منتديات الحوار الجامعية السياسية

شخصيات صنعت التاريخ

المشرف: بدريه القحطاني

#31422
المعتمد بن عباد
هو ابن المعتضد العبَادي صاحب اشبيلية. أصبح وريث العرش بعد موت أخيه البكر اسماعيل, وجلس فيه سنة 1069م 461 هـ, واتخذ له وزيراً ابن عمار الشاعر. وكان هو نفسه شاعراً وكاتباً, فتوافد اليه الأدباء والعلماء فأكرم مثواهم, امتلك قرطبة واتسع سلطانه حتى بلغ مرسية.
" وكان بنو عبَاد أمراء اشبيلية أهل حنكة سياسية ودهاء وذكاء, وكانت لهم سياستهم الخاصة في غمار تلك الأحداث التي ألمت بالعصر, واستطاعوا أن يوسعوا سلطانهم, حتى غدت اشبيلية أقوى الإمارات الأندلسية " .
" وقد واجه المعتمد أحداث عصره في صبر وقوة وإقدام, والمؤرخون يتحدثون عن صبره وقوته في خوض المعارك, ويثنون على شجاعته وثباته واستبساله" . وبدأ ملك بني عبَاد بالقاضي ابن عبَاد المؤسس ثم ابنه المعتضد ثم تلاه المعتمد.
" وكان للأحداث الكبرى التي مرت بالمعتمد, والحروب الطاحنة التي اشتدت أوزارها واستعر لهيبها في الأندلس ( في الًزلاقة , وقرطبة , ورندة , والرُّها , وغيرها ), تلك الحروب كان لها آثارها البعيدة وصداها العميق في نفس المعتمد, وكانت كذلك ينبوع فخره في شعره ", .
لم يصور المعتمد تلك الأحداث في شعره كشاعر سمع بها ولم يكن شاهدها, أو كشاعر وقف على ربوة يرقبها من بعيد, وانما كان المعتمد فارساً شجاعاً, شديد الاعتزاز بالنفس, يتقدم كتائبه, ويجول في ميادين القتال في بسالة وإقدام شديد الثقة بصبره وقوة عزيمته, ثم التوت به الحال, وقلب الدهر له المجن فانهزم, ونزل من قصره إلى أَسره, وكان هذا أقوى الآثار عمقاً في نفسه. فقد اضطر إلى مفارقة وطنه وأهله واقتيد الى" أغمات" بالمغرب, وفي أغمات عاش في السجن بضع سنين, عاش عيشة سئم فيها العنت والظلم ولقي فيها الذلة والمهانة, فجاء شعره في هذه المحنة مصوراً لما يعتلج في صدره من الهم والغدر, يشكو بثَّه وحزنه, ويأس على مصيره. .
" ولم يكن العصر الذي عاش فيه المعتمد من العصور السعيدة في التاريخ وانما كان عصراً حافلاً بالأحداث الفاجعة والنكبات الصادعة" . ومن صفاته التي تحمد له رغم بعض العيوب والهفوات, " أن له مواقف مشرقة, وضائعة لجليله, والمروءة والأربحية والمواهب الشعرية, والملكات الفنية التي جعلته يستأهل الاعجاب, وأسرته العريقة" .
يقول عنه المعَري في نفح الطيب: " وأخبار المعتمد بن عبَاد وما رآه من الملك والعزَ في كل حاضر وباد وما قاساه في الأسر من الضيق رحمه الله وغفر له" . والمعتمد فرع من دوحة بني عبَاد, أسرة عربية من أعرق الأسر وأقواها وأثراها, نزحت من العريش إلى الأندلس فاستقرت في غربية حيفا, ثم انتقلوا بعدذلك الى اشبيلية فاستوطنوها, وكانوا فيها أهل النباهة والشان, وكان المعتمد أقوى هؤلاء الأمراء المتوبثين, وأعظم هؤلاء الملوك المسمّيَن بملوك الطوائف, كان طاغياً جبارا, له سياسة أعيت على أنداده من ملوك الأندلس, وقد اتجهت مطامعه إلى غزو جيرانه ولا سيما البربر في الجنوب والجنوب الشرقي من شبه الجزيرة.. فأبكى وأرقَّ, وشتت وفرقَ، ولقد حكي عنه من أوصلوا التجبر ما ينبغي أن تصان عنه الأسماع .
محنة المعتمد:
قضى المرابطون على ملوك الطوائف بالأندلس, وثلوا عروشهم ولكن لم يظفر واحد منهم باهتمام المؤرخين كما ظفر "المعتمد" الملك الذي توافرت له أسباب السعادة فاستطاع أن يحبَ ويحارب ويقول الشعر, وأن يسامر الأدباء ويجالس العلماء, ويعابث الماجنين ويشملهم جميعاً بوفرة من حالة وسعة صدره .
" تكدست حوله أسباب الشقاء فأشفقت عليه أصدقاؤه وأعداؤه على سواء, لقد ذل بعد عزة, وأسر مع أبنائه وجيرانه, وصفد بالأغلال على مشهد من أمته وانتزع من قصره بالأندلس, وسيق إلى سجنه بأفريقية, والناس على طول الطريق شهود وهناك يمرض, فيعوزه الطبيب, ويجوع فيعوزه الغذاء, ويعري فلا يجد الغطاء." .
أذن يوسف بن تاشفين لجيوش المرابطين بإسقاط عرش المعتمد فاندفعت تلك الجيوش نحو "رندة" ذات الحصون فاستولوا عليها وقتلوا ولده "الراضي" ثم اندفعوا نحو "قرطبة" ففتحوها وقتلوا ابنه "المأمون" وتقدمت قواتهم فأخضعت اشبيلية في الثاني والعشرين من رجب سنة 484ه – 1091 م وهاجمت فرقة منها في صبيحة ذلك اليوم قصر المعتمد فتسورته, فانبرى لها يقود حامية مقره وليس عليه غير قميصه فردها على أعقابها .
وفي أصيل ذلك اليوم داهمت القصر جموع من الأندلسيين والمرابطين لا قبل للمعتمد بها فاستسلم فقبض عليه, وأحكم وثاقه وأودع مع أفراد أسرته سفينة سارت في الوادي الكبير والناس على الشاطئين يعتبرون أو يبكون, ثم عبر بهم المضيق إلى أفريقية, وسيق الى أغماث حيث ترك في سجنها ومعه زوجتة الرميكية – أم الربيع وبناته يقاسمنه الآلام تارة ويحركن ساكن أشجانه أخرى!!
وتمادى "المرابطون" في تعذيب هذا الأسير عندما ثار ولداه : عبد الجبار باريجش, والمعتمد بمارئله, واتخذ ذلك وسيلة لارغام ولديه على الطاعة والاستسلام وتركه في السجن أربع سنوات يعاني مع أسرته, العذاب المهين حتى وافاه قدره ومات سنة 488 ه – 1095 م ودفن رحمه الله بأغمات.