- الاثنين مايو 24, 2010 3:03 pm
#27020
لعل من أبرز سمات النظام العالمي الراهن نمو ظاهرة الصراعات العرقية التي تدور عادة بين الجماعات العرقية والسلطات الحاكمة واتساعها، فقد برزت في العديد من الدول مجموعات سكانية لها أصل عرقي واحد وتخوض مواجهات مسلحة في الغالب ضد سلطات بلادها، وذلك بهدف الاستقلال أو الحصول على نوع من الحكم الذاتي.
وقد كانت هذه الظاهرة ضعيفة جدا خلال حقبة الحرب الباردة لأن الإيديولوجيات السائدة آنذاك كانت عاملا هاما في تحقيق الوحدة الوطنية، كما أن نمط القيادات في تلك المرحلة كان له من النفوذ والهيبة ما مكنه من إيجاد صيغة متوازنة للتعايش بين الأعراق والطوائف المختلفة ضمن كيان واحد، فلم تبرز زعامات عرقية انفصالية حادة تهدد وحدة الدولة القومية، ومن هؤلاء الزعماء والقادة على سبيل المثال لا الحصر: البانديت جواهر لال نهرو في الهند، وجوزيف بروز تيتو في يوغسلافيا، وخروتشوف وبرجينيف في الاتحاد السوفياتي السابق....، وأخيرا فإن المواجهة بين الكتلة الاشتراكية والكتلة الغربية قد فرضت قدرا من التماسك في الجبهات الداخلية في الدول المنضوية تحت لواء أي من الكتلتين، وبالتالي لم يكن الظرف مناسبا للمجموعات العرقية لأن تثير مطالبها أو تتحدى الشرعية القائمة، وبانتهاء الحرب الباردة بدأت المجموعات العرقية في التعبير عن نفسها، ومطالبة السلطات بالاعتراف بخصوصيتها وهويتها، فمع فشل الإيديولوجيا رأت تلك المجموعات في العودة إلى تاريخها وأصلها العرقي بما يمكنها من إظهار تميزها وإثبات وجودها على المسرح السياسي.
طموحات سياسية
يقصد بالصراع العرقي النزاع الذي يكون فيه أحد طرفيه، أو كلاهما، مجموعة عرقية.. أي مجموعة لها أصول قبلية أو عشائرية أو واحدة، أو تشترك معا في لغة وديانة واحدة. ويعد الوعي السياسي، بصورة عامة، هو المؤدي إلى تحول المجموعات العرقية أو اللغوية أو الثقافية إلى مجتمعات عرقية، فإذا ساد الوعي بين أفراد المجموعة بأنهم عن متميزون عن سائر الذين يعيشون فيه، وتمت تغذية هذا الوعي بالطموحات السياسية، فإن الجماعة العرقية تصير قومية عرقية، وتصبح نشيطة سياسيا وتتجه إلى الاعتزاز بتاريخها وتراثها، وتتمسك بخصوصيتها الثقافية في مواجهة السلطات الحاكمة، ومن ذلك مثلا تمسك البربر في الجزائر بلغتهم الأمازيغية، وممارستهم ضغوطا على النظام السياسي للاعتراف بلغتهم كإحدى اللغات الرسمية في البلاد، والسماح باستخدامها في المؤسسات التعليمية.
وتزداد الصراعات العرقية إذا ما صاحبها اختلاف في الديانة بين الأطراف، فالنزاع الأذربيجاني- الأرميني مثلا، من النزاعات الحادة المعقدة لأنه يحدث بين قوميتين مختلفتين عرقيا ودينيا، فالأذريون مسلمون والأرمن مسيحيون، والصراع المسلح الذي يعود إلى أواخر ستينات القرن الماضي في الفلبين بين القوات الحكومية ومسلمي «مندناو» الذين تمثلهم جبهة مورو الإسلامية للتحرير، وجبهة مورو الوطنية للتحرير يعد مثالا واضحا للنزاعات القائمة على أسس عرقية ودينية معا، ولقد كان لمثل هذا الصراع الإثني نتائج جيوستاتيكية في بعض مناطق التوتر، حث انقسمت الجزيرة القبرصية مثلا إلى شطرين منفصلين: الشطر القبرصي اليوناني والقبرصي التركي، فيما لاتزال الخارطة العالمية تشهد المزيد من الاعتزازات على هامش تلك الصراعات المستندة إلى تمايزات عرقية متنوعة.
