- الثلاثاء أكتوبر 12, 2010 12:27 pm
#28244
وحقيقة فإن التنوع السياسي العالمي يبدو بلا نهاية، فكما يساور القلق كثير من مواطني الولايات المتحدة حول الميزانية والإنفاق الحكومي نجد أن كثيراً من نظرائهم العراقيين يحاولون مجرد البقاء على قيد الحياة على أمل إعادة بناء ما دمرته الحرب الأخيرة. وبينما تهتم الصين بتحديث اقتصادها للإيفاء باحتياجات شعبها الأكبر في العالم، نجد أن دولة ديموقراطية صغيرة مثل نيوزلندا يتركز اهتمامها في متابعة وتقليص الآثار البيئية والصحية الناتجة عن التجارب النووية التي أجرتها فرنسا أخيراً قريباً منها.
كيف يمكننا البدء بتحليل هذه الأحداث السياسية المتنوعة؟ أن صعوبة هذه الأسئلة كادت في بعض الأحيان أن تحبط أبرز علماء السياسة، وبينما نواجه ضخامة هذه المهمة ونتبصر فيها فإنه من المفيد أن نأخذ في الاعتبار ما لاحظه عالم السياسة الأمريكي ديفيد إيستن من أن السياسة مرتبطة إلى حد كبير بالتغيير. فالسياسة هي عالم من التقلبات المتواصلة، والتوترات والتحولات. وهذا التغير يمكن أن يكون عالمياً في تبعاته كما هو الحال في صعود وسقوط القوى العالمية كالإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، كما يمكن أن يكون محلياً بدرجة كبيرة كما هو الحال عندما يتغلب حزب سياسي على آخر في انتخابات إحدى البلدان، إلا أنه وفي عالم يتسم بتنامي الاعتماد المتبادل فإن حتى تلك التغيرات التي تبدو أساساً ذات طابع محلي يمكن أن يتردد صداها وتصبح ذات أهمية عالمية.
كذلك فإن السياسة تتعلق أيضاً بصناعة القرار حول موارد العالم فبينما يمكننا النظر إلى تعليقات ايستن لتقدير مفهوم التغير كمفهوم محوري للسياسة يمكننا أيضاً الاستفادة من مقترحات عالم السياسة الأمريكي الآخر هارولد لازويل التي تنظر للسياسة على أنها تقرير من يحصل على الموارد المتاحة في العالم ومن لا يستطيع ذلك. وتعتبر أفكار لازويل هامة لنا عندما نبدأ في دراسة السياسة لأنها توجهنا نحو تساؤلات خادعة ومثيرة في تعقيداتها من مثل لماذا يحتمل أن يعمر المواطن الأوربي أطول من المواطن الأفريقي جنوب الصحراء الكبرى؟ فالسياسة، كما تخبرنا أفكار لازويل، تلعب دوراً كبيراً في هذا المجال. فتوقعات الحياة، وتوفر مصادر مياه آمنة وفرص الحصول على عمل ذي مردود كاف – كل هذه الجوانب من حياتنا تتأثر بشكل كبير بالقرارات السياسية لحكومات العالم عندما تتخذ هذه الحكومات قرارات حول كيفية توزيع موارد هذا العالم. فالطب والمياه والغذاء والسكن والعمل ليست ظواهر لا يستطيع الإنسان السيطرة عليها، بل على العكس من ذلك فإن عالم السياسة المكون من قرارات تلك الحكومات هو الذي يؤثر سلباً أو إيجاباً على حياة الأفراد ويعزز فرص حصولهم على الخدمات الأساسية تلك أو يحرمهم منها. بمعنى آخر أن السياسة تتضمن خيارات الحكومات والمواطنين وخاصة (في المجتمعات التي تتمتع بقدر من الحرية) فيما يتعلق بالطريقة التي من خلالها تقدم الخدمات الطبية والمياه والغذاء والسكن والعمل لشعوب العالم أو تحرم منها.
ولذلك فقد كان أرسطو واضع أسس علم السياسة محقا عندما أطلق على علم السياسة سيد العلوم، وهو كان يعني بذلك أن كل شيء تقريباً يحدث ضمن إطار سياسي. وذلك لأن قرارات دولة مدينة أثينا (التي عاش فيها) كانت تتحكم في معظم جوانب الحياة. إما علم السياسة من وجهة نظر عالم السياسة الأمريكي هارولد لازويل فهو دراسة "من يحصل على ماذا". ولكن ألا يحدد النظام الاقتصادي من يحصل على ماذا؟ ومع أن ذلك ممكنا في الدول ذات الأسواق الحرة ولكن من يقرر، ما إذا كان ينبغي أن يكون هناك نظام لسوق حرة؟ من الذي يبلغ بيل جيت Bill Gate مثلاً بأنه ينبغي عليه أو لا ينبغي أن يضّمن برامجه لتصفح الإنترنت مع آخر إصدار من نوافذ Windows التي ينتجها أيضاً وهو قرار يساوي بلايين الدولارات. أن السياسة متعلقة بالاقتصاد بشكل وثيق.
ولنفترض أن كارثة طبيعية كالفيضان حدثت، فإن النظام السياسي هو الذي يقرر ماذا كان ينبغي أن نبني مصدّات وأين تبنى وأي من ضحايا الفيضان ينبغي مساعدته، نعم الفيضان حدث طبيعي ولكن تأثيره على المجتمع يسيطر عليه بدرجة كبيرة النظام السياسي. وماذا عن العلم؟ وعن عالم الأحياء الذي يتابع البكتيريا من خلال مجهره؟ هذا ليس سياسة ولكن من الذي يدعم ويمول تعليم أولئك العلماء ومؤسساتهم البحثية؟ ألا تلعب الحكومة دوراً بارزاً في ذلك؟ إذن فالبكتيريا والفيروسات تعتبر أحياء طبيعية ولكن دراستها تعتبر في الغالب شأناً سياسياً.
وحقاً فإن السياسة تشمل كل تلك القرارات التي تتعلق بكيفية صنع القوانين التي تحكم الحياة المشتركة، هذه القوانين يمكن أن تتخذ بطريقة ديموقراطية أو استبدادية، ويمكن أن تدعم السلام أو تشجع العنف ويمكن أن تفّعل وتمكن عامل الدول وحتى العوامل غير الدولية (مثل النقابات العمالية، ووسائل الإعلام، الشركات عبر القومية...إلخ). ومهما كانت تلك القوانين فإن السياسة ترتكز على الاعتراف بأن حياتنا مشتركة طالما أننا نعيش في أماكن عامة مشتركة مثل أقاليم الدولة. فإذا سافر أحدنا على الطريق العام أو توقف عند إشارة مرورية أو التحق بجامعة حكومية فإنه بلا شك قد أشترك في مكان وموارد تحكمها القوانين المتخذة سياسياً والمطبقة من قبل الدولة. ولذا فبغض النظر عما إذا كنا واعين ومدركين لهذه الحقيقة أم لا فإننا في حياتنا العامة جزءاً من السياسة. فنحن كما كان الفيلسوف الإغريقي أرسطو يقول حيوانات سياسية بطبعنا نعيش في عالم من المشاكل والإمكانيات المشتركة وفعلاً وكما أكد أرسطو فإن محاولة إخراج أنفسنا من السياسة سيعني إخراج أنفسنا من عالم إنسانيتنا المشتركة. باختصار فعندما ندرس السياسة سنرى أنها تمس كل شيء كما يقول عالم السياسة روبرت دال.
ومع أن كثير من الناس يمقتون السياسة وربما كانوا على حق، فالممارسة السياسية ربما تكون لا أخلاقية، فإساءة استخدام السلطة والتأثير والفساد الفاضح تعتبر سمات ملازمة للممارسة السياسة، إلا إنه مع ذلك لا يجب علينا أن نحب الشيء الذي ندرسه. فعالم الأحياء مثلاً يمكن أن يلاحظ بكتيريا مسببة للأمراض تحت مجهره، ومع ذلك فهو لا يحب البكتيريا لذاتها لكنه مهتم في معرفة كيف تنمو وكيف تؤثر على صحة الإنسان وكيف يمكن القضاء عليها. وكما أن عالم الأحياء لا يغضب من البكتيريا ويكسر بالتالي أنبوب الاختبار الذي يحتويها، لأنه يهتم أولاً بمعرفة تلك الأحياء الدقيقة ومن ثم يحاول التوصل إلى طريقة لتحسين صحة وحياة الإنسان فكذلك عالم السياسة يحاول أن يفعل الشيء نفسه مع السياسة.
