- الجمعة مايو 28, 2010 10:00 pm
#27410
العلاقة بين الحرية الاقتصادية والحرية السياسية
ميلتون فريدمان
إنه من السائد كثيرًا بأن السياسة والاقتصاد أمران منفصلان ولا علاقة لأحدهما بالآخر؛ وأن الحرية الفردية مسألة سياسية بينما أن الرفاهية المادية مسألة اقتصادية، وبأنه من الممكن ضم أي نوع من الأنظمة السياسية إلى أي نوع من الأنظمة الاقتصادية، والتطبيق المعاصر الأوضح لهذه الفكرة هو الدفاع عن "الاشتراكية الديمقراطية " من قبل العديد من الذين يدينون في الوقت ذاته القيود التي تفرضها "الاشتراكية الديكتاتورية " على الحرية الفردية في روسيا، و كذلك هؤلاء المؤمنين بأنه من الممكن أن تقوم دولة بتبني الخصائص الأساسية للأنظمة الاقتصادية الروسية وفي الوقت ذاته ضمان الحرية الفردية من خلال تلك الأنظمة السياسية . إن الفكرة التي يتناولها هذا الفصل تتمثل في أن مثل تلك الرؤية مضللة، وبأن هناك علاقة جوهرية بين السياسة والاقتصاد بحيث أنه بالإمكان الجمع فقط بين أنظمة سياسية واقتصادية محددة دون غيرها، وأنه على وجه الخصوص لا يمكن لمجتمع اشتراك في أن يكون في الوقت ذاته ديمقراطيًا ضمن مفهوم ضمان الحرية الفردية.
إن الأنظمة الاقتصادية تلعب دورًا مزدوجًا في تأسيس مجتمع حر؛ فمن ناحية، فإن الحرية في الأنظمة الاقتصادية هي بذاتها جزء من الحرية بمفهومها الأوسع، وهي هدف نهائي بحد في الأنظمة الاقتصادية هي بذاتها جزء من الحرية بمفهومها الأوسع، وهي هدف نهائي بحد ذاتها.
أما في المرتبة الثانية فإن الحرية الاقتصادية كذلك وسيلة لا يستغنى عنها في سبيل تحقيق الحرية السياسية.
إن أولى تلك الأدوار للحرية الاقتصادية تتطلب تأكيدًا خاصًا لأن للمفكرين على وجه الخصوص ميلٌ قوي لعدم اعتبار هذه السمة للحرية على أنها مهمة؛ فهم ينزعون إلى التعبير عن ازدرائهم لما يعتبرونه مظاهر مادية للحياة، وإلى اعتبار سعيهم وراء قيمهم السامية المزعومة على أنه على مستوى أعلى من الأهمية، وعلى أنه يستحق اهتمامًا خاصًا. ولكنه لمعظم مواطني الدولة — وإن لم يكن ذلك للمفكرين — فإن الأهمية المباشرة للحرية الاقتصادية هي على الأقل بمثل أهميتها غير المباشرة كوسيلة لتحقيق الحرية السياسية.
فالمواطن البريطاني الذي لم يسمح له بعد الحرب العالم ية الثانية بقضاء إجازته في الولايات المتحدة بسبب نظام الرقابة على الصرف وتحويل العملات الأجنبية قد تم تجريده من حرية أساسية بما لا يقل عن المواطن الأمريكي الذي حرم من فرصته في قضاء عطلته في روسيا بسبب آرائه السياسية . فالحالة الأولى كانت في الظاهر تقييدًا اقتصاديًا للحرية بينما كانت الثانية تقييدًا سياسيًا لها؛ ومع ذلك فإنه لا يوجد فرق جوهري بين كلتيهما.
إن المواطن الأمريكي الذي يجبره القانون على تخصيص ما يقارب 10% من دخله من أجل شراء نوع معين من عقود التقاعد الذي تقدمه الحكومة؛ فإنه يتم تجريده بالقدر ذات ه من حريته الشخصية. إن شدة الشعور بهذا التجريد ومقدار شبهه بالتجريد من الحرية الديني ة — والتي سيعتبرها الجميع كحرية "مدنية" أو "سياسية" بدًلا عن اقتصادية — قد تمثل من خلال حدث متعلق بجماعة من مزارعي طائفة أميش؛ فعلى أساس المبدأ، اعتبرت هذه الجماعة البرامج الفيدرالية الإجبارية للشيخوخة كانتهاك لحريتهم الشخصية الفردية ورفضوا دفع الضرائب أو قبول الإعانات؛ و نتيجة لذلك تم بيع بعض مواشيهم في مزاد علني لدفع استحقاقات ضرائب الضمان الاجتماعي. إنه صحيح بأن أعداد المواطنين الذين يعتبرون ضمان الشيخوخة الإجباري كتجريد للحرية قد تكون قليلة؛ لكن المؤمن بالحرية لا يحصي الأنوف أبدًا.
إن المواطن الأمريكي الذي لا يمتلك — ضمن تشريعات العديد من الولايا ت — حرية الالتحاق بالمهنة التي هي من اختياره الخاص إلا إذا حصل على ترخيص لذلك؛ هو كذلك يتم حرمانه من جزء أساسي من حريته . وكذلك الشخص ا لذي يريد استبدال بعضٍ من بضائعه بساعة سويسرية مثًلا لكنه يمنع من ذلك بسبب حصة نسبية ما (كوتا). وهكذا أيضًا الرجل من كاليفورنيا الذي قد بسعر أقل من ذاك الذي فرضته الجهة Alka Seltzer (زج به في السجن لبيعه ) ألكا سيلتزرالصانعة تحت ما يطلق عليه اسم قوانين "التجارة العادلة ". وأيضًا كذلك المزارع الذي لا يستطيع زراعة كمية القمح التي يرغب بها، وهكذا دواليك . إنه من الواضح بأن الحرية الاقتصادية وبحد ذاتها جزء مهم للغاية من الحرية بمفهومها الشامل.
باعتبارها وسيلة لتحقيق الحرية السياسية؛ فإن الأنظمة الاقتصادية مهمة بسبب تأثيرها على تركيز أو توزيع السلطة؛ فذاك النوع من النظام الاقتصادي الذي يوفر الحرية الاقتصادية بشكل مباشر، وأعني النظام الرأسمالي التنافسي، يشجع كذلك الحرية السياسية لأنه يفصل السلطة الاقتصادية عن السلطة السياسية وبذلك يمكن أحدهما من أن يوازن الآخر.
ميلتون فريدمان
إنه من السائد كثيرًا بأن السياسة والاقتصاد أمران منفصلان ولا علاقة لأحدهما بالآخر؛ وأن الحرية الفردية مسألة سياسية بينما أن الرفاهية المادية مسألة اقتصادية، وبأنه من الممكن ضم أي نوع من الأنظمة السياسية إلى أي نوع من الأنظمة الاقتصادية، والتطبيق المعاصر الأوضح لهذه الفكرة هو الدفاع عن "الاشتراكية الديمقراطية " من قبل العديد من الذين يدينون في الوقت ذاته القيود التي تفرضها "الاشتراكية الديكتاتورية " على الحرية الفردية في روسيا، و كذلك هؤلاء المؤمنين بأنه من الممكن أن تقوم دولة بتبني الخصائص الأساسية للأنظمة الاقتصادية الروسية وفي الوقت ذاته ضمان الحرية الفردية من خلال تلك الأنظمة السياسية . إن الفكرة التي يتناولها هذا الفصل تتمثل في أن مثل تلك الرؤية مضللة، وبأن هناك علاقة جوهرية بين السياسة والاقتصاد بحيث أنه بالإمكان الجمع فقط بين أنظمة سياسية واقتصادية محددة دون غيرها، وأنه على وجه الخصوص لا يمكن لمجتمع اشتراك في أن يكون في الوقت ذاته ديمقراطيًا ضمن مفهوم ضمان الحرية الفردية.
إن الأنظمة الاقتصادية تلعب دورًا مزدوجًا في تأسيس مجتمع حر؛ فمن ناحية، فإن الحرية في الأنظمة الاقتصادية هي بذاتها جزء من الحرية بمفهومها الأوسع، وهي هدف نهائي بحد في الأنظمة الاقتصادية هي بذاتها جزء من الحرية بمفهومها الأوسع، وهي هدف نهائي بحد ذاتها.
أما في المرتبة الثانية فإن الحرية الاقتصادية كذلك وسيلة لا يستغنى عنها في سبيل تحقيق الحرية السياسية.
إن أولى تلك الأدوار للحرية الاقتصادية تتطلب تأكيدًا خاصًا لأن للمفكرين على وجه الخصوص ميلٌ قوي لعدم اعتبار هذه السمة للحرية على أنها مهمة؛ فهم ينزعون إلى التعبير عن ازدرائهم لما يعتبرونه مظاهر مادية للحياة، وإلى اعتبار سعيهم وراء قيمهم السامية المزعومة على أنه على مستوى أعلى من الأهمية، وعلى أنه يستحق اهتمامًا خاصًا. ولكنه لمعظم مواطني الدولة — وإن لم يكن ذلك للمفكرين — فإن الأهمية المباشرة للحرية الاقتصادية هي على الأقل بمثل أهميتها غير المباشرة كوسيلة لتحقيق الحرية السياسية.
فالمواطن البريطاني الذي لم يسمح له بعد الحرب العالم ية الثانية بقضاء إجازته في الولايات المتحدة بسبب نظام الرقابة على الصرف وتحويل العملات الأجنبية قد تم تجريده من حرية أساسية بما لا يقل عن المواطن الأمريكي الذي حرم من فرصته في قضاء عطلته في روسيا بسبب آرائه السياسية . فالحالة الأولى كانت في الظاهر تقييدًا اقتصاديًا للحرية بينما كانت الثانية تقييدًا سياسيًا لها؛ ومع ذلك فإنه لا يوجد فرق جوهري بين كلتيهما.
إن المواطن الأمريكي الذي يجبره القانون على تخصيص ما يقارب 10% من دخله من أجل شراء نوع معين من عقود التقاعد الذي تقدمه الحكومة؛ فإنه يتم تجريده بالقدر ذات ه من حريته الشخصية. إن شدة الشعور بهذا التجريد ومقدار شبهه بالتجريد من الحرية الديني ة — والتي سيعتبرها الجميع كحرية "مدنية" أو "سياسية" بدًلا عن اقتصادية — قد تمثل من خلال حدث متعلق بجماعة من مزارعي طائفة أميش؛ فعلى أساس المبدأ، اعتبرت هذه الجماعة البرامج الفيدرالية الإجبارية للشيخوخة كانتهاك لحريتهم الشخصية الفردية ورفضوا دفع الضرائب أو قبول الإعانات؛ و نتيجة لذلك تم بيع بعض مواشيهم في مزاد علني لدفع استحقاقات ضرائب الضمان الاجتماعي. إنه صحيح بأن أعداد المواطنين الذين يعتبرون ضمان الشيخوخة الإجباري كتجريد للحرية قد تكون قليلة؛ لكن المؤمن بالحرية لا يحصي الأنوف أبدًا.
إن المواطن الأمريكي الذي لا يمتلك — ضمن تشريعات العديد من الولايا ت — حرية الالتحاق بالمهنة التي هي من اختياره الخاص إلا إذا حصل على ترخيص لذلك؛ هو كذلك يتم حرمانه من جزء أساسي من حريته . وكذلك الشخص ا لذي يريد استبدال بعضٍ من بضائعه بساعة سويسرية مثًلا لكنه يمنع من ذلك بسبب حصة نسبية ما (كوتا). وهكذا أيضًا الرجل من كاليفورنيا الذي قد بسعر أقل من ذاك الذي فرضته الجهة Alka Seltzer (زج به في السجن لبيعه ) ألكا سيلتزرالصانعة تحت ما يطلق عليه اسم قوانين "التجارة العادلة ". وأيضًا كذلك المزارع الذي لا يستطيع زراعة كمية القمح التي يرغب بها، وهكذا دواليك . إنه من الواضح بأن الحرية الاقتصادية وبحد ذاتها جزء مهم للغاية من الحرية بمفهومها الشامل.
باعتبارها وسيلة لتحقيق الحرية السياسية؛ فإن الأنظمة الاقتصادية مهمة بسبب تأثيرها على تركيز أو توزيع السلطة؛ فذاك النوع من النظام الاقتصادي الذي يوفر الحرية الاقتصادية بشكل مباشر، وأعني النظام الرأسمالي التنافسي، يشجع كذلك الحرية السياسية لأنه يفصل السلطة الاقتصادية عن السلطة السياسية وبذلك يمكن أحدهما من أن يوازن الآخر.