عقيم وراء البحث عن مواطن النفوذ سلطة كانت أم مال- وهو حال معظم تيارات المعارضة هذا إن لم نقل جميعها- أصبح لزاماً عليها خوض غمار سباق من نوع أخر، لكنه أكثر أهمية له علاقة وثيقة الصلة بمتطلبات بناء الدولة الحديثة وتلبية احتياجات الشعب الملحة وضمان ثم حماية مقومات أمنه القومي ، باعتباره الجزء الأكثر أهمية على الإطلاق من باب الاستحقاقات الدستورية والقانونية ومن ثم الأخلاقية للشعب بفئاته المختلفة وللوطن على حد السواء ، نظراً لكونه الجهة الوحيدة الأكثر استحقاقاً لمثل هكذا اهتمام- فمنه وإليه يرجع الأمر كله- أو إن الوقت- بحسب رأي كل الفر قاء السياسيين في السلطة أم المعارضة- لم يحين بعد كي تصبح المصالح العليا للشعب اليمني موضع الاهتمام الرئيس- بل والوحيد وبدون منازع- بعيداً عن الشعارات الفضفاضة والممحاكات السياسية الضيقة من قبل تيارات السلطة والمعارضة؟ وإلى متى ؟ ألم تعي تيارات السلطة والمعارضة على حد سواء حتى الوقت الحالي، الفارق الجوهري بين مفهومي الاختلاف والخلاف ؟ نقول إذا كان الأول ظاهره تنافس مبني على الاتفاق والتراضي بين الفر قاء والحلفاء السياسيين في السلطة والمعارضة ، وباطنه رحمة ونعمة وحب مبني على الإيثار والتضحية...، فأن الثاني ظاهره صراع مبني على الخلاف والأنانية ، وباطنه عذاب ونقمة وكره مبني على الجشع والظلم...
ثم ألم تعي تيارات السلطة والمعارضة الفارق الشاسع الحاصل بين مطلبين رئيسين لكنهما متداخلين ومتلازمين في آن واحد، يسعى ورائهما كلاً منهما على حد السواء؟ مع وجوب الأخذ بعين الاعتبار صعوبة فك الارتباط أو التمييز بينهما في حالة بقاء سمة الخلاف أكثر منه الاختلاف مهيمنة على جوهر العلاقة القائمة بينهما، وظلت في نفس الوقت سمة الاختلاف مجرد صيغة شكلية فقط لا غير تؤطر هذه العلاقة من قريب أو بعيد، المطلب الأول يمكن إعادة بلورته في السعي الحثيث- بلا هوادة- وراء البحث عما تعتبره هذه الأحزاب حصصاً لها في الثروة (المغانم) والنفوذ سلطة كانت أم مال ، وهو الأمر الذي تمثله المرحلة الأولى من مراحل أية حراك سياسي في أية بلد ، حيث يتم فيها الرجوع فيها ، ومن ثم الاحتكام إلى رأي الشعب؛ من خلال صندوق الاقتراع السري المباشر، بهدف الوصول إلى تحديد ماهية الجهة المستحقة لشغل موقع السلطة أو المعارضة.
أما المطلب الثاني فهو امتداد للمرحلة الأولى ومكملة لها في آن واحد، يمكن إعادة بلورته في محاولة السعي وراء إحداث نقلة نوعية تتبناها كلاً من السلطة والمعارضة بكل تياراتها على حد السواء في اتجاه محاولة تقريب- هذا إن لم نقل توحيد- الرؤى والمواقف- من جهة- وتثو ير الطاقات والإمكانات المتاحة كانت أم الكامنة صوب بناء مرتكزات الدولة الحديثة المنشودة - من جهة ثانية- فالحقيقة - في هذا الشأن- هي مستقاة من أرض الواقع السياسي اليمني المعاش على مدار الـ18 عاماً ، إلا أنها- بحسب رأينا- مازالت غائبة عن معظم رؤى وموقف القيادات الحزبية وجماهيرها في المعارضة قبل السلطة- بوجه خاص- هذا إن لم نقل مغيبة عمداً ، تؤكد على ضرورة أن تدرك المعارضة بكل تياراتها قبل السلطة حقيقة إن السلطة هي السلطة والمعارضة هي المعارضة، من حيث أن المرحلة الأولى بمطلبها الرئيس الذي كفلته مواد الدستور ونظمته القوانين ولوائحها التنفيذية ، قد انتهت بمجرد إعلان نتائج العملية الانتخابية وبدء المرحلة الثانية بكل إرهاصاتها، مع وجوب الأخذ بعين الاعتبار إن بقاء المطلب الأول حاضراً في أذهان وحراك هذه الأطراف إزائه ، يبقى أمراً وارداً بل وضرورياً، لكن بعد أن يدرك الجميع على حد السواء حدود وأبعاد حالات التداخل الحاصلة بينهما- كما أسلفنا ذكرها آنفا- وإلا فأنه يتوقع أن تبقى مدركات وحراك هذه الأطراف سلطة كانت أم معارضة محصورة في حدود المرحلة الأولى، وهو الأمر الذي يعني بقاء مستوى فعلها المرحلي كان أم الاستراتيجي دون مستوى المرحلة الحالية كانت أم القادمة ومتطلباتها، بصورة فوتت- ومازالت- على الشعب وأبناءه الشرفاء- بوجه خاص- فرصة تاريخية للعبور بالسفينة الأم إلى شاطئ الأمان، ليس بسبب فقدان مجمل الفرص الواسعة المتاحة بين أياديها فحسب، بل مع وجود احتمالية تبؤ الملف الأمني- العسكري للمكانة الأولى في اهتمامات صناع القرار، جراء تنامي حالات الاضطرابات والقلاقل الأمنية .
