- الأربعاء مايو 26, 2010 12:52 am
#27185
السياسة و الدبولماسية[/size]
مقدمة:
إذا كانت السياسة الخارجية هي مجموعة من القرارات و السياسات التي تحدد بها كل دولة موقفها ووجهات نظرها في العلاقات الدولية فإن الدبلوماسية هي الفنون و الوسائل و الأساليب التي تنفذ بها الدولة سياستها الخارجية و لذلك تشغل الدبلوماسية مركزاُ رئيسياً في مجال السياسة الخارجية ومهما يكمن من أمر فقد اتسع نطاق الدبلوماسية التقليدية ( البعثات الدبلوماسية و القنصلية ) دبلوماسية المؤتمرات و المنظمات الدولية التي يطلق عليها الدبلوماسية الجماعية، وقد اتاحت المؤتمرات و الاجتماعات الدولية التي تعقدها المنظمات الدولية فرصة لمندوبي الدول لإجراء محادثات غير رسمية ومناقشة المسائل التي تهتم بلادهم و اتخاذ القرارات المشتركة وفق المتغيرات الدولية المعاصرة فإن الدبلوماسية أخذت مناحي جديدة في طرائق وفنون ممارستها لتتماشى مع تلك المتغيرات.
تعريف الدبلوماسية:
كلمة دبلوماسية (la diplomatic ) مشتقة من الكلمة اليونانية diplomati ومعناها يطوي، وكانت هذه الكلمة آنذاك تطلق على جزء من الوثائق الرسمية التي كانت تصدر عن الرؤساء السياسيين للمدن التي كان يتكون منها المجتمع اليوناني القديم و تمنح إلى الأشخاص فيترتب لهم بموجبها امتيازات خاصة ومع مرور الوقت اتسع معنى كلمة دبلما بحيث أصبحت تشمل الوثائق الرسمية و الأوراق و المعدات.
وقد اختلف فقهاء القانون الدولي العام و خاصة الذين اهتموا بدراسة العلاقات الدبلوماسية في تحديد معنى الدبلوماسية و أهم تعريفات الدبلوماسية هي:
1- تعريف برادييه فوريرية prdies Fadure :
الدبلوماسية هي فن تمثيل الحكومة ومصالح البلاد لدى الحكومات وفي الدولة الأجنبية و هي وسيلة تطبيق القانون الدولي .
2- تعريف راؤول جنيه Raaul Genet :
هي فن تمثيل الحكومة ورعاية مصالح الدول لدى بلد أجنبي و يتضمن هذا السهر على احترام حقوق ومصالح الدولة و غدارة العلاقات لخارجية طبقاً للتعليمات المرسلة و القيام بالمفاوضات الدبلوماسية.
3- تعريف ريفيه Rivie :
هي علم و فن تمثيل الدول و إجراء المفاوضات.
4- تعريف لدكتور سموحي فوق العادة: هي مجموعة القواعد و الأعراف الدولية و الإجراءات و المراسم و الشكليات التي تهتم بتنظيم العلاقات بين أشخاص القانون الدولي أي الدول و المنظمات الدولية و الممثلين الدبلوماسيين مع بيان مدى حقوقهم وواجباتهم و شروط ممارستهم مهامهم الرسمية.
5- تعريف ساتو: هي استعمال الذكاء و الكياسة في إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقلة.
6- تعريف كالفو: علم العلاقات القائمة بين مختلف الدول أو هي بتعبير ابسط فن إجراء المفاوضات.
7- تعريف القاموس الفرنسي الليزيه: الدبلوماسية هي معرفة العلاقات الدولية ومعرفة المصالح المتبادلة بين لدول. [ حسن – 1986 ص 12]
و التعريفات المختلفة التي اشرنا إليها تظهر في تعريف الدبلوماسية عنصرين أساسيين اولهما إن الدبلوماسية تتولى رعاية العلاقات الدولية و العنصر الثاني هي فن المفاوضة.
التطور التاريخي للدبلوماسية:
الدبلوماسية قديمة قدم العالم واعتقد الكتاب في القرن السادس عشر بأن الدبلوماسيين الأوائل كانوا عبارة عن ملائكة أو رسل تنقل الرسائل بين السماء و الأرض إلا إن الكتاب الجدد رفضوا ذلك.
ومهما يكن من أمر فإن أقدم المجتمعات البدائية كانت تقيم بينها علاقات و ترسل الوفود لإجراء المفاوضات وذلك من اجل تسوية المنازعات التي كانت تدور بينها و قد لاح في الأفق مبدأ الحصانة الدبلوماسية الذي نعرفه اليوم وقد طبق هذا المبدأ السكان الأصليين لاستراليا.
ويرى أغلب المؤرخين بان الإغريق طوروا في دور مبكر نظاماً دقيقاً للاتصال الدبلوماسي وذلك نتيجة للنظام السياسي الذي ساد الحضارة الإغريقية وهذا النظام كان يقوم على أساس نظام المدنية التي تعد النواة الأولى لظهور الدولة في شكلها الحديث وكان السفراء الذي لقبوا ( بالكبار ) يختارون لحكمتهم المشهورة، و في فترة من العصر الإغريقي – كانت المفاوضات تدار شغاها، وكان لكل عضو من أعضاء السفارة العديدين إن يلقي على حاكم أجنبي أو جمعية عامة خطاباً معداً وذلك لإقناع مستمعيهم بوجهة نظهرهم و بأحقية قضاياهم وكان التصديق على المعاهدات يتم بتبادل عام لليمين المنفق و هكذا يمكن القول بان الإغريق تبنوا نظام الاتفاقات العلنية.
وقد انتقلت فكرة المفاوضات بعد ذلك إلى الرومان مع غيرها من الأمور الأخرى و كان للرومان فضل في تطور الدبلوماسية من الناحية النظرية فقط، ومهما يكن من أحرفان الدبلوماسية في عهدي الإغريق و الرومان اتسمت بالثبات في الشكل و لكنها لم تكن منظمة، ثم جاءت العصور الوسطي و لم يكن فيها للدبلوماسية قواعد ثابتة و لكن منذ بزوغ عصر النهضة بأوروبا بدأت الدبلوماسية تأخذ وضعها الجديد وكان البيزنطيون هم الذين علموا النبدقية الدبلوماسية ثم تطورت الدبلوماسية من خلال مؤتمر فيينا عام 1815 و تطورت بصورة متلاحقة حتى الحرب العالمية الأولى و أخذت في التطور المتواصل حتى تاريخنا هذا، و تأتي مصادر القانون الدبلوماسي من العرف و المعاهدات، القوانين الداخلية، المحاولات الدولية لتقنين القانون الدبلوماسي و اجتهادات المحاكم. [ عطار 1989 ص 222].
نظام وزارة الخارجية السعودية
نظام وزارة الخارجية في المملكة العربية لسعودية بموجب المرسوم الملكي رقم: 5/4/2/524 و تاريخ 2/4/1374 هـ.
وزارة الخارجية.
- الديوان العام.
- البعثات السياسية و القنصلية.
الديوان العام
يتكون الديوان العام من الإدارات الآتية:
أ- الإدارة السياسية.
ب- الإدارة العربية
ت- إدارة المؤتمرات و المعاهدات.
ث- إدارة الشؤون الإدارية.
ج- إدارة المرسم.
ح- إدارة الشؤون الاقتصادية و القنصلية.
خ- إدارة المطبوعات و الصحافة و النشر.
د- إدارة المحفوظات.
ذ- إدارة الموظفين و الشؤون المالية.
ر- إدارة الثقافة و الشؤون الصحية.
البعثات السياسية و القنصلية
1- تنشأ البعثات السياسية و القنصلية بمرسوم ملكي و النيابات و الوكالات القنصلية بقرار وزاري و تحدد بقرار وزاري دائرة اختصاص كل قنصلية.
2- البعثات السياسية، هي:
أ- السفارات.
ب- المفوضيات.
ت- المكاتب الدائمة لدى الهيئات الدولية.
ث- الوفود المنتدبون بموجب مرسوم ملكي لمهمات سياسية.
ج- المنتدبون في مهمات رسمية الذين تصدر كتب اعتمادهم من وزير
الخارجية.
وأما القنصليات، فهي:
أ- القنصليات العامة.
ب- القنصليات.
ت- النيابات القنصلية.
ث- الوكالات القنصلية.
إدارة السفارة سفير أو وزير مفوض بلقب سفير، و يتولى المفوضية وزير مفوض من الدرجة الأولى أو الثانية، وفي حالة عدم تعيين سفير أو وزير مفوض أو في حالة احدهما يقوم بالأعمال بالنيابة موظف من السلك أساسي، و يتولى غدارة المكتب الدائم مدير بدرجة وزير أو يكون من الدرجة الثانية على الأقل.
يتولى إدارة القنصلية العامة ( قنصل عام)، ويجوز إن يتعهد إلى مستشار بإدارة قنصلية عامة أو قنصلية، و يتولى غدارة القنصلية ( قنصل ) و يتولى إدارة النيابة القنصلية ( نائب قنصل )، و يجوز بمرسوم تعيين قناصل و نواب قناصل فخريين للبلاد التي للمملكة مصالح بها و يكون لهم نفس اختصاصات أعضاء البعثات القنصلية، ولا يتقاضى القناصل الفخريون مرتبات من الدولة، و لمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الخارجية إن يقرر لهم مكافآت، مع العلم إن الممثلين القنصليين على اختلاف رتبهم يعملون بإشراف من الممثل السياسي في البلاد التي بها مقر عملهم.
يجوز بمرسوم ملكي إسناد الأعمال القنصلية في البلاد التي يوجد بها البعثة السياسية إلى رئيس هذه البعثة، و يجوز لرئيس هذه البعثة إن يعهد بإدارة هذه الأعمال لأحد موظفي البعثة من السلك السياسي على إن يشعر وزارة الخارجية بذلك.
وظائف السلك السياسي:
تشمل وظائف السلك السياسي و القنصلي بالديوان العام و لبعثات السياسية و القنصلية الدرجات الآتية:
أ) سفير فوق العادة مفوض.
ب) مندوب فوق العادة ووزير مفوض من الدرجة الأولى.
ت) مندوب فوق العادة ووزير مفوض من الدرجة الثانية.
ث) مستشار أول.
ج) مستشار ثاني.
ح) سكرتير أول ( قنصل عام درجة أولى).
خ) سكرتير ثاني ( قنصل عام درجة ثانية).
د) سكرتير ثالث ( قنصل ).
ذ) ملحق أول ( نائب قنصل درجة أولى ).
ر) ملحق ثاني ( نائب قنصل درجة ثانية ).
لا يعين في وظائف السلك السياسي و القنصلي إلا العربي السعودي ممن يكون محمود السيرة، و يحمل شهادة جامعية معترف بها، ويكون هذا التعيين على أساس ما يأتي:
امتيازات المقررة لرؤساء الدول بالخراج، كما إن هذه الحصانات تشمل زوجة لكن ليس في حالة قيامها بزيارة رسمية لدولة ما، وكذلك يمكن الاستفادة من هذه الامتيازات و الحصانات من قبل نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عندما يقوم بتمثيل الرئيس في الخارج.
المبحث الثاني
وزير الخارجية
اصل وزارة الخارجية:
عن تاريخ نشأة وزارات الخارجية في العالم يرتبط بتاريخ ظهور الدبلوماسية الدائمة، وكان قيامها نتيجة لتطور العلاقات الدبلوماسية بين الدول، فقد ظهرت وزارة الخارجية البريطانية التي يطلق عليها Foreign office سنة 1253.
كما ظهرت أول وزارة للخارجية في فرنسا سنة 1589 وذلك بفضل التشريعات و اللوائح التي تقضي بوضع جميع الشئون الخارجية بالاتصالات في العالم الخارجي بيد سكرتير، وقد أخذت هذه الوزارة بالتطور في عهد لويس الرابع عشر، و هكذا فإنه خلال القرنين الخامس عشر و السادس عشر أنشأت معظم الدول الأوروبية إدارات خاصة بالشئون الخارجية.
و في القرنين الخامس عشر و السادس عشر كان وزير الخارجية عبارة عن سكرتير كما كان الحال في فرنسا، حيث كان الحكام يتمتعون بسلطات مطلقة، و الحاكم المطلق كان هو الذي يحدد السياسة الخارجية لبلاده، وكذلك لم يكن هناك دور يذكر للوزير، ومع ظهور الديموقراطية البرلمانية أخذ وضع الوزير يزداد أهمية، فأصبح يدير الشئون الخارجية لبلاده تحت مراقبة رئيس الدولة أو البرلمان وفي هذه الحالة الأخيرة تحت مراقبة لجنة الشئون الخارجية لمجلسي النواب و الشيوخ.
و الوزارات المكلفة بالشئون الدولية يطلق عليها عدة تسميات، ففي فرنسا تسمى وزارة الشئون الخارجية و في بريطانيا يطلق عليها Foreign office و في الولايات المتحدة تسمى Department of stats وفي سويسرا تسمى Department Politique وفي كندا و استراليا Department des affaires Exteriaeq و قد عدلت بريطانيا وزارة خارجيتها Foreign Office حيث أصبحت تسمى ابتداء مع عام 1963 Foreign and commonwealth و في الاتحاد السوفيتي تسمى قوميساريا ( مفوضية ) الشعب للشئون الخارجية.
وقد ازداد دور وزارة الخارجية ابتداء من هذا القرن نظراً لزيادة التعقيد الذي طرأ على العلاقات الدولية ونمو و ازدياد عدد المعاهدات الجماعية، و سهولة الاتصالات، وضعف دور المبعوثين الدبلوماسيين، و الازدياد المطرد في عدد القنصليين في وزارات الخارجية، ففي فرنسا على سبيل المثال كان عدد الموظفين في الشئون الخارجية عام 1951 حوالي 1475 فأصبح في عام 1975 حوالي 1697. [ الفتلاوي 2005 ص 245]
مهام وزير الخارجية:
لما كان رئيس الدولة لا يتمكن من الناحية العملية من إدارة الشئون الخارجية بنفسه، فقد وجد إلى جانبه وزيراً للخارجية الذي تناط به مهمة غدارة الأجهزة الخاصة بمباشرة العلاقات الخارجية، كما انه عضو في مجلس وزراء الدولة و هو كذلك الرئيس المباشر لإدارة الشئون الخارجية لبلاده، كما انه الناطق الرسمي لدولته على صعيد العلاقات الدولية و بالتالي فهو همزة الوصل بين دولته و الدول الأجنبية، ووزير الخارجية أهم الهيئات الداخلية التي يعني بها و ينظمها القانون الدولي وهو الذي يقوم عملياً بإدارة العلاقات الخارجية بالرغم من السلطات التي قد يتمتع بها ويمارسها رؤساء الدولة و الحكومات فإن المسئولية الرئيسية – في رسم السياسة الخارجية للدولة تقع على وزارة الخارجية.
أنواع القناصل و ترتيب درجاتهم
أولا: أنواع القناصل:
يوجد نوعين من القناصل هما:
- القناصل المبعوثون " المعينون "
- القناصل المنتخبون " الفخريون"
- القناصل المبعوثون " المعينون ":
القناصل المبعوثون هم الذين تعينهم دولهم و تبعث بهم لتولي الوظائف القنصلية في الدولة الموفدين إليها، و يتقاضى هؤلاء راتباً مالياً، شأنهم في ذلك شأن جميع الموظفين، ولا يجوز لهم قبول أي عمل أو وظيفة باجر خارج وظائفهم القنصلية، كما أنهم من رعايا الدولة التي توفدهم.
- القناصل المنتخبون " الفخريون ":
- القناصل الفخريون كانوا يسمون في السابق بالقناصل التجاريون و يتم اختيارهم من بين رجال الأعمال أو التجار، فتعهد إليهم دولة أجنبية بتمثيل مصالح رعاياها و يمكن إن يكونوا من رعايا دولة ثالثة أو من رعايا الدولة الموفدة.
- ولا يتقاضى هؤلاء إلا مرتبات رمزية، و غالباً ما يقومون بمهام أخرى أي مقابل، ولا تعتبر هذه الفئة من القناصل كموظفين للدولة التي هم وكلاء عنها، و بالتالي يمكنهم ممارسة أعمال أخرى يتقاضون عليها أجرا. و تقتصر بعض الدول على تعيين قناصل من الفئة الأولى ( جميع الدول الاشتراكية باستثناء يوغسلافيا) كما إن هناك الولايات المتحدة الأمريكية و استراليا و نيوزيلندا تقبل إن تستقبل قناصل فخريين رغم أنها لا تعين هذه الفئة من القناصل في قنصليتها، و تجرى معظم الدول على إرسال الفئتين، و ذلك لأهمية الدائرة القنصلية، ولا تفرق القواعد الدولية بين القنصل المعين و القنصل المختار، غير إن الأول يتمتع بسلطات و اختصاصات أكثر.
- كما تقرر الاتفاقيات القنصلية مجموعة من الامتيازات يتمتع بها القنصل، و يجري العمل عند تعيين القناصل الفخريين على الأخذ بقاعدة المعاملة، و هذا ما يجري عليه العمل في جمهورية مصر العربية التي ترخص بقبول قنصلين فخريين من الأجانب بشرط المعاملة بالمثل.
- ونود إن نشير هنا إن الدرجات الأربعة التي حددتها اتفاقية فيينا لعام 1963 في العديد من التشريعات الداخلية القنصلية للدول.
- القنصل العام:
القنصل العام له مرتبة أعلى من القنصل العادي، و يعين كرئيس لدوائر قنصلية، كما يشرف إشرافا كاملاً على باقي أعضاء البعثة القنصلية وبلده، في الدولة المستقبلة إذا كان اختصاصه يشمل عموم إقليم هذه الدولة ما إذا كان اختصاصه محدداً بمنطقة معينة من الإقليم، فيقتصر إشرافه الإدارة على أعضاء البعثة القنصلية في دائرته القنصلية.
و القنصل العام كان يستفيد في الماضي من حصانات و امتيازات، و هذه الحصانات كانت مستمدة أساسا من مبدأ المعاملة بالمثل وكذلك رغبة كلا الطرفين في تنمية العلاقات التجارية و الاقتصادية.
- القنصل:
يعين القنصل رئيساً لدائرة معينة ( المدن و الموانئ) و تعتبر هذه دائرة اقل من الدوائر التي يعين بها القنصل العام.
- نائب القنصل:
يعين نائب القنصل لمساعدة القنصل العام أو القنصل في قيام عملهم، و يتمتع نائب القنصل بالصفة القنصلية مما يسمح له بالاختصاصات القنصلية في حالة غياب احداهما، و تمنح اللوائح الدولية بعض الدول، القناصل حق تعيين نوابهم بشرط اعتماد دولهم لهذا التعيين.
- الوكيل القنصلي:
الوكيل القنصلي موظف له الصفة القنصلية و يعين من قبل القنصل العام أو قنصل بعد موافقة دولته لمباشرة بعض المهام القنصلية في مدينة تدخل في دائرة اختصاصاته ولا يحق للوكيل القنصلي الاتصال المباشر بسلطات دولته، إذا هو يعمل تحت أشراف القنصل الذي قام باختياره.