وتتخذ الصراعات العرقية أشكالا مختلفة من التعبير ما بين السلوك الفردي بالاستعلاء والتحرش والعداء المصحوب بالهجوم الإعلامي والتمييز في العلاقات بين الأشخاص، إلى العمل السياسي المنظم والحركات الانفصالية، والمواجهات العنيفة التي قد تأخذ شكل حوادث شغب أو مذابح وعمليات إبادة وتصفيات جسدية وتمرد وثورات وحروب أهلية ومعارك بين الدول.
أسباب الصراعات العرقية
إذا تأملنا الصراعات العرقية في العالم، يمكننا أن نضع أيدينا على مجموعة من العوامل المسببة لهذه الصراعات التي تمثل قاسما مشتركا بينها، وتتمثل هذه العوامل بالآتي:
- الميراث الاستعماري: فالاستعمار قبل رحيله من الدول الآسيوية والأفريقية قام بترسيم الحدود بين المناطق المستعمرة دون مراعاة التكوينات العرقية القائمة، كما أنه سلم السلطة لنخبات تنتمي إلى الأقلية (العرقية أو الدينية) في الدول التي يحكمها، مما أوجد بذرة الصراع بين أبناء الوطن الواحد.
ومن الأمثلة لهذه المفارقة: أرتيريا التي استقلت عن أثيوبيا عبر استفتاء لتقرير المصير أجري في عام 1992م، وعلى الرغم من أن المسلمين يمثلون 75? من سكان البلاد، وأن المسيحيين لا يمثلون سوى 25? فإن القوى الدولية الكبرى المؤثرة في تلك المشكلة قد تفاهمت على تسليم السلطة للمسيحيين، فتولى أحدهم وهو أسياس أفورقي رئاسة الدولة، وقد واجه معارضة من قوى إسلامية منها جبهة الأورومو وجبهة تحرير أريتيريا.
- سياسة التمييز: من العوامل التي تثير النزاعات والصراعات العرقية: اتباع الحكومات سياسات تفريق بين أبناء الوطن الواحد على أساس الدين أو العرق أو الجنس، وذلك فيما يخص توزيع الثروة وتوزيع الوظائف والمناصب وفرص المشاركة السياسية وملكية الأراضي والهجرة، وكان نظام جنوب أفريقيا العنصري حتى وقت قريب نموذجا صارخا لهذا التمييز بين البيض والأغلبية السود، وتعد حاليا إسرائيل نموذجاًآخر للنظام العنصري، حيث التمييز بين اليهود و«الأغيار» أي العرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي القدس، في الحقوق السياسية والحقوق المدينة كحق الملكية وحق التعليم والرعاية الصحية، بل إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي حددت إقامة العرب في أماكن معينة يحظر عليهم مغادرتها والانتقال إلى سواها إلا بموجب جواز مرور أو تصاريح انتقال.
- التدخل الأجنبي: على الرغم من الصراع العرقي شأن داخلي في الدولة التي ينشب فيها، وأن مبدأ التدخل في الشوون الداخلية للدول من مبادئ الأمم المتحدة، فإن معطيات الواقع تشير إلى خلاف ذلك، فمن سمات النظام الدولي الأحادي القطبية تزايد انكشافية (احتمالية تعرض) الدولة في العلم الثالث إزاء التدخل الخارجي، والمقصود بالتدخل هنا ذلك الذي يتجاوز حدود التغيير في المفهوم التقليدي لسيادة الوطنية، وهو تغيير يتسم بطابع عالمي ويرتبط بتوجه عام للإقرار بأن السيادة لم تعد مطلقة، فالدولة في العالم الراهن تنخرط بالضرورة في شبكة واسعة من العلاقات التعاونية والصراعية، وكلما ضعف نصيبها من موارد القوة وأسبابها وأدواتها أي كلما تزايدت انكشافيتها كثرت القيود على سياستها، ولعل أنصع مثال على ذلك ما جرى في يوغسلافيا والتدخل الأطلسي تحت غطاء وقف التمييز العرقي في كوسوفو.