وهو الأمر الذي يمكن أن نستشفه من عملية التحول الجوهرية الحاصلة في اهتمامات الدولة من الجانب الأمني بشقيه الاقتصادي والاجتماعي- بوجه خاص- إلى الجانب الأمني- العسكري، وهو الأمر الذي فوت على الوطن والتيار المعتدل في السلطة فرصاً كثيرة، كان يمكن الاستفادة منها في تعظيم حجم المكاسب إلى ما دون المتوسط- على الأقل.
ومن هنا يتعين علينا القول- في هذا الشأن- بأهمية أن تدرك تيارات المعارضة بقياداتها المعتدلة صاحبة القلوب القوية لا القاسية التي تفيض انتماء ملئ بالحب والعطاء وسعة الأفق والتسامح ونكران الذات... ، مدى دقة المرحلة التي يعيشها الوطن بكل أبناءه حكاماً كانوا أم محكومين ، ومدى صعوبة اللحظة التي يعيشها التيار المعتدل في السلطة، جراء تعاظم الضغوط المحيطة به من داخل السلطة وخارجها، وبأن الفرصة التاريخية قد أصبحت مؤتية لها أكثر من ذي قبل، كي تتقدم الصفوف القيادية في تيارات المعارضة ، من خلال السعي الحثيث وراء محاولة الإمساك بقوة بأيادي السلطة الممدودة لها التي يمثلها التيار المعتدل- على وجه الخصوص- بهدف تسجيل مواقفها الوطنية على مستوى المعارضة والوطن ، وفي نفس الوقت تعزيز مواقف التيار المعتدل بين باقي التيارات الرئيسة في السلطة، لأن ضعف- هذا إن لم نقل انعدام- مثل هكذا إدراك لخط سير العملية السياسية، يتوقع له أن يفوت على المعارضة - أولاً- والوطن- ثانياً- ثم التيار المعتدل- ثالثاً- فرصة مواكبة الحراك السياسي المساوئ له في القوة والمضاد له في الاتجاه، وفي نفس الوقت على التيار المعتدل في السلطة أن يدرك أن تمسكه بهذه الرؤية والنهج هو الضمانة الوحيدة ، بل صمام الأمان الحقيقي لبقائه متقدماً الصفوف القيادية داخل السلطة وخارجها ، نظراً لما يتوقع أن يترتب عليه ذلك ، سواءً من تقوية لمواقع نفوذه على صعيد السلطة والمعارضة آن واحد ، ومن ثم وصولاً إلى الصعيد الشعبي ، أو من تشجيع وتقوية لتوجهات التيارات المعتدلة في المعارضة كي تحذو حذوه ، بصورة تولد حراكاً سياسي حقيقياً، يلبي- في المحصلة النهائية- متطلبات المرحلة التي نعيشها بكل إرهاصاتها.
