- الخميس يناير 06, 2011 7:26 pm
#31775
بن عثمان التويجري
نشطت المراكز والمعاهد المتخصصة في الدراسات الاستراتيجية والسياسية، خلال السنوات الأخيرة، في الاشتغال بدراسة ما يسمّونه في الدوائر الأكاديمية الغربية بـ(الحالة الإسلامية) التي ترتبط في أذهان القائمين عليها وبصورة تلقائية، بالإرهاب والتطرّف. وفي زمن مضى، سواء أثناء فترة الحرب الباردة، أو في العهود السابقة لها، كانت دراسة الإسلام من النواحي العقدية والثقافية والحضارية، مقصورةً على فئات قليلة من الباحثين الغربيين ممن يُطلق عليهم (المستعربون)، أو (المستشرقون)، الذين كانوا يتخصّصون في اللغة العربية، وفي الدراسات الإسلامية التي تُغطّي جلّ حقول الثقافة الإسلامية. وكان أكثر هؤلاء الباحثين يخدمون سياسات وزارات الخارجية، أو بالتعبير القديم، وزارات ما وراء البحار، في الدول الاستعمارية التي كانت تحتل بلدان العالم الإسلامي، من أندونيسيا شرقاً، إلى المغرب غرباً. وقد أنتج هؤلاء الباحثون كتباً كثيرة، وكتبوا بحوثاً غزيرة، ونشروا دوائر معارف وموسوعات، وحقّقوا واعتنوا بنشر كتب من التراث العربي الإسلامي كانت مخطوطاتٍ معرضةً للتلف والضياع، مراعين فيه الأسلوبَ العلميَّ الذي ابتكروه في تحقيق التراث. ومن الإنصاف أن نقول إنَّ قسماً من هذه المنشورات، التي بدأت تصدر منذ القرن الثامن عشر، وبصورة أخصّ في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، قد خدم الثقافة العربية الإسلامية على نحوٍ ما، ولكن في الغالب لم تكن تلك الخدمة في كثير من جوانبها مقصودةً لذاتها، وإنما كانت موجهة لأغراض استعمارية.
كانت هذه الفئة من علماء الغرب تجتمع في مؤتمرات عالمية، تعقد دورياً في بعض العواصم الأوروبية، وأحياناً تعقد في إحدى العواصم العربية الإسلامية، تحت عنوان : «المؤتمر الدولي للمستشرقين». وقد بدأت هذه المؤتمرات في سنة 1873، حيث عقد المؤتمر الأول في باريس بدعوة من الاتحاد الدولي للمستشرقين الذي تأسّس في أوروبا. وكان المؤتمر الرابع والعشرون الذي عقد في ميونيخ بألمانيا في سنة 1957 آخر هذه المؤتمرات.
ولكن تطوّر الأحوال في العالم، وبصورة خاصة في العالم الإسلامي، وظهور متغيّرات في عالم السياسة الدولية، وفي عالم الفكر والثقافة والدراسات الإنسانية، كلّ ذلك أدّى إلى إلغاء فكرة عقد المؤتمر بهذا الاسم، واستبدلت به مؤتمرات أخرى تحت مسميات مختلفة، ولكنها تخدم الأهداف ذاتها بأساليب وطرق مستحدثة، فأصبح المستشرقون يجتمعون في إطار مسمى جديد هو: (المؤتمرات الدولية للدراسات الآسيوية والشمال ــ أفريقية)، يعقدها معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أو رابطة دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية، أو الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، أو مراكز ومعاهد ومؤسسات وهيئات كثيرة تخصصت في هذا المجال.
