مصر ودول حوض وادي النيل *
ترتكز السياسه المائيه المصريه في أحد محاورها على توطيد علاقات التعاون مع باقي دول حوض وادي النيل (9 دول :اوغندا - اثيوبيا - السودان - الكونقو - بوروندي - تنزانيا - رواندا - كينيا - اريتريا) على اساس من الايمان بضروره تنميه موارد وطاقات النهر المائية والعمل على حسن إدارتها .
وهي تستند كذلك إلى الحرص على عدم المساس بحقوق مصر التاريخيه في مياه النيل وفقا للاتفاقيات الدوليه ومبادىء القانون الدولي والاعراف الدوليه.
كذلك فإن لمصر حقا طبيعيا في الحصول على المزيد من إيرادات النهر من خلال تنفيذ حزمه مشروعات مائيه طموحه طرحتها منذ عام 1999 م في اطار مبادره حوض النيل والتي ساندها فيها المجتمع الدولي كله تحت مظلة الفائده المشتركه.
وقعت مصر عددا من الاتفاقيات الخاصة بمياه النيل أهمها : إتفاقيات 1902 - 1906 - 1929 - 1959 .وكانت جميعها تدور حول عدم إقامة أي مشروعات على مجرى النهر او فروعه تقلل من نسبة تدفق المياه او تؤثر على كمية المياه الوارده الى مصر .
وقد أعلنت بعض دول الحوض بعد حصولها على الاستقال عدم الاعتراف بالاتفاقيات بحجة ابرامها تحت سلطه الاستعمار وإفتقار هذه الدول للإداره السياسية . إلا أن موقف مصر كان التمسك بها وبحقوقها التاريخيه إستنادا إلى الاعراف والقوانين الدوليه خاصه اتفاقية فيينا لعام 1987 م المتعلقة بالتواثر الدولي للمعاهدات والتي تؤكد استمرار الاتفاقيات الدولية وعدم جواز المساس بما ترتبه من حقوق وإلتزامات بغض النظر عن تغير الأنظمة الحاكمه للدول الموقعه وذلك حرصا على استقرار النظام الدولي.
حرصت مصر في هذا الاطار على التعاون مع دول الحوض على مستوى العلاقات الثنائية من ناحيه وعلى المستوى الإقليمي من ناحيه أخرى .
وفي عام 1999 تم الاعلان عن مبادره حوض النيل وهي تمثل الآلية الحالية التي تجمع كل دول الحوض تحت مظله واحده وتقوم على مبدأين أساسيين وهما : تحقيق المنفعه للجميع وإيضا عدم الضرر. إلا أنها آليه مؤقته لا تستند إلى معاهدة أو إتفاقية دائمة وشاملة تضم دول الحوض جميعا ومن هنا برزت الحاجة إلى ضروره قيام إطار قانوني ومؤسسي بحيث يكون بمثابه دستور ملزم تحترمه كل دول الحوض.
ورغم قناعة مصر بإن الاتفاقيات القائمة توفر لها غطاءا قانونيا قويا يضم لها حقوقها إلا أن التوصل إلى اتفاق شامل يمثل أفضل الاوضاع والخيارات ليس فقط لسد الطريق أمام أي خلافات مع دول المنبع بشأن الاتفاقيات القائمة ولكن إيضا لانه يؤمن لاجيال المستقبل حقوقها المائية ويؤدي الى اتفاق دولي ملزم لجميع دول الحوض .
وقد تم بالفعل إعداد مشروع الإطار القانوني والمؤسسي مكون من 39 مادة موزعه على ثلاثة أجزاء رئيسية :
1- عن المبادىء العامة .
2- عن الحقوق والواجبات.
3- عن الاطار المؤسسي وكيفية تسويه المنازعات وإجراءات التصديق والانضمام للمعاهده وغيرها من الامور.
وقد تم الاتفاق على أغلب بنود الاطار باستثناء بندين معلقين حتى الان ولهما أهمية بالغة لتعلقهما بحقوق مصر التاريخيه : البند (14 ب) الخاص بالامن المائي والبند (8) الخاص بالاخطار المسبق عن المشروعات.
وقد استمرت إجتماعات وزراء دول حوض النيل من أجل انهاء الاطار القانوني والمؤسسي ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق، إلى أن عقد اجتماع عنتيبي في يونيو 2007 لوزراء المياه في دول حوض النيل ، حيث تم الاتفاق على رفع بند الامن المائي لرؤساء الدول والحكومات بحوض النيل لحل الخلافات حول صياغتهما ، وإحالة بند الاخطار المسبق عن المشروعات للهيئة الفنية الاستشارية لدول الحوض .
تمت الدعوة لإنعقاد الاجتماع الوزاري غير العادي لوزراء النيل بدول حوض النيل في 22 مايو 2009 بكينشاسا ، حيث فؤجى الوفد المصري بأن دول المنابع السبع كانو في اطار من التنسيق والترتيب فيما بينهم ويحاولون ممارسة كل أنواع الضغوط في هذا الاجتماع على دولتي المصب وبالاخص مصر.
أصرت مصر على عدم التوقيع على الاطار القانوني والمؤسسي المقترح إلا بعد استيفاء ثلاثة شروط تتلخص في :
1- أن يتضمن الاطار نصا صريحا في البند ( 14 ب ) الخاص بالأمن المائي يضمن عدم المساس بحصة مصر من مياة النيل وحقوقها التاريخية.
2- أن يتضمن البند رقم ( 8 )الخاص بالاخطار المسبق عن المشروعات المزمع إقامتها بدول أعالي النيل إتباع إجراءات البنك الدولي ، مع إدراج هذه الاجراءات صراحة في الاتفاق وليس في الملاحق الخاصة .
3- أن يتم تعديل البند (34 أ ب ) بحيث تكون جميع القرارات الخاصة بتعديل اي من بنود الاتفاق أو الملاحق بالاجماع وليس الأغلبية . وفي حالة إقرار مبدأ التصويت بالأغلبية فإنه يجب أن تضم هذه الاغلبية كل من مصر والسودان (دولتي المصب).
وقد انقسمت دول حوض النيل في الاجتماع الى فريقين : دول المنابع السبع من ناحية ضد مصر والسودان من ناحية أخرى وهو ما كانت تتوقعه مصر.
وفي 5 يوليو الماضي أصدرت الدول والجهات المانحة لدول حول النيل بيانا مشتركا حددت فيه موقفها من نتائج إجتماع كينشاسا كانت اهم عناصره :
1- ان المبادرة تستهدف تحقيق رؤية مشتركة لجميع دول الحوض العشر لإقامة مفوضية تشمل الحوض بكامله.
2- التزام الجهات المانحة بدعم المبادرة .
وفي 26-27 يوليو 2009 اجتمع المجلس الوزاري السابع عشر لدول حوض النيل بالاسكندرية ، وتمت مناقشة مختلف وجهات النظر من منطلق الحرص على التشاور والاتفاق على وسائل التعاون بين دول الحوض ، وفي ظل حرص مصر على التمسك بحقوقها القانونية والتاريخية من ناحية والعمل على إزالة أي معوقات بين دول الحوض من ناحية أخرى ، ورغم وجود نقطة خلافحول سعي دول المنبع إلى تمرير اتفاق إطاري تعاوني جديد بغية إنشاء مفوضية دائمة لدول حوض النيل بغض النظر عن مشاركة دولتي المصب ( مصر والسودان ) عوضا عن الاتفاقات القديمة لتوزيع المياه ، فقد نجح المؤتمر في ختام أعماله أن يتوصل إلى اتفاق على :
- الاستمرار في المفاوضات والتشاور لمدة ستة اشهر قادمة على أن يتم الانتهاء من حسم جميع نقاط الخلاف للوصول إلى اتفاق موحد بين دول حوض النيل جميعا.
- خلال فترة التفاوض يحظر على أي دولة من دول الحوض التوقيع على أي معاهدة جديدة بشكل منفرد دون الرجوع الى دولتي المصب والا فستكون باطلة.
- أن يكون إبرام الاتفاقية النهائية لدول النيل مرهونا بموافقة جميع الدول المعنية على الاتفاقية.
ومن المقرر أن تبدأ اللجنة المشتركة التي تم تشكيلها برئاسة مصر عملها للانتهاء من صياغة بنود اتفاقية مبادره حوض النيل خلال أيام بعد اختيار الدول الاعضاء أسملء من يمثلونها فيها.