ولكن مع ذلك تبقى هنالك جملة من التساؤلات الجوهرية المثارة- في هذا الشأن- والتي أوجهها للمعارضة قبل السلطة، نورد منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي :-
هل تعتقد بعض تيارات السلطة- من جهة- والمعارضة السياسية في الداخل كانت أم في الخارج أو أطراف أخرى محلية كانت أم خارجية- من جهة أخرى- أن عملية إثارة الاضطرابات والقلاقل الأمنية بما فيها النعرات الطائفية والمناطقية في طول البلاد وعرضها ، تكفي- بحسب وجهة نظرها- لهز وإضعاف مكانة التيار المعتدل أو لإحداث تغيير(جزئي/ كلي) للنظام السياسي القائم- هذا إن لم نقل إسقاطه- أم إنها- في المجمل النهائي- تهدد بتمزيق وحدة التراب الوطني ونسيجه المجتمعي، لدرجة يصبح معها الخوض في مثل هكذا خيار خطاً أحمر لا يمكن السكوت عنه مطلقاً ؟ كيف ولماذا ؟ اضربوا لي أمثلة حية من التجارب العملية الحية المعاصرة- تؤيد ذلك أو تنقضه- بما تمخضت عنه من نتائج أفضت إلى تغيير خط سير الأوضاع الحالية نحو الأفضل أو الأسوأ- على سبيل المثال لا الحصر ؟ أو هل تعتقدون إن ذلك يمكن حصوله عن طريق الاستعانة بالخارج وأذنابه التي تتربص بالمصالح العليا للوطن من كل حدب وصوب أم لا؟ كيف ولماذا ؟ وأخيراً هل تعتقدون بإمكانية حصول ذلك عبر تبني العملية السياسية المحضة ؟ كيف ولماذا ؟ ومن تتوقعون سوف يكون المستفيد الأول- هذا إن لم نقل الوحيد- في نهاية المطاف ؟
إليكم رأينا- بغض النظر سواءً كان الجواب نعم أم لا - علينا العودة إلى الوراء قليلاً والتفكير ملياً قبل الإجابة عن ما تم إثارته من تساؤلات آنفاً ، كيف إن اختلاق الاضطرابات والقلاقل داخل البلاد لم ولن تسقط أنظمة سياسية ، بل يتوقع لها أن تمزق وحدة التراب الوطني ونسيجه المجتمعي شر ممزق في آن واحد- هذا أولا- وكذلك فقد أثبتت الوقائع التاريخية إن تغيير أية نظام سياسي لا يكون إلا من الداخل عبر امتهان الوسائل السلمية ، وبصورة تدريجية، بما يضمن بقاء وحماية المنجزات والمصالح العليا للشعب, أي بمعنى أخر عندما تكون المعارضة السياسية تحديداً (قبل السلطة) قد امتلكت عاملي القوة والقدرة على خوض سباق سياسي حقيقي، يمكنها من إحداث تغييرات جذرية في خط سير العملية السياسية الحالية، أما الاستعانة بالخارج فقد أصبح أمراً غير مجدي على الإطلاق فالتجربة العراقية مازالت شاخصة للعيان، هي خير دليل على ذلك- في هذا الشأن- فالجميع خسروا وليس هنالك رابح على الإطلاق إلا أولئك المنتفعين القلائل- في كل زمان ومكان- على حساب مصالح الشعب والوطن- ثانياً.
وضمن هذا السياق - أيضاً- نستبعد إمكانية حدوث أية تغيير جوهري في النظام السياسي القائم، عبر تبني مسار العملية السياسية المجتزأة في شكلها الحالي، ولو حتى بصورة جزئية كانت أم كلية ، إلا من خلال السعي الجدي وراء تبني برنامج عمل سياسي وطني موحد(مؤتمر وطني) طويل الأجل؛ يجمع بين كل تيارات المعارضة مع بعضها البعض في الداخل والخارج - من جهة - ثم بينها وبين تيارات السلطة على حد السواء- من جهة أخرى- ضمن إطار ما تنص عليه مبادئ الدستور والقوانين ولوائحها التنفيذية من مواد لها علاقة بهذا الشأن، وصولاً إلى الخروج بنتائج موضوعية وسريعة تؤسس بقوة لحياة سياسية حقيقية، لأن أمراً كهذا يصبح غير وارد- أيضاً - في المرحلة الراهنة، بسبب عقم الساحة الداخلية كانت أم الخارجية بأن تلد أية نموذج حي يؤشر احتمالية وجود أية نجاح في هذا المجال ، في ظل مراعاة خصوصية التجربة بين بلد وأخر- وهذا ما بدأت بعض أهم معالمه الرئيسة واضحة في أقرب مثال حي ما زلنا نعيش أهم فصوله المجهولة حتى الوقت الراهن ، جسدته التجربة السياسية الباكستانية ، فماذا استفادت باكستان حكومة كانت أم شعباً منذ خلع الرئيس السابق برويز مشرف من سدة السلطة- وفقاً- للأزمات الداخلية قبل الخارجية الحادة التي تعيشها البلاد وتهدد بانفجار مدوي لها لاٌ أحد يعرف عواقبه ؟- ثالثاً- أسئلة سوف نظل نطرقها- على الدوام- بمرور الوقت حتى نحصل على إجابة وافية عليها ، إلا أني في الأخير سوف أترك أبواب الخيارات مفتوحة أمامكم ، ولكن ليس على مصراعيها، كي تقرروا ما الذي تسعون ورائه وتحبذوه بعد ذلك ، لإن عامل الزمن لم يعد يسير في صالحنا سواءً طالت المدة أو قصرت قبل أن نحدد مواقفنا العملية من هذا الاتجاه أو ذاك .