وإذا طبقنا هذا التحليل على الصراعات العرقية، للتضح لنا أنه ما من صراع عرقي في العالم إلا وللقوى الأجنبية دور إما في نشأته أصلا أو في تسعيره والعمل على استمراره وتغذية مناخات اتساعه، وعلى سبيل المثال دور الهند في النزاع بين سريلانكا ونمور التاميل، حيث كانت الهند تدعم التاميل ضد الحكومة السريلانكية، وبلغ التدخل الهندي إلى حد إبرام اتفاق بين الهند وسريلانكا ينص علي أن تتدخل الهند عسكريا لضمان وقف الأْعمال العدوانية والاعتراف ببعض مطالب التاميل.
انعكاسات سلبية على الأمن الدولي
لقد تزايد عدد الصراعات العرقية في مختلف قارات العالم، فضلا عن الصراعات المحتملة في ظل وجود مجموعات عرقية لها تظلمات سياسية واجتماعية تجاه الدول التي تعيش في كنفها. ولقد أصبحت المجموعات العرقية أكبر ضحايا الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان، ففي عام 1993م، سجل فرار أكثر من 25 مليون لاجئ هربا من صراعات عرقية مسلحة، من بين هؤلاء 3? من سكان أفريقية جنوب الصحراء، ولقد تجاوزت هذه الصراعات الحدود القطرية لتصبح أحد المصادر الهامة للصراعات الدولية، ولقد ضاعف هذا الوضع من الأعباء الملقاة على عاتق الأمم المتحدة حيث أصبح لزاما عليها الحضور بقوتها العسكرية في مناطق التوتر العرقي لأغراض حفظ السلام وصنع السلام، وقد تنوعت مهام تلك القوات لتشمل إضافة إلى وقف إطلاق النار والفصل بين المتحاربين: مراقبة الانتخابات العامة، وحماية الأقليات، وإيصال إمدادات الإغاثة.
ويشكل استمرار الصراعات العرقية تهديدا للوحدة الوطنية في عدد من الدول، وفي تصريح لكوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة أمام المجلس الأمن الدولي، حذر أنه، إذا لم نجد طريقة ما تعيش بها المجموعات العرقية معا في دولة، فسيصبح لدينا خمسة آلاف دولة بدلا مما لدينا الآن وهو 180 دولة «ويضيف» يجب على الحكومات الاعتراف بهوية المجموعات العرقية، وخصوصيتها وبحقها في المشاركة في السلطة عبر قنوات ديمقراطية، والسماح لها بالتعبير عن خصوصيتها الثقافية (كاستخدام اللغات الخاصة بها مثلاً)، وكل ذلك في إطار سيادة الدولة واحترام جقوق الأغلبية، فلا يعقل أن تحاول جماعة عرقية تمثل أقلية في دولة ما أن تفرض لغتها وديانتها على سائر المجتمع، كما يتعين على الحكومات أن تشجع إجراء حوار واسع بين المجموعات العرقية المتصارعة بحيث لا يقتصر على المستوى الرسمي، بل تشارك فيه مختلف الفعاليات الشعبية، وقادة الرأي والقيادات الدينية والقبلية، وذلك لإزالة الحاجز النفسي بين الطرفين والوصول إلى صيغة مقبولة للتعايش معا ضمن مجتمع واحد.