ولم تكن مراكز الدراسات الاستراتيجية السياسية والفكرية والثقافية والمعاهد المتخصّصة في قضايا الشرق الأوسط، أو الشرق الأدنى بالتعبير القديم، قد ظهرت وانتشرت في تلك المراحل كما هي اليوم، فقد كانت أقسام اللغات الشرقية في بعض الجامعات الغربية، تقوم بالوظيفة التي تقوم بها هذه المراكز. والملاحظ هنا أن هذه الأقسام الجامعية كانت تضمّ علماء أغلبهم متمكّنون وذوو مؤهلات عليا وتخصّص دقيق ودراية واسعة بالعالم الإسلامي من النواحي كافة. ولذلك كانوا يقدمون خدمات مهمّة للدوائر الحكومية التي يتبعونها، بخلاف الوضع في هذه المرحلة، حيث قلَّ لدرجة ملموسة، العلماء الغربيون الضالعون المتخصّصون، الذين يتوافرون على معرفة واسعة باللغة العربية وبالفكر الإسلامي وبالثقافة العربية الإسلامية، وبأحوال المجتمعات الإسلامية، مما ينعكس سلباً على مجمل الدراسات التي يعدّونها والتقارير التي يكتبونها، والتي تكون في الغالب، مصادرَ رئيسةً لصانعي القرار، يستندون إليها في وضع السياسات الخاصة بالعالم الإسلامي، في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والاجتماعية والدينية والثقافية والإعلامية، وفي غيرها من المجالات. ومن هنا يأتي الارتباك والاضطراب والخلل والقصور في القرارات التي تتخذها الدوائر الرسمية الغربية، بشأن التعامل مع قضايا العرب والمسلمين، وحول إقامة علاقات متوازنة ومتساوية مع دول العالم الإسلامي، لدرجة أن كثيراً من أسباب الفشل التي تُمنَى بها السياسات الغربية تجاه العالم الإسلامي، بصورة عامة في هذه المرحلة، يعود مصدرُه إلى أن جلّ الدراسات التي تعدّها هذه المراكز والمعاهد، تكون على قدر كبير من الارتجال والبُعد عن الموضوعية والإنصاف والنزاهة، لأنها تقوم على المفاهيم غير الواقعية، والتحليلات التي تعوزها المنهجية، والاستنتاجات الوهمية التي تُبنَى على معلومات غير موثوقة، غالباً ما تُستقَى من أشخاص غير أسوياء، أو تنقل عن جهات غير أمينة تتولّى تسريبها إليها لأغراض ليست نزيهة.
ولذلك كان من النتائج السلبية ذات العواقب السيئة التي تترتَّب على هذا الوضع، فَهْمُ الغرب العالم الإسلامي فهماً مغلوطاً يكتنفه الغموضُ ويطبعه سوء القصد، لأن السياسات والاختيارات التي يعتمدها ويقرّها، كلما تعلّق الأمر بالقضايا العربية الإسلامية، تنأى بعيداً عن الواقع، وتقوم على أساس غير سليم، وتنطلق من تصوّرات ونظريات وأفكار هي أبعد ما تكون عن حقائق الأمور. فينشأ عن ذلك غالباً، الإمعانُ في إلحاق الضرر بالمصالح العليا للشعوب الإسلامية، والدفعُ في اتجاه اتخاذ قرارات تسئ إلى العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب، وتؤدّي في النهاية إلى إيجاد الأسباب التي تُفضي إلى التوترات والأزمات، فتضيع نتيجةً لذلك كلِّه، حقوق الطرفين، وتفوت عليهما فرص البناء المشترك لنظام عالمي إنساني يرتكز على قواعد العدل والإنصاف وتسود فيه قيم التسامح والتعايش.
ومن أجل ذلك بقي السؤال مطروحاً في الدوائر البحثية ومراكز الدراسات الاستراتيجية : لماذا لا يفهم الغربُ العالمَ الإسلاميَّ ؟. وهو السؤال الذي خضع للتحريف في الغرب، فانقلب إلى : لماذا يكرهوننا ؟. والواقع أن الإجابة الدقيقة النزيهة المقنعة عن السؤال الأول، تنطوي على الجواب الموضوعي الصحيح عن السؤال الثاني؛ فالعلاقة بين السؤالين لا تنفصل، فلو فهم الغرب العالمَ الإسلاميَّ فهماً سليماً بريئاً من الهوى والغرض، ولو عرف الغرب العالمَ الإسلاميَّ معرفة دقيقة تقوم على الحقائق والمعلومات الصحيحة، وتستند إلى التحليل العلمي النزيه لماجريات الأحداث والوقائع، وتعتمد على الإدراك الواعي لمطامح الشعوب الإسلامية وآمالها، والوقوف على احتياجاتها ومتطلبات نموّها وتقدمها وتطوّرها، وعلى الاِحترام الكامل لحقوقها ولسيادتها على أوطانها ولخصوصياتها الدينية والثقافية ولهويتها الحضارية، ولو احترم الغرب القانونَ الدوليَّ في تعامله مع دول العالم الإسلامي والتزم ضوابطَ العلاقات الدولية السويّة في المواقف التي يتخذها،، ولو أنصف الغرب الشعوب العربية الإسلامية التي لحقها الغبن والظلم والعدوان ووقعت فريسة للغزو والاحتلال، لو سلك الغرب هذا المسلك القويم، لما كان ثمة داعٍٍ لطرح السؤال : لماذا يكرهوننا ؟. فالعالم الإسلامي لا يكره الغرب جملة، وإنما يكره سياسات الغرب التي كانت ولا تزال سبباً في ظلمه وغمط حقوقه والتعالي عليه.
