- السبت مارس 13, 2010 10:00 pm
#25506
العلاقة بين إيران والدول الكبرى، وبشكل خاص مع الولايات المتحدة الأمريكية، علاقة معقدة ومركبة ومتشابكة، كونها تصل حد التنسيق والشراكة والتكامل، والوحدة والتضاد في آن معا، كما تحمل تنافرا حادا في السياسات ببعض المواقع.
حين يتعلق الأمر بأمن الخليج، لا نجد شراكة، أو تطابقا بين سياسات الغرب وإيران، على الأقل فيما بعد قيام الجمهورية الإسلامية. لكن المؤكد، حتى هذه اللحظة، أن الغرب لم يتخذ أي خطوة إيجابية، تجاه لجم نزعة التوسع في الخليج، التي يعبر الإيرانيون عنها بأشكال مختلفة، بين فينة وأخرى، وبضمن ذلك استمرار احتلالهم للجزر الإماراتية: أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى.
لكن الأمر مختلف تماما بالنسبة للملف الإيراني، فما يطلق عليه مجازا بـ "المجتمع الدولي"، المقصود به نادي الكبار، على اختلاف مساربه واتجاهاته، يرفض بشكل تام حيازة إيران للأسلحة النووية. ويلتقي عند هذا الأمر، أمريكا وحلفاؤها، والصين وروسيا، وبريطانيا وفرنسا. وخلافات الكبار، في هذا السياق، تتركز على نوعية العقوبات التي ينبغي فرضها على إيران، وليس على ما إذا كان سيسمح لها، أو لا يسمح بحيازة هذا النوع من السلاح.
ويبدو أن اتخاذ الرئيس الأمريكي قراره بإلغاء الدرع الصاروخية في أوروبا، قد قرب وجهات النظر بين الأمريكيين والروس، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الدافئة بين اليانكي الأمريكي والدب القطبي، من شأنها أن تسهم في صياغة سياسة أكثر تشددا تجاه الملف النووي الإيراني. وقد بدأت ملامح تلك السياسة تفصح عن نفسها، في خطاب الرئيس الأمريكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
والمتوقع أن يحدث انعطاف حاد في سياسة الغرب، من الملف الإيراني، باتجاه تشدد أكثر تجاه هذه المسألة. وقد جاء الكشف الأمريكي، مؤخرا عن وجود معمل تخصيب لليورانيوم، لم تبلغ به وكالة الطاقة النووية، ليؤكد النية الأمريكية في المزيد من التصعيد.
يمكننا القول، إن علاقة أمريكا وبقية الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن مع إيران محكومة بشكل كبير بملفات خمسة. فإيران أولا، بلد رئيسي في إنتاج النفط. وثانيا، هي نقطة وصل بين شرق آسيا وغربها. وثالثا، هي نقطة عازلة بين المياه الدافئة في الخليج وبين روسيا. ورابعا، بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية على الأقل، فإن إيران تجاوره وتشاركه وتنسق معه في أفغانستان والعراق، وتشكل تهديدا مستقبليا مباشرا لمصالحه في الخليج العربي. وخامسا، أزمة الملف الإيراني.
إن هذه الملفات مجتمعة، هي التي تجعل العلاقة بين الغرب وإيران، كما قدمنا في صدر هذا الحديث معقدة ومركبة ومتشابكة، وتحمل معنى الوحدة والتضاد، والتنافر في آن معا. وربما يكون الوعي بهذه الحقيقة، هو السبب الرئيسي في استمرار العجز الأمريكي والغربي عن إيجاد حل لمسألة الملف الإيراني، وإبقاء الأزمة معلقة دون حسم لفترة طويلة.
كيف يمكن مثلا، لأمريكا الهجوم العسكري، بمفردها أو بالتعاون مع حلفائها، على المنشآت النووية الإيرانية، بينما هي تنسق تماما مع إيران في العراق، في حين أن إفرازات احتلالها للعراق، قد ولد حكومة تابعة عقديا وسياسيا للمرجعية الإيرانية. إن ذلك يعني حتما، تعريض العملية السياسية الأمريكية، في العراق برمتها للفشل والانهيار، وفشل المشروع الأمريكي للقرن الواحد والعشرين. وينسحب مثل هذا القول، وإن بنسب أقل على الوضع الأمني والسياسي في أفغانستان.
هناك أيضا احتمال تهديدات الممرات النفطية، في مضيق هرمز وباب المندب، من قبل إيران وحلفائها. وهناك سوابق، أثناء الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات من القرن المنصرم، تؤكد محاولات مستمرة من إيران لزعزعة استقرار استمرارية تدفق النفط للأسواق الدولية. ولعل الذاكرة، ما زالت تحتفظ بقيام الكويت بتأجير بواخر شحن نفطية تحمل العلم الأمريكي، لضمان وصول منتجاتها منه إلى الأسواق العالمية. وقد أقدمت الحكومة الإيرانية آنذاك على تنفيذ بعض الأعمال التخريبية، بحق دول أعضاء مجلس التعاون ، تحت ذريعة أن هذه الدول تساند العراق في حربه ضدها.
هناك أيضا الحرص الدولي المشترك، والذي يتفق عليه جميع الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن، المؤكد على وحدة إيران، وعدم تزعزع استقرارها. وقد أصبح هذا الأمر من المسلمات، في السياسات الغربية، منذ الحكم القاجاري، إلى البهلوي، وصولا إلى الجمهورية الإسلامية. والكل متفق على أن بعد إيران الجيوسياسي، هو شأن لا يسمح بالعبث به، بسبب حيويته، وأهميته القصوى بالنسبة لصناع القرار الأممي.
يبقى أن نؤكد أن إيران تستوعب جيدا أهمية الأوراق، التي بحوزتها، لكن ذلك لا يعني مطلقا أن أمريكا وحلفاءها، ستقف مكتوفة الأيدي تجاه مسألة الملف الإيراني. وسيكون احتمال قيام الكيان الصهيوني، بما أطلقنا عليه سابقا بشكل مجازي، بـ "حرب تحريك" هو الأكثر احتمالا. وهي حرب جزئية ومحدودة، تستهدف فقط المؤسسات النووية. وتتدخل بعدها الدول الكبرى، بزعامة أمريكا، لتخفيف حدة التوتر، والتوصل إلى حل سياسي يضمن تخلي إيران عن طموحاتها النووية، مقابل محفزات اقتصادية وعلمية.
الأزمة الإيرانية، الحالية سيكون لها تأثيراتها بالتأكيد على صانع القرار الإيراني من جهة، وعلى صناع القرارات الدولية من جهة أخرى. فالمتوقع أن النظام الإيراني لا يمكنه تحمل عزلة خانقة داخل إيران وخارجها. وسوف يلجأ، في مواجهة أزمته بالداخل، إلى تقديم بعض التنازلات في الخارج، في محاولة لفك العزلة التي تحكم بخناقه الآن. وإذا ما كان جادا في ذلك، فليس بإمكانه سوى حلحلة موضوع الملف الإيراني، والقبول بالمطالب الدولية.
كيف سيتصرف النظام الإيراني تجاه فك طوق العزلة الدولية والخارجية عنه؟ وما هي ردود فعل أو أفعال المعارضة الإيرانية، تجاه مجمل القضايا الاستراتيجية والملفات التي أشرنا إليها؟ وما هو الموقف الدولي من الأزمة المحتدمة الآن في إيران؟ وكيف ستكون ردود أفعالها تجاهها، وقضايا أخرى في هذا السياق، ستكون موضوعا للمناقشة في الحديث القادم.
حين يتعلق الأمر بأمن الخليج، لا نجد شراكة، أو تطابقا بين سياسات الغرب وإيران، على الأقل فيما بعد قيام الجمهورية الإسلامية. لكن المؤكد، حتى هذه اللحظة، أن الغرب لم يتخذ أي خطوة إيجابية، تجاه لجم نزعة التوسع في الخليج، التي يعبر الإيرانيون عنها بأشكال مختلفة، بين فينة وأخرى، وبضمن ذلك استمرار احتلالهم للجزر الإماراتية: أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى.
لكن الأمر مختلف تماما بالنسبة للملف الإيراني، فما يطلق عليه مجازا بـ "المجتمع الدولي"، المقصود به نادي الكبار، على اختلاف مساربه واتجاهاته، يرفض بشكل تام حيازة إيران للأسلحة النووية. ويلتقي عند هذا الأمر، أمريكا وحلفاؤها، والصين وروسيا، وبريطانيا وفرنسا. وخلافات الكبار، في هذا السياق، تتركز على نوعية العقوبات التي ينبغي فرضها على إيران، وليس على ما إذا كان سيسمح لها، أو لا يسمح بحيازة هذا النوع من السلاح.
ويبدو أن اتخاذ الرئيس الأمريكي قراره بإلغاء الدرع الصاروخية في أوروبا، قد قرب وجهات النظر بين الأمريكيين والروس، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الدافئة بين اليانكي الأمريكي والدب القطبي، من شأنها أن تسهم في صياغة سياسة أكثر تشددا تجاه الملف النووي الإيراني. وقد بدأت ملامح تلك السياسة تفصح عن نفسها، في خطاب الرئيس الأمريكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
والمتوقع أن يحدث انعطاف حاد في سياسة الغرب، من الملف الإيراني، باتجاه تشدد أكثر تجاه هذه المسألة. وقد جاء الكشف الأمريكي، مؤخرا عن وجود معمل تخصيب لليورانيوم، لم تبلغ به وكالة الطاقة النووية، ليؤكد النية الأمريكية في المزيد من التصعيد.
