منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمعاهدات والمواثيق الدولية
By هيفاء العريض
#29010
في معنى السلطة

السلطة سيطرة نحتاجها للتحكم في أنفسنا ولتحكمنا،ضرورية ضرورة الحياة الجماعية التي لا غنى عنها،وهي متولّدة عن الحاجة المؤكّدة للتنظيم والتحكيم والتفعيل للعلاقات الخاصة والعامة بين الناس ولإدارة مصالحهم المشتركة أكانت متناسقة أم متباينة...نرغب فيها ونُعزّز حضورها في حياتنا كما ننزعج منها ونعمل على إضعافها.هي في الآن نفسه المرغوب والمكروه...
يذهب البعض إلى تعريف السلطة بالقول:"في مطلق تجمع طوعي يسترعي انتباهي أنني أرى عمل قوة:تلك القوة هي السلطة:السلطة خالقة الرابطة الاجتماعية.ثم إنّ مركزها بتعزز بالمغانم التي تنبع من الرابطة الاجتماعية."(1)
ليست،إذن،هي مصدر المغانم لكنها مستفيدة منها بتعزيز حضورها...الرابطة الاجتماعية هي المنتجة للمغانم لكنها لا تنتجها في ظلّ غياب السلطة.ا..
ورثنا مفهوم السلطة رصيدا تراكميا ضخما وثريا وثقيلا تشكّل-منذ غابر العصور إلى اليوم-تنظيرا وممارسة. ولذلك تضيق "السلطة" بتعريف محدّد وتتّسع لمفاهيم دينية وسياسية،روحية ومادية،ولدلالات متعدّدة ومتشعّبة ومعقّدة تبعا لمجال البحث فيها وعنها وأسبابه وأغراضه...
علاقة الإنسان بنفسه خاضعة لسلطة، هي سلطة الضمير-وفقا لمعيار ثقافي أخلاقي-والغرائز وفقا لمعيار حيواني بدائي...والرابطة العائلية بين أفراد أسرة متماسكة هي محكومة بسلطة عائلية وصولا إلى تلك التي تعني شعبا أو أمة وهي سلطة الدولة...هي مضافة إلى القانون(سلطة القانون والمؤسسات)،وإلى الشعب(سلطة الشعب ووسيلتها الديمقراطية)،وإلى الدين (سلطة الدين أو المرجعية الدينية..) وإلى العسكر...وهي شمولية أو لاهوتية أو دستورية...ومركزية أو فدرالية...
اللغة العربية تُعرّف السلطة تعريفا لافتا يدعو إلى التأمّل،فهي مشتقّة من القهر وتفيد التسلّط والتحكم...
"سلط:السلاطة القهر،وقد سلّطه الله فتسلّط عليهم،والاسم سلطة."
أما "السلطان:الحجة والبرهان..ولذلك قيل للأمراء سلاطين لأنهم الذين تقام بهم الحجة والحقوق."(2)
وليست بنفس اللفظ المنطوق والتعريف اللغوي في لغات أخرى...
تقوم السلطة على القوّة بمعناها الشامل،ولا معنى للسلطة بلا قوّة تُستمدّ من قبول المجتمع بها (طوعا أو خوفا) وخضوعه لسلطانها...ولمّا كانت القوّة-في حدّ ذاتها- محايدة، بمعنى أنها ليست خيرا خالصا ولا شرا خالصا،وأنها إذ تكون كذلك إنما هي تعكس الغرض من استعمالها،فإنّه بات لازما النظر إليها من خلال مستعملها، والمثل العربي المأثور يقول:"العبرة في الساعد لا في السيف ."ولذلك،في سلطة الحكام أو السلطة السياسية،نشأت ولا تزال نظريات في استعمال القوّة،بعضها يقوم على التبرير في حين ترتقي أخرى إلى الحيلولة دون مخاطر الممارسة السيئة لها وتوظيفها في خدمة أغراض الشعوب النبيلة.
والتاريخ يُدلّل على أنّ السلطة التي استعملت القوّة استعمالا شرّيرا ومتهوّرا ضعفت أو انهارت بعد أن تكون تآكلت أسباب قوّتها أو فقدتها.
القوّة صفة إلهية سامية،لذلك حين ينفرد حاكم ببعض مظاهرها لغاية ممارسة الظلم والقهر والاستبداد،أي أنّه يُلغي غاية الخير من استعمالها أو لا ينشده أو لا يتمثّله، فهي(القوّة) لا تلبث أن تهجره حيث يطيب لها المقام ،تاركة إياه في وهمه بحيازتها إلى أن يسقط في بركة شرّه الآسنة،لا تكون السباحة فيها،مهما كانت مهارته ودهاؤه إلا هلاكا وضربا من ضروب العار والانتحار...وحين تُِخذ القوّة بنبل المقصد وتُنفقها السلطة في العدل والأمن ودرء المخاطر فإنّها تنمو وتتدعم وتتجدّد وتُضفي المهابة والوقار على الحاكم وتنشر البهجة والطمأنينة والسكينة في نفوس الرعيّة.
