منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#21180
عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ضد سياسة الشاه محمد رضا بهلوي، وقفت الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة جيمي كارتر على الحياد دون التصدي لثورة الإمام الخميني التي كان يقودها ويوجهها آنذاك من منفاه في فرنسا عبر خطاباته الثائرة والتي كان يطلقها بين الفينة والأخرى، فقد أخذت إذاعة الـ'بي بي سي' في لندن على عاتقها بث كامل بياناته للشعب الإيراني كأنها إذاعة ثورية إيرانية محضة.
أمريكا كانت تدرك آنذاك حجم الفساد الذي يرتع به الشاه والذي بلغ مداه عبر إنفاقه في ثلاثة أيام متتالية ما يقارب الـ40 مليون دولار ثمن ولائم وطقوس على ضيوفه الغربيين والأمريكان في احتفالات صاخبة تمجيداً لذكرى إنشاء الإمبراطورية الفارسية، وكل ذلك كان على حساب الشعب المكلوم الذي عانى الأمرّين جراء الفقر والبطالة وسياسة التعذيب المنظم التي كانت تقوم بها المخابرات الإيرانية (السافاك). لذلك فإن الرئيس كارتر قرر عدم التدخل في شؤون تلك البلاد رغم التطمينات التي بعثت بها الإدارة الأمريكية للشاه، والتي ذهبت أدراج الرياح مع اشتعال فتيل الثورة ليفر حينها الشاه إلى الولايات المتحدة ومن ثم إلى مصر السادات ليموت هناك دون أن يترحم عليه أحد.
واليوم وبعد تصاعد أزمة المظاهرات الطاحنة التي خرجت أو أُخرِجت ضد نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران، والتي انحرفت عن مسارها الوطني إلى أعمال شغب غير مسبوقة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية والعربية أيضاً تحاول قدر استطاعتها العمل على إشعال فتيل الفتنة في إيران، تقودها وسائل الإعلام ذاتها التي وقفت إلى جانب الإمام الخميني ضد حكم الشاه بهلوي، لكن هذه المرة ليس لأن الفساد بلغ مبلغاً لا يمكن إيقافه، ولكن لأن إيران المحافظين تقف على رأس دول الممانعة ضد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والسياسة الإسرائيلية في المنطقة.
إيران تشهد اليوم أزمة حقيقية مماثلة لما جرى إبان انتهاء حكم الشاه، وتولي الإمام الخميني المرشد الأعلى للثورة الإسلامية مقاليد الحكم وإرساء قاعدة (ولاية الفقيه) الأمر الذي يجعل أي حكومة يقر بها المرشد الأعلى هي حكومة من الله لا يجوز معارضتها أو تجاوزها بأي حال، لكن على ما يبدو فإن الجمهورية الإيرانية اليوم تتجه نحو فتنة عظيمة تقودها فئات خارجية تحمل في جعبتها العديد من الأهداف الخفية التي تسعى من خلالها إلى إنهاء الحاكمية لولاية الفقيه وتتمثل في ما يلي:
أولا: المظاهرات العارمة والفلتان المنظم الذي نادى به مير موسوي وأنصار علمنة ولبرلة الدولة والشيوعيون من أنصار وأعضاء جماعة مجاهدي خلق هي رسالة واضحة بالانقلاب على ولاية الفقيه التي يعتبرونها تسلطاً على رقاب الإيرانيين الذين يرفضون وجود إيران كجمهورية إسلامية تحتكم لولاية الفقيه. ورغبتهم في التخلص من الضوابط التي تفرضها الدولة على سياسة الأفراد والجامعات هناك.
ثانياً: ما يجري اليوم هو أكبر من أزمة انتخابات، فلا يعقل أن يتم تزوير الانتخابات الأخيرة بالصورة التي تسوِّقها المعارضة، لو فرضنا جدلاً بوجود تزوير، لكن على ما يبدو فإن هناك بعض الأطراف المعنية بخلخلة الأمن الداخلي لإيران لإحداث المزيد من التدهور الداخلي للبلاد وإشاعة الفلتان أو ما سيسمى في ما بعد (الفوضى الخلاَّقة)، ولكسر هيبة المرشد الأعلى الذي يمثل الأب الروحي للإيرانيين والعمل على اهتزاز شخصيته.
ثالثاً: المقاومة هي مفتاح المعادلة، ولأن حكومة المحافظين في طليعة دول الممانعة ضد السياسات الخارجية الأمريكية والغربية والاسرائيلية ضد منطقة الشرق الأوسط، فإن أمريكا تعمل - وستظل إلى ما لا نهاية - تعمل على إنهاء حكم المحافظين الذين تعتبرهم أمريكا والغرب إرهابيين متطرفين يشكلون خطراً على السلام العالمي، علماً بأن أمريكا وإسرائيل لا تعولان أيضاً على مير موسوي، فقد ظهر ذلك جلياً في كلمة أوباما بأن العالم لا يجب أن يعول على موسوي كثيراً لأنه خرج من نفس البوتقة التي قادت إيران إلى بر النجاة بعد نجاح ثورة الخميني.
رابعاً: ما يجري اليوم هو رسالة واضحة، غير مشفرة للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي وللرئيس أحمدي نجاد بأن أمريكا ومن معها من دول الاعتدال العربي والغرب قادرون على إسقاط حكم نجاد وولاية الفقيه، وإحداث نظام جديد في الدولة، فكما ساعدت بريطانيا الخميني بالوقوف إلى جانب الثوار عام 1979 فإنها قادرة اليوم على زلزلة أركان أصحاب الولاية.
والآن، على إيران أن تبحث عن الحل الأمثل للخروج من الأزمة، وأن تنجو من تلك الدوامة التي ستُغرِق السفينة بمن عليها، كما يجب عليها أن تبحث عن شركاء مخلصين، تخلص لهم، بدلاً من أن تستعدي الجميع ضدها، فإيران لديها من الأخطاء ما يجعل الكثيرين يعادونها، فسياسة امتداد المذهب الشيعي في المنطقة وتطاول علماء الشيعة على الصحابة وعلماء أهل السنة ولَّدا الحقد الكبير لدى أهل السنة وجعلهم في عداء مع المذهب الشيعي، وهذا ما حذر منه مؤخراً الدكتور يوسف القرضـــاوي علناً حين قال بأن على إيران أن تكف يدها عن أهل السنة، كما يجب على إيران التي تغلغلت جيوبوليتيكياً وجيواستراتيجياً في المنطقة العربية حين قامت باحتلال الجزر الإماراتية، وتملكت مضيق هرمز رغم أن المنطقة الصالحة به تتبع لسلطنة عُمان، أن تبحث عن الحل الأمثل مع أصحاب تلك الدول بدلاً من أن يخرج أحد مستشاري خامنئي ليقول بأن البحرين محافظة إيرانية. كل تلك الأمور الهامة يجب أن تأخذها إيران في الحسبان كي تنجو بنفسها ومن معها حتى لا تندثر وتصبح خبراً بعد عين.