إنَّ غياب المعلومات الدقيقة، والاعتماد على ما تكتبه طائفة من الباحثين تزعم أنها متخصّصة في دراسة (الحالة الإسلامية) لا تتوافر لديها شروط النزاهة الفكرية والأمانة العلمية والصدق المهني، من دراسات وبحوث وتقارير، إضافة إلى سوء القصد والاعتداد بالنفس والرغبة في فرض الهيمنة، كلُّ ذلك يحول دون الوصول إلى فهم سليم للعالم الإسلامي، من النواحي كافة، سياسياً واقتصادياً، اجتماعياً وعرقياً، ثقافياً ودينياً. إنَّ ذلك هو الأمر الذي يتسبَّب في إصدار أحكام غير منصفة لا تعكس الواقع من المنظور العام، كما يكون دافعاً لاتخاذ قرارات يتضح مع مرور الأيام، أنها قرارات متسرعة وغير صحيحة وفي أغلب الأحيان غير منصفة ولا تخدم المصالح الحقيقية الدائمة للغرب، وتدفع المسلمين إلى اتخاذ مواقف مناوئة له، دفاعاً عن النفس، وخوفاً من الأخطار المترتبة على تلك القرارات والمغامرات. وتلك هي الحالة التي تعمّ الآن أرجاء عديدة من العالم الإسلامي. وهي حالة غير عادلة قد آن الأوان للتعامل معها بالحقّ، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل
نشطت المراكز والمعاهد المتخصصة في الدراسات الاستراتيجية والسياسية، خلال السنوات الأخيرة، في الاشتغال بدراسة ما يسمّونه في الدوائر الأكاديمية الغربية بـ(الحالة الإسلامية) التي ترتبط في أذهان القائمين عليها وبصورة تلقائية، بالإرهاب والتطرّف. وفي زمن مضى، سواء أثناء فترة الحرب الباردة، أو في العهود السابقة لها، كانت دراسة الإسلام من النواحي العقدية والثقافية والحضارية، مقصورةً على فئات قليلة من الباحثين الغربيين ممن يُطلق عليهم (المستعربون)، أو (المستشرقون)، الذين كانوا يتخصّصون في اللغة العربية، وفي الدراسات الإسلامية التي تُغطّي جلّ حقول الثقافة الإسلامية. وكان أكثر هؤلاء الباحثين يخدمون سياسات وزارات الخارجية، أو بالتعبير القديم، وزارات ما وراء البحار، في الدول الاستعمارية التي كانت تحتل بلدان العالم الإسلامي، من أندونيسيا شرقاً، إلى المغرب غرباً. وقد أنتج هؤلاء الباحثون كتباً كثيرة، وكتبوا بحوثاً غزيرة، ونشروا دوائر معارف وموسوعات، وحقّقوا واعتنوا بنشر كتب من التراث العربي الإسلامي كانت مخطوطاتٍ معرضةً للتلف والضياع، مراعين فيه الأسلوبَ العلميَّ الذي ابتكروه في تحقيق التراث. ومن الإنصاف أن نقول إنَّ قسماً من هذه المنشورات، التي بدأت تصدر منذ القرن الثامن عشر، وبصورة أخصّ في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، قد خدم الثقافة العربية الإسلامية على نحوٍ ما، ولكن في الغالب لم تكن تلك الخدمة في كثير من جوانبها مقصودةً لذاتها، وإنما كانت موجهة لأغراض استعمارية.