أهمية علم السياسة
تعتبر دراسة السياسة مهمة هائلة لكنها أيضاً ممتعة. فالسياسة عالم من التعقيدات الواسعة، والأسئلة ألا محدودة والتحديات التي لا نهاية لها. ولنتأمل الأحداث السياسية خلال العشرين سنة الماضية فقد سقط الاتحاد السوفيتي وتفكك في نفس الوقت الذي اقتربت فيه أوروبا من تحقيق وحدتها. كذلك فإن نفس الجيل الذي شهد نهاية عصر التمييز العنصري في جنوب أفريقيا قد شهد أيضاً التطهير العرقي يجتاح يوغسلافيا السابقة. ويعيش البعض اليوم عصر تقنية شرائح ورقائق الكمبيوتر الدقيقة بينما لا يزال البعض الآخر من قبائل البدو الرحل والسكان البدائيين يعيشون بنفس الطريقة التي عاشها أسلافهم منذ عشرات القرون. كما أن فكرة القومية التي كانت أساس الفاشية والعنصرية في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم ملهماً للحركات الليبرالية المعاصرة في أنحاء مختلفة من العالم.وحقيقة فإن التنوع السياسي العالمي يبدو بلا نهاية، فكما يساور القلق كثير من مواطني الولايات المتحدة حول الميزانية والإنفاق الحكومي نجد أن كثيراً من نظرائهم العراقيين يحاولون مجرد البقاء على قيد الحياة على أمل إعادة بناء ما دمرته الحرب الأخيرة. وبينما تهتم الصين بتحديث اقتصادها للإيفاء باحتياجات شعبها الأكبر في العالم، نجد أن دولة ديموقراطية صغيرة مثل نيوزلندا يتركز اهتمامها في متابعة وتقليص الآثار البيئية والصحية الناتجة عن التجارب النووية التي أجرتها فرنسا أخيراً قريباً منها.
كيف يمكننا البدء بتحليل هذه الأحداث السياسية المتنوعة؟ أن صعوبة هذه الأسئلة كادت في بعض الأحيان أن تحبط أبرز علماء السياسة، وبينما نواجه ضخامة هذه المهمة ونتبصر فيها فإنه من المفيد أن نأخذ في الاعتبار ما لاحظه عالم السياسة الأمريكي ديفيد إيستن من أن السياسة مرتبطة إلى حد كبير بالتغيير. فالسياسة هي عالم من التقلبات المتواصلة، والتوترات والتحولات. وهذا التغير يمكن أن يكون عالمياً في تبعاته كما هو الحال في صعود وسقوط القوى العالمية كالإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، كما يمكن أن يكون محلياً بدرجة كبيرة كما هو الحال عندما يتغلب حزب سياسي على آخر في انتخابات إحدى البلدان، إلا أنه وفي عالم يتسم بتنامي الاعتماد المتبادل فإن حتى تلك التغيرات التي تبدو أساساً ذات طابع محلي يمكن أن يتردد صداها وتصبح ذات أهمية عالمية.
كذلك فإن السياسة تتعلق أيضاً بصناعة القرار حول موارد العالم فبينما يمكننا النظر إلى تعليقات ايستن لتقدير مفهوم التغير كمفهوم محوري للسياسة يمكننا أيضاً الاستفادة من مقترحات عالم السياسة الأمريكي الآخر هارولد لازويل التي تنظر للسياسة على أنها تقرير من يحصل على الموارد المتاحة في العالم ومن لا يستطيع ذلك. وتعتبر أفكار لازويل هامة لنا عندما نبدأ في دراسة السياسة لأنها توجهنا نحو تساؤلات خادعة ومثيرة في تعقيداتها من مثل لماذا يحتمل أن يعمر المواطن الأوربي أطول من المواطن الأفريقي جنوب الصحراء الكبرى؟ فالسياسة، كما تخبرنا أفكار لازويل، تلعب دوراً كبيراً في هذا المجال. فتوقعات الحياة، وتوفر مصادر مياه آمنة وفرص الحصول على عمل ذي مردود كاف – كل هذه الجوانب من حياتنا تتأثر بشكل كبير بالقرارات السياسية لحكومات العالم عندما تتخذ هذه الحكومات قرارات حول كيفية توزيع موارد هذا العالم. فالطب والمياه والغذاء والسكن والعمل ليست ظواهر لا يستطيع الإنسان السيطرة عليها، بل على العكس من ذلك فإن عالم السياسة المكون من قرارات تلك الحكومات هو الذي يؤثر سلباً أو إيجاباً على حياة الأفراد ويعزز فرص حصولهم على الخدمات الأساسية تلك أو يحرمهم منها. بمعنى آخر أن السياسة تتضمن خيارات الحكومات والمواطنين وخاصة (في المجتمعات التي تتمتع بقدر من الحرية) فيما يتعلق بالطريقة التي من خلالها تقدم الخدمات الطبية والمياه والغذاء والسكن والعمل لشعوب العالم أو تحرم منها.
ولذلك فقد كان أرسطو واضع أسس علم السياسة محقا عندما أطلق على علم السياسة سيد العلوم، وهو كان يعني بذلك أن كل شيء تقريباً يحدث ضمن إطار سياسي. وذلك لأن قرارات دولة مدينة أثينا (التي عاش فيها) كانت تتحكم في معظم جوانب الحياة. إما علم السياسة من وجهة نظر عالم السياسة الأمريكي هارولد لازويل فهو دراسة "من يحصل على ماذا". ولكن ألا يحدد النظام الاقتصادي من يحصل على ماذا؟ ومع أن ذلك ممكنا في الدول ذات الأسواق الحرة ولكن من يقرر، ما إذا كان ينبغي أن يكون هناك نظام لسوق حرة؟ من الذي يبلغ بيل جيت Bill Gate مثلاً بأنه ينبغي عليه أو لا ينبغي أن يضّمن برامجه لتصفح الإنترنت مع آخر إصدار من نوافذ Windows التي ينتجها أيضاً وهو قرار يساوي بلايين الدولارات. أن السياسة متعلقة بالاقتصاد بشكل وثيق.
ولنفترض أن كارثة طبيعية كالفيضان حدثت، فإن النظام السياسي هو الذي يقرر ماذا كان ينبغي أن نبني مصدّات وأين تبنى وأي من ضحايا الفيضان ينبغي مساعدته، نعم الفيضان حدث طبيعي ولكن تأثيره على المجتمع يسيطر عليه بدرجة كبيرة النظام السياسي. وماذا عن العلم؟ وعن عالم الأحياء الذي يتابع البكتيريا من خلال مجهره؟ هذا ليس سياسة ولكن من الذي يدعم ويمول تعليم أولئك العلماء ومؤسساتهم البحثية؟ ألا تلعب الحكومة دوراً بارزاً في ذلك؟ إذن فالبكتيريا والفيروسات تعتبر أحياء طبيعية ولكن دراستها تعتبر في الغالب شأناً سياسياً.
وحقاً فإن السياسة تشمل كل تلك القرارات التي تتعلق بكيفية صنع القوانين التي تحكم الحياة المشتركة، هذه القوانين يمكن أن تتخذ بطريقة ديموقراطية أو استبدادية، ويمكن أن تدعم السلام أو تشجع العنف ويمكن أن تفّعل وتمكن عامل الدول وحتى العوامل غير الدولية (مثل النقابات العمالية، ووسائل الإعلام، الشركات عبر القومية...إلخ). ومهما كانت تلك القوانين فإن السياسة ترتكز على الاعتراف بأن حياتنا مشتركة طالما أننا نعيش في أماكن عامة مشتركة مثل أقاليم الدولة. فإذا سافر أحدنا على الطريق العام أو توقف عند إشارة مرورية أو التحق بجامعة حكومية فإنه بلا شك قد أشترك في مكان وموارد تحكمها القوانين المتخذة سياسياً والمطبقة من قبل الدولة. ولذا فبغض النظر عما إذا كنا واعين ومدركين لهذه الحقيقة أم لا فإننا في حياتنا العامة جزءاً من السياسة. فنحن كما كان الفيلسوف الإغريقي أرسطو يقول حيوانات سياسية بطبعنا نعيش في عالم من المشاكل والإمكانيات المشتركة وفعلاً وكما أكد أرسطو فإن محاولة إخراج أنفسنا من السياسة سيعني إخراج أنفسنا من عالم إنسانيتنا المشتركة. باختصار فعندما ندرس السياسة سنرى أنها تمس كل شيء كما يقول عالم السياسة روبرت دال.
ومع أن كثير من الناس يمقتون السياسة وربما كانوا على حق، فالممارسة السياسية ربما تكون لا أخلاقية، فإساءة استخدام السلطة والتأثير والفساد الفاضح تعتبر سمات ملازمة للممارسة السياسة، إلا إنه مع ذلك لا يجب علينا أن نحب الشيء الذي ندرسه. فعالم الأحياء مثلاً يمكن أن يلاحظ بكتيريا مسببة للأمراض تحت مجهره، ومع ذلك فهو لا يحب البكتيريا لذاتها لكنه مهتم في معرفة كيف تنمو وكيف تؤثر على صحة الإنسان وكيف يمكن القضاء عليها. وكما أن عالم الأحياء لا يغضب من البكتيريا ويكسر بالتالي أنبوب الاختبار الذي يحتويها، لأنه يهتم أولاً بمعرفة تلك الأحياء الدقيقة ومن ثم يحاول التوصل إلى طريقة لتحسين صحة وحياة الإنسان فكذلك عالم السياسة يحاول أن يفعل الشيء نفسه مع السياسة.