يمكننا القول، إن علاقة أمريكا وبقية الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن مع إيران محكومة بشكل كبير بملفات خمسة. فإيران أولا، بلد رئيسي في إنتاج النفط. وثانيا، هي نقطة وصل بين شرق آسيا وغربها. وثالثا، هي نقطة عازلة بين المياه الدافئة في الخليج وبين روسيا. ورابعا، بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية على الأقل، فإن إيران تجاوره وتشاركه وتنسق معه في أفغانستان والعراق، وتشكل تهديدا مستقبليا مباشرا لمصالحه في الخليج العربي. وخامسا، أزمة الملف الإيراني.
إن هذه الملفات مجتمعة، هي التي تجعل العلاقة بين الغرب وإيران، كما قدمنا في صدر هذا الحديث معقدة ومركبة ومتشابكة، وتحمل معنى الوحدة والتضاد، والتنافر في آن معا. وربما يكون الوعي بهذه الحقيقة، هو السبب الرئيسي في استمرار العجز الأمريكي والغربي عن إيجاد حل لمسألة الملف الإيراني، وإبقاء الأزمة معلقة دون حسم لفترة طويلة.
كيف يمكن مثلا، لأمريكا الهجوم العسكري، بمفردها أو بالتعاون مع حلفائها، على المنشآت النووية الإيرانية، بينما هي تنسق تماما مع إيران في العراق، في حين أن إفرازات احتلالها للعراق، قد ولد حكومة تابعة عقديا وسياسيا للمرجعية الإيرانية. إن ذلك يعني حتما، تعريض العملية السياسية الأمريكية، في العراق برمتها للفشل والانهيار، وفشل المشروع الأمريكي للقرن الواحد والعشرين. وينسحب مثل هذا القول، وإن بنسب أقل على الوضع الأمني والسياسي في أفغانستان.
هناك أيضا احتمال تهديدات الممرات النفطية، في مضيق هرمز وباب المندب، من قبل إيران وحلفائها. وهناك سوابق، أثناء الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات من القرن المنصرم، تؤكد محاولات مستمرة من إيران لزعزعة استقرار استمرارية تدفق النفط للأسواق الدولية. ولعل الذاكرة، ما زالت تحتفظ بقيام الكويت بتأجير بواخر شحن نفطية تحمل العلم الأمريكي، لضمان وصول منتجاتها منه إلى الأسواق العالمية. وقد أقدمت الحكومة الإيرانية آنذاك على تنفيذ بعض الأعمال التخريبية، بحق دول أعضاء مجلس التعاون ، تحت ذريعة أن هذه الدول تساند العراق في حربه ضدها.
هناك أيضا الحرص الدولي المشترك، والذي يتفق عليه جميع الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن، المؤكد على وحدة إيران، وعدم تزعزع استقرارها. وقد أصبح هذا الأمر من المسلمات، في السياسات الغربية، منذ الحكم القاجاري، إلى البهلوي، وصولا إلى الجمهورية الإسلامية. والكل متفق على أن بعد إيران الجيوسياسي، هو شأن لا يسمح بالعبث به، بسبب حيويته، وأهميته القصوى بالنسبة لصناع القرار الأممي.
يبقى أن نؤكد أن إيران تستوعب جيدا أهمية الأوراق، التي بحوزتها، لكن ذلك لا يعني مطلقا أن أمريكا وحلفاءها، ستقف مكتوفة الأيدي تجاه مسألة الملف الإيراني. وسيكون احتمال قيام الكيان الصهيوني، بما أطلقنا عليه سابقا بشكل مجازي، بـ "حرب تحريك" هو الأكثر احتمالا. وهي حرب جزئية ومحدودة، تستهدف فقط المؤسسات النووية. وتتدخل بعدها الدول الكبرى، بزعامة أمريكا، لتخفيف حدة التوتر، والتوصل إلى حل سياسي يضمن تخلي إيران عن طموحاتها النووية، مقابل محفزات اقتصادية وعلمية.
الأزمة الإيرانية، الحالية سيكون لها تأثيراتها بالتأكيد على صانع القرار الإيراني من جهة، وعلى صناع القرارات الدولية من جهة أخرى. فالمتوقع أن النظام الإيراني لا يمكنه تحمل عزلة خانقة داخل إيران وخارجها. وسوف يلجأ، في مواجهة أزمته بالداخل، إلى تقديم بعض التنازلات في الخارج، في محاولة لفك العزلة التي تحكم بخناقه الآن. وإذا ما كان جادا في ذلك، فليس بإمكانه سوى حلحلة موضوع الملف الإيراني، والقبول بالمطالب الدولية.
كيف سيتصرف النظام الإيراني تجاه فك طوق العزلة الدولية والخارجية عنه؟ وما هي ردود فعل أو أفعال المعارضة الإيرانية، تجاه مجمل القضايا الاستراتيجية والملفات التي أشرنا إليها؟ وما هو الموقف الدولي من الأزمة المحتدمة الآن في إيران؟ وكيف ستكون ردود أفعالها تجاهها، وقضايا أخرى في هذا السياق، ستكون موضوعا للمناقشة في الحديث القادم.