كانت هذه الفئة من علماء الغرب تجتمع في مؤتمرات عالمية، تعقد دورياً في بعض العواصم الأوروبية، وأحياناً تعقد في إحدى العواصم العربية الإسلامية، تحت عنوان : «المؤتمر الدولي للمستشرقين». وقد بدأت هذه المؤتمرات في سنة 1873، حيث عقد المؤتمر الأول في باريس بدعوة من الاتحاد الدولي للمستشرقين الذي تأسّس في أوروبا. وكان المؤتمر الرابع والعشرون الذي عقد في ميونيخ بألمانيا في سنة 1957 آخر هذه المؤتمرات.
ولكن تطوّر الأحوال في العالم، وبصورة خاصة في العالم الإسلامي، وظهور متغيّرات في عالم السياسة الدولية، وفي عالم الفكر والثقافة والدراسات الإنسانية، كلّ ذلك أدّى إلى إلغاء فكرة عقد المؤتمر بهذا الاسم، واستبدلت به مؤتمرات أخرى تحت مسميات مختلفة، ولكنها تخدم الأهداف ذاتها بأساليب وطرق مستحدثة، فأصبح المستشرقون يجتمعون في إطار مسمى جديد هو: (المؤتمرات الدولية للدراسات الآسيوية والشمال ــ أفريقية)، يعقدها معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أو رابطة دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية، أو الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، أو مراكز ومعاهد ومؤسسات وهيئات كثيرة تخصصت في هذا المجال.
ولم تكن مراكز الدراسات الاستراتيجية السياسية والفكرية والثقافية والمعاهد المتخصّصة في قضايا الشرق الأوسط، أو الشرق الأدنى بالتعبير القديم، قد ظهرت وانتشرت في تلك المراحل كما هي اليوم، فقد كانت أقسام اللغات الشرقية في بعض الجامعات الغربية، تقوم بالوظيفة التي تقوم بها هذه المراكز. والملاحظ هنا أن هذه الأقسام الجامعية كانت تضمّ علماء أغلبهم متمكّنون وذوو مؤهلات عليا وتخصّص دقيق ودراية واسعة بالعالم الإسلامي من النواحي كافة. ولذلك كانوا يقدمون خدمات مهمّة للدوائر الحكومية التي يتبعونها، بخلاف الوضع في هذه المرحلة، حيث قلَّ لدرجة ملموسة، العلماء الغربيون الضالعون المتخصّصون، الذين يتوافرون على معرفة واسعة باللغة العربية وبالفكر الإسلامي وبالثقافة العربية الإسلامية، وبأحوال المجتمعات الإسلامية، مما ينعكس سلباً على مجمل الدراسات التي يعدّونها والتقارير التي يكتبونها، والتي تكون في الغالب، مصادرَ رئيسةً لصانعي القرار، يستندون إليها في وضع السياسات الخاصة بالعالم الإسلامي، في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والاجتماعية والدينية والثقافية والإعلامية، وفي غيرها من المجالات. ومن هنا يأتي الارتباك والاضطراب والخلل والقصور في القرارات التي تتخذها الدوائر الرسمية الغربية، بشأن التعامل مع قضايا العرب والمسلمين، وحول إقامة علاقات متوازنة ومتساوية مع دول العالم الإسلامي، لدرجة أن كثيراً من أسباب الفشل التي تُمنَى بها السياسات الغربية تجاه العالم الإسلامي، بصورة عامة في هذه المرحلة، يعود مصدرُه إلى أن جلّ الدراسات التي تعدّها هذه المراكز والمعاهد، تكون على قدر كبير من الارتجال والبُعد عن الموضوعية والإنصاف والنزاهة، لأنها تقوم على المفاهيم غير الواقعية، والتحليلات التي تعوزها المنهجية، والاستنتاجات الوهمية التي تُبنَى على معلومات غير موثوقة، غالباً ما تُستقَى من أشخاص غير أسوياء، أو تنقل عن جهات غير أمينة تتولّى تسريبها إليها لأغراض ليست نزيهة.
ولذلك كان من النتائج السلبية ذات العواقب السيئة التي تترتَّب على هذا الوضع، فَهْمُ الغرب العالم الإسلامي فهماً مغلوطاً يكتنفه الغموضُ ويطبعه سوء القصد، لأن السياسات والاختيارات التي يعتمدها ويقرّها، كلما تعلّق الأمر بالقضايا العربية الإسلامية، تنأى بعيداً عن الواقع، وتقوم على أساس غير سليم، وتنطلق من تصوّرات ونظريات وأفكار هي أبعد ما تكون عن حقائق الأمور. فينشأ عن ذلك غالباً، الإمعانُ في إلحاق الضرر بالمصالح العليا للشعوب الإسلامية، والدفعُ في اتجاه اتخاذ قرارات تسئ إلى العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب، وتؤدّي في النهاية إلى إيجاد الأسباب التي تُفضي إلى التوترات والأزمات، فتضيع نتيجةً لذلك كلِّه، حقوق الطرفين، وتفوت عليهما فرص البناء المشترك لنظام عالمي إنساني يرتكز على قواعد العدل والإنصاف وتسود فيه قيم التسامح والتعايش.
ومن أجل ذلك بقي السؤال مطروحاً في الدوائر البحثية ومراكز الدراسات الاستراتيجية : لماذا لا يفهم الغربُ العالمَ الإسلاميَّ ؟. وهو السؤال الذي خضع للتحريف في الغرب، فانقلب إلى : لماذا يكرهوننا ؟. والواقع أن الإجابة الدقيقة النزيهة المقنعة عن السؤال الأول، تنطوي على الجواب الموضوعي الصحيح عن السؤال الثاني؛ فالعلاقة بين السؤالين لا تنفصل، فلو فهم الغرب العالمَ الإسلاميَّ فهماً سليماً بريئاً من الهوى والغرض، ولو عرف الغرب العالمَ الإسلاميَّ معرفة دقيقة تقوم على الحقائق والمعلومات الصحيحة، وتستند إلى التحليل العلمي النزيه لماجريات الأحداث والوقائع، وتعتمد على الإدراك الواعي لمطامح الشعوب الإسلامية وآمالها، والوقوف على احتياجاتها ومتطلبات نموّها وتقدمها وتطوّرها، وعلى الاِحترام الكامل لحقوقها ولسيادتها على أوطانها ولخصوصياتها الدينية والثقافية ولهويتها الحضارية، ولو احترم الغرب القانونَ الدوليَّ في تعامله مع دول العالم الإسلامي والتزم ضوابطَ العلاقات الدولية السويّة في المواقف التي يتخذها،، ولو أنصف الغرب الشعوب العربية الإسلامية التي لحقها الغبن والظلم والعدوان ووقعت فريسة للغزو والاحتلال، لو سلك الغرب هذا المسلك القويم، لما كان ثمة داعٍٍ لطرح السؤال : لماذا يكرهوننا ؟. فالعالم الإسلامي لا يكره الغرب جملة، وإنما يكره سياسات الغرب التي كانت ولا تزال سبباً في ظلمه وغمط حقوقه والتعالي عليه.
إنَّ غياب المعلومات الدقيقة، والاعتماد على ما تكتبه طائفة من الباحثين تزعم أنها متخصّصة في دراسة (الحالة الإسلامية) لا تتوافر لديها شروط النزاهة الفكرية والأمانة العلمية والصدق المهني، من دراسات وبحوث وتقارير، إضافة إلى سوء القصد والاعتداد بالنفس والرغبة في فرض الهيمنة، كلُّ ذلك يحول دون الوصول إلى فهم سليم للعالم الإسلامي، من النواحي كافة، سياسياً واقتصادياً، اجتماعياً وعرقياً، ثقافياً ودينياً. إنَّ ذلك هو الأمر الذي يتسبَّب في إصدار أحكام غير منصفة لا تعكس الواقع من المنظور العام، كما يكون دافعاً لاتخاذ قرارات يتضح مع مرور الأيام، أنها قرارات متسرعة وغير صحيحة وفي أغلب الأحيان غير منصفة ولا تخدم المصالح الحقيقية الدائمة للغرب، وتدفع المسلمين إلى اتخاذ مواقف مناوئة له، دفاعاً عن النفس، وخوفاً من الأخطار المترتبة على تلك القرارات والمغامرات. وتلك هي الحالة التي تعمّ الآن أرجاء عديدة من العالم الإسلامي. وهي حالة غير عادلة قد آن الأوان للتعامل معها بالحقّ، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل
غريبه من بعد عيتك محتار بزماني