ومن أهم الوظائف التي يقوم بها لقنصل الآتي:
1- رعاية مصالح و حقوق الرعايا:
تعتبر هذه الوظيفة من أهم الوظائف التي يقوم بها القنصل، و لهذا الغرض يحتفظ القنصل بسجل تقيد فيه أسماء و عناوين مواطنيه المقيمين بدائرة اختصاصه، حتى يلجأ إلى حمايتهم و الدفاع عن مصالحهم و إسداء النصح و المشورة لهم عند الحاجة، كما يقوم بمساعدة الفقراء و المعوزين و المرضي ورعاية مصالح المتوفين منهم، كما يقوم القنصل بالسهر على مصالح رعايا دولته حيث تمتعهم بالحقوق التي ينص عليها القانون الداخلي للدولة المستقبلة من جهة و القانون الدولي العام من جهة أخرى، وهكذا فإنه في حالة خضوع احد رعايا دولته القنصل للقضاء المحلي في المسائل المدنية أو الجنائية فإنه قد يتعرض لإجراءات قسرية من قبل السلطات المحلية للدولة المستقبلة أو يتعرض لما يسمى إنكار العدالة، فإنه يقع على عاتق القنصل واجب حمايته و التدخل من السلطات المحلية، و يذكر بان مفهوم الرعايا يشمل الطبيعيين و هكذا نصت المادة 5 / هـ من اتفاقية فيينا لعام 1963 على أنه من بين القنصل " تقديم العون و المساعدة لرعايا الدولة سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين معنويين " كما تنص المادة 5 / أ من نفس الاتفاقية على انه تنحصر أعمال القنصلية فيما يلي.... " حماية مصالح الدولة الموفدة ومصالح الطبيعيين و المعنويين في أراضي دولة الإقامة و في حدود نصوص الدولي".
كذلك يجب على لقنصل حماية ومساعدة رعايا دولته في دائرة ومساعدتهم في مشاريعهم و المحافظة على مصالح التجارة و الصناعة.
أحيانا، ليس باستطاعة القنصل حماية حقوق ومصالح دولته وذلك المبعوث الدبلوماسي المعتمد لدى تلك الدولة مكلف بالقيام بهذه المهام، كما يقوم القنصل – على إن لا تتعارض هذه الاختصاصات مع قوانين البلاد التي يعمل بها – أي بما يتلاءم مع القوانين و الأنظمة المعمول بها في دولة الإقامة، بالحفاظ على مصالح القاصرين و ناقصي الأهلية من رعايا دولته ولا سيما في حالة وجوب إقامة وصاية أو قوامة عليهم، فإقامة الوصاية على القصر تخضع للقوانين الداخلية، وهكذا فهذه القوانين هي التي تنظيم هذه الوصاية و تنص المادة 5 / جـ على انه من بين الوظائف القنصلية... " رعاية مصالح القاصرين أو قوامة عليهم، في حدود قوانين و أنظمة دولة الإقامة "، كذلك من بين وظائف القنصل رعاية مصالح رعايا الدولة الموفدة، طبيعيين كانوا أم معنويين في شئون الإرث فوق أراضي دولة الإقامة وفق قوانين و أنظمة دولة الإقامة.
وتدخل القنصل عند وفاة أحد رعايا دولته تقليد قديم يدعو إليه ضرورة على مصالح الورثة من مواطني دولته وضمان حفظ حقوقهم، فهو إذن و يستند إلى قواعد العرف الدولي.
و يرى الدكتور الغنيمي إن أول ما يحد اختصاص القنصل في إطار التركات لدى القنصل ليس له سوى اتخاذ الإجراءات التحفظية فقط، كما انه لا يباشرها و هما أمران:
إلا يكون المتوفى أو ورثته الشرعيون من جنسية البلد الذي يعمل القنصل لحسابها و إن تكون لهم هذه الجنسية عند الوفاة و حتى تاريخ فتح التركة.
إن يكون الورثة الذين يتدخل القنصل لحماية مصالحهم مقيمين في محل عمل القنصل لنه عندئذ لا يكون هناك مبرر لتدخله مادام إن صاحب الحق يمكنه إن يباشر بنفسه، و إلا يكون من مواطني دولة القبول لأن القنصل لا يملك إن يتصرف لحساب رعايا دولة القبول.
ويستطرد الدكتور الغنيمي قائلاً إن تدخل القنصل لصالح الورثة من رعايا دولته لا شك فيه و لكن السؤال هو في حالة عدم وجود ورثة ما، هل يجوز للقنصل إن يتدخل.؟ يرى فريق من الفقه و القضاء إن القنصل يمكنه إن يتدخل بهذا الرأي المحاكم الفرنسية و تسوق مثالاً على ذلك منازعة Beiter ضد القنصل العام الروسي 1874، إذا قالت محكمة التقصي الفرنسية إن الشروط التي تخول للقنصل صفة التدخل بقوة القانون للمحافظة على حقوق الورثة لا تستلزم من القنصل إن يثبت عند تدخله في شئون التركة وجود ورثة من مواطنيه مادام إن المتوفي كان من جنسية الدولة التي يعمل لحساب لأن التدخل هنا هو بقصد حماية الحقوق غير مؤكدة. [ شكري 2004 ص 241، 242 ]
و لكن البعض الآخر يشترط إن يثبت القنصل الوجود الفعلي لورثة من دولة الأصل حتى يحق له إن يتدخل في شئون التركة، ومن ذلك ما حكمت محاكم تشيلي 1919 عندما طلب قنصل أسبانيا تعيينه مديراً لتركه و هو رعيه أسباني توفى بدون ورثة معروفين إذ قررت رفض الطلب مع السماح له بان يكرره إذا ما ستطاع إن يثبت وجود ورثة أسبانيين.
إذا كان المتوفى من جنسية غير جنسية ورثته فإن صاحب الحق بالتدخل هو و الورثة لن الحماية القنصلية لا يقصد بها التركة من حيث هي ( فهذا أمر يدخل سلطان و سيادة الدولة التي تفتتح فيها التركة ) و لكن يقصد بها حماية مصالح الورثة.
و هكذا فإنه ليس باستطاعة القنصل ممارسة هذه الوظائف فيما يتعلق بالاشخاص من الذين لا وطن لهم أو الأشخاص التابعين لدولة ثالثة أصحاب ازدواجية الجنسية، إلا إن هناك بعض الدول تسمح كما هو الحال في سويسرا للقناصل في حماية مصالح الأشخاص الذين يحملون جنسيتين.
- العمل على تقدم التجارة و الصناعة و تنمية العلا قات الثقافية و العلمية:
- تنص المادة 5 / ب من اتفاقية فيينا لعام 1963 على انه من بين وظائف القنصل " تنمية العلاقات التجارية و الاقتصادية و الثقافية و العلمية بين الدولة ودولة الإقامة، و تشجيع و تمتين علاقات الصداقة بين الدولتين بأية وسيلة تجدي في إطار أحكام هذه الاتفاقية ".
- في حين تنص الفقرة (جـ) من نفس المادة على إن يقوم القناصل بالاستعلام عن الطرق المشروعة عن أوضاع و تطور الحياة التجارية و الاقتصادية و الثقافية الطبيعية في دولة الإقامة و تقديم تقارير عن ذلك لحكومة الدولة الموفدة و إعطاء معلومات إلى الأشخاص المعنيين.
- و يتضمن عمل القنصل في هذا الإطار السهر على مصالح دولته التجارية و المعلومات المتعلقة بما ينتجه بلد الإقامة من المنتجات الزراعية و الصناعية وما يحتاج إليه، كذلك مراقبة تنفيذ المعاهدات التجارية و الصناعية المبرمة بين دولة القنصل و دولة الإقامة، كما يقوم القنصل بتقديم المعلومات اللازمة لرعايا دولته و التجار و الصناع و تقديم الاستشارات و المساعدات لهم، بالإضافة إلى قيامه بالمشاركة في تنظيم المعارض التجارية في دولة الإقامة، كما يلعب القنصل دوراً في مجال العلاقات الثقافية و الفنية سواء بتنظيم أو تشجيع المعارض الفنية و نقل الوثائق و الأفلام عن بلاده، كما يقول قناصل بعض الدول بإعطاء معلومات عن المدارس و المعاهد العليا و الجامعات للطلبة الذين يرغبون بمتابعة اهتمامهم بها.
2-الدبلوماسية في عالم متعولم
سأقترب من موضوع الدبلوماسية كحرفة و كأداة، و الدبلوماسية وهي تمر في تحولات معاصرة، و أتساءل: هل يمكن أو سيتمكن الدبلوماسي العربي من التماهي مع هذه التغيرات و التحولات ؟ في مطلع العام 2003 نشرت إحدى الصحف الأجنبية صورة مغايرة لتلك الصورة التي عرفناها في مؤتمر فيينا عام 1815 عندما أقر أول قانون للدبلوماسية و على مدى قرنين و نحن نطبق هذا القانون، الصورة الجديدة لوزير خارجية السويد السابق وبيده اليمنى مجموعة وثائق عن انتخابات موزامبيق و اليد الأخرى هاتف خلوي يتحدث عبره مع زملائه في المفوضية الأوروبية ليقدم لهم تقريراً عن سير حال الانتخابات. و هناك صورة أخرى بين هذه الصورة وصورة مؤتمر فيينا حيث إن الدبلوماسيين ظهروا بصورة مغايرة، الصورة الثالثة للأمير بندر بن سلطان سفير المملكة العربية السعودية و هو يجلس بجوار الرئيس بوش في مزرعة الأخير حيث تنبئ الصورة بأن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين جيدة، كذلك صورة الفضائيات و الإعلاميين و هم يسرقون دور الدبلوماسي بسرعة الخبر و كثرة التحليل و نقله في ساعة وقوعه، لذا نجد إن التحدي أمام الدبلوماسي الجديد تحد لا ندرك مدى عظمة، ما الذي تتغير ما بين دبلوماسية اليوم و الأمس ؟ وما هي متطلباته الدبلوماسية، و أدواتها في القرن الحالي ؟ وكيف ستؤثر التكنولوجيا والاتصالات في عمل الدبلوماسي، و مستقبل الدبلوماسية في ظل المتغيرات التي تجري ؟
ما الجديد في وظائف الدبلوماسية الخمس التقليدية الأساسية و هي:
التمثيل، و التفاوض، و الرعاية و التعزيز، تنمية العلاقات الثنائية و الدولية، و التقرير ؟ وما الجديد الذي أضيف إلى مفهومها كونها خط الدفاع الأول و البديل المبدئي عن الحرب ؟ هناك أمكان لرسم سياسة جيدة لكن إذا لم يكن الدبلوماسي يتمتع بالقدرات حتى التقليدية منها، فمن الصعب عليه إن ينفذ السياسة الجيدة، و الكثير من قضايانا الناجحة كقضية فلسطين توافر لها محامون فاشلون، و بالتالي خسرنا الكثير من المعارك.
إن التغيرات التي أثرت في عالم الدبلوماسية كثيرة، منها ثورة المعلومات و التكنولوجيا و الاتصال و التدفق المعرفي والمعلوماتي و الفكري، و الدبلوماسي الذي كان بحاجة لأسابيع أو شهور للاتصال بدولة أخرى أصبح من السهل عليه الاتصال الآن في ظل تحولات العولمة، و التغيرات في هيكلة البيئة الدولية، و التحولات الديموقراطية العميقة التي تحدث وحدثت على مستوى المجتمعات الدولية.
هناك قوة جديدة دخلت إلى عالمنا، قوة ذات تأثير سياسي و اقتصادي و تقني، خاصة في العقد الأخير بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور ظاهرة العولمة، كذلك التحولات الديموقراطية التي حدثت على مستوى المجتمعات الدولية، وهناك تغيرات طرأت على مفاهيم الدولة و السيادة و جميعها تحديات كبيرة، كيف للدبلوماسي إن يتعامل معها في فترة من السيولة و الفوضى و اللااستقرار و اللايقين ؟
كذلك هناك تغيرات في هيكلية البيئة الدولية ، فهناك ما يقارب 15.000 منظمة غير حكومية في العالم لا يمكن تجاهلها، و هذه المنظمات غير الحكومية يجب إشراكها في السياسة الخارجية لأنها تتعامل مع قضايا معمولة لا تستطيع الدولة وحدها التحرك فيها من دون عون هذه المنظمات غير الحكومية ودعمها. [ الابراهجي و آخرون 2003 ص 168]
ونجد بعد إحداث 11 أيلول / سبتمبر مزاجاً جديداً دخل البيئة الدولية ، و يسيطر عليه فكر متطرف ايدولوجيا ، هذا المزاج يملك سطوة في السلاح و التكنولوجيا و الاقتصاد و الأعلام و الاقتصاد ، و يملك جرأة في الاقتحام وقدرة هائلة على الاختراق، و له جاذبية النموذج لذا فالدبلوماسية أمام تحد كبير يتطلب دقة وكفاءة و حرصاً من غير انزلاق إلى تجاهل أو عداء يقود إلى صدام أو كراهية عاجزة لا تسمن ولا تغني من جوع ، و هناك لا عبون جدد ؛ فالدولة الصغيرة أو الكبيرة لم تعد تتمتع بالشخصية الدولية وحدها ، و الشركات العملاقة المتعددة الجنسية يتجاوز أرباح بعضها موازنات دول صغرى ومتوسطة الحجم.
لقد تغيرت أجندة اهي:ة الكونية، و هناك معالم جديدة، فالهجرة السكانية يجب إن تكون على أجندة السياسة الخارجية سواء الخليجية أو العربية، وكذلك التعامل مع التطورات ومدى تأثيرها في المصالح الوطنية و القومية، كيف نجسر ما بين الشأن الداخلي و الخارجي، وما هو المطلوب من الدبلوماسي المعاصر ؟ هناك سبعة توجهات هي:
- الانفتاح و الشفافي و التفاعل مع القوى الحية و الرأي العام لتحسين الصورة حتى يفهمنا الآخر.
- العمر بروح الفريق، هناك مشكلة الفردية رغم أن العمل بروح الفريق أساس من أساسيات النجاح.
- التحرر من النخبوية.
- التعاون بين الدبلوماسيين و عدم التنافس بين الدبلوماسيين في الأسرة الواحدة أو السفارة الواحدة لأن المنافس هو الذي يربك العمل و يضر بروح الفريق.
- التخصص و عدم الاعتماد على الدبلوماسي العام الذي يصلح لكل الأماكن.
- التحول إلى الالكترونية في مواجهة الورق في الأرشفة و التوثيق.
- التسويق و الصناعة الخدماتية في مواجهة الوظائف التقليدية.
و للأسف وزارات الخارجية العربية لا تولي أي عناية للتدريب الدبلوماسي.
عن واقع الدبلوماسية العربية تقليدي يركز على الخدمات لا السياسات، لا تعينه قصة الصورة أو القيم أو ممارسة الضغوط إلا في ما ندر، وهي لا تريد إن تفهم ممارسة الدبلوماسية الشعبية في الخارج، وهي غير معنية بالدبلوماسية المنفتحة في الداخل، و غير استراتيجية، تتميز بالادلجة و العسكرة في داخل العمل الدبلوماسي، معذبة بعدد من التجاذبات منها تجاذبات المؤسسة الرئاسية ومؤسسات رسمية أخرى، و تستغرقها التفاصيل المكتبية، و يستهلكها التلميع الشخصي، و هي غير قادرة على الفعل و التأثير، و تغلب عليها سياسة التعايش مع الأوضاع، وانتظار التغيرات، و حكمة الصمت و الصبر، و قلة عدد الدبلوماسيين الذي يجعلها لا تستطيع التأثير في صياغة القرارات، و غياب فكر قياس النتائج، و التعامل مع الأعلام بالخوف أو عدم الإعداد، الدبلوماسية العصرية لابد من إن تكون موصولة بروح العصر، ولابد من إن نراكم خبرة دبلوماسية نستطيع إن نبني عليها.
لابد من إعادة هيكلة وزارات الخارجية وهو مطلب ملح، و الفرص المتاحة لنا تتمثل في الدبلوماسية الكونية، و الدبلوماسية الصديقة، و الدبلوماسية الشعبية، و هي التي تأتي إلى الرأي العام و منظمات المجتمع المدني من وراء الحكومات، دبلوماسية جريئة وجسورة ولابد من إعطائها مزيداً من الاهتمام و حسن الإدارة.
ومن أهم التحديات التي توجهنا تطوير نظام الدبلوماسية الإقليمية، و ضغوط ثورة الاتصال و المعلومات، و اهتزاز الاحترام للقانون الدولي و للسيادة الوطنية، لقد آن الأوان لوقفة دبلوماسية عربية للتعامل مع هذا الوضع حيث إن السيادة و الفضاء و الحدود كلها مخترقة، بالإضافة إلى إدارة أجندات العولمة لمصلحة الأهداف القومية، آملا إن يكون دبلوماسيو الغد على مستوى أهداف أمتهم و غايتهم البعيدة.
التغيرات التي طرأت على الدبلوماسية السعودية.
لكل دولة دور يتجاوز بدرجة أو بأخرى حدودها الجغرافية ليشمل الإقليم الذي ينتمي إليه، بل ما هو ابعد أحيانا من ذلك كثيراً و يبدو إن حجم هذا الدور و حجم المساحة التي يمكن إن يتمدد إليها، وكذلك مدى تأثيره، وإن كان يعتمد على عدة عوامل ليست كلها دائما تحت سيطرة الدولة، إلا انه يعتمد أولا وبصورة أساسية على الخيارات السياسية و الاستراتيجية لهذه الدولة، و يتوافر لبعض الدول دور إقليمي يتجاوز تأثيره حجمها الجغرافي و السكاني، و حتى الاقتصادي، و الأرجح هنا إن الموقع الجيواستاتيجي للدولة، إلى جانب الظرف التاريخي يمثلان معاً العامل الحاسم في تهيئة الظروف التي تسمح ببروز مثل هذا الدور، لكن من دون تبني الدولة استراتيجية تدفع في اتجاه المبادرة إلى توظيف موقعها و الإفادة من الظرف التاريخي، سيبقى الدور في حدود الإمكانية المتاحة في المقابل، هناك دول قد يتضاءل حجم دورها الإقليمي، ومدى تأثيره قياسا عل حجمها الجغرافي و الاقتصادي، وموقعها الجيواستراتيجي، ومرة أخرى، فإن السبب الرئيسي في هذه الحالة يعود في الغالب إلى استراتيجية الدولة و خياراتها السياسية و يبدو إن الدول العربية ليست استثناءا في هذا المجال و على نحو أكثر تحديداً تبرز مثل هذه الفرضية مباشرة عند قراءة و تحليل عملية صعود الدور السعودي في السنوات الأخيرة لذا تنطلق هذه الورقة في مقاربتها لهذا الموضوع من هذه الزاوية تحديداً و خصوصاً إن صعود الدور السعودي يمثل تطوراً حديثاُ و لم يحصل إلا خلال السنوات الأخيرة، ومن ثم فهو تطور لا يزال في مرحلة التبلور و الاختبار، ولا سيما انه ليس له سابقة في التاريخ الدبلوماسي السعودي المعاصر.
وإذا كان هناك ما يبرر القول إن الدور الإقليمي السعودي شهد من قبل فترات صعود تصدي خلالها لقاضيا وملفات المنطقة و بخاصة في ستينيات القرن الماضي، حيث كان هذا الدور بارزاً في ذروة الصراعات العربية، و تحديداً أثناء مرحلة المد القومي العربي في المنطقة ومع التسليم بصحة هذا الأمر إلا انه كان يوجد فارق مهم يتعلق بمسألتين: الأولى إن السياسة العربية في مجملها خلال العقد الممتد بين أواخر الخمسينات و أواخر الستينيات كانت تحت وطأة ما سماه احد الباحثين المتخصصين بـ " الحرب العربية الباردة " حيث كانت تعصف بالعالم العربي حينها انقسامات سياسية حادة بين البعث و اليسار و الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر من ناحية و بين تلك التيارات مجتمعة وما كان يعرف حينها بالخط المحافظ أو الرجعي مقابل الخط اليساري أو التقدمي و في هذه الأجواء و هذه هي المسألة الثانية، كان دور مصر الإقليمي بقيادة عبد الناصر هو المهيمن لذلك كانت سياسات و أدوار الدول العربية الأخرى لا تتجاوز كثيراً حدود مقاومة هذه الهيمنة، ووضع حد لتبعاتها السياسية على تلك الدول، وفي هذا السياق، كان الدور السعودي هنا دوراً إقليميا و يتقدم الخط العربي المحافظ و هو في ذلك كان منافساً لـ " الناصرية " إلا انه كان في حقيقته دورا دفاعياً و جزءاً من حالة الاستقطاب العربية، الأمر الآخر إن السعودية في تلك الفترة لم تكن بعد قد أصبحت القوة المالية و الاقتصادية الأكبر في المنطقة أما الآن فقد اختلف الأمر بصورة كبيرة، فـ " الناصرية " تراجعت ومعها البعث، و أصبح كل منهما اسماً من دون مضمون و كأنهما من مخلفات الماضي، هذا إلى جانب تراجع اليسار، و بخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، و تبعاً لذلك، كان من الطبيعي إن تتغير السياسات و التحالفات العربية، العربية، و تتراجع الاستقطابات الايديولوجية بين الأنظمة العربية.
ربما لم يتم تجاوز الخلافات العربية و أسبابها تماماً لكن التعبير عنها اختلف على نحو ملحوظ وكذلك اختلفت طريقة ادراتها، مع بعض الاستثناءات و تمثل ابرز وجوه الاختلاف الذي شهدت المنطقة بداياته الأولى خلال سبعينيات القرن العشرين باتجاه الدول العربية نحو تخفيف الحمولات الايدولوجية التي كانت تضفيها على خلافاتها السياسية، الأمر الذي أدى من الناحية العملية إلى وضع نهاية للحرب العربية الباردة، لذلك أصبحت الخلافات العربية يتم التعامل معها كما هي وبعيداً من الاستقطاب الأيديولوجي الحاد، فضلاً عن الحرص في الأغلب الأعم على غدارة أي خلافات سياسية من خلال آليات سياسية، مثل إقامة التحالفات و إلغائها، و توازنات القوة و المصلحة، بعبارة أخرى، و بعد نهاية الستينيات أخذت المصالح السياسية و الاقتصادية للدول العربية تطغى على حساب توجهاتها الأيديولوجية، و لعل هذا يفسر انحسار الشعبية الطاغية التي كانت الطروحات الأيديولوجية تتمتع بها من قبل، و يفسر ذلك أيضا الصعوبة التي يواجهها كل من حاول استخدام مثل هذه الطروحات، وقد تزامن هذا التطور مع الطفرة النفطية الأولى التي دفعت بالسعودية لكي تصبح القوة الاقتصادية الأكبر في المنطقة، و الشاهد في كل ذلك هو إن الإطار السياسي الإقليمي للدور الإقليمي السعودي في مرحلة الستينيات يختلف عنه في مرحلة السبيعنيات وما بعدها، وكذلك الأمر مع طبيعة هذا الدور بصورة كبيرة.
هناك أيضا من أشار إلى انه في أوائل سبعينات القرن الماضي تصدت السعودية لقيادة العمل السياسي في المنطقة عقب في تلك الحرب ، ويعزو بعض الباحثين بروز الدور السعودي هنا إلى عاملين: ثقل السعودية في سوق النفط العالمية بحكم أنها تملك اكبر احتياطي نفطي ، و أنها في ذلك الوقت كانت ثالث اكبر مصدر للنفط في العالم ، وهو ما أعطاها دوراً قيادياً في منظمة أوبك ،و أضاف إلى ثقلها السياسي إقليمياً ودولياً في ظروف سبعينات و ثمانينات القرن الماضي، العامل الثاني كان تحييد كل من سوريا ومصر في الصراعات العربي ، العربية نتيجة للهزيمة العربية القاسية في يونيو 1967 و هي الحرب التي كانت في الواقع ايذاناً بنهاية " الحرب العربية الباردة " حيث مثلت هزيمة للمعسكر التقدمي بقياداته و أيديولوجياته و شعاراته و إذا كان هذا صحيحاً، فإنه لابد من ملاحظة إن الدور السعودي في هذه المرحلة كان يتحرك ضمن معطيات بعضها يعود للواقع العربي ، و بعضها الآخر يعود إلى الخيار السياسي للسعودية في تلك الظروف.
فمن ناحية، تميزت تلك المرحلة بأنه لم يكن قد تبلور فيها بعد موقف عربي واضح وموحد إزاء مآلات الصراع مع اسرائيل، و بخاصة من فكرة السلام، وإذا كانت مصر السادات بعد حرب أكتوبر مباشرة قد استقرت على فكرة سلام كامل مع إسرائيل، حتى ولو كان سلاماً منفرداً، فإن بقية العرب بما في ذلك السعودية، كانوا يرفضون السلام المنفرد انطلاقاً من انه يضعف الموقف العربي، و في الوقت نفسه، كانت السعودية ترى إن معاقبة مصر بعزلها عربياً لا يخدم الموقف العربي، ولا القضية الفلسطينية، لذا لم تتوقف السعودية عن محاولة التقريب بين مصر وسوريا، و قد نجحت في تحقيق شئ من ذلك بعد قمة الرياض السداسية في عام 1976، لكن ما إن حل عام 1977 حتى تكتشف إن هذا التقارب كان أشبه بالسراب، حيث شهد هذا العام ما كان يعرف حينها بـ " مبادرة السادات" التي بدأت بزيارة الرئيس المصري للقدس المحتلة، و انتهت بتوقيع اتفاقية.
تغير اللحظة السياسية:
هنا،دو غريباً إن الدولة مثل السعودية لم يتهيأ لها دور قيادي له من الحجم و التأثير ما يتناسب مع مكانتها و ثقلها الإقليمي إلا مؤخراً و خصوصاً أنها احد الأعمدة الأربعة، التي يرتكز عليها النظام الإقليمي العربي، لكن هذا يؤكد فرضية الخيار السياسي و الاستراتيجي للدولة، فحقيقة إن الدولة السعودية لم يكن لها دور قيادي يتناسب مع حجمها ووزنها الإقليمي لا يعود إلى متغيرات الواقع السياسي الإقليمي على الرغم من أهميته، و الأرجح إن هذا الغياب لم يكن أمرا مفروضاً على السعودية، بقدر ما كان خياراً استقرت عليه، و فرضته الدولة على نفسها ورضيت به لكونه يخدم السياسية التمس تتبناها إقليميا و يخدم الهدف الاستراتيجي الذي لا تريد إن تحيد عنه، و إذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن إن نفهم من هذه الزاوية البروز الواضح للدور السعودي في السنوات الأخيرة ؟ هنا، ينبغي إن نقترب أكثر من التغيرات التي حصلت للعالم العربي خلال العقود الأربعة الأخيرة، من زاوية الرؤية السعودية لهذه التغيرات، و علاقتها بما حصل للدور السعودي انطلاقاً من هذه الرؤية. [ الهاشمي 2008، ص 352]
و عندما نأتي إلى اللحظة الراهنة، يبدو المشهد السياسي العربي مختلفاً بصورة واضحة عما كان عليه من قبل، كذلك الأمر بالنسبة إلى الدور السعودي، و ليس من السهل تحديد نقطة زمنية معينة بدأت عندها هذه اللحظة، فالحديث هنا عن عملية سياسية تاريخية مستمرة تتداخل فيها العوامل و اللحظات أيضا، لكن يمكن تحديد مجموعة عوامل أدى تعاقبها و تفاعل تداعياتها إلى تبلور هذه اللحظة كما تبدو حالياً، و كانت هزيمة يونيو 1967 أول هذه العوامل، حيث كانت هزيمة قاسية بصورة خاصة لممصر عبد الناصر و للبعث في سوريا لأنها ضربت مصداقية الطروحات القومية لهذين النظامين الأمر الذي اضعف موقفهما السياسي في المنطقة أما العامل الثاني فكان مبادرة السادات التي انتهت بتوقيع اتفاقيتي كامب، ديفيد ومعاهد السلام بين مصر و إسرائيل، و تأتي أهمية المبادرة في هذا السياق من تسلسل الأحداث و التداعيات التي افرزنها، فهي أولا أخرجت مصر من المعادلة العسكرية للصراع العربي مع إسرائيل، و بذلك مهدت الأرض لما أصبح يعرف لاحقاً ب " عملية السلام " في المنطقة.
وكان العامل الثالث و الأهم الغزو العراقي للكويت، الذي كان ولا يزال لحظة مفصلية بالنسبة إلى العالم العربي، و ذلك من حيث التداعيات التي ترتبت عليه عربياً و إقليميا ودولياً و كان من التداعيات المباشرة لذلك الحدث الانقسام الحاد الذي أصاب النظام الرسمي العربي بعد وقوع عملية الغزو و هو انقسام من هذا المؤتمر الدولي، ما أصبح يعرف بعملية السلام وما نتج منها مثل اتفاق أسلو لعام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية و إسرائيل و اتفاق وادي عربة في عام 1994 بين الأردن و إسرائيل، ثم مبادرة السلام العربية، ومن النتائج الدولية المتداخلة مع الأوضاع الإقليمية للغزو العراقي فرض الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج العربي بحجم و نوعية غير مسبوقين.
وكان العامل الثالث و الأهم الغزو العراقي للكويت، الذي كان ولا يزال لحظة مفصلية بالنسبة إلى العالم العربي و ذلك من حيث التداعيات التي ترتبت عليه عربياً و اقليمياً ودولياً، وكان من التداعيات التي ترتبت عليه عربيا و اقليمياً و دولياً. وكان من التداعيات المباشرة لذلك الحدث الانقسام الحاد الذي أصاب النظام الرسمي العربي بعد وقوع عملية الغزو، وهو انقسام من هذا المؤتمر الدولي ما أصبح يعرف بعملية السلام، وما نتج منها مثل اتفاق اسلوا لعام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية و إسرائيل، و اتفاق وادي عربة في عام 1994 ثم مبادرة السلام العربية.
وهو ما حدث بعد اجتياح الجيش الأمريكي لبغداد في عام 2002 و في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق انفجرت حرب أهلية طائفية، أخرجت العراق من النظام الإقليمي العربي، بل أصبحت تمثل تهديداً لوحدته، ومنذ ذلك الحين، لم يعد النظام الرسمي العربي كما كان عليه حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي.
و بالنسبة للدور الإقليمي السعودي، فقد كان لتغير المشهد السياسي العربي نتائج لا تقل أهمية، فمع اختفاء محاور الحرب العربية الباردة، وبرز إجماع عربي حول خيار السلام مع إسرائيل، إلى جانب خروج العراق من النظام الرسمي العربي، كانت السعودية قد برزت كقوة اقتصادية و سياسية في المنطقة، و قد بدأت هذه القوة في التصاعد منذ الطفرة النفطية الأولى في بدايات السبعينيات.
الأحادية الأمريكية الاستمرارية و الزوال:
إن التحديات المختلفة التي تواجهها الولايات المتحدة على الصعيدين الداخلي و الخارجي ، منذ تولي الرئيس جورج بوش الابن الحكم ،و دخول الولايات المتحدة في حربين : أفغانستان 2001 و العراق 2003 شجع المراقبين على القول أنها تواجه الآن بداية النهاية لعصر هيمنتها الأحادية ، و يستند المراقبون في ذلك إلى تحليل بول كيندي في كتابه الشهير صعود وسقوط القوى العظمى ،و الذي ذهب إلى إن التمدد المفرط كان نقطة البداية لزوال إمبراطوريات عظمى مثل الرومانية و البريطانية و يذهب آخرون إلى القول انه رغم المأزق الذي تواجهه الولايات المتحدة ، فإن المجال لا يزال مفتوحاً أمامها للحفاظ على تماسكها وتفوقها و هيمنتها على جميع المستويات و قد كان التساؤل حول مستقبل القوة الأمريكية محور العديد من الكتابات الغربية و الأمريكية نستعرض ما نشرته مجلة الشئون الخارجية الأمريكية الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية في عددها عن شهري مايو و يونيو 2008 من مقالتين متميزتين ، تبحثان هل انتهى عصر الهيمنة و الأحادية الأمريكية المقالة الأولى لرئيس مجلس العلاقات الخارجية و الأكاديمي و السياسي الأمريكي البارز " ريتشارد هاس " و الثانية (2) لمحرر مجلة النيوزويك للنسخة الدولية " فريد زكريا".
نظام دولي جديد:
في بداية طرح " هاس " لرؤيته لمستقبل النظام الدولي في ظل احتدام الجدل حول مستقبل هذا النظام ، يعارض من يقولون انه نظام متعدد الأقطاب ، الذين يرون انه يضم ست قوى فاعلة – الصين ، الهند ، الاتحاد الأوروبي ، اليابان روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية – يصل عدد سكانها إلى ما يقرب من نصف سكان العالم و يمثل ناتجها القومي الإجمالي ما يقرب من 75% من الناتج الإجمالي العالمي و إن إنفاقها العسكري يفوق 80% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي ،و على خلاف هؤلاء يرى هاس إن النظام الدولي الجديد يتجه تحو نظام عديم الأقطاب حيث إن هناك تعدداً في مراكز القوى و لكنه تعدد مختلف عن التعددية القطبية التقليدية .
يتميز هذا النظام الجديد ، من وجهة نظر هاس ، بصعود فاعلين غير الدولة القومية في الوقت الذي تشهد فيه تلك الدول القومية العديد من التحديات ، سواء على المستوى الدولي من المنظمات الدولية أو على المستوى القومي من الجماعات المسلحة ، أو في الداخل من المنظمات و التجمعات غير الحكومية .
و سيشهد هذا النظام تعدد و تشتت مراكز القوى من حيث انتشارها و تعدد من يملكها فبجانب وجود ست قوى كبرى – السابق الإشارة إليها – يرى " هاس " إن هناك دولاً صاعدة كقرى إقليمية مثل البرازيل ، و فنزويلا و السعودية ومصر ... وهناك قوى أخرى مثل المنظمات الدولية – بشقيها الدولي الإقليمي و الشركات متعددة الجنسيات ووسائل الأعلام و الجماعات المسلحة والإرهابية و المنظمات الدولية غير الحكومية ، فضلاً عن بعض المدن داخل دولها كمدينتي نيويورك و شنغهاي . [ عبد العاطي 2008 ص 223]
مظاهر العولمة الدبلوماسية :
إن التحولات التي شهدها النظام العالمي الجديد أفرزت أثارا عديدة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية و اختصاصات الدولة القومية ،و بالتأكيد أثرت على دبلوماسيتها ( التفاوضية ) إذ تحولت الدبلوماسية من أداة تمثيل لمصالح الدولة المرسلة في الدولة المضيفة و المحافظة عليها و تطويرها بكل السبل المشروعة إلى فن غدارة الاتصال و العلاقات بين الدول في ظل مفاهيم حديثة مثل :
1- الاعتماد المتبادل 2- و الأمن الجماعي 3- و المواطنة الكونية
لقد عملت العولمة بفضل وسائل الاتصال الدولية الحديثة على جعل الدبلوماسية تعمل وفق أساليب حديثة ، و التركيز على تنامي الشعور و الوجدان العالمي بحيث أصبحت قضايا مكافحة التلوث و حماية البيئة و الانفجار السكاني ، و حقوق الإنسان ومكافحة المخدرات و محاربة الإرهاب و الحد من الأسلحة النووية تتطلب النظرة الشمولية لدبلوماسية الدول في سياق المصلحة الدولية العامة.
للوهلة الأولى نجد إن رغبة النظام العالمي الجديد إن تفعل العولمة فعلها السلمي في قيام مجتمع دولي على أساس السلام و حسن الجوار و الأمان و تحقيق الأمن الجماعي ،و كلما يتقدم يتضاءل أمام تمدد دور الولايات المتحدة الأمريكية ،و خاصة عندما أصبحت العولمة مرادفة للأمركة ، بمعنى سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة صياغة النظام العالمي طبقاً لمصالحها و توجهاتها و أنماط القيم السائدة فيها . [ الهاشمي 2008 ، ص 391]
و يمكن توضيح ذلك في موضوع الغلاف الذي نشرته مجلة Time الأمريكية في العدد 8 الصادر في 21 آب 1995 ،و كان موضوع الغلاف عن الحرب المعلوماتية .
و بذلك يتضح جلياً سبب فرض الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها ،و حق التدخل سياسياً و عسكرياً في أي منطقة ، تحت ستار النظام العالمي الجديد لتحقيق أهدافها و حماية مصالحها ، ولعله لم يكن من قبيل المصادفة إن جاءت الدعوة الأمريكية لقيام نظام عالمي جديد و ليس لإقامة نظام دولي جديد ،و هذا ما فسره البعض بأنه أمر مقصود من جانب المسئولين الأمريكيين لصرف الأنظار عن مفهوم ( الدولة ) الذي ظل لعدة قرون معبراً عن الصورة الرئيسية للمجتمعات السياسية الحديثة ، باعتبارها الشخص الرئيسي من أشخاص القانون الدولي و اللاعب الرئيس في مجال العلاقات الدولية ، بما يتضمنه هذا المفهوم من ضرورة توافر صفة ( السيادة ) ، و لما تستتبعه هذا الصفة من عدم جواز التدخل في شؤون الداخلية للدول الأخرى ن وهو المبدأ الذي كان من الممكن إن يشكل عائقاً أمام محاولات التدخل السياسي أو العسكري الذي قد تضطر الولايات المتحدة الامريكية و حلفاؤها إلى اللجوء إليها دفاعاً عن مصالحهم ، ومن هنا وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في حرب الخليج الفرصة الذهبية لتقرير حقها في التدخل عسكرياً ضد العراق بدعوي خروجه على الشريعة الدولية في اعتدائه على الكويت ، فراحت تظهر حسماً وجزماً بالعنيف مواجهته ، معلنة انه ليس ثمة مجال للحديث عن تسوية سليمة أو دبلوماسية للازمة ، أي أنها ألغت ( الدبلوماسية ) كلياً و التفاوض و استخدمت القوة العسكرية ( الحرب ) ضد العراق ، ومن هذا المنطلق فقد عرقلت الولايات المتحدة الجهود الدبلوماسية كافة التي كان من الممكن إن تؤدي إلى تسوية الأزمة سلمياً ... وطبيعة الحال فقد كان الباعث وراء ذلك هو عدم إضاعة هذه الفرصة التي يمكن إن تتخذ كسابقة أولى لتطبيق أحكام ذلك النظام العالمي الجديد الذي رفعت لواءه الولايات المتحدة الأمريكية .
لما كانت الدبلوماسية المعاصرة أوجدت دبلوماسية المنظمات البرلمانية و التي تحدثنا عنها في فصول سابقة ، إلا إن النظام العالمي الجديد ( المزعوم ألغى هذا الدور ، فقد عملت ( أمريكا) منذ البدايات الأولى على إعطاء نفسها الحق في زعامة هذا النظام ،و عملت على إبقاء المنظمة الدولية بعيدة عن القيام بأي دور فعال لحل الأزمة العراقية – الكويتية مثلاً، و على النحو الذي قرره ميثاق الأمم المتحدة ، فحاولت قصر دور المنظمة الدولية على مجرد إصدار قرارات من مجلس الأمن تدين العراق ،و تنذره لدخوله دولة الكويت ، و تطالبه بالانسحاب الفوري من أراضيها، وبفرض عقوبات تصاعدية على العراق ، لإقناع الرأي العام العالمي باستنفاذ السبل و الوسائل السلمية كافة في إعادة الشريعة ،و حتى تتمكن من إتمام الاستعدادات العسكرية الضخمة التي كان يتطلبها القيام بلا تدخل العسكري ، بينما كانت تحبط – في الخفاء – الجهود الدبلوماسية كافة ،و على الصعد جميعها ، بغية توجه دفة الأحداث نحو حتمية التدخل العسكري ضد العراق .. وهذا هو أسلوبها المعروف ، فقد صعدت الولايات المتحدة من ضغوطها و تهديداتها لمجلس الأمن لحمله على الانصياع لوجهة النظر الأمريكية ، و قد ساعد على ذلك عدم وجود معارضة روسية داخل مجلس الأمن ، فضلاً عما قامت به الحكومة الكويتية في المنفى من جهود دبلوماسية و إنفاق الملايين من الدولارات لاستمالة الدول الأعضاء في مجلس الأمن لتأييد قرار التدخل العسكري ضد العراق . [ نيفري 2002 ، ص 216]
و يرى فقهاء القانون الدولي إن معالجة مجلس الأمن للازمة العراقية الأمريكية قد جاء على نحو مخالف للسوابق كافة التي شهدتها المنظمة الدولية ، فقد نص القرار 678 الصادر عن مجلس الأمن في 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1990 على انه ( يصرح للدول الأعضاء المتعاونة مع الحكومة الكويتية بان تستخدم جميع الوسائل اللازمة لدعم و تنفيذ القرار 1660 لسنة 1990 وجميع القرارات اللاحقة ذات الصلة ، لإعادة السلم و الأمن الدوليين إلى نصابهما في المنطقة ، ما لم ينفذ العراق القرارات السالفة الذكر قبل 15 كانون الثاني / يناير 1991م ).
و يتضح من نص القرار السابق إن مجلس الأمن قد أوكل إلى كل دول الائتلاف الغربي مهمة استخدام القوة العسكرية على النحو الذي تراه أمريكا، و هو ما كان يعني احتفاظ الولايات المتحدة بالحرية الكاملة في الحركة بعيداً عن أي تداخل من مجلس الأمن ، و هو الأمر الذي يتنافى مع ما أقرته أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .
وقد علق الأمين العام للمنظمة الدولية وقتئذ عن ذلك الأمر بقوله : " لقد صرح مجلس الأمن باستخدام القوة و لكن هذه الحرب ليست حرب الأمم المتحدة ، ولا توجد قرأت تابعة للأمم المتحدة و ترفع علمها)، و تتم احاطتي علماً بما يدور على مسرح العمليات العسكرية من خلال تقارير تبعثها الدول المتحالفة، و لا نستطيع القول بان الأمم المتحدة مسئولة عن هذه الحرب ، ومع ذلك فهي حرب مشروعة في سياق معنى محدد ، و هي أنها حرب مصرح بها من جانب مجلس الأمن )، ومن هنا يمكننا إن نخلص إلى إن فكرة النظام العالمي الجديد و على حد وصف إحدى الصحف ، قد استغلت من جانب الولايات المتحدة لاستبعاد بقية دول العالم ، و لجعل مجلس الأمن مجرد جهاز من أجهزة تنفيذ السياسة الخارجية .
دبلوماسية العولمة :
عموما يمكننا إن نشير إلى بعض المتغيرات التي طرأت على الدبلوماسية و آلية أدائها في ظل النظام العالمي ( المزعوم) و اثر العولمة على وظائفها الجديدة:
أولاً: أدت سرعة الاتصال الناتجة عن تطور تقنيات المعلومات و الاتصال الجماهيري و المواصلات التي تطور هائل في سرعة أنت قال الأفكار و الثقافة عبر الأقمار الصناعية ،و سرعة انتقال الأحياء و الأشياء ،و في مضمار الفكر و الثقافة كثر الحديث عن التفرد الثقافي و الاستعمار الفكري ، و في مضمار حركة الأحياء ( كالإنسان و الحيوان) و الأشياء ( كالسلع و البضائع) يكثر الحديث عن الهيمنة الاقتصادية وما قد يلازمها من هيمنة عسكرية ،و هيمنة سياسية ، ومن ثم فكرية و ثقافية ، فموضوع ( الشرق أوسطية ) مثلاً ... يناقش كموضوع اقتصادي – استراتيجي – سياسي – يراد به خدمة إسرائيل لجعل مقدرات الأمة العربية و امكاناتها تحت رحمتهم ، و يناقش في الوقت ذاته كموضوع عن ( الهوية العربية و الذات العربية ومحاولة ( الآخر ) لمحوها .. إن سهولة الاتصالات و تطورها عملت على إن يقوم رئيس الدولة نفسه أو الممثل الشخصي أو وزير الخارجية بإجراء المفاوضات و عقد الاتفاقات، و لم يعد السفير و أعضاء بعثته في ظل الكم الهائل من المعلومات التي تنهمر عليه بمؤتمنين ائتمانا كاملاً على تمثيل بلدهم و المحافظة عليها كما كان سابقاً.
ثانياً: المراقب للعمل الدبلوماسي الحديث يلاحظ إن العولمة و سرعة انتقال المعلومات جعلت مهمة الدبلوماسي أكثر يسراً من جهة و أكثر صعوبة من جهة أخرى ، إن سرعة تبادل المعلومات بين طرفين تؤدي إلى سرعة التواصل و ب التالي تيسير لعملية الاتصال ،ولكن هذه السرعة تتطلب كذلك قدرة عالية على تصنيف المعلومات .
المستشار الإعلامي و العمل الدبلوماسي:
إن وظيفة المستشار الإعلامي أو الملحق الصحفي ، ولدتها التغيرات الجديدة في المجتمع المعاصر ، وفرضتها إلية الدبلوماسية الحديثة فالملحق الصحفي وظيفته هي ، الاتصال بجميع فئات و طبقات العالم المحلي ، لتوضيح وجهة نظر حكومته و لمعرفة وجهة نظر تلك الفئات و الطبقات و يقوم بالاتي :
1- فهو يتصل بأجهزة الأعلام الجماهيرية .
2- من حقه إن يخاطب الرأي العام المحلي مباشرة و بصفة خاصة للرد على أي شئ يعيب دولته في صورة احتجاج أو ما في حكمه.
3- من ح قه إن يتصل لا فقط بالقوى الحاكمة بل إن يفتح جميع قنوات الاتصال مع القوى المعارضة و هذا جديد في التقاليد الدبلوماسية .
ما إن يؤدي الرئيس الأمريكي المنتخب باراك اوباما القسم حتى يكتشف انه قد ورث تركة ثقيلة تضم حربين في دول بعيدة عن الأراضي الأمريكية إحداهما لا نجد أدنى شعبية بينما الأخرى تسوء أحوالا يوما بعد يوم يضاف إلى هذا أزمة مالية عالمية طاحنة تعيد إلى الأذهان حالة الكساد الكبير كما تضم التركة قضية تغير المناخ العالمي و حالة من تأثيرات خطيرة و انتشار الأسلحة النووية بين الدول التي تعتبرها واشنطن حارقة وقد أكد الرئيس المنتخب اوباما انه سيركز على مبدأ إن يجوب العالم الذي تتزايد فيه الانتقادات الحادة للولايات المتحدة الأمريكية سعياً لإصلاح صورة الدولة التي يحكمها وقد رصد تقرير لمركز بيو الأمريكي أهم التغيرات التي شهدها العالم أثناء فترتي ولاية بوش وركز على أربع قضايا هي العلاقة بين الغرب و المسلمين ، وتردي صورة الولايات المتحدة حتى بين حلفائها ، و الأزمة المالية التي شهدتها نهاية الولاية الثانية ، وصعود الصين بما يؤهلها لتحل محل أمريكا كما يرى الكثيرون .
العالم يفتقد الثقة في بوش ويمنحها اوباما :
أصبحت شعبية الرئيس جورج بوش بصورة كبيرة بين المواطنين الأمريكيين ووصلت لمستويات متدنية تعادل تلك التي بلغها نيكسون قبل استقالته و كانت الصورة أسوا بكثير في دول العالم المختلفة و في استطلاع للرأي عام 2008م تم سؤال المواطنين في 24 دولة عما إذا كانوا تخولون بوش الثقة في اتخاذ القرارات السليمة في السياسة الخارجية ، و أكدت الغالبية في ثلاث دول فقط ( الهند و نيجيريا و تنزانيا ) إن لديها الثقة إلى حد ما في أدائه .
على الجانب الآخر وقفت 19 دولة لا يجد موطنوها الرئيس الأمريكي أهلا للثقة و بلغت تلك النسبة أوجها بين مواطني دول الشرق الأوسط 89% في الأردن و تركيا و تراوحت النسبة في دول غرب أوروبا بين 81% في بريطانيا و 88% في أسبانيا و في عام 2008 أجرى استطلاع للرأي بشان ترتيب قادة خمس دول : بوش و بونين و ميركل و ساركوزي و نجاد و لم يحظ بوش بثقة إلا في أربعة دول هي الهند و ثلاث دول افريقية في حين نال الرئيس الإيراني الثقة لدى الرأي العام في تركيا و باكستان و اندونيسيا.
و على النقيض يأتي الرئيس المنتخب اوباما حيث ينظر إليه المواطنون في غالبية الدول على انه رئيس قادر على إحداث تغيير للأفضل في السياسة الأمريكية ومن ثم يتمنون إن ينجح في تحسين صورة بلاده التي تسبب سياسات سلفه في إفسادها إلى حد كبي وقد ساءت صورة الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم وبصورة على إدارة بوش فيما يتعلق بالأزمة المالية العالمية و تنامي المعارضة لسياسات واشنطن الخارجية في دول غرب أوروبا كما إن النظرة الايجابية للولايات المتحدة قد بدأت في التلاشي رويداً رويداً حتى بين الدول التي تعد من الحلفاء القدامى لها و في العالم الإسلامي كانت حربا أفغانستان و العراق – و خاصة الأخيرة سبباً في وصول صورة أمريكا إلى الحضيض بين دول العالم الإسلامي و العربي و يأتي بصيص الأمل من بعض دول آسيا ودول أمريكا اللاتينية حيث ترفع اسم الولايات المتحدة و إن كانت بصورة ضئيلة نسبياً و ترجم تنامي عدم الرضا عن السياسة الخارجية لواشنطن في صورة اهتمام بمدى قوة الولايات المتحدة ورأت الغالبية في العالم إن الولايات المتحدة كاللاعب الأهوج الذي يندفع بكل ثقله دون إن يبالي باهتمامات الآخرين ، و قد كسبت أمريكا التعاطف العالمي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 إلا إن الاستطلاعات أكدت انه بحلول ربيع 2002 هبطت تلك المعدلات في العديد من البلاد عما كانت عليه في بداية القرن.
هنتنجبون :
يعتبر صموئيل هنتنجتون من اشهر علماء السياسة الأمريكية في القرن العشرين ، الذين اثروا بفكرهم في السياسة و الاستراتيجية الأمريكية حتى إن كتبه أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الفكرية العالمية خاصة كتاب صدام الحضارات و سيبقى بعد وفاته مثاراً للجدل أيضا في تأثيره في مجريات الأحداث الدولية من خلال تلاميذه الذين درسوا عليه في جامعة هارفارد منذ 1950 و حتى وفاته في 24 ديسمبر 2008 م .
و يعتبر هنتجتون من أكثر الأكاديميين الذين تأثرت بهم السياسة الخارجية وكان ضمن فريق الحزب الديموقراطي فقد عمل مستشاراً للمرشح الديموقراطي للرئاسة هيوبرت همرفي للشئون الخارجية عام 1968 م ، و أسس مجلة السياسة الخارجية التي تعتبر قريبة من وجهة نظر الإدارات الديموقراطية في السياسة الخارجية و في عهد الرئيس كارتر عمل منسقاً لشئون الأمن الدولي في مجلس الأمن القومي الأمريكي خلال 1977 – 1979 كما عمل في إدارة ريجان ، لذا بقى هنتجتون خلال مسيرته الأكاديمية التي استمرت 58 عاماً و هو في خدمة الحكومات الأمريكية و في التنظير للسياسة الخارجية الأمريكية و التحول الديموقراطي في العالم و إضافة إلى عمله في هارفارد فقط عمل في جامعة كولومبيا خلال الفترة من 1958 – 1962 و أسس معهد اولن للدراسات الاستراتيجية و تولى رئاسته خلال الفترة 1990 – 1999 و عن معهد اولن صدرت دراسته التي أثارت ضجة كبرى و هي صدام الحضارات و التي تشر جزء منها في مجلة الشئون الخارجية 1993 و تولى هنتنجتون إدارة أكاديمية هارفارد للدراسات الدولية و الإقليمية 1996 – 2004 و كان له دور كبير في الدراسات التي صدرت عن هذه الأكاديمية و الجامعة الشهيرة.
أما مؤلفات هنتنجتون فقد نشر 17 كتابا بين مؤلف ومشارك في التأليف و كتب نحو 90 بحثاً علمياً في مجال السياسة الخارجية الأمريكية و نشر الديموقراطية و المؤسسات العسكرية و التنمية السياسية و الديموقراطية و قد أثارت كتبه ضجة كبرى ومازالت كتبه تحظى بالنقاش على المستويات الفكرية و السياسية بين النخب الفكرية على مختلف الأصعدة . [ نيفري 2002 ص 291]
نظرية هنتنجتون : و إذا كان هنتنجتون قد اشتهر في كتابة الجندي و الدولة فقد كانت شهرته اكبر في آخر سنواته و ذلك بكتابه إن الصراع في العالم يتحول إلي صدام حضاري .
و جاءت نظرية هنتنجتون بعد ما كتبه فرنسيس فوكوياما في مقالته التي نشرها عام 1989 تحت عنوان " نهاية التاريخ " التي قال فيها انه بسقوط الماركسية تكون الديموقراطية الليبرالية هي التي ستسود العالم و بذلك ينتهي الصراع العقدي الذي ميز فترة الحرب الباردة ،و الجدير بالذكر إن هنتنجتون كان أستاذا لفرنسيس فوكوباما في جامعة هارفارد و لعله من المثير إن فوكوياما كتب رسالته للدكتوراه عن انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط و كان أستاذه المشرف هو هنتنجتون و نلاحظ إن هنتنجتون جاء ناقداً تلميذه الذي قال بنهاية التاريخ و كأن هنتنجتون يذكر تلميذه السابق بان التاريخ لم ينته بل إن الصراع لا يزال مستمراً و سيبقى في المستقبل و لكنه يأخذ بعداً جديداً و هو الصراع الحضاري و هو غطاء أو غلاف لما أراد هنتنجتون قوله انه صراع ديني لان الدين أساس الحضارات ثم انه عندما قام باستعراض الحضارات كانت تسميته مرتبطة بالدين و لكن هناك من يقول بشئ من الحقيقة إن نظرية هنتنجتون صدام الحضارات جاءت لتخدم الحكومة الأمريكية التي كانت تبحث لها عن عدو جديد بعد زوال عدوها السابق الاتحاد السوفيتي ، فالدول الكبرى تبقى دائماً بحاجة إلى عدو ،و هو ما قدمه هنتنجتون للحكومة الأمريكية التي سخرت نظرية صدام الحضارات لأغراضها و خاصة في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الذي كانت سياسته خلال الثماني سنوات التي قضاها في البيت الأبيض تقوم على فلسفته صدام الحضارات و يظهرها من اختلاله لكل من العراق و أفغانستان .
وقد ذكر هنتنجتون سبع حضارات و أحيانا اعتبرها ثمانية و سماها على أساس ديني الروسية، الأرثوذكسية و الهندوسية و الكونفوشيسية و البوذية و أمريكا اللاتينية الكاثوليكية و أفريقيا و الحضارة الغربية و الإسلامية و لكن هنتنجتون في مناقشة للخطر على الغرب وهو ينطلق من وجهة نظر مصالح الولايات المتحدة يقول إن الخطر الذي يواجه الغرب نابع من الحضارة الإسلامية و ي علل ذلك بأنها عقيدة بين الحضارة الغربية و الإسلامية في الأندلس و الحروب الصليبية و هو بذلك يحذر واشنطن من الخطر عليها في المستقبل من الحضارة الإسلامية، و نلاحظ إن بوش في إعلان الحرب على الإرهاب و احتلال بعض الدول متأثر بنظرية هنتنجتون رغم محاولة إنكار ذلك فقد قال مباشرة بعد إحداث 11 سبتمبر أنها حرب صليبية و لكن تراجع عنها بعد ما نبهه مستشاره إلى خطورة ترديده لهذا القول على أنها حرب صليبية، و قد كان موقف بوش من الناحية الاستراتيجية نحو العالم الإسلامي متأثراً بنظرية صدام الحضارات فالذي يخطط للسياسة الخارجية على المدى المتوسط و البعيد هي مراكز الأبحاث و الجامعات و في الولايات المتحدة ظاهرة تختلف عن غيرها من الدول الكبرى و هي انتقال الأكاديميين للعمل في الدوائر الحكومية للربط بين الجانب الأكاديمي النظري و الجانب العملي كما هو حال هنتنجتون و بريجنسكي و هذي كيسنجرو و غيرهم و لن تكون أخرهم كونااليزارايس التي تعود الآن إلى جامعة ستانفورد هي حاليا تبحث لها عن منزل يكون قريباً من الجامعة و لعل ما يثير الانتباه في خطورة نظرية هنتنجتون تنبيه واشنطن إلي خطر التقارب الإسلامي الصيني فهو يقول إن الحضارتين الخطيرتين على الغرب الصينية و الإسلامية و كأنه يستشرف صعود الصين كقوة عظمى في القرن الحادي و العشرين تتحدى الولايات المتحدة، و ما يجري في العالم الإسلامي خاصة من الحصول على الأسلحة النووية التي تقف واشنطن رافضة لها، كما في التضليل في الحرب على العراق و الموقف من إيران و ينبه هنتجتون على خطورة مساعدة تقديم الصين تكنولوجيا الصواريخ البالستية من الصين إلى العالم العربي و الإسلامي و الخطورة في نظر هنتنجتون هي التعاون السياسي و في مجال التسلح، و نظرية هنتجتون هي محور الأمن القومي الأمريكي و تحدياته في المستقبل.
مقدمة:
إذا كانت السياسة الخارجية هي مجموعة من القرارات و السياسات التي تحدد بها كل دولة موقفها ووجهات نظرها في العلاقات الدولية فإن الدبلوماسية هي الفنون و الوسائل و الأساليب التي تنفذ بها الدولة سياستها الخارجية و لذلك تشغل الدبلوماسية مركزاُ رئيسياً في مجال السياسة الخارجية ومهما يكمن من أمر فقد اتسع نطاق الدبلوماسية التقليدية ( البعثات الدبلوماسية و القنصلية ) دبلوماسية المؤتمرات و المنظمات الدولية التي يطلق عليها الدبلوماسية الجماعية، وقد اتاحت المؤتمرات و الاجتماعات الدولية التي تعقدها المنظمات الدولية فرصة لمندوبي الدول لإجراء محادثات غير رسمية ومناقشة المسائل التي تهتم بلادهم و اتخاذ القرارات المشتركة وفق المتغيرات الدولية المعاصرة فإن الدبلوماسية أخذت مناحي جديدة في طرائق وفنون ممارستها لتتماشى مع تلك المتغيرات.
تعريف الدبلوماسية:
كلمة دبلوماسية (la diplomatic ) مشتقة من الكلمة اليونانية diplomati ومعناها يطوي، وكانت هذه الكلمة آنذاك تطلق على جزء من الوثائق الرسمية التي كانت تصدر عن الرؤساء السياسيين للمدن التي كان يتكون منها المجتمع اليوناني القديم و تمنح إلى الأشخاص فيترتب لهم بموجبها امتيازات خاصة ومع مرور الوقت اتسع معنى كلمة دبلما بحيث أصبحت تشمل الوثائق الرسمية و الأوراق و المعدات.
وقد اختلف فقهاء القانون الدولي العام و خاصة الذين اهتموا بدراسة العلاقات الدبلوماسية في تحديد معنى الدبلوماسية و أهم تعريفات الدبلوماسية هي:
1- تعريف برادييه فوريرية prdies Fadure :
الدبلوماسية هي فن تمثيل الحكومة ومصالح البلاد لدى الحكومات وفي الدولة الأجنبية و هي وسيلة تطبيق القانون الدولي .
2- تعريف راؤول جنيه Raaul Genet :
هي فن تمثيل الحكومة ورعاية مصالح الدول لدى بلد أجنبي و يتضمن هذا السهر على احترام حقوق ومصالح الدولة و غدارة العلاقات لخارجية طبقاً للتعليمات المرسلة و القيام بالمفاوضات الدبلوماسية.
3- تعريف ريفيه Rivie :
هي علم و فن تمثيل الدول و إجراء المفاوضات.
4- تعريف لدكتور سموحي فوق العادة: هي مجموعة القواعد و الأعراف الدولية و الإجراءات و المراسم و الشكليات التي تهتم بتنظيم العلاقات بين أشخاص القانون الدولي أي الدول و المنظمات الدولية و الممثلين الدبلوماسيين مع بيان مدى حقوقهم وواجباتهم و شروط ممارستهم مهامهم الرسمية.
5- تعريف ساتو: هي استعمال الذكاء و الكياسة في إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقلة.
6- تعريف كالفو: علم العلاقات القائمة بين مختلف الدول أو هي بتعبير ابسط فن إجراء المفاوضات.
7- تعريف القاموس الفرنسي الليزيه: الدبلوماسية هي معرفة العلاقات الدولية ومعرفة المصالح المتبادلة بين لدول. [ حسن – 1986 ص 12]
و التعريفات المختلفة التي اشرنا إليها تظهر في تعريف الدبلوماسية عنصرين أساسيين اولهما إن الدبلوماسية تتولى رعاية العلاقات الدولية و العنصر الثاني هي فن المفاوضة.
التطور التاريخي للدبلوماسية:
الدبلوماسية قديمة قدم العالم واعتقد الكتاب في القرن السادس عشر بأن الدبلوماسيين الأوائل كانوا عبارة عن ملائكة أو رسل تنقل الرسائل بين السماء و الأرض إلا إن الكتاب الجدد رفضوا ذلك.
ومهما يكن من أمر فإن أقدم المجتمعات البدائية كانت تقيم بينها علاقات و ترسل الوفود لإجراء المفاوضات وذلك من اجل تسوية المنازعات التي كانت تدور بينها و قد لاح في الأفق مبدأ الحصانة الدبلوماسية الذي نعرفه اليوم وقد طبق هذا المبدأ السكان الأصليين لاستراليا.
ويرى أغلب المؤرخين بان الإغريق طوروا في دور مبكر نظاماً دقيقاً للاتصال الدبلوماسي وذلك نتيجة للنظام السياسي الذي ساد الحضارة الإغريقية وهذا النظام كان يقوم على أساس نظام المدنية التي تعد النواة الأولى لظهور الدولة في شكلها الحديث وكان السفراء الذي لقبوا ( بالكبار ) يختارون لحكمتهم المشهورة، و في فترة من العصر الإغريقي – كانت المفاوضات تدار شغاها، وكان لكل عضو من أعضاء السفارة العديدين إن يلقي على حاكم أجنبي أو جمعية عامة خطاباً معداً وذلك لإقناع مستمعيهم بوجهة نظهرهم و بأحقية قضاياهم وكان التصديق على المعاهدات يتم بتبادل عام لليمين المنفق و هكذا يمكن القول بان الإغريق تبنوا نظام الاتفاقات العلنية.
وقد انتقلت فكرة المفاوضات بعد ذلك إلى الرومان مع غيرها من الأمور الأخرى و كان للرومان فضل في تطور الدبلوماسية من الناحية النظرية فقط، ومهما يكن من أحرفان الدبلوماسية في عهدي الإغريق و الرومان اتسمت بالثبات في الشكل و لكنها لم تكن منظمة، ثم جاءت العصور الوسطي و لم يكن فيها للدبلوماسية قواعد ثابتة و لكن منذ بزوغ عصر النهضة بأوروبا بدأت الدبلوماسية تأخذ وضعها الجديد وكان البيزنطيون هم الذين علموا النبدقية الدبلوماسية ثم تطورت الدبلوماسية من خلال مؤتمر فيينا عام 1815 و تطورت بصورة متلاحقة حتى الحرب العالمية الأولى و أخذت في التطور المتواصل حتى تاريخنا هذا، و تأتي مصادر القانون الدبلوماسي من العرف و المعاهدات، القوانين الداخلية، المحاولات الدولية لتقنين القانون الدبلوماسي و اجتهادات المحاكم. [ عطار 1989 ص 222].
نظام وزارة الخارجية السعودية
نظام وزارة الخارجية في المملكة العربية لسعودية بموجب المرسوم الملكي رقم: 5/4/2/524 و تاريخ 2/4/1374 هـ.
وزارة الخارجية.
- الديوان العام.
- البعثات السياسية و القنصلية.
الديوان العام
يتكون الديوان العام من الإدارات الآتية:
أ- الإدارة السياسية.
ب- الإدارة العربية
ت- إدارة المؤتمرات و المعاهدات.
ث- إدارة الشؤون الإدارية.
ج- إدارة المرسم.
ح- إدارة الشؤون الاقتصادية و القنصلية.
خ- إدارة المطبوعات و الصحافة و النشر.
د- إدارة المحفوظات.
ذ- إدارة الموظفين و الشؤون المالية.
ر- إدارة الثقافة و الشؤون الصحية.
البعثات السياسية و القنصلية
1- تنشأ البعثات السياسية و القنصلية بمرسوم ملكي و النيابات و الوكالات القنصلية بقرار وزاري و تحدد بقرار وزاري دائرة اختصاص كل قنصلية.
2- البعثات السياسية، هي:
أ- السفارات.
ب- المفوضيات.
ت- المكاتب الدائمة لدى الهيئات الدولية.
ث- الوفود المنتدبون بموجب مرسوم ملكي لمهمات سياسية.
ج- المنتدبون في مهمات رسمية الذين تصدر كتب اعتمادهم من وزير
الخارجية.
وأما القنصليات، فهي:
أ- القنصليات العامة.
ب- القنصليات.
ت- النيابات القنصلية.
ث- الوكالات القنصلية.
إدارة السفارة سفير أو وزير مفوض بلقب سفير، و يتولى المفوضية وزير مفوض من الدرجة الأولى أو الثانية، وفي حالة عدم تعيين سفير أو وزير مفوض أو في حالة احدهما يقوم بالأعمال بالنيابة موظف من السلك أساسي، و يتولى غدارة المكتب الدائم مدير بدرجة وزير أو يكون من الدرجة الثانية على الأقل.
يتولى إدارة القنصلية العامة ( قنصل عام)، ويجوز إن يتعهد إلى مستشار بإدارة قنصلية عامة أو قنصلية، و يتولى غدارة القنصلية ( قنصل ) و يتولى إدارة النيابة القنصلية ( نائب قنصل )، و يجوز بمرسوم تعيين قناصل و نواب قناصل فخريين للبلاد التي للمملكة مصالح بها و يكون لهم نفس اختصاصات أعضاء البعثات القنصلية، ولا يتقاضى القناصل الفخريون مرتبات من الدولة، و لمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الخارجية إن يقرر لهم مكافآت، مع العلم إن الممثلين القنصليين على اختلاف رتبهم يعملون بإشراف من الممثل السياسي في البلاد التي بها مقر عملهم.
يجوز بمرسوم ملكي إسناد الأعمال القنصلية في البلاد التي يوجد بها البعثة السياسية إلى رئيس هذه البعثة، و يجوز لرئيس هذه البعثة إن يعهد بإدارة هذه الأعمال لأحد موظفي البعثة من السلك السياسي على إن يشعر وزارة الخارجية بذلك.
وظائف السلك السياسي:
تشمل وظائف السلك السياسي و القنصلي بالديوان العام و لبعثات السياسية و القنصلية الدرجات الآتية:
أ) سفير فوق العادة مفوض.
ب) مندوب فوق العادة ووزير مفوض من الدرجة الأولى.
ت) مندوب فوق العادة ووزير مفوض من الدرجة الثانية.
ث) مستشار أول.
ج) مستشار ثاني.
ح) سكرتير أول ( قنصل عام درجة أولى).
خ) سكرتير ثاني ( قنصل عام درجة ثانية).
د) سكرتير ثالث ( قنصل ).
ذ) ملحق أول ( نائب قنصل درجة أولى ).
ر) ملحق ثاني ( نائب قنصل درجة ثانية ).
لا يعين في وظائف السلك السياسي و القنصلي إلا العربي السعودي ممن يكون محمود السيرة، و يحمل شهادة جامعية معترف بها، ويكون هذا التعيين على أساس ما يأتي:
امتيازات المقررة لرؤساء الدول بالخراج، كما إن هذه الحصانات تشمل زوجة لكن ليس في حالة قيامها بزيارة رسمية لدولة ما، وكذلك يمكن الاستفادة من هذه الامتيازات و الحصانات من قبل نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عندما يقوم بتمثيل الرئيس في الخارج.
المبحث الثاني
وزير الخارجية
اصل وزارة الخارجية:
عن تاريخ نشأة وزارات الخارجية في العالم يرتبط بتاريخ ظهور الدبلوماسية الدائمة، وكان قيامها نتيجة لتطور العلاقات الدبلوماسية بين الدول، فقد ظهرت وزارة الخارجية البريطانية التي يطلق عليها Foreign office سنة 1253.
كما ظهرت أول وزارة للخارجية في فرنسا سنة 1589 وذلك بفضل التشريعات و اللوائح التي تقضي بوضع جميع الشئون الخارجية بالاتصالات في العالم الخارجي بيد سكرتير، وقد أخذت هذه الوزارة بالتطور في عهد لويس الرابع عشر، و هكذا فإنه خلال القرنين الخامس عشر و السادس عشر أنشأت معظم الدول الأوروبية إدارات خاصة بالشئون الخارجية.
و في القرنين الخامس عشر و السادس عشر كان وزير الخارجية عبارة عن سكرتير كما كان الحال في فرنسا، حيث كان الحكام يتمتعون بسلطات مطلقة، و الحاكم المطلق كان هو الذي يحدد السياسة الخارجية لبلاده، وكذلك لم يكن هناك دور يذكر للوزير، ومع ظهور الديموقراطية البرلمانية أخذ وضع الوزير يزداد أهمية، فأصبح يدير الشئون الخارجية لبلاده تحت مراقبة رئيس الدولة أو البرلمان وفي هذه الحالة الأخيرة تحت مراقبة لجنة الشئون الخارجية لمجلسي النواب و الشيوخ.
و الوزارات المكلفة بالشئون الدولية يطلق عليها عدة تسميات، ففي فرنسا تسمى وزارة الشئون الخارجية و في بريطانيا يطلق عليها Foreign office و في الولايات المتحدة تسمى Department of stats وفي سويسرا تسمى Department Politique وفي كندا و استراليا Department des affaires Exteriaeq و قد عدلت بريطانيا وزارة خارجيتها Foreign Office حيث أصبحت تسمى ابتداء مع عام 1963 Foreign and commonwealth و في الاتحاد السوفيتي تسمى قوميساريا ( مفوضية ) الشعب للشئون الخارجية.
وقد ازداد دور وزارة الخارجية ابتداء من هذا القرن نظراً لزيادة التعقيد الذي طرأ على العلاقات الدولية ونمو و ازدياد عدد المعاهدات الجماعية، و سهولة الاتصالات، وضعف دور المبعوثين الدبلوماسيين، و الازدياد المطرد في عدد القنصليين في وزارات الخارجية، ففي فرنسا على سبيل المثال كان عدد الموظفين في الشئون الخارجية عام 1951 حوالي 1475 فأصبح في عام 1975 حوالي 1697. [ الفتلاوي 2005 ص 245]
مهام وزير الخارجية:
لما كان رئيس الدولة لا يتمكن من الناحية العملية من إدارة الشئون الخارجية بنفسه، فقد وجد إلى جانبه وزيراً للخارجية الذي تناط به مهمة غدارة الأجهزة الخاصة بمباشرة العلاقات الخارجية، كما انه عضو في مجلس وزراء الدولة و هو كذلك الرئيس المباشر لإدارة الشئون الخارجية لبلاده، كما انه الناطق الرسمي لدولته على صعيد العلاقات الدولية و بالتالي فهو همزة الوصل بين دولته و الدول الأجنبية، ووزير الخارجية أهم الهيئات الداخلية التي يعني بها و ينظمها القانون الدولي وهو الذي يقوم عملياً بإدارة العلاقات الخارجية بالرغم من السلطات التي قد يتمتع بها ويمارسها رؤساء الدولة و الحكومات فإن المسئولية الرئيسية – في رسم السياسة الخارجية للدولة تقع على وزارة الخارجية.
أنواع القناصل و ترتيب درجاتهم
أولا: أنواع القناصل:
يوجد نوعين من القناصل هما:
- القناصل المبعوثون " المعينون "
- القناصل المنتخبون " الفخريون"
- القناصل المبعوثون " المعينون ":
القناصل المبعوثون هم الذين تعينهم دولهم و تبعث بهم لتولي الوظائف القنصلية في الدولة الموفدين إليها، و يتقاضى هؤلاء راتباً مالياً، شأنهم في ذلك شأن جميع الموظفين، ولا يجوز لهم قبول أي عمل أو وظيفة باجر خارج وظائفهم القنصلية، كما أنهم من رعايا الدولة التي توفدهم.
- القناصل المنتخبون " الفخريون ":
- القناصل الفخريون كانوا يسمون في السابق بالقناصل التجاريون و يتم اختيارهم من بين رجال الأعمال أو التجار، فتعهد إليهم دولة أجنبية بتمثيل مصالح رعاياها و يمكن إن يكونوا من رعايا دولة ثالثة أو من رعايا الدولة الموفدة.
- ولا يتقاضى هؤلاء إلا مرتبات رمزية، و غالباً ما يقومون بمهام أخرى أي مقابل، ولا تعتبر هذه الفئة من القناصل كموظفين للدولة التي هم وكلاء عنها، و بالتالي يمكنهم ممارسة أعمال أخرى يتقاضون عليها أجرا. و تقتصر بعض الدول على تعيين قناصل من الفئة الأولى ( جميع الدول الاشتراكية باستثناء يوغسلافيا) كما إن هناك الولايات المتحدة الأمريكية و استراليا و نيوزيلندا تقبل إن تستقبل قناصل فخريين رغم أنها لا تعين هذه الفئة من القناصل في قنصليتها، و تجرى معظم الدول على إرسال الفئتين، و ذلك لأهمية الدائرة القنصلية، ولا تفرق القواعد الدولية بين القنصل المعين و القنصل المختار، غير إن الأول يتمتع بسلطات و اختصاصات أكثر.
- كما تقرر الاتفاقيات القنصلية مجموعة من الامتيازات يتمتع بها القنصل، و يجري العمل عند تعيين القناصل الفخريين على الأخذ بقاعدة المعاملة، و هذا ما يجري عليه العمل في جمهورية مصر العربية التي ترخص بقبول قنصلين فخريين من الأجانب بشرط المعاملة بالمثل.
- ونود إن نشير هنا إن الدرجات الأربعة التي حددتها اتفاقية فيينا لعام 1963 في العديد من التشريعات الداخلية القنصلية للدول.
- القنصل العام:
القنصل العام له مرتبة أعلى من القنصل العادي، و يعين كرئيس لدوائر قنصلية، كما يشرف إشرافا كاملاً على باقي أعضاء البعثة القنصلية وبلده، في الدولة المستقبلة إذا كان اختصاصه يشمل عموم إقليم هذه الدولة ما إذا كان اختصاصه محدداً بمنطقة معينة من الإقليم، فيقتصر إشرافه الإدارة على أعضاء البعثة القنصلية في دائرته القنصلية.
و القنصل العام كان يستفيد في الماضي من حصانات و امتيازات، و هذه الحصانات كانت مستمدة أساسا من مبدأ المعاملة بالمثل وكذلك رغبة كلا الطرفين في تنمية العلاقات التجارية و الاقتصادية.
- القنصل:
يعين القنصل رئيساً لدائرة معينة ( المدن و الموانئ) و تعتبر هذه دائرة اقل من الدوائر التي يعين بها القنصل العام.
- نائب القنصل:
يعين نائب القنصل لمساعدة القنصل العام أو القنصل في قيام عملهم، و يتمتع نائب القنصل بالصفة القنصلية مما يسمح له بالاختصاصات القنصلية في حالة غياب احداهما، و تمنح اللوائح الدولية بعض الدول، القناصل حق تعيين نوابهم بشرط اعتماد دولهم لهذا التعيين.
- الوكيل القنصلي:
الوكيل القنصلي موظف له الصفة القنصلية و يعين من قبل القنصل العام أو قنصل بعد موافقة دولته لمباشرة بعض المهام القنصلية في مدينة تدخل في دائرة اختصاصاته ولا يحق للوكيل القنصلي الاتصال المباشر بسلطات دولته، إذا هو يعمل تحت أشراف القنصل الذي قام باختياره.
