- الخميس يوليو 23, 2009 1:43 pm
#20692
قطرة وقت
في الدفاع المستميت عن إيران
فريد أحمد حسن
المتابع للتعليقات التي يشارك بها بعض القراء على المقالات في مختلف المواقع الالكترونية سواء التابعة للصحف أو الشبكات والتي تتناول الشأن الإيراني وما يدور في هذا البلد من أحداث دامية حاليا جراء انتخابات الرئاسة التي اتهم من لم يفوزوا فيها السلطات في إيران بتزييفها يمكنه ملاحظة الدفاع المستميت من قبل البعض عن النظام في إيران ومحاولة تلميعه والتبرير له ولردوده العنيفة ضد المتظاهرين والمحتجين و''الثائرين'' على ''الثورة'' إلى درجة اعتبار أن ما تقوم به شرطة الشغب في شوارع المدن الإيرانية مثلا أمر عادي بل ''حقا'' على السلطة الإيرانية أن تتمسك به، وأن ما تمارسه من أفعال ضد هؤلاء ''حلو وبارد'' فهؤلاء المحتجون ما هم إلا أدوات أو ضحايا تم تحريكهم من قبل الغرب الذي لا يريد لإيران خيرا ولا يريد للإسلام إلا الشر.
ظاهرة الدفاع المستميت هذه التي يمكن تسجيلها ينبغي أن تتم دراستها من قبل المعنيين بعلم الاجتماع وبعلم السياسة، حيث تطوع هؤلاء للدفاع عن ممارسات الشرطة الإيرانية العنيفة ضد المتظاهرين والدفاع عن لجوئهم إلى استخدام الرصاص الحي ومسيلات الدموع واللجوء إلى إنزال شرطة بالزي المدني وضرب المتظاهرين العزل بالهراوات، بينما لا يتوانون عن انتقاد ممارسات لا تصل إلى هذا الحد من الوحشية يمارسها بعض شرطة الشغب في ظروف معينة في بلادهم مسألة تسترعي الانتباه وتحتاج بالفعل إلى دراسة وتفسير.
انتقاد ممارسات شرطة الشغب هنا مسألة يمكن تفهمها (ولست أقول إن شرطة الشغب هنا أليفة وما تقوم به من ممارسات لا تشوبها شائبة) ولكن الدفاع بشراسة عن ممارسات الشرطة والسلطة هناك مسألة غير مفهومة ولا بد من الحصول لها على تفسير، كذلك فإن انتقاد ممارسات معينة في الانتخابات هنا والتشكيك في كل شيء للحكومة يد فيه، والتشكيك في كل من يمارس حقه الانتخابي ولكنه ليس ضد الحكومة مسألة يمكن تفهمها ولكن التبرير لكل الممارسات التي تمت في الانتخابات الإيرانية رغم أن نصف الشعب الإيراني على الأقل إن لم يكن جله يقول إنها ممارسات ظالمة وانحازت إلى طرف على حساب طرف آخر وأن التزييف في الانتخابات تم ''شاهر ظاهر'' وإلا لما خرج منتفضا، فلا يمكن تفهمه ويحتاج إلى دراسة من قبل المعنيين.
هل ما يجري من تعاطف غير عادي من قبل البعض مع السلطات في إيران والدفاع بشراسة عن كل الأخطاء التي حدثت هناك على مرأى ومسمع من العالم أجمع راجع إلى الشعور بضرورة الوقوف إلى جانب سلطة دينية بعينها أم أنه نكاية بالحكومة، حيث كل ما تقوم به الحكومة هنا خطأ حتى لو كان صوابا ومفيدا وكل ما تقوم به السلطة هناك صواب حتى لو كان خطأ؟ هل هذا الدفاع المستميت عن السلطة في إيران سببه ارتباط عاطفي أم مصلحة مادية بينة ليس بالضرورة مرتبطة بالمال؟ هل الدفاع هذا تعبير عن الأمل في أن السلطة في إيران لا يزال فيها خير رغم كل ما تمارسه من أعمال قمعية ضد أبناء شعبها ورغم كل عمليات التزييف التي يقول عنها أبناؤها؟ هل سببه التشكيك في أن يكون الغرب وراء تحرك مير حسين موسوي والشعب وبالتالي وجود قناعة بأن الغرب لا يمكن أن يأتي منه خير وأنه لا يقف مع الحق بقدر ما يقف مع مصلحته المتمثلة غالبا في وقف التهديد ضد إسرائيل والذي يشكله إصرار إيران على استكمال الملف النووي وتحولها إلى دولة نووية ومصالح أخرى؟
يمكن بسهولة تفهم وقوف دولة ما إلى جانب السلطة في إيران ووقوف أخرى ضدها فالدول مصالح ولكن وقوف أفراد من خارج إيران مع السلطة الإيرانية رغم كل ما بثته وسائل الإعلام (التي منعت من تغطية الأحداث بقرار لا يختلف عن قرار أي دولة من الدول التي يعتبرها البعض غير ديمقراطية) من صور مؤلمة بينها مشاهد تثير الكثير من التساؤلات عن التناقض الحاصل بين الشعارات الإسلامية المرفوعة والممارسات الميدانية التي يقف الإسلام ضدها ورغم كل ما قاله الإيرانيون أنفسهم عن تزييف حاصل في الانتخابات مسألة يصعب تفهمها.
الدفاع المستميت عن السلطة في إيران يعني بين ما يعنيه أن هناك من ''يشد الظهر'' بها ويعتبرها هي المنقذ والسلطة التي يجب أن تكون أمور منطقة الخليج العربي كلها في يدها ''ليسير الكون بشكل صحيح'' ولنحصل جميعا على ''ختم دخول الجنة'' وأنه بالتالي يجب ألا تتغير حتى لو كان التغيير مطلوبا من الشعب وقائد التغيير ليس من خارج دائرة الثورة الأصلية، وهذه بصراحة مسألة خطيرة لأنها تعني ضمن ما تعنيه أنه في حالات أخرى فإن البعض لن يتردد عن التبرير لكل ما تقوله إيران ولكل ما تفعله، ولعل المثال واضح في قضية الجزر الإماراتية الثلاث التي ينبري كثيرون للتبرير لاحتلال إيران لها رغم التناقض بين هذا وبين دورها في ''تحرير فلسطين'' وكأن ما فيه الفلسطينيون احتلال بينما ما تقوم به إيران تجاه جزر الإمارات لا يعد احتلالا لأنه لا يمارس من قبل إسرائيل وإنما من قبل إيران.. الدولة الإسلامية التي تؤمن بحقوق الآخرين.
مهم أن نتابع ما يدور حولنا في المنطقة ولا بأس لو ''شجعنا'' هذا الفريق أو ذاك ولكن أن نتطوع لنبرر أفعال السلطة في إيران تجاه شعبها ونعتبر ما تقوم به السلطات الإيرانية صحيحا بينما نرفض أي تبرير لأي فعله يمارس في الداخل مهما كان مقنعا، مسألة بالفعل تحتاج إلى دراسة من قبل متخصصين في علمي الاجتماع والسياسة.