منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By بشائر العريفي
#31287
بسم الله الرحمن الرحيم



(1)

وقتما قررت إكمال دراستي بعد تعطلٍ مفاجئ – يُذكرني بأعطال حافلات نقل المُعتمرين – نتيجة انحراف غير مبرر في منهج اختيار الحياة ، لم يدر في خُلدي – أبداً – أنَّ دراستي ستكون مع جمعٌ من المُعلمين ؛ وأنا الذي طويت صفحة الدراسية قبل ثمانية أعوامٍ تقريباُ ؛ هُناك حكمة قالها لي رجل صديق قبل سنوات مضت ، قال لي : ( إنْ جلس الرجل على مقعد الدراسة ولو كان دكتوراً ، فهو يعود إلى تفكير الطالب ) ، لم أصدّقه إلا بعد يومين من انتظامي في الجامعة !! ، ففعلاً .. ترى العجب العُجاب ! ، أساليب استجداء وامتطاء واستعلاء ولحس للأحذية وتقبيل للأرجل ؛ لا أدري ماذا يُشكل المُحاضر بالنسبة للبعض ؟! ، تُحيط بالمحاضر فور دخوله القاعة الدراسية هالة من التبجيل والتقدير والاحترام في غير محلّها ، فهناك فرق كبير بين الدارس والطالب ، وبين الاحترام والإذلال ، عموماً .. هم لا يزالون في غيّهم يعمهون ، وأنا لا زلت أواجه المُحاضر بعد تغيّبي بخطابٍ من العمل يحمل توقيعي .. وتمشي ! .
امتعض المُحاضر عندما ناقش إحدى بحوثي ، قرأت علامات الامتعاض على وجهه مترامي الأطراف ، ما لبث أنْ صرّح بطريقة غير مباشرة عن امتعاضه عندما وجه لي سؤالهُ :
- إنتا إيش تخصصك ؟ - مع إغلاق عينهُ اليُمنى ورفع حاجبه الأيسر - .
فعرفتُ أنَّ هذا المُحاضر – ولا ريب – ينوي قول شيئاً يعقب هذا السؤال ، فأجبتهُ بنزاهة :
- بكالوريوس كذا وكذا ! .
همهم في داخله ، وكأنه يلوك جُملة داخل فاه ، حيران أيخرجها ؟ أم لا ! ، هزّ رأسهُ بكبرياء أرسطو ، ودوّنَ ما لستُ أعلم كما لو أنهُ المارودي ، ثم عقّب قائلاً :
- يجي منّك يا ولدي ! – بلهجة أهل الحجاز - .
لا ألوم المُحاضر – للأمانة – رغم قناعتي التامة بأنه يُحاضر لقتل الفراغ فقط لا غير ! ، لكن مصيبته عظيمة ! ، كيف لا والموجودين في القاعة من حملة بكالوريوس اللغة العربية والدراسات الإسلامية ، وفيهم من يرفع المجرور ويجرّ المرفوع ، ويقف حيث وجب الوصل ، ويصل حيث وجبَ الوقف ، ناهيك عن الكاريزما المنزوعة والثقة المهزوزة وسوء الصحة العامة ؛ فيجيء من تخصصه ليس له علاقة بهذا كُلّهُ ويسرق الأضواء ! ؛ كيف بمعلم لغة عربيّة أو دراسات إسلامية لا يُجيد القراءة ولا النحو ولا يُفرّق بين الهاء والتاء المربوطة ولا يعرف مخارج الحروف ! ، ويقع في أخطاء هو يُدرسها في الصباح للنشء !؟ ، ألم أقل لكم بأن مصيبته عظيمة ؟ .
حتى أصدقكم القول ، العودة للدراسة بعد هذا العمر كان كالوقوف على الأطلال ، وكأنني ركبتُ آلة الزمن وعدت لماضي الزمان ؛ فبالرغم من أننا في القرن الحادي والعشرين ، وثورة التكنولوجيا والاتصالات التي نسمع عنها ونعايش بعض صورها ، وأنّ الفئة التي أتلقى التعليم معها هي من خلاصة المجتمع – المعلمين - ، إلا أنّ البعض صدمني عندما طلب المُحاضر من الجميع إرسال الواجبات عبر البريد الإلكتروني الذي كتبه على اللوح الذكي ، صُعقت وقتما رفع مجموعة من الدارسين أيديهم قائلين :
- عفواً يا دكتور ، ما عندنا بريد ؟! .
يا رجل ، نحن على مشارف عام 2011 ولا يزال هناك من المتعلمين من لا يملك بريداً إلكترونياً ؟ ، بل إنْ أحدهم قال والخجل يملأهُ :
- البريد مصاريف يا دكتور ، وأنا ما أقدر عليه .
ظناً منه بأن البريد الإلكتروني يتطلّب مبلغاً مالياً مقابل الحصول عليه !!!! .
هكذا عزيزي القارئ تُسلب الثروات ، هكذا ينحدر المجتمع وتذهب ثقافته ليحل محلها ضحالة ، هكذا أيها الكريم يقعُ الطالب في مراحله الأولية بين مطرقة المعلم غير العامل بما يُعلّم وسندان عدم مواكبة التطور .

في نهاية المطاف وبعد صعوبات كبيرة وعقبات ضخمة ، اقترحت عليهم أنْ نفتح صفحة في (Face Book) تكون تحت إدارتي ، أضعُ فيها كل ما دار وسيدور بيننا وبين المحاضرين من واجبات وكتابات ومُذكرات ومواعيد وغيرها ؛ فلاح في الأفق ملامح عدم الرضا من بعض الزملاء ولمّا استفسرت عن هذه الأمّارات الغاضبة والرافضة قال أحدهم نيابة عنهم :
- يا عزيزي (الفيس بوكر) – ولا حظ أنه يطلق عليه اسم البوكر – برنامج للمراهقين والمراهقات وتنتشر فيه الصور الفاضحة والمقاطعة الدعائية الكافرة التي لا تتناسب مع توجهاتنا ! ، فلا تكسب ذنب هؤلاء كلهم ! .
حاولت جاهداً إيضاح فكرة أنْ الفيس بوكر – على حد قوله – إنما هو وسيلة للتواصل .. الخ ، وللأمانة وددتُ لو أنكم تُشاهدون هذه الصفحة وما فيها من مصائب عظام واستفسارات جسام ، لكن عملاً بالقول .. من ستر مسلماً ، ستره الله يوم القيامة ، وأنا سترتُ على مسلمين كُثر .



(2)



وكأن شيئاً لم يحدث ، هكذا ( بُفْ ) انقضى من عُمري 6 سنوات ، أسرع من تكتكة الثواني في أحيان ، وأبطئ من قرع نعال الأعرج في أحيانٍ أخرى ، وكأن ما فات ليس إلا ميلاد أحداث وموت أخرى وأنا بعيدٌ عنها ، هكذا ضعتُ بين أوراق الدراسة وبين أعباء العمل ، ذبتُ في حماقاتي .. فكان المُذابُ أكبر من كميّة المُذيب ، كُنت كطلاء الأظافر الذي تنفث عليه فتاة في عجلةٍ من أمرها .

أتعلم كيف أعيش ؟ ، يطغى على حياتي قانون نظرية الفوضى ، رفرفة فراشة في الرياض قد تُصيبني بالبرد ، أتعرف ما هو وطني ؟ ، وطنٌ لا تنام فيه جيداً ولا تحصل فيه على القدر الكافي من الأكسجين .

يا وطناً يُقاس فيه الكبت بالأطوال ، والجهل بالأميال ، والحسدُ يُخلط باللبن ، والرياء بالصدق انعجن ، يا وطناً يُدار بالجَزرِ ، ويُقضى فيه بالخبر ، يا وطناً لا يوجد احمرارٌ فيه إلا في خدود المسئولين ، ولا يخترعُ فيه إلا المعتوهين ، ولا يرى فيه إلا المكفوفين ، ولا يرقصُ الباليه فيه إلا المُقعدين ، يا وطناً يُقبض فيه على الناس بدعوى الخلوة ، ويخدعون أنفسهم عُنوة ، يا وطناً لا يُساعد على الكتابة ، ويُقتلُ الناسُ فيه بداعي الكآبة ، يا وطناً تُغتصبُ فيه جميع الآراء ، وتُسلب فيه كل الأفكار ، وتَنزفُ على طُرقاته السخافة ، يا وطناً ما عاد يربطني فيه إلا العُملة ، يا وطناً ينفرُ منك أبناءك ، وتستلطف أعداءك ، يا وطناً أقام الدُنيا لمرض ( النخالة ) ، وأقعدها لمشاهدة ( شدق ) الناقة ، يا وطناً يهرول للخلف ، ويبحث عن الحتف ، يا وطناً ينضحُ عنصريّة ، ويتعفّن طبقيّة ، يا وطناً لا يجتمعُ جنوبه بشماله إلا بمقتلة ، ولا شرقيّه بغربيّه إلا بسرقة ، يا وطناً يحجُّ إليه الملايين ، ويحتجُّ عليه يا وطناً أندم على حبّة العرق التي يذرفها جسدي لأجلك ، فقد ذرفوا من قبلي الدماء والأنفس بلا مقابل ، يا وطناً تُشبه لوحة الموناليزا .. تراني في كل الزوايا وتمتلئ نظراتك ريبة .