ومن أهم الوظائف التي يقوم بها لقنصل الآتي:
1- رعاية مصالح و حقوق الرعايا:
تعتبر هذه الوظيفة من أهم الوظائف التي يقوم بها القنصل، و لهذا الغرض يحتفظ القنصل بسجل تقيد فيه أسماء و عناوين مواطنيه المقيمين بدائرة اختصاصه، حتى يلجأ إلى حمايتهم و الدفاع عن مصالحهم و إسداء النصح و المشورة لهم عند الحاجة، كما يقوم بمساعدة الفقراء و المعوزين و المرضي ورعاية مصالح المتوفين منهم، كما يقوم القنصل بالسهر على مصالح رعايا دولته حيث تمتعهم بالحقوق التي ينص عليها القانون الداخلي للدولة المستقبلة من جهة و القانون الدولي العام من جهة أخرى، وهكذا فإنه في حالة خضوع احد رعايا دولته القنصل للقضاء المحلي في المسائل المدنية أو الجنائية فإنه قد يتعرض لإجراءات قسرية من قبل السلطات المحلية للدولة المستقبلة أو يتعرض لما يسمى إنكار العدالة، فإنه يقع على عاتق القنصل واجب حمايته و التدخل من السلطات المحلية، و يذكر بان مفهوم الرعايا يشمل الطبيعيين و هكذا نصت المادة 5 / هـ من اتفاقية فيينا لعام 1963 على أنه من بين القنصل " تقديم العون و المساعدة لرعايا الدولة سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين معنويين " كما تنص المادة 5 / أ من نفس الاتفاقية على انه تنحصر أعمال القنصلية فيما يلي.... " حماية مصالح الدولة الموفدة ومصالح الطبيعيين و المعنويين في أراضي دولة الإقامة و في حدود نصوص الدولي".
كذلك يجب على لقنصل حماية ومساعدة رعايا دولته في دائرة ومساعدتهم في مشاريعهم و المحافظة على مصالح التجارة و الصناعة.
أحيانا، ليس باستطاعة القنصل حماية حقوق ومصالح دولته وذلك المبعوث الدبلوماسي المعتمد لدى تلك الدولة مكلف بالقيام بهذه المهام، كما يقوم القنصل – على إن لا تتعارض هذه الاختصاصات مع قوانين البلاد التي يعمل بها – أي بما يتلاءم مع القوانين و الأنظمة المعمول بها في دولة الإقامة، بالحفاظ على مصالح القاصرين و ناقصي الأهلية من رعايا دولته ولا سيما في حالة وجوب إقامة وصاية أو قوامة عليهم، فإقامة الوصاية على القصر تخضع للقوانين الداخلية، وهكذا فهذه القوانين هي التي تنظيم هذه الوصاية و تنص المادة 5 / جـ على انه من بين الوظائف القنصلية... " رعاية مصالح القاصرين أو قوامة عليهم، في حدود قوانين و أنظمة دولة الإقامة "، كذلك من بين وظائف القنصل رعاية مصالح رعايا الدولة الموفدة، طبيعيين كانوا أم معنويين في شئون الإرث فوق أراضي دولة الإقامة وفق قوانين و أنظمة دولة الإقامة.
وتدخل القنصل عند وفاة أحد رعايا دولته تقليد قديم يدعو إليه ضرورة على مصالح الورثة من مواطني دولته وضمان حفظ حقوقهم، فهو إذن و يستند إلى قواعد العرف الدولي.
و يرى الدكتور الغنيمي إن أول ما يحد اختصاص القنصل في إطار التركات لدى القنصل ليس له سوى اتخاذ الإجراءات التحفظية فقط، كما انه لا يباشرها و هما أمران:
إلا يكون المتوفى أو ورثته الشرعيون من جنسية البلد الذي يعمل القنصل لحسابها و إن تكون لهم هذه الجنسية عند الوفاة و حتى تاريخ فتح التركة.
إن يكون الورثة الذين يتدخل القنصل لحماية مصالحهم مقيمين في محل عمل القنصل لنه عندئذ لا يكون هناك مبرر لتدخله مادام إن صاحب الحق يمكنه إن يباشر بنفسه، و إلا يكون من مواطني دولة القبول لأن القنصل لا يملك إن يتصرف لحساب رعايا دولة القبول.
ويستطرد الدكتور الغنيمي قائلاً إن تدخل القنصل لصالح الورثة من رعايا دولته لا شك فيه و لكن السؤال هو في حالة عدم وجود ورثة ما، هل يجوز للقنصل إن يتدخل.؟ يرى فريق من الفقه و القضاء إن القنصل يمكنه إن يتدخل بهذا الرأي المحاكم الفرنسية و تسوق مثالاً على ذلك منازعة Beiter ضد القنصل العام الروسي 1874، إذا قالت محكمة التقصي الفرنسية إن الشروط التي تخول للقنصل صفة التدخل بقوة القانون للمحافظة على حقوق الورثة لا تستلزم من القنصل إن يثبت عند تدخله في شئون التركة وجود ورثة من مواطنيه مادام إن المتوفي كان من جنسية الدولة التي يعمل لحساب لأن التدخل هنا هو بقصد حماية الحقوق غير مؤكدة. [ شكري 2004 ص 241، 242 ]
و لكن البعض الآخر يشترط إن يثبت القنصل الوجود الفعلي لورثة من دولة الأصل حتى يحق له إن يتدخل في شئون التركة، ومن ذلك ما حكمت محاكم تشيلي 1919 عندما طلب قنصل أسبانيا تعيينه مديراً لتركه و هو رعيه أسباني توفى بدون ورثة معروفين إذ قررت رفض الطلب مع السماح له بان يكرره إذا ما ستطاع إن يثبت وجود ورثة أسبانيين.
إذا كان المتوفى من جنسية غير جنسية ورثته فإن صاحب الحق بالتدخل هو و الورثة لن الحماية القنصلية لا يقصد بها التركة من حيث هي ( فهذا أمر يدخل سلطان و سيادة الدولة التي تفتتح فيها التركة ) و لكن يقصد بها حماية مصالح الورثة.
و هكذا فإنه ليس باستطاعة القنصل ممارسة هذه الوظائف فيما يتعلق بالاشخاص من الذين لا وطن لهم أو الأشخاص التابعين لدولة ثالثة أصحاب ازدواجية الجنسية، إلا إن هناك بعض الدول تسمح كما هو الحال في سويسرا للقناصل في حماية مصالح الأشخاص الذين يحملون جنسيتين.
- العمل على تقدم التجارة و الصناعة و تنمية العلا قات الثقافية و العلمية:
- تنص المادة 5 / ب من اتفاقية فيينا لعام 1963 على انه من بين وظائف القنصل " تنمية العلاقات التجارية و الاقتصادية و الثقافية و العلمية بين الدولة ودولة الإقامة، و تشجيع و تمتين علاقات الصداقة بين الدولتين بأية وسيلة تجدي في إطار أحكام هذه الاتفاقية ".
- في حين تنص الفقرة (جـ) من نفس المادة على إن يقوم القناصل بالاستعلام عن الطرق المشروعة عن أوضاع و تطور الحياة التجارية و الاقتصادية و الثقافية الطبيعية في دولة الإقامة و تقديم تقارير عن ذلك لحكومة الدولة الموفدة و إعطاء معلومات إلى الأشخاص المعنيين.
- و يتضمن عمل القنصل في هذا الإطار السهر على مصالح دولته التجارية و المعلومات المتعلقة بما ينتجه بلد الإقامة من المنتجات الزراعية و الصناعية وما يحتاج إليه، كذلك مراقبة تنفيذ المعاهدات التجارية و الصناعية المبرمة بين دولة القنصل و دولة الإقامة، كما يقوم القنصل بتقديم المعلومات اللازمة لرعايا دولته و التجار و الصناع و تقديم الاستشارات و المساعدات لهم، بالإضافة إلى قيامه بالمشاركة في تنظيم المعارض التجارية في دولة الإقامة، كما يلعب القنصل دوراً في مجال العلاقات الثقافية و الفنية سواء بتنظيم أو تشجيع المعارض الفنية و نقل الوثائق و الأفلام عن بلاده، كما يقول قناصل بعض الدول بإعطاء معلومات عن المدارس و المعاهد العليا و الجامعات للطلبة الذين يرغبون بمتابعة اهتمامهم بها.
2-الدبلوماسية في عالم متعولم
سأقترب من موضوع الدبلوماسية كحرفة و كأداة، و الدبلوماسية وهي تمر في تحولات معاصرة، و أتساءل: هل يمكن أو سيتمكن الدبلوماسي العربي من التماهي مع هذه التغيرات و التحولات ؟ في مطلع العام 2003 نشرت إحدى الصحف الأجنبية صورة مغايرة لتلك الصورة التي عرفناها في مؤتمر فيينا عام 1815 عندما أقر أول قانون للدبلوماسية و على مدى قرنين و نحن نطبق هذا القانون، الصورة الجديدة لوزير خارجية السويد السابق وبيده اليمنى مجموعة وثائق عن انتخابات موزامبيق و اليد الأخرى هاتف خلوي يتحدث عبره مع زملائه في المفوضية الأوروبية ليقدم لهم تقريراً عن سير حال الانتخابات. و هناك صورة أخرى بين هذه الصورة وصورة مؤتمر فيينا حيث إن الدبلوماسيين ظهروا بصورة مغايرة، الصورة الثالثة للأمير بندر بن سلطان سفير المملكة العربية السعودية و هو يجلس بجوار الرئيس بوش في مزرعة الأخير حيث تنبئ الصورة بأن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين جيدة، كذلك صورة الفضائيات و الإعلاميين و هم يسرقون دور الدبلوماسي بسرعة الخبر و كثرة التحليل و نقله في ساعة وقوعه، لذا نجد إن التحدي أمام الدبلوماسي الجديد تحد لا ندرك مدى عظمة، ما الذي تتغير ما بين دبلوماسية اليوم و الأمس ؟ وما هي متطلباته الدبلوماسية، و أدواتها في القرن الحالي ؟ وكيف ستؤثر التكنولوجيا والاتصالات في عمل الدبلوماسي، و مستقبل الدبلوماسية في ظل المتغيرات التي تجري ؟
ما الجديد في وظائف الدبلوماسية الخمس التقليدية الأساسية و هي:
التمثيل، و التفاوض، و الرعاية و التعزيز، تنمية العلاقات الثنائية و الدولية، و التقرير ؟ وما الجديد الذي أضيف إلى مفهومها كونها خط الدفاع الأول و البديل المبدئي عن الحرب ؟ هناك أمكان لرسم سياسة جيدة لكن إذا لم يكن الدبلوماسي يتمتع بالقدرات حتى التقليدية منها، فمن الصعب عليه إن ينفذ السياسة الجيدة، و الكثير من قضايانا الناجحة كقضية فلسطين توافر لها محامون فاشلون، و بالتالي خسرنا الكثير من المعارك.
إن التغيرات التي أثرت في عالم الدبلوماسية كثيرة، منها ثورة المعلومات و التكنولوجيا و الاتصال و التدفق المعرفي والمعلوماتي و الفكري، و الدبلوماسي الذي كان بحاجة لأسابيع أو شهور للاتصال بدولة أخرى أصبح من السهل عليه الاتصال الآن في ظل تحولات العولمة، و التغيرات في هيكلة البيئة الدولية، و التحولات الديموقراطية العميقة التي تحدث وحدثت على مستوى المجتمعات الدولية.
هناك قوة جديدة دخلت إلى عالمنا، قوة ذات تأثير سياسي و اقتصادي و تقني، خاصة في العقد الأخير بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور ظاهرة العولمة، كذلك التحولات الديموقراطية التي حدثت على مستوى المجتمعات الدولية، وهناك تغيرات طرأت على مفاهيم الدولة و السيادة و جميعها تحديات كبيرة، كيف للدبلوماسي إن يتعامل معها في فترة من السيولة و الفوضى و اللااستقرار و اللايقين ؟
كذلك هناك تغيرات في هيكلية البيئة الدولية ، فهناك ما يقارب 15.000 منظمة غير حكومية في العالم لا يمكن تجاهلها، و هذه المنظمات غير الحكومية يجب إشراكها في السياسة الخارجية لأنها تتعامل مع قضايا معمولة لا تستطيع الدولة وحدها التحرك فيها من دون عون هذه المنظمات غير الحكومية ودعمها. [ الابراهجي و آخرون 2003 ص 168]
ونجد بعد إحداث 11 أيلول / سبتمبر مزاجاً جديداً دخل البيئة الدولية ، و يسيطر عليه فكر متطرف ايدولوجيا ، هذا المزاج يملك سطوة في السلاح و التكنولوجيا و الاقتصاد و الأعلام و الاقتصاد ، و يملك جرأة في الاقتحام وقدرة هائلة على الاختراق، و له جاذبية النموذج لذا فالدبلوماسية أمام تحد كبير يتطلب دقة وكفاءة و حرصاً من غير انزلاق إلى تجاهل أو عداء يقود إلى صدام أو كراهية عاجزة لا تسمن ولا تغني من جوع ، و هناك لا عبون جدد ؛ فالدولة الصغيرة أو الكبيرة لم تعد تتمتع بالشخصية الدولية وحدها ، و الشركات العملاقة المتعددة الجنسية يتجاوز أرباح بعضها موازنات دول صغرى ومتوسطة الحجم.
لقد تغيرت أجندة اهي:ة الكونية، و هناك معالم جديدة، فالهجرة السكانية يجب إن تكون على أجندة السياسة الخارجية سواء الخليجية أو العربية، وكذلك التعامل مع التطورات ومدى تأثيرها في المصالح الوطنية و القومية، كيف نجسر ما بين الشأن الداخلي و الخارجي، وما هو المطلوب من الدبلوماسي المعاصر ؟ هناك سبعة توجهات هي:
- الانفتاح و الشفافي و التفاعل مع القوى الحية و الرأي العام لتحسين الصورة حتى يفهمنا الآخر.
- العمر بروح الفريق، هناك مشكلة الفردية رغم أن العمل بروح الفريق أساس من أساسيات النجاح.
- التحرر من النخبوية.
- التعاون بين الدبلوماسيين و عدم التنافس بين الدبلوماسيين في الأسرة الواحدة أو السفارة الواحدة لأن المنافس هو الذي يربك العمل و يضر بروح الفريق.
- التخصص و عدم الاعتماد على الدبلوماسي العام الذي يصلح لكل الأماكن.
- التحول إلى الالكترونية في مواجهة الورق في الأرشفة و التوثيق.
- التسويق و الصناعة الخدماتية في مواجهة الوظائف التقليدية.
و للأسف وزارات الخارجية العربية لا تولي أي عناية للتدريب الدبلوماسي.
عن واقع الدبلوماسية العربية تقليدي يركز على الخدمات لا السياسات، لا تعينه قصة الصورة أو القيم أو ممارسة الضغوط إلا في ما ندر، وهي لا تريد إن تفهم ممارسة الدبلوماسية الشعبية في الخارج، وهي غير معنية بالدبلوماسية المنفتحة في الداخل، و غير استراتيجية، تتميز بالادلجة و العسكرة في داخل العمل الدبلوماسي، معذبة بعدد من التجاذبات منها تجاذبات المؤسسة الرئاسية ومؤسسات رسمية أخرى، و تستغرقها التفاصيل المكتبية، و يستهلكها التلميع الشخصي، و هي غير قادرة على الفعل و التأثير، و تغلب عليها سياسة التعايش مع الأوضاع، وانتظار التغيرات، و حكمة الصمت و الصبر، و قلة عدد الدبلوماسيين الذي يجعلها لا تستطيع التأثير في صياغة القرارات، و غياب فكر قياس النتائج، و التعامل مع الأعلام بالخوف أو عدم الإعداد، الدبلوماسية العصرية لابد من إن تكون موصولة بروح العصر، ولابد من إن نراكم خبرة دبلوماسية نستطيع إن نبني عليها.
لابد من إعادة هيكلة وزارات الخارجية وهو مطلب ملح، و الفرص المتاحة لنا تتمثل في الدبلوماسية الكونية، و الدبلوماسية الصديقة، و الدبلوماسية الشعبية، و هي التي تأتي إلى الرأي العام و منظمات المجتمع المدني من وراء الحكومات، دبلوماسية جريئة وجسورة ولابد من إعطائها مزيداً من الاهتمام و حسن الإدارة.
ومن أهم التحديات التي توجهنا تطوير نظام الدبلوماسية الإقليمية، و ضغوط ثورة الاتصال و المعلومات، و اهتزاز الاحترام للقانون الدولي و للسيادة الوطنية، لقد آن الأوان لوقفة دبلوماسية عربية للتعامل مع هذا الوضع حيث إن السيادة و الفضاء و الحدود كلها مخترقة، بالإضافة إلى إدارة أجندات العولمة لمصلحة الأهداف القومية، آملا إن يكون دبلوماسيو الغد على مستوى أهداف أمتهم و غايتهم البعيدة.
التغيرات التي طرأت على الدبلوماسية السعودية.
لكل دولة دور يتجاوز بدرجة أو بأخرى حدودها الجغرافية ليشمل الإقليم الذي ينتمي إليه، بل ما هو ابعد أحيانا من ذلك كثيراً و يبدو إن حجم هذا الدور و حجم المساحة التي يمكن إن يتمدد إليها، وكذلك مدى تأثيره، وإن كان يعتمد على عدة عوامل ليست كلها دائما تحت سيطرة الدولة، إلا انه يعتمد أولا وبصورة أساسية على الخيارات السياسية و الاستراتيجية لهذه الدولة، و يتوافر لبعض الدول دور إقليمي يتجاوز تأثيره حجمها الجغرافي و السكاني، و حتى الاقتصادي، و الأرجح هنا إن الموقع الجيواستاتيجي للدولة، إلى جانب الظرف التاريخي يمثلان معاً العامل الحاسم في تهيئة الظروف التي تسمح ببروز مثل هذا الدور، لكن من دون تبني الدولة استراتيجية تدفع في اتجاه المبادرة إلى توظيف موقعها و الإفادة من الظرف التاريخي، سيبقى الدور في حدود الإمكانية المتاحة في المقابل، هناك دول قد يتضاءل حجم دورها الإقليمي، ومدى تأثيره قياسا عل حجمها الجغرافي و الاقتصادي، وموقعها الجيواستراتيجي، ومرة أخرى، فإن السبب الرئيسي في هذه الحالة يعود في الغالب إلى استراتيجية الدولة و خياراتها السياسية و يبدو إن الدول العربية ليست استثناءا في هذا المجال و على نحو أكثر تحديداً تبرز مثل هذه الفرضية مباشرة عند قراءة و تحليل عملية صعود الدور السعودي في السنوات الأخيرة لذا تنطلق هذه الورقة في مقاربتها لهذا الموضوع من هذه الزاوية تحديداً و خصوصاً إن صعود الدور السعودي يمثل تطوراً حديثاُ و لم يحصل إلا خلال السنوات الأخيرة، ومن ثم فهو تطور لا يزال في مرحلة التبلور و الاختبار، ولا سيما انه ليس له سابقة في التاريخ الدبلوماسي السعودي المعاصر.