المنظمات الدولية واحتواء الصراعات العرقية
المعروف أن ميثاق الأمم المتحدة لا يجيز للمنطمة الدولية التدخل في المسائل التي تعد من صميم الاختصاص الداخلي للدولة، كما أن نظام الأمن الدولي الذي أرسي في مؤتمر سان فرانسيسكو في العام 1945 يقضي بان الأمم المتحدة لا تستطيع القيام بأي إجراء بشأن الأوضاع الداخلية في دولة ما إلا عندما تتصاعد الحرب الأهلية لتسبب حربا دولية، أو عندما يتعرض سكان بأكملهم للإبادة الجماعية. بيد أن انتهاء الحرب الباردة قد أدى إلى حدوث تطور إيجابي في تفسير ميثاق الأمم المتحدة على نحو يسمح للمنظمة الدولية بالبحث واتخاذ تدابير بشأن النزاعات العرقية ومعالجتها قبل أن تستفحل وتهدد السلام والأمن الدوليين، وذلك إعمالا لمبدأ «الدبلوماسية الوقائية» الذي ورد في تقرير الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالي تحت عنوان «الدبلوماسية الوقائية وصنع وحفظ السلام»، وينصرف مفهوم الدبلوماسية الوقائية إلى مجمل التدابير والترتيبات التي يمكن للمنظمة الدولية اتخاذها بقصد الحيلولة دون تصاعد النزاعات القائمة أو تحولها إلى صراعات قد تستخدم فيها القوة العسكرية والعمل على وقف انتشارها.
وفي حالة الصراعات العرقية يمكن للأمم المتحدة أن تقوم بالنشر الوقائي لقواتها في مناطق التوتر التي يرجح نشوب صراعات عرقية فيها، وهذا ما حدث في عام 1994، عندما طلب الأمين العام من مجلس الأمن نشر قوة دولية في مقدونيا بعد أن شهدت أدلة تفيد باحتمال امتداد حرب التطهير العرقي الصربية إليها، وقد استجاب المجلس بالفعل لهذا الطلب، وهذا من شأنه أن يخفف من معاناة السكان ويهيئ مناخا صحيا لمفاوضات وتحقيق مصالحة وطنية. وثمة خطوات أخرى يمكن اتخاذها مثل نزع سلاح الأطراف المتحاربة، مصادرة الأسلحة وتفكيكها، إعادة اللاجئين إلى بلدانهم، الإشراف على عمليات تبادل الأسرى، مراقبة الانتخابات، وتأمين وصول إمدادات الإغاثة.. ، ولا شك أن المنظمات الإقليمية والمنظمات غير الحكومية مطالبة أيضا بدور فاعل في تسوية النزاعات العرقية.
وقد كانت هذه الظاهرة ضعيفة جدا خلال حقبة الحرب الباردة لأن الإيديولوجيات السائدة آنذاك كانت عاملا هاما في تحقيق الوحدة الوطنية، كما أن نمط القيادات في تلك المرحلة كان له من النفوذ والهيبة ما مكنه من إيجاد صيغة متوازنة للتعايش بين الأعراق والطوائف المختلفة ضمن كيان واحد، فلم تبرز زعامات عرقية انفصالية حادة تهدد وحدة الدولة القومية، ومن هؤلاء الزعماء والقادة على سبيل المثال لا الحصر: البانديت جواهر لال نهرو في الهند، وجوزيف بروز تيتو في يوغسلافيا، وخروتشوف وبرجينيف في الاتحاد السوفياتي السابق....، وأخيرا فإن المواجهة بين الكتلة الاشتراكية والكتلة الغربية قد فرضت قدرا من التماسك في الجبهات الداخلية في الدول المنضوية تحت لواء أي من الكتلتين، وبالتالي لم يكن الظرف مناسبا للمجموعات العرقية لأن تثير مطالبها أو تتحدى الشرعية القائمة، وبانتهاء الحرب الباردة بدأت المجموعات العرقية في التعبير عن نفسها، ومطالبة السلطات بالاعتراف بخصوصيتها وهويتها، فمع فشل الإيديولوجيا رأت تلك المجموعات في العودة إلى تاريخها وأصلها العرقي بما يمكنها من إظهار تميزها وإثبات وجودها على المسرح السياسي.
طموحات سياسية
يقصد بالصراع العرقي النزاع الذي يكون فيه أحد طرفيه، أو كلاهما، مجموعة عرقية.. أي مجموعة لها أصول قبلية أو عشائرية أو واحدة، أو تشترك معا في لغة وديانة واحدة. ويعد الوعي السياسي، بصورة عامة، هو المؤدي إلى تحول المجموعات العرقية أو اللغوية أو الثقافية إلى مجتمعات عرقية، فإذا ساد الوعي بين أفراد المجموعة بأنهم عن متميزون عن سائر الذين يعيشون فيه، وتمت تغذية هذا الوعي بالطموحات السياسية، فإن الجماعة العرقية تصير قومية عرقية، وتصبح نشيطة سياسيا وتتجه إلى الاعتزاز بتاريخها وتراثها، وتتمسك بخصوصيتها الثقافية في مواجهة السلطات الحاكمة، ومن ذلك مثلا تمسك البربر في الجزائر بلغتهم الأمازيغية، وممارستهم ضغوطا على النظام السياسي للاعتراف بلغتهم كإحدى اللغات الرسمية في البلاد، والسماح باستخدامها في المؤسسات التعليمية.
وتزداد الصراعات العرقية إذا ما صاحبها اختلاف في الديانة بين الأطراف، فالنزاع الأذربيجاني- الأرميني مثلا، من النزاعات الحادة المعقدة لأنه يحدث بين قوميتين مختلفتين عرقيا ودينيا، فالأذريون مسلمون والأرمن مسيحيون، والصراع المسلح الذي يعود إلى أواخر ستينات القرن الماضي في الفلبين بين القوات الحكومية ومسلمي «مندناو» الذين تمثلهم جبهة مورو الإسلامية للتحرير، وجبهة مورو الوطنية للتحرير يعد مثالا واضحا للنزاعات القائمة على أسس عرقية ودينية معا، ولقد كان لمثل هذا الصراع الإثني نتائج جيوستاتيكية في بعض مناطق التوتر، حث انقسمت الجزيرة القبرصية مثلا إلى شطرين منفصلين: الشطر القبرصي اليوناني والقبرصي التركي، فيما لاتزال الخارطة العالمية تشهد المزيد من الاعتزازات على هامش تلك الصراعات المستندة إلى تمايزات عرقية متنوعة.
وتتخذ الصراعات العرقية أشكالا مختلفة من التعبير ما بين السلوك الفردي بالاستعلاء والتحرش والعداء المصحوب بالهجوم الإعلامي والتمييز في العلاقات بين الأشخاص، إلى العمل السياسي المنظم والحركات الانفصالية، والمواجهات العنيفة التي قد تأخذ شكل حوادث شغب أو مذابح وعمليات إبادة وتصفيات جسدية وتمرد وثورات وحروب أهلية ومعارك بين الدول.
أسباب الصراعات العرقية
إذا تأملنا الصراعات العرقية في العالم، يمكننا أن نضع أيدينا على مجموعة من العوامل المسببة لهذه الصراعات التي تمثل قاسما مشتركا بينها، وتتمثل هذه العوامل بالآتي:
- الميراث الاستعماري: فالاستعمار قبل رحيله من الدول الآسيوية والأفريقية قام بترسيم الحدود بين المناطق المستعمرة دون مراعاة التكوينات العرقية القائمة، كما أنه سلم السلطة لنخبات تنتمي إلى الأقلية (العرقية أو الدينية) في الدول التي يحكمها، مما أوجد بذرة الصراع بين أبناء الوطن الواحد.
ومن الأمثلة لهذه المفارقة: أرتيريا التي استقلت عن أثيوبيا عبر استفتاء لتقرير المصير أجري في عام 1992م، وعلى الرغم من أن المسلمين يمثلون 75? من سكان البلاد، وأن المسيحيين لا يمثلون سوى 25? فإن القوى الدولية الكبرى المؤثرة في تلك المشكلة قد تفاهمت على تسليم السلطة للمسيحيين، فتولى أحدهم وهو أسياس أفورقي رئاسة الدولة، وقد واجه معارضة من قوى إسلامية منها جبهة الأورومو وجبهة تحرير أريتيريا.
