منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية

المشرف: رجاء الرشيد

#30542
من هو العلامة ابن خلدون؟
ولد عبد الرحمن بن خلدون بتونس عام 732 هـ / 1332م . سليلاً لأسرة من أعرق الأسر العربية اليمنية في حضر موت ، وقد بدأ تعليمه في تونس على يد كبار العلماء والفقهاء ، ولما بلغ الثامنة عشر حدثت حادثتان عاقتاه عن مواصلة الدراسة ، أخطرهما وأعظمهما أثر الطاعون الجارف الذي انتشر سنة 749هـ في معظم البلاد شرقية وغربية وقد كان الطاعون نكبة كبيرة بالنسبة لابن خلدون فوصفها بأنها "طوت البساط ما فيه" فقد هلك الأعيان والصدور والمشايخ وهلك أبواه مما كان له الأثر السيء لدى ابن خلدون فعاقه ذلك عن التحصيل والتعليم ، والحادث الثاني الهجرة التي انتجتها نكبة الجفاف فهاجر معظم العلماء والأدباء من تونس إلى المغرب الأقصي سنة 750هـ.
وقد حدثنا الأديب الدكتور المرحوم طه حسين في مؤلفه "فلسفة ابن خلدون الاجتماعية" والذي ترجم بقلم محمد عبد الله عنان عن حياة العلامة ابن خلدون:-
( توقف ابن خلدون عن الدراسة وأخذ يتطلع لتولى الوظائف العامة في الدولة وكان أول وظيفة تولاها لدى حاكم تونس في تلك الفترة هي وضع عبارة "الحمد لله والشكر لله" بالقلم الغليظ فيما بين البسملة وما بعدها ومن مخاطبة ومرسوم، ثم قبل منصباً أخر على كره منه لدى ملك المغرب الأقصى إذ نظمه في مجلسه واستعمله في كتابته والتوقيع بين يديه، وقد كره هذه الوظيفة لأنها لا تليق به إذ كان يطمع في الوزارة فاشترك في الدسائس و المؤامرات السياسية التي كثيراً ما انتهت به إلى السجون، وتوالت عليه بعد ذلك الوظائف فقد كان الحكام يخطبون وده ، فقضى فترة في التنقل بين المغرب الأقصى وبلاد الأندلس ، يراقب عن كثب الحوادث السياسية وما تنطوى عليه من ظواهر وقوانين تخضع للبحث الاجتماعي) إلى هنا وانتهي حديث العلامة الدكتور طه حسين عن العلامة ابن خلدون، ونستطيع أن نفهم من حالة الاضطراب الذي كان يعيشه ابن خلدون قيمة نظرياته في الدولة والسياسة فلكي تتمكن من قراءة الأفكار تحتاج لفهم محيط انتاجها والعوامل التي اسهمت في تفاعيل الأخذ بها والامساك الحقيقي على كيف انبنت مثل هذه المفاهيم والعينة الاجتماعية التي طبقت فيها مثل هذه الأفكار! ، وابن خلدون من المراجع السياسية لفهم المجتمعات العربية وبالذات في فترة تفكك السلطة المركزية لدى العرب والتي كانت ممثلة في حكومة كونية مثالية الطابع في مدينة رسول الله ثم في عهد خلفائه الراشدين ومن ثم الدولة الأموية ومن بعدها العباسية ولنا أمثلة كثيرة بافتراض ان ابن خلدون لم يكن يتمتع بفكر مستقل نسبة للحالة التي كانت تعيشها المجتمعات المسمية مجازاً عربية فقد كان المقصد أنها تدين بالإسلام ، ويرى البعض من حياة بن خلدون انه كان متشائماً وقارنوا بينه وبين أبي العلاء المعري في التشاؤم ، ويقارن فريرو ابن خلدون بميكافيلي ويري أن حياته السياسية الجمة الاضطراب في منشأ تشاؤمه ، ويعرض الدكتور طه حسين في مؤلفه سابق الذكر أن ابن خلدون وفي أخر أيامه أي قبل وفاته بخمس أعوام كان يحاول نيل الحظوة لدى تيمورلنك؟! فأين فكره السياسي المعتدل في تصرف مثل هذا؟
وحياة ابن خلدون السياسية في المناصب بين مد وجزر فحظه السيء في السلم السياسي وتعثره الواضح في نيل ما تتوق إليه نفسه من المناصب العالية كأن يريد أن يصبح وزيراً لدى حاكم تونس ولم ينجح ، فهجر المناصب وسئم السياسية واعتزل فأقام أربعة أعوام بالجزائر بلا عمل ، وكان يبلغ من العمر الخامسة والأربعين وهي فترة من النضج الفكري والسياسي ويلاحظ في فلسفة ابن خلدون نزوعه نحو التشاؤم أحياناً حتى شبهه البعض بالكيان العالمي المتشائم الحكيم الإنساني أبو العلاء المعري ، وذهب كثيرون من دارسي فلسفة ابن خلدون الاجتماعية والسياسية خاصة إلى تشبيهه بميكافيلي ، ولكن ابن خلدون له أيادي بيضاء على المفكرين والتاريخيين المعاصرين فهذا أبو التاريخ البشري "أرنولد توينبي" يقول( المقدمة هو أعظم عمل اجتماعي سياسي إنساني منذ فجر البشرية) ، ولكننا نناقش ابن خلدون السياسي الذي ونتتبع تاريخه السياسي لنلاحظ التخبط السياسي الذي كان يعانيه بين سياسي متسلق يتملق الحكام ويشترك في الدسائس والمؤامرات الفاشلة وبين مزاجه الساخر والفهم العنصري لمعني الدولة فقراءة علمية لنظريته في العصبية توضح كيف كان ابن خلدون العالم الاجتماعي الانثربولوجي يري الدولة ويقسمها إلى مراحل تكوين ونشأة وبلا خوض دقيق في أسس النظرية ولذلك لعوامل كثيرة يتضح من سياق استقراءاته للواقع العربي الممزق حينها فيحكم على تطور المجتمعات العربية بفهم برغماتي تنقصه الرؤية العلمية والمسألة الأخلاقية وبمحاولة علمية نحاول قراءة مفاهيمه أو نظريته حول نشأة العمران البشري :
يقول ابن خلدون في المقدمة – تحقيق الدكتور على عبد الواحد وافي :-
"إن الاجتماع البشري الإنساني ضروري "فالإنسان مدني بالطبع" فالبشر لا يمكن حياتهم ووجودهم إلا باجتماعهم وتعاونهم على تحصيل قوتهم وضروراتهم . وإذا اجتمعوا دعت الضرورة إلى المعاملة واقتضاء الحاجات ، ومد كل واحد منهم يده إلى حاجته يأخذها من صاحبه"
هنا ابن خلدون يختلق مفاهيم ضاربة في الشوفينية بأن يقول مثلاً محللاً ومفسراً نظرية النشاط العمراني بأن يربط مسألة القوة كمذهب إنساني أصيل ولا يتعدى في فهمه المجتمع العربي ويحكم على التطور الإنساني بشكل أكبر ، فكيف يحدد ابن خلدون ملامح تظور المجتمعات ولا يراعي مسألة التقدم الأخلاقي الذي يغير من القوة كمذهب ، وهنا يختلف مع استاذه افلاطون "وإن قال البعض بأنه لا علاقة لابن خلدون بالفلسفة اليونانية ولكننا نختلف ونتعجب من ذلك ، فقد أفاد كل فلاسفة العرب من المدارس اليونانية وخاصة أخلاقية إفلاطون " فإفلاطون يري وإن كان مثالياً " لتطور المجتمع شيئاً أكبر وهو "الأخلاق ، فالأخلاق هي انسجام فعال في المجموع".
ولابن خلدون آراء جديرة بالنظر ففلسفته حول الدولة تستحق إعادة القراءة ولكن بفهم جديد ونقد جديد فالفلسفة الإسلامية السياسية هي فلسفة مثالية الطابع لأنها لم تستطع تحرير الإرادة السياسية من سلطة النص الديني أي لا تتمكن من الفصل بين الوعي الإنساني "بما فيه من علوم إنسانية " كمنفذ أصيل للحكم وبين الاعتبارات الواهية والوهمية للنص التراثي ففشلت في إدارة تفكيك يؤدي إلى نتائج إيجابية تمنح السياسة طريقها الواضح لحكم الناس، ويبدو لي أن السياسة لا علاقة لها بالنص التراثي لأنها علم يمكننا تحريره بقول " كثرة البشر تعني تنوع الآراء" فكيف يمكن سجن إرادة الرأي عند التكنهات حول أسس وأصول نص ديني يتنازع حوله العلماء والمفسرون؟