وإذا كان هناك ما يبرر القول إن الدور الإقليمي السعودي شهد من قبل فترات صعود تصدي خلالها لقاضيا وملفات المنطقة و بخاصة في ستينيات القرن الماضي، حيث كان هذا الدور بارزاً في ذروة الصراعات العربية، و تحديداً أثناء مرحلة المد القومي العربي في المنطقة ومع التسليم بصحة هذا الأمر إلا انه كان يوجد فارق مهم يتعلق بمسألتين: الأولى إن السياسة العربية في مجملها خلال العقد الممتد بين أواخر الخمسينات و أواخر الستينيات كانت تحت وطأة ما سماه احد الباحثين المتخصصين بـ " الحرب العربية الباردة " حيث كانت تعصف بالعالم العربي حينها انقسامات سياسية حادة بين البعث و اليسار و الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر من ناحية و بين تلك التيارات مجتمعة وما كان يعرف حينها بالخط المحافظ أو الرجعي مقابل الخط اليساري أو التقدمي و في هذه الأجواء و هذه هي المسألة الثانية، كان دور مصر الإقليمي بقيادة عبد الناصر هو المهيمن لذلك كانت سياسات و أدوار الدول العربية الأخرى لا تتجاوز كثيراً حدود مقاومة هذه الهيمنة، ووضع حد لتبعاتها السياسية على تلك الدول، وفي هذا السياق، كان الدور السعودي هنا دوراً إقليميا و يتقدم الخط العربي المحافظ و هو في ذلك كان منافساً لـ " الناصرية " إلا انه كان في حقيقته دورا دفاعياً و جزءاً من حالة الاستقطاب العربية، الأمر الآخر إن السعودية في تلك الفترة لم تكن بعد قد أصبحت القوة المالية و الاقتصادية الأكبر في المنطقة أما الآن فقد اختلف الأمر بصورة كبيرة، فـ " الناصرية " تراجعت ومعها البعث، و أصبح كل منهما اسماً من دون مضمون و كأنهما من مخلفات الماضي، هذا إلى جانب تراجع اليسار، و بخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، و تبعاً لذلك، كان من الطبيعي إن تتغير السياسات و التحالفات العربية، العربية، و تتراجع الاستقطابات الايديولوجية بين الأنظمة العربية.
ربما لم يتم تجاوز الخلافات العربية و أسبابها تماماً لكن التعبير عنها اختلف على نحو ملحوظ وكذلك اختلفت طريقة ادراتها، مع بعض الاستثناءات و تمثل ابرز وجوه الاختلاف الذي شهدت المنطقة بداياته الأولى خلال سبعينيات القرن العشرين باتجاه الدول العربية نحو تخفيف الحمولات الايدولوجية التي كانت تضفيها على خلافاتها السياسية، الأمر الذي أدى من الناحية العملية إلى وضع نهاية للحرب العربية الباردة، لذلك أصبحت الخلافات العربية يتم التعامل معها كما هي وبعيداً من الاستقطاب الأيديولوجي الحاد، فضلاً عن الحرص في الأغلب الأعم على غدارة أي خلافات سياسية من خلال آليات سياسية، مثل إقامة التحالفات و إلغائها، و توازنات القوة و المصلحة، بعبارة أخرى، و بعد نهاية الستينيات أخذت المصالح السياسية و الاقتصادية للدول العربية تطغى على حساب توجهاتها الأيديولوجية، و لعل هذا يفسر انحسار الشعبية الطاغية التي كانت الطروحات الأيديولوجية تتمتع بها من قبل، و يفسر ذلك أيضا الصعوبة التي يواجهها كل من حاول استخدام مثل هذه الطروحات، وقد تزامن هذا التطور مع الطفرة النفطية الأولى التي دفعت بالسعودية لكي تصبح القوة الاقتصادية الأكبر في المنطقة، و الشاهد في كل ذلك هو إن الإطار السياسي الإقليمي للدور الإقليمي السعودي في مرحلة الستينيات يختلف عنه في مرحلة السبيعنيات وما بعدها، وكذلك الأمر مع طبيعة هذا الدور بصورة كبيرة.
هناك أيضا من أشار إلى انه في أوائل سبعينات القرن الماضي تصدت السعودية لقيادة العمل السياسي في المنطقة عقب في تلك الحرب ، ويعزو بعض الباحثين بروز الدور السعودي هنا إلى عاملين: ثقل السعودية في سوق النفط العالمية بحكم أنها تملك اكبر احتياطي نفطي ، و أنها في ذلك الوقت كانت ثالث اكبر مصدر للنفط في العالم ، وهو ما أعطاها دوراً قيادياً في منظمة أوبك ،و أضاف إلى ثقلها السياسي إقليمياً ودولياً في ظروف سبعينات و ثمانينات القرن الماضي، العامل الثاني كان تحييد كل من سوريا ومصر في الصراعات العربي ، العربية نتيجة للهزيمة العربية القاسية في يونيو 1967 و هي الحرب التي كانت في الواقع ايذاناً بنهاية " الحرب العربية الباردة " حيث مثلت هزيمة للمعسكر التقدمي بقياداته و أيديولوجياته و شعاراته و إذا كان هذا صحيحاً، فإنه لابد من ملاحظة إن الدور السعودي في هذه المرحلة كان يتحرك ضمن معطيات بعضها يعود للواقع العربي ، و بعضها الآخر يعود إلى الخيار السياسي للسعودية في تلك الظروف.
فمن ناحية، تميزت تلك المرحلة بأنه لم يكن قد تبلور فيها بعد موقف عربي واضح وموحد إزاء مآلات الصراع مع اسرائيل، و بخاصة من فكرة السلام، وإذا كانت مصر السادات بعد حرب أكتوبر مباشرة قد استقرت على فكرة سلام كامل مع إسرائيل، حتى ولو كان سلاماً منفرداً، فإن بقية العرب بما في ذلك السعودية، كانوا يرفضون السلام المنفرد انطلاقاً من انه يضعف الموقف العربي، و في الوقت نفسه، كانت السعودية ترى إن معاقبة مصر بعزلها عربياً لا يخدم الموقف العربي، ولا القضية الفلسطينية، لذا لم تتوقف السعودية عن محاولة التقريب بين مصر وسوريا، و قد نجحت في تحقيق شئ من ذلك بعد قمة الرياض السداسية في عام 1976، لكن ما إن حل عام 1977 حتى تكتشف إن هذا التقارب كان أشبه بالسراب، حيث شهد هذا العام ما كان يعرف حينها بـ " مبادرة السادات" التي بدأت بزيارة الرئيس المصري للقدس المحتلة، و انتهت بتوقيع اتفاقية.
تغير اللحظة السياسية:
هنا،دو غريباً إن الدولة مثل السعودية لم يتهيأ لها دور قيادي له من الحجم و التأثير ما يتناسب مع مكانتها و ثقلها الإقليمي إلا مؤخراً و خصوصاً أنها احد الأعمدة الأربعة، التي يرتكز عليها النظام الإقليمي العربي، لكن هذا يؤكد فرضية الخيار السياسي و الاستراتيجي للدولة، فحقيقة إن الدولة السعودية لم يكن لها دور قيادي يتناسب مع حجمها ووزنها الإقليمي لا يعود إلى متغيرات الواقع السياسي الإقليمي على الرغم من أهميته، و الأرجح إن هذا الغياب لم يكن أمرا مفروضاً على السعودية، بقدر ما كان خياراً استقرت عليه، و فرضته الدولة على نفسها ورضيت به لكونه يخدم السياسية التمس تتبناها إقليميا و يخدم الهدف الاستراتيجي الذي لا تريد إن تحيد عنه، و إذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن إن نفهم من هذه الزاوية البروز الواضح للدور السعودي في السنوات الأخيرة ؟ هنا، ينبغي إن نقترب أكثر من التغيرات التي حصلت للعالم العربي خلال العقود الأربعة الأخيرة، من زاوية الرؤية السعودية لهذه التغيرات، و علاقتها بما حصل للدور السعودي انطلاقاً من هذه الرؤية. [ الهاشمي 2008، ص 352]
و عندما نأتي إلى اللحظة الراهنة، يبدو المشهد السياسي العربي مختلفاً بصورة واضحة عما كان عليه من قبل، كذلك الأمر بالنسبة إلى الدور السعودي، و ليس من السهل تحديد نقطة زمنية معينة بدأت عندها هذه اللحظة، فالحديث هنا عن عملية سياسية تاريخية مستمرة تتداخل فيها العوامل و اللحظات أيضا، لكن يمكن تحديد مجموعة عوامل أدى تعاقبها و تفاعل تداعياتها إلى تبلور هذه اللحظة كما تبدو حالياً، و كانت هزيمة يونيو 1967 أول هذه العوامل، حيث كانت هزيمة قاسية بصورة خاصة لممصر عبد الناصر و للبعث في سوريا لأنها ضربت مصداقية الطروحات القومية لهذين النظامين الأمر الذي اضعف موقفهما السياسي في المنطقة أما العامل الثاني فكان مبادرة السادات التي انتهت بتوقيع اتفاقيتي كامب، ديفيد ومعاهد السلام بين مصر و إسرائيل، و تأتي أهمية المبادرة في هذا السياق من تسلسل الأحداث و التداعيات التي افرزنها، فهي أولا أخرجت مصر من المعادلة العسكرية للصراع العربي مع إسرائيل، و بذلك مهدت الأرض لما أصبح يعرف لاحقاً ب " عملية السلام " في المنطقة.
وكان العامل الثالث و الأهم الغزو العراقي للكويت، الذي كان ولا يزال لحظة مفصلية بالنسبة إلى العالم العربي، و ذلك من حيث التداعيات التي ترتبت عليه عربياً و إقليميا ودولياً و كان من التداعيات المباشرة لذلك الحدث الانقسام الحاد الذي أصاب النظام الرسمي العربي بعد وقوع عملية الغزو و هو انقسام من هذا المؤتمر الدولي، ما أصبح يعرف بعملية السلام وما نتج منها مثل اتفاق أسلو لعام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية و إسرائيل و اتفاق وادي عربة في عام 1994 بين الأردن و إسرائيل، ثم مبادرة السلام العربية، ومن النتائج الدولية المتداخلة مع الأوضاع الإقليمية للغزو العراقي فرض الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج العربي بحجم و نوعية غير مسبوقين.
وكان العامل الثالث و الأهم الغزو العراقي للكويت، الذي كان ولا يزال لحظة مفصلية بالنسبة إلى العالم العربي و ذلك من حيث التداعيات التي ترتبت عليه عربياً و اقليمياً ودولياً، وكان من التداعيات التي ترتبت عليه عربيا و اقليمياً و دولياً. وكان من التداعيات المباشرة لذلك الحدث الانقسام الحاد الذي أصاب النظام الرسمي العربي بعد وقوع عملية الغزو، وهو انقسام من هذا المؤتمر الدولي ما أصبح يعرف بعملية السلام، وما نتج منها مثل اتفاق اسلوا لعام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية و إسرائيل، و اتفاق وادي عربة في عام 1994 ثم مبادرة السلام العربية.
وهو ما حدث بعد اجتياح الجيش الأمريكي لبغداد في عام 2002 و في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق انفجرت حرب أهلية طائفية، أخرجت العراق من النظام الإقليمي العربي، بل أصبحت تمثل تهديداً لوحدته، ومنذ ذلك الحين، لم يعد النظام الرسمي العربي كما كان عليه حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي.
و بالنسبة للدور الإقليمي السعودي، فقد كان لتغير المشهد السياسي العربي نتائج لا تقل أهمية، فمع اختفاء محاور الحرب العربية الباردة، وبرز إجماع عربي حول خيار السلام مع إسرائيل، إلى جانب خروج العراق من النظام الرسمي العربي، كانت السعودية قد برزت كقوة اقتصادية و سياسية في المنطقة، و قد بدأت هذه القوة في التصاعد منذ الطفرة النفطية الأولى في بدايات السبعينيات.
الأحادية الأمريكية الاستمرارية و الزوال:
إن التحديات المختلفة التي تواجهها الولايات المتحدة على الصعيدين الداخلي و الخارجي ، منذ تولي الرئيس جورج بوش الابن الحكم ،و دخول الولايات المتحدة في حربين : أفغانستان 2001 و العراق 2003 شجع المراقبين على القول أنها تواجه الآن بداية النهاية لعصر هيمنتها الأحادية ، و يستند المراقبون في ذلك إلى تحليل بول كيندي في كتابه الشهير صعود وسقوط القوى العظمى ،و الذي ذهب إلى إن التمدد المفرط كان نقطة البداية لزوال إمبراطوريات عظمى مثل الرومانية و البريطانية و يذهب آخرون إلى القول انه رغم المأزق الذي تواجهه الولايات المتحدة ، فإن المجال لا يزال مفتوحاً أمامها للحفاظ على تماسكها وتفوقها و هيمنتها على جميع المستويات و قد كان التساؤل حول مستقبل القوة الأمريكية محور العديد من الكتابات الغربية و الأمريكية نستعرض ما نشرته مجلة الشئون الخارجية الأمريكية الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية في عددها عن شهري مايو و يونيو 2008 من مقالتين متميزتين ، تبحثان هل انتهى عصر الهيمنة و الأحادية الأمريكية المقالة الأولى لرئيس مجلس العلاقات الخارجية و الأكاديمي و السياسي الأمريكي البارز " ريتشارد هاس " و الثانية (2) لمحرر مجلة النيوزويك للنسخة الدولية " فريد زكريا".
نظام دولي جديد:
في بداية طرح " هاس " لرؤيته لمستقبل النظام الدولي في ظل احتدام الجدل حول مستقبل هذا النظام ، يعارض من يقولون انه نظام متعدد الأقطاب ، الذين يرون انه يضم ست قوى فاعلة – الصين ، الهند ، الاتحاد الأوروبي ، اليابان روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية – يصل عدد سكانها إلى ما يقرب من نصف سكان العالم و يمثل ناتجها القومي الإجمالي ما يقرب من 75% من الناتج الإجمالي العالمي و إن إنفاقها العسكري يفوق 80% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي ،و على خلاف هؤلاء يرى هاس إن النظام الدولي الجديد يتجه تحو نظام عديم الأقطاب حيث إن هناك تعدداً في مراكز القوى و لكنه تعدد مختلف عن التعددية القطبية التقليدية .
يتميز هذا النظام الجديد ، من وجهة نظر هاس ، بصعود فاعلين غير الدولة القومية في الوقت الذي تشهد فيه تلك الدول القومية العديد من التحديات ، سواء على المستوى الدولي من المنظمات الدولية أو على المستوى القومي من الجماعات المسلحة ، أو في الداخل من المنظمات و التجمعات غير الحكومية .
و سيشهد هذا النظام تعدد و تشتت مراكز القوى من حيث انتشارها و تعدد من يملكها فبجانب وجود ست قوى كبرى – السابق الإشارة إليها – يرى " هاس " إن هناك دولاً صاعدة كقرى إقليمية مثل البرازيل ، و فنزويلا و السعودية ومصر ... وهناك قوى أخرى مثل المنظمات الدولية – بشقيها الدولي الإقليمي و الشركات متعددة الجنسيات ووسائل الأعلام و الجماعات المسلحة والإرهابية و المنظمات الدولية غير الحكومية ، فضلاً عن بعض المدن داخل دولها كمدينتي نيويورك و شنغهاي . [ عبد العاطي 2008 ص 223]
مظاهر العولمة الدبلوماسية :
إن التحولات التي شهدها النظام العالمي الجديد أفرزت أثارا عديدة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية و اختصاصات الدولة القومية ،و بالتأكيد أثرت على دبلوماسيتها ( التفاوضية ) إذ تحولت الدبلوماسية من أداة تمثيل لمصالح الدولة المرسلة في الدولة المضيفة و المحافظة عليها و تطويرها بكل السبل المشروعة إلى فن غدارة الاتصال و العلاقات بين الدول في ظل مفاهيم حديثة مثل :
1- الاعتماد المتبادل 2- و الأمن الجماعي 3- و المواطنة الكونية
لقد عملت العولمة بفضل وسائل الاتصال الدولية الحديثة على جعل الدبلوماسية تعمل وفق أساليب حديثة ، و التركيز على تنامي الشعور و الوجدان العالمي بحيث أصبحت قضايا مكافحة التلوث و حماية البيئة و الانفجار السكاني ، و حقوق الإنسان ومكافحة المخدرات و محاربة الإرهاب و الحد من الأسلحة النووية تتطلب النظرة الشمولية لدبلوماسية الدول في سياق المصلحة الدولية العامة.
للوهلة الأولى نجد إن رغبة النظام العالمي الجديد إن تفعل العولمة فعلها السلمي في قيام مجتمع دولي على أساس السلام و حسن الجوار و الأمان و تحقيق الأمن الجماعي ،و كلما يتقدم يتضاءل أمام تمدد دور الولايات المتحدة الأمريكية ،و خاصة عندما أصبحت العولمة مرادفة للأمركة ، بمعنى سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة صياغة النظام العالمي طبقاً لمصالحها و توجهاتها و أنماط القيم السائدة فيها . [ الهاشمي 2008 ، ص 391]
و يمكن توضيح ذلك في موضوع الغلاف الذي نشرته مجلة Time الأمريكية في العدد 8 الصادر في 21 آب 1995 ،و كان موضوع الغلاف عن الحرب المعلوماتية .
و بذلك يتضح جلياً سبب فرض الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها ،و حق التدخل سياسياً و عسكرياً في أي منطقة ، تحت ستار النظام العالمي الجديد لتحقيق أهدافها و حماية مصالحها ، ولعله لم يكن من قبيل المصادفة إن جاءت الدعوة الأمريكية لقيام نظام عالمي جديد و ليس لإقامة نظام دولي جديد ،و هذا ما فسره البعض بأنه أمر مقصود من جانب المسئولين الأمريكيين لصرف الأنظار عن مفهوم ( الدولة ) الذي ظل لعدة قرون معبراً عن الصورة الرئيسية للمجتمعات السياسية الحديثة ، باعتبارها الشخص الرئيسي من أشخاص القانون الدولي و اللاعب الرئيس في مجال العلاقات الدولية ، بما يتضمنه هذا المفهوم من ضرورة توافر صفة ( السيادة ) ، و لما تستتبعه هذا الصفة من عدم جواز التدخل في شؤون الداخلية للدول الأخرى ن وهو المبدأ الذي كان من الممكن إن يشكل عائقاً أمام محاولات التدخل السياسي أو العسكري الذي قد تضطر الولايات المتحدة الامريكية و حلفاؤها إلى اللجوء إليها دفاعاً عن مصالحهم ، ومن هنا وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في حرب الخليج الفرصة الذهبية لتقرير حقها في التدخل عسكرياً ضد العراق بدعوي خروجه على الشريعة الدولية في اعتدائه على الكويت ، فراحت تظهر حسماً وجزماً بالعنيف مواجهته ، معلنة انه ليس ثمة مجال للحديث عن تسوية سليمة أو دبلوماسية للازمة ، أي أنها ألغت ( الدبلوماسية ) كلياً و التفاوض و استخدمت القوة العسكرية ( الحرب ) ضد العراق ، ومن هذا المنطلق فقد عرقلت الولايات المتحدة الجهود الدبلوماسية كافة التي كان من الممكن إن تؤدي إلى تسوية الأزمة سلمياً ... وطبيعة الحال فقد كان الباعث وراء ذلك هو عدم إضاعة هذه الفرصة التي يمكن إن تتخذ كسابقة أولى لتطبيق أحكام ذلك النظام العالمي الجديد الذي رفعت لواءه الولايات المتحدة الأمريكية .