- سياسة التمييز: من العوامل التي تثير النزاعات والصراعات العرقية: اتباع الحكومات سياسات تفريق بين أبناء الوطن الواحد على أساس الدين أو العرق أو الجنس، وذلك فيما يخص توزيع الثروة وتوزيع الوظائف والمناصب وفرص المشاركة السياسية وملكية الأراضي والهجرة، وكان نظام جنوب أفريقيا العنصري حتى وقت قريب نموذجا صارخا لهذا التمييز بين البيض والأغلبية السود، وتعد حاليا إسرائيل نموذجاًآخر للنظام العنصري، حيث التمييز بين اليهود و«الأغيار» أي العرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي القدس، في الحقوق السياسية والحقوق المدينة كحق الملكية وحق التعليم والرعاية الصحية، بل إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي حددت إقامة العرب في أماكن معينة يحظر عليهم مغادرتها والانتقال إلى سواها إلا بموجب جواز مرور أو تصاريح انتقال.
- التدخل الأجنبي: على الرغم من الصراع العرقي شأن داخلي في الدولة التي ينشب فيها، وأن مبدأ التدخل في الشوون الداخلية للدول من مبادئ الأمم المتحدة، فإن معطيات الواقع تشير إلى خلاف ذلك، فمن سمات النظام الدولي الأحادي القطبية تزايد انكشافية (احتمالية تعرض) الدولة في العلم الثالث إزاء التدخل الخارجي، والمقصود بالتدخل هنا ذلك الذي يتجاوز حدود التغيير في المفهوم التقليدي لسيادة الوطنية، وهو تغيير يتسم بطابع عالمي ويرتبط بتوجه عام للإقرار بأن السيادة لم تعد مطلقة، فالدولة في العالم الراهن تنخرط بالضرورة في شبكة واسعة من العلاقات التعاونية والصراعية، وكلما ضعف نصيبها من موارد القوة وأسبابها وأدواتها أي كلما تزايدت انكشافيتها كثرت القيود على سياستها، ولعل أنصع مثال على ذلك ما جرى في يوغسلافيا والتدخل الأطلسي تحت غطاء وقف التمييز العرقي في كوسوفو.
وإذا طبقنا هذا التحليل على الصراعات العرقية، للتضح لنا أنه ما من صراع عرقي في العالم إلا وللقوى الأجنبية دور إما في نشأته أصلا أو في تسعيره والعمل على استمراره وتغذية مناخات اتساعه، وعلى سبيل المثال دور الهند في النزاع بين سريلانكا ونمور التاميل، حيث كانت الهند تدعم التاميل ضد الحكومة السريلانكية، وبلغ التدخل الهندي إلى حد إبرام اتفاق بين الهند وسريلانكا ينص علي أن تتدخل الهند عسكريا لضمان وقف الأْعمال العدوانية والاعتراف ببعض مطالب التاميل.
انعكاسات سلبية على الأمن الدولي
لقد تزايد عدد الصراعات العرقية في مختلف قارات العالم، فضلا عن الصراعات المحتملة في ظل وجود مجموعات عرقية لها تظلمات سياسية واجتماعية تجاه الدول التي تعيش في كنفها. ولقد أصبحت المجموعات العرقية أكبر ضحايا الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان، ففي عام 1993م، سجل فرار أكثر من 25 مليون لاجئ هربا من صراعات عرقية مسلحة، من بين هؤلاء 3? من سكان أفريقية جنوب الصحراء، ولقد تجاوزت هذه الصراعات الحدود القطرية لتصبح أحد المصادر الهامة للصراعات الدولية، ولقد ضاعف هذا الوضع من الأعباء الملقاة على عاتق الأمم المتحدة حيث أصبح لزاما عليها الحضور بقوتها العسكرية في مناطق التوتر العرقي لأغراض حفظ السلام وصنع السلام، وقد تنوعت مهام تلك القوات لتشمل إضافة إلى وقف إطلاق النار والفصل بين المتحاربين: مراقبة الانتخابات العامة، وحماية الأقليات، وإيصال إمدادات الإغاثة.
ويشكل استمرار الصراعات العرقية تهديدا للوحدة الوطنية في عدد من الدول، وفي تصريح لكوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة أمام المجلس الأمن الدولي، حذر أنه، إذا لم نجد طريقة ما تعيش بها المجموعات العرقية معا في دولة، فسيصبح لدينا خمسة آلاف دولة بدلا مما لدينا الآن وهو 180 دولة «ويضيف» يجب على الحكومات الاعتراف بهوية المجموعات العرقية، وخصوصيتها وبحقها في المشاركة في السلطة عبر قنوات ديمقراطية، والسماح لها بالتعبير عن خصوصيتها الثقافية (كاستخدام اللغات الخاصة بها مثلاً)، وكل ذلك في إطار سيادة الدولة واحترام جقوق الأغلبية، فلا يعقل أن تحاول جماعة عرقية تمثل أقلية في دولة ما أن تفرض لغتها وديانتها على سائر المجتمع، كما يتعين على الحكومات أن تشجع إجراء حوار واسع بين المجموعات العرقية المتصارعة بحيث لا يقتصر على المستوى الرسمي، بل تشارك فيه مختلف الفعاليات الشعبية، وقادة الرأي والقيادات الدينية والقبلية، وذلك لإزالة الحاجز النفسي بين الطرفين والوصول إلى صيغة مقبولة للتعايش معا ضمن مجتمع واحد.
المنظمات الدولية واحتواء الصراعات العرقية
المعروف أن ميثاق الأمم المتحدة لا يجيز للمنطمة الدولية التدخل في المسائل التي تعد من صميم الاختصاص الداخلي للدولة، كما أن نظام الأمن الدولي الذي أرسي في مؤتمر سان فرانسيسكو في العام 1945 يقضي بان الأمم المتحدة لا تستطيع القيام بأي إجراء بشأن الأوضاع الداخلية في دولة ما إلا عندما تتصاعد الحرب الأهلية لتسبب حربا دولية، أو عندما يتعرض سكان بأكملهم للإبادة الجماعية. بيد أن انتهاء الحرب الباردة قد أدى إلى حدوث تطور إيجابي في تفسير ميثاق الأمم المتحدة على نحو يسمح للمنظمة الدولية بالبحث واتخاذ تدابير بشأن النزاعات العرقية ومعالجتها قبل أن تستفحل وتهدد السلام والأمن الدوليين، وذلك إعمالا لمبدأ «الدبلوماسية الوقائية» الذي ورد في تقرير الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالي تحت عنوان «الدبلوماسية الوقائية وصنع وحفظ السلام»، وينصرف مفهوم الدبلوماسية الوقائية إلى مجمل التدابير والترتيبات التي يمكن للمنظمة الدولية اتخاذها بقصد الحيلولة دون تصاعد النزاعات القائمة أو تحولها إلى صراعات قد تستخدم فيها القوة العسكرية والعمل على وقف انتشارها.
وفي حالة الصراعات العرقية يمكن للأمم المتحدة أن تقوم بالنشر الوقائي لقواتها في مناطق التوتر التي يرجح نشوب صراعات عرقية فيها، وهذا ما حدث في عام 1994، عندما طلب الأمين العام من مجلس الأمن نشر قوة دولية في مقدونيا بعد أن شهدت أدلة تفيد باحتمال امتداد حرب التطهير العرقي الصربية إليها، وقد استجاب المجلس بالفعل لهذا الطلب، وهذا من شأنه أن يخفف من معاناة السكان ويهيئ مناخا صحيا لمفاوضات وتحقيق مصالحة وطنية. وثمة خطوات أخرى يمكن اتخاذها مثل نزع سلاح الأطراف المتحاربة، مصادرة الأسلحة وتفكيكها، إعادة اللاجئين إلى بلدانهم، الإشراف على عمليات تبادل الأسرى، مراقبة الانتخابات، وتأمين وصول إمدادات الإغاثة.. ، ولا شك أن المنظمات الإقليمية والمنظمات غير الحكومية مطالبة أيضا بدور فاعل في تسوية النزاعات العرقية.