السلطة قوّة ولا سلطة بلا أسباب القوّة...و"من عانى السلطة،أية سلطة،يسمع في نهاية المطاف كلمة دولة التي تتجمّع فيها ينابيع جميع السلطات..."(3)
الدولة هي المخبر الحقيقي الذي تُشرّح فيه السلطة السياسية لتكشف عن خباياها وأسرارها،وإذ نهتمّ بالسلطة أكثر من اهتمامنا بالدولة فلأننا منشغلون بأثر الأولى علينا لا بأثر الثانية( الدولة) على الأولى (السلطة)...وربّما لأننا نعتقد أن السلطة السياسية قادرة على نسف الدولة.ا..
لئن شهدت القبائل والشعوب والأمم على مرّ العصور نماذج شتى في إدارة شأنها الجماعي فإنها ظلّت تنشد التّظلّل بسلطة تحميها وتصون كرامتها وتحفزها على تنمية الثورة والإبداع الإنساني،في حين ظلّت علّة السلطة إغراءاتها،كما ظلّت تُعاني إشكالية التنظير والتقرير:ما السبيل إلى ممارسة السلطة؟..
ما مصدرها؟:تشريع ديني أم وضعي؟..شوروي؟..ديمقراطي؟..أم فردي شمولي؟..
كيف تُمارس؟ ممركزة أم موزّعة؟.
من يُمثّلها؟..شخص أم مؤسسات؟...
إنّ احتكار السلطة احتكارا فرديا أو طائفيا-وهي في جوهرها قوّة المجموعة/الشعب-يقود إلى الاستحواذ عليها ومصادرة إرادة مالكها وبالتالي التصرّف فيها تصرّفا لا يحتكم إلاّ إلى مرجعية أخلاق وأهواء المستحوذ عليها...يقول العلامة عبدالرحمان ابن خلدون:"لمّا كانت حقيقة الملك أنه الاجتماع الضروري للبشر ومقتضاه التغلّب والقهر اللذان هما من آثار الغضب والحيوانية كانت أحكام صاحبه في الغالب جائرة عن الحق مجحفة بمن تحت يده من الخلق في أحوال دنياهم لحمله إياهم في الغالب على ما ليس في طوقهم من أغراضه وشهواته،ويختلف ذلك باختلاف المقاصد من الخلف والسلف منهم فتعسر طاعته لذلك وتجيء العصبية المفضية إلى الهرج والقتل فوجب أن يرجع في ذلك إلى قوانين سياسية مفروضة يسلمها الكافة ينقادون إلى أحكامها كما كان ذلك للفرس وغيرهم من الأمم،وإذا خلت الدولة من مثل هذه السياسة لم يستتبّ أمرها سنّة الله في الذين خلوا من قبل.فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء وأكابر الدولة وبُصرائها كانت سياسة عقلية،وإذا كانت مفروضة من الله بشارع يُقرّرها ويشرعها كانت سياسة دينية نافعة في الحياة الدنيا وفي الآخرة وذلك أنّ الخلق ليس المقصود بهم دنيهم فقط...والله يقول:-أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا.-"(4)
مهما يكن من أمر تبقى علّة السلطة في إغرائها: إنّ المستحوذ على السلطة أو الماسك بأمانتها شبيه بمن أُودع أمانةَ حسناء غانية مدْعوّ إلى أن يتعفّف عن التّمتّع بمفاتنها الصارخة وأن تمتنع حواسّه عن التجاوب مع عطرها المثير لغرائزه ليُقال أنّه جدير بالأمانة...
للحدّ من مخاطر السلطة المتسلّطة وحكم السلطان الجائر اهتدى المهتدون إلى الحكماء والأتقياء وإلى التشريعات الدينية والوضعية لتُشكّل مصدر السلطة ومرجعيتها واستُنبطت فكرة توزيع السلطات ونُظّر لها لتكون تشريعية وتنفيذية وقضائية...في حين صار العرف على ذكر سلطة رابعة حجزها الإعلام لنفسه،وهي سلطة قوّتها ليست مادية وليست في الحقيقة حكرا على الإعلام،وإن كان أوّل من أعلن ملكيّتها وأسندها المرتبة الرابعة...وهو ترتيب لا ندري هل هو تفاصليّ أم ترتيب زمني...وهل استحوذ الإعلام على هذه السلطة الرابعة بإرادة منه أم استجابة لقولة جعفر المنصور:"ما أحوجني أن يكون على بابي أربعة نفر،لا يكون على بابي أعنف منهم:أما أحدهم فقاض لا تأخذه في الله لومة لائم،والثاني صاحب شرطة ينصف الضعيف من القويّ والمظلوم من الظالم،والثالث صاحب خراج يستقصي ولا يضلم الرعية،والرّابع صاحب بريد يكتب خبر هؤلاء على الصحّة."...
هل الإعلام يكتب الخبر على الصحّة؟ وهل سلطة الكلمة حكرا على الإعلام؟
إنّ الكلمة سلطة الأنبياء والرسل قبل أن تكون سلطة الإعلاميين...هل يطمح الإعلاميون إلى حمل رسالة الأنبياء؟...