لما كانت الدبلوماسية المعاصرة أوجدت دبلوماسية المنظمات البرلمانية و التي تحدثنا عنها في فصول سابقة ، إلا إن النظام العالمي الجديد ( المزعوم ألغى هذا الدور ، فقد عملت ( أمريكا) منذ البدايات الأولى على إعطاء نفسها الحق في زعامة هذا النظام ،و عملت على إبقاء المنظمة الدولية بعيدة عن القيام بأي دور فعال لحل الأزمة العراقية – الكويتية مثلاً، و على النحو الذي قرره ميثاق الأمم المتحدة ، فحاولت قصر دور المنظمة الدولية على مجرد إصدار قرارات من مجلس الأمن تدين العراق ،و تنذره لدخوله دولة الكويت ، و تطالبه بالانسحاب الفوري من أراضيها، وبفرض عقوبات تصاعدية على العراق ، لإقناع الرأي العام العالمي باستنفاذ السبل و الوسائل السلمية كافة في إعادة الشريعة ،و حتى تتمكن من إتمام الاستعدادات العسكرية الضخمة التي كان يتطلبها القيام بلا تدخل العسكري ، بينما كانت تحبط – في الخفاء – الجهود الدبلوماسية كافة ،و على الصعد جميعها ، بغية توجه دفة الأحداث نحو حتمية التدخل العسكري ضد العراق .. وهذا هو أسلوبها المعروف ، فقد صعدت الولايات المتحدة من ضغوطها و تهديداتها لمجلس الأمن لحمله على الانصياع لوجهة النظر الأمريكية ، و قد ساعد على ذلك عدم وجود معارضة روسية داخل مجلس الأمن ، فضلاً عما قامت به الحكومة الكويتية في المنفى من جهود دبلوماسية و إنفاق الملايين من الدولارات لاستمالة الدول الأعضاء في مجلس الأمن لتأييد قرار التدخل العسكري ضد العراق . [ نيفري 2002 ، ص 216]
و يرى فقهاء القانون الدولي إن معالجة مجلس الأمن للازمة العراقية الأمريكية قد جاء على نحو مخالف للسوابق كافة التي شهدتها المنظمة الدولية ، فقد نص القرار 678 الصادر عن مجلس الأمن في 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1990 على انه ( يصرح للدول الأعضاء المتعاونة مع الحكومة الكويتية بان تستخدم جميع الوسائل اللازمة لدعم و تنفيذ القرار 1660 لسنة 1990 وجميع القرارات اللاحقة ذات الصلة ، لإعادة السلم و الأمن الدوليين إلى نصابهما في المنطقة ، ما لم ينفذ العراق القرارات السالفة الذكر قبل 15 كانون الثاني / يناير 1991م ).
و يتضح من نص القرار السابق إن مجلس الأمن قد أوكل إلى كل دول الائتلاف الغربي مهمة استخدام القوة العسكرية على النحو الذي تراه أمريكا، و هو ما كان يعني احتفاظ الولايات المتحدة بالحرية الكاملة في الحركة بعيداً عن أي تداخل من مجلس الأمن ، و هو الأمر الذي يتنافى مع ما أقرته أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .
وقد علق الأمين العام للمنظمة الدولية وقتئذ عن ذلك الأمر بقوله : " لقد صرح مجلس الأمن باستخدام القوة و لكن هذه الحرب ليست حرب الأمم المتحدة ، ولا توجد قرأت تابعة للأمم المتحدة و ترفع علمها)، و تتم احاطتي علماً بما يدور على مسرح العمليات العسكرية من خلال تقارير تبعثها الدول المتحالفة، و لا نستطيع القول بان الأمم المتحدة مسئولة عن هذه الحرب ، ومع ذلك فهي حرب مشروعة في سياق معنى محدد ، و هي أنها حرب مصرح بها من جانب مجلس الأمن )، ومن هنا يمكننا إن نخلص إلى إن فكرة النظام العالمي الجديد و على حد وصف إحدى الصحف ، قد استغلت من جانب الولايات المتحدة لاستبعاد بقية دول العالم ، و لجعل مجلس الأمن مجرد جهاز من أجهزة تنفيذ السياسة الخارجية .
دبلوماسية العولمة :
عموما يمكننا إن نشير إلى بعض المتغيرات التي طرأت على الدبلوماسية و آلية أدائها في ظل النظام العالمي ( المزعوم) و اثر العولمة على وظائفها الجديدة:
أولاً: أدت سرعة الاتصال الناتجة عن تطور تقنيات المعلومات و الاتصال الجماهيري و المواصلات التي تطور هائل في سرعة أنت قال الأفكار و الثقافة عبر الأقمار الصناعية ،و سرعة انتقال الأحياء و الأشياء ،و في مضمار الفكر و الثقافة كثر الحديث عن التفرد الثقافي و الاستعمار الفكري ، و في مضمار حركة الأحياء ( كالإنسان و الحيوان) و الأشياء ( كالسلع و البضائع) يكثر الحديث عن الهيمنة الاقتصادية وما قد يلازمها من هيمنة عسكرية ،و هيمنة سياسية ، ومن ثم فكرية و ثقافية ، فموضوع ( الشرق أوسطية ) مثلاً ... يناقش كموضوع اقتصادي – استراتيجي – سياسي – يراد به خدمة إسرائيل لجعل مقدرات الأمة العربية و امكاناتها تحت رحمتهم ، و يناقش في الوقت ذاته كموضوع عن ( الهوية العربية و الذات العربية ومحاولة ( الآخر ) لمحوها .. إن سهولة الاتصالات و تطورها عملت على إن يقوم رئيس الدولة نفسه أو الممثل الشخصي أو وزير الخارجية بإجراء المفاوضات و عقد الاتفاقات، و لم يعد السفير و أعضاء بعثته في ظل الكم الهائل من المعلومات التي تنهمر عليه بمؤتمنين ائتمانا كاملاً على تمثيل بلدهم و المحافظة عليها كما كان سابقاً.
ثانياً: المراقب للعمل الدبلوماسي الحديث يلاحظ إن العولمة و سرعة انتقال المعلومات جعلت مهمة الدبلوماسي أكثر يسراً من جهة و أكثر صعوبة من جهة أخرى ، إن سرعة تبادل المعلومات بين طرفين تؤدي إلى سرعة التواصل و ب التالي تيسير لعملية الاتصال ،ولكن هذه السرعة تتطلب كذلك قدرة عالية على تصنيف المعلومات .
المستشار الإعلامي و العمل الدبلوماسي:
إن وظيفة المستشار الإعلامي أو الملحق الصحفي ، ولدتها التغيرات الجديدة في المجتمع المعاصر ، وفرضتها إلية الدبلوماسية الحديثة فالملحق الصحفي وظيفته هي ، الاتصال بجميع فئات و طبقات العالم المحلي ، لتوضيح وجهة نظر حكومته و لمعرفة وجهة نظر تلك الفئات و الطبقات و يقوم بالاتي :
1- فهو يتصل بأجهزة الأعلام الجماهيرية .
2- من حقه إن يخاطب الرأي العام المحلي مباشرة و بصفة خاصة للرد على أي شئ يعيب دولته في صورة احتجاج أو ما في حكمه.
3- من ح قه إن يتصل لا فقط بالقوى الحاكمة بل إن يفتح جميع قنوات الاتصال مع القوى المعارضة و هذا جديد في التقاليد الدبلوماسية .
ما إن يؤدي الرئيس الأمريكي المنتخب باراك اوباما القسم حتى يكتشف انه قد ورث تركة ثقيلة تضم حربين في دول بعيدة عن الأراضي الأمريكية إحداهما لا نجد أدنى شعبية بينما الأخرى تسوء أحوالا يوما بعد يوم يضاف إلى هذا أزمة مالية عالمية طاحنة تعيد إلى الأذهان حالة الكساد الكبير كما تضم التركة قضية تغير المناخ العالمي و حالة من تأثيرات خطيرة و انتشار الأسلحة النووية بين الدول التي تعتبرها واشنطن حارقة وقد أكد الرئيس المنتخب اوباما انه سيركز على مبدأ إن يجوب العالم الذي تتزايد فيه الانتقادات الحادة للولايات المتحدة الأمريكية سعياً لإصلاح صورة الدولة التي يحكمها وقد رصد تقرير لمركز بيو الأمريكي أهم التغيرات التي شهدها العالم أثناء فترتي ولاية بوش وركز على أربع قضايا هي العلاقة بين الغرب و المسلمين ، وتردي صورة الولايات المتحدة حتى بين حلفائها ، و الأزمة المالية التي شهدتها نهاية الولاية الثانية ، وصعود الصين بما يؤهلها لتحل محل أمريكا كما يرى الكثيرون .
العالم يفتقد الثقة في بوش ويمنحها اوباما :
أصبحت شعبية الرئيس جورج بوش بصورة كبيرة بين المواطنين الأمريكيين ووصلت لمستويات متدنية تعادل تلك التي بلغها نيكسون قبل استقالته و كانت الصورة أسوا بكثير في دول العالم المختلفة و في استطلاع للرأي عام 2008م تم سؤال المواطنين في 24 دولة عما إذا كانوا تخولون بوش الثقة في اتخاذ القرارات السليمة في السياسة الخارجية ، و أكدت الغالبية في ثلاث دول فقط ( الهند و نيجيريا و تنزانيا ) إن لديها الثقة إلى حد ما في أدائه .
على الجانب الآخر وقفت 19 دولة لا يجد موطنوها الرئيس الأمريكي أهلا للثقة و بلغت تلك النسبة أوجها بين مواطني دول الشرق الأوسط 89% في الأردن و تركيا و تراوحت النسبة في دول غرب أوروبا بين 81% في بريطانيا و 88% في أسبانيا و في عام 2008 أجرى استطلاع للرأي بشان ترتيب قادة خمس دول : بوش و بونين و ميركل و ساركوزي و نجاد و لم يحظ بوش بثقة إلا في أربعة دول هي الهند و ثلاث دول افريقية في حين نال الرئيس الإيراني الثقة لدى الرأي العام في تركيا و باكستان و اندونيسيا.
و على النقيض يأتي الرئيس المنتخب اوباما حيث ينظر إليه المواطنون في غالبية الدول على انه رئيس قادر على إحداث تغيير للأفضل في السياسة الأمريكية ومن ثم يتمنون إن ينجح في تحسين صورة بلاده التي تسبب سياسات سلفه في إفسادها إلى حد كبي وقد ساءت صورة الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم وبصورة على إدارة بوش فيما يتعلق بالأزمة المالية العالمية و تنامي المعارضة لسياسات واشنطن الخارجية في دول غرب أوروبا كما إن النظرة الايجابية للولايات المتحدة قد بدأت في التلاشي رويداً رويداً حتى بين الدول التي تعد من الحلفاء القدامى لها و في العالم الإسلامي كانت حربا أفغانستان و العراق – و خاصة الأخيرة سبباً في وصول صورة أمريكا إلى الحضيض بين دول العالم الإسلامي و العربي و يأتي بصيص الأمل من بعض دول آسيا ودول أمريكا اللاتينية حيث ترفع اسم الولايات المتحدة و إن كانت بصورة ضئيلة نسبياً و ترجم تنامي عدم الرضا عن السياسة الخارجية لواشنطن في صورة اهتمام بمدى قوة الولايات المتحدة ورأت الغالبية في العالم إن الولايات المتحدة كاللاعب الأهوج الذي يندفع بكل ثقله دون إن يبالي باهتمامات الآخرين ، و قد كسبت أمريكا التعاطف العالمي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 إلا إن الاستطلاعات أكدت انه بحلول ربيع 2002 هبطت تلك المعدلات في العديد من البلاد عما كانت عليه في بداية القرن.
هنتنجبون :
يعتبر صموئيل هنتنجتون من اشهر علماء السياسة الأمريكية في القرن العشرين ، الذين اثروا بفكرهم في السياسة و الاستراتيجية الأمريكية حتى إن كتبه أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الفكرية العالمية خاصة كتاب صدام الحضارات و سيبقى بعد وفاته مثاراً للجدل أيضا في تأثيره في مجريات الأحداث الدولية من خلال تلاميذه الذين درسوا عليه في جامعة هارفارد منذ 1950 و حتى وفاته في 24 ديسمبر 2008 م .
و يعتبر هنتجتون من أكثر الأكاديميين الذين تأثرت بهم السياسة الخارجية وكان ضمن فريق الحزب الديموقراطي فقد عمل مستشاراً للمرشح الديموقراطي للرئاسة هيوبرت همرفي للشئون الخارجية عام 1968 م ، و أسس مجلة السياسة الخارجية التي تعتبر قريبة من وجهة نظر الإدارات الديموقراطية في السياسة الخارجية و في عهد الرئيس كارتر عمل منسقاً لشئون الأمن الدولي في مجلس الأمن القومي الأمريكي خلال 1977 – 1979 كما عمل في إدارة ريجان ، لذا بقى هنتجتون خلال مسيرته الأكاديمية التي استمرت 58 عاماً و هو في خدمة الحكومات الأمريكية و في التنظير للسياسة الخارجية الأمريكية و التحول الديموقراطي في العالم و إضافة إلى عمله في هارفارد فقط عمل في جامعة كولومبيا خلال الفترة من 1958 – 1962 و أسس معهد اولن للدراسات الاستراتيجية و تولى رئاسته خلال الفترة 1990 – 1999 و عن معهد اولن صدرت دراسته التي أثارت ضجة كبرى و هي صدام الحضارات و التي تشر جزء منها في مجلة الشئون الخارجية 1993 و تولى هنتنجتون إدارة أكاديمية هارفارد للدراسات الدولية و الإقليمية 1996 – 2004 و كان له دور كبير في الدراسات التي صدرت عن هذه الأكاديمية و الجامعة الشهيرة.
أما مؤلفات هنتنجتون فقد نشر 17 كتابا بين مؤلف ومشارك في التأليف و كتب نحو 90 بحثاً علمياً في مجال السياسة الخارجية الأمريكية و نشر الديموقراطية و المؤسسات العسكرية و التنمية السياسية و الديموقراطية و قد أثارت كتبه ضجة كبرى ومازالت كتبه تحظى بالنقاش على المستويات الفكرية و السياسية بين النخب الفكرية على مختلف الأصعدة . [ نيفري 2002 ص 291]
نظرية هنتنجتون : و إذا كان هنتنجتون قد اشتهر في كتابة الجندي و الدولة فقد كانت شهرته اكبر في آخر سنواته و ذلك بكتابه إن الصراع في العالم يتحول إلي صدام حضاري .
و جاءت نظرية هنتنجتون بعد ما كتبه فرنسيس فوكوياما في مقالته التي نشرها عام 1989 تحت عنوان " نهاية التاريخ " التي قال فيها انه بسقوط الماركسية تكون الديموقراطية الليبرالية هي التي ستسود العالم و بذلك ينتهي الصراع العقدي الذي ميز فترة الحرب الباردة ،و الجدير بالذكر إن هنتنجتون كان أستاذا لفرنسيس فوكوباما في جامعة هارفارد و لعله من المثير إن فوكوياما كتب رسالته للدكتوراه عن انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط و كان أستاذه المشرف هو هنتنجتون و نلاحظ إن هنتنجتون جاء ناقداً تلميذه الذي قال بنهاية التاريخ و كأن هنتنجتون يذكر تلميذه السابق بان التاريخ لم ينته بل إن الصراع لا يزال مستمراً و سيبقى في المستقبل و لكنه يأخذ بعداً جديداً و هو الصراع الحضاري و هو غطاء أو غلاف لما أراد هنتنجتون قوله انه صراع ديني لان الدين أساس الحضارات ثم انه عندما قام باستعراض الحضارات كانت تسميته مرتبطة بالدين و لكن هناك من يقول بشئ من الحقيقة إن نظرية هنتنجتون صدام الحضارات جاءت لتخدم الحكومة الأمريكية التي كانت تبحث لها عن عدو جديد بعد زوال عدوها السابق الاتحاد السوفيتي ، فالدول الكبرى تبقى دائماً بحاجة إلى عدو ،و هو ما قدمه هنتنجتون للحكومة الأمريكية التي سخرت نظرية صدام الحضارات لأغراضها و خاصة في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الذي كانت سياسته خلال الثماني سنوات التي قضاها في البيت الأبيض تقوم على فلسفته صدام الحضارات و يظهرها من اختلاله لكل من العراق و أفغانستان .
وقد ذكر هنتنجتون سبع حضارات و أحيانا اعتبرها ثمانية و سماها على أساس ديني الروسية، الأرثوذكسية و الهندوسية و الكونفوشيسية و البوذية و أمريكا اللاتينية الكاثوليكية و أفريقيا و الحضارة الغربية و الإسلامية و لكن هنتنجتون في مناقشة للخطر على الغرب وهو ينطلق من وجهة نظر مصالح الولايات المتحدة يقول إن الخطر الذي يواجه الغرب نابع من الحضارة الإسلامية و ي علل ذلك بأنها عقيدة بين الحضارة الغربية و الإسلامية في الأندلس و الحروب الصليبية و هو بذلك يحذر واشنطن من الخطر عليها في المستقبل من الحضارة الإسلامية، و نلاحظ إن بوش في إعلان الحرب على الإرهاب و احتلال بعض الدول متأثر بنظرية هنتنجتون رغم محاولة إنكار ذلك فقد قال مباشرة بعد إحداث 11 سبتمبر أنها حرب صليبية و لكن تراجع عنها بعد ما نبهه مستشاره إلى خطورة ترديده لهذا القول على أنها حرب صليبية، و قد كان موقف بوش من الناحية الاستراتيجية نحو العالم الإسلامي متأثراً بنظرية صدام الحضارات فالذي يخطط للسياسة الخارجية على المدى المتوسط و البعيد هي مراكز الأبحاث و الجامعات و في الولايات المتحدة ظاهرة تختلف عن غيرها من الدول الكبرى و هي انتقال الأكاديميين للعمل في الدوائر الحكومية للربط بين الجانب الأكاديمي النظري و الجانب العملي كما هو حال هنتنجتون و بريجنسكي و هذي كيسنجرو و غيرهم و لن تكون أخرهم كونااليزارايس التي تعود الآن إلى جامعة ستانفورد هي حاليا تبحث لها عن منزل يكون قريباً من الجامعة و لعل ما يثير الانتباه في خطورة نظرية هنتنجتون تنبيه واشنطن إلي خطر التقارب الإسلامي الصيني فهو يقول إن الحضارتين الخطيرتين على الغرب الصينية و الإسلامية و كأنه يستشرف صعود الصين كقوة عظمى في القرن الحادي و العشرين تتحدى الولايات المتحدة، و ما يجري في العالم الإسلامي خاصة من الحصول على الأسلحة النووية التي تقف واشنطن رافضة لها، كما في التضليل في الحرب على العراق و الموقف من إيران و ينبه هنتجتون على خطورة مساعدة تقديم الصين تكنولوجيا الصواريخ البالستية من الصين إلى العالم العربي و الإسلامي و الخطورة في نظر هنتنجتون هي التعاون السياسي و في مجال التسلح، و نظرية هنتجتون هي محور الأمن القومي الأمريكي و تحدياته في المستقبل.