- الجمعة يناير 07, 2011 3:12 pm
#31876
التعايش السلمي : مقدمة : من أهم نتائج الحرب العالمية الثانية ظهور قوتين كبيرتين متكافئتين تتنازعان على الريادة مما أجبر العالم على تذوق العيش في ظل ظاهرتي الحرب الباردة والتعايش السلمي التي تعني سياسة نبذ الحرب وتدعو إلى إقامة التعاون والتفاهم والوفاق يقال في اللغة تعايش فلان مع فلان يعني أن كل منهما قبل أن يعيش مع الآخر ، وفي السياسة هي قبول الكتلتين بعضهم كأنظمة وحل الخلافات بالطرق السليمة والقبول بفكرة عالم واحد متعدد الإيديولوجيات وكذا هو نبذ الحرب كوسيلة لتسوية الخلافات الدولية واعتماد التفاوض والتفاهم والتبادل والتعاون (دعوة نيكتا خروتشوف عام 56) ومحاولة الطرفين تجاوز خلافاتهم والاقتناع بإمكانية تعايشهما ويمكن الإقرار أن مفهوم التعايش يختلف لدى الدول تبعا للانتماء الأيديولوجي فإذا اعتبرنا الاتحاد السوفياتي مؤمن بأن الأهداف الشيوعية يمكن أن تحقق في ظل التعايش السلمي ووفاق دولي فإن الولايات المتحدة لا تفرضه حتى لا يظهر السوفيات كدعاة للسلام بينما تقف هي موقفا سلبيا منه لذا ترى أن التعايش هو حالة وفاق دون التنازل عن أهدافها إذ ستعمل على تحقيق مد رأسمالي وتحطيم الشيوعية بطرق خفية مع مرور الزمن في حين ترفض الصين سياسة التعايش مع أعدائها الإيديولوجيين ولا تؤمن بالفكرة بالمرة بل أن رؤيتها هذه كانت سببا في القطيعة بينهما وبين موسكو دوافع التعايش السلمي : دوافع الدعوة إليه : تمثلت في أن الاتحاد السوفياتي شديد الحرص على الظهور للعالم كداعي إلى السلام عام 52 والانعكاسات السلبية للحرب الباردة على الاقتصاد والمجتمع ولقناعته أخيرا بحتمية انهيار الرأسمالية باعتبارها تحمل بذور فنائها في نفسها دوافع قبول الغرب به : نمو القوة التدميرية السوفياتية ـ تزايد نفوذ الشيوعية في العالم ومعه تزايد هيبة السوفيات ـ تخوف الغرب من الظهور كدعاة حرب في حالة رفض الدعوة السلمية السوفياتية ـ التضرر من حالة الصراع والتوتر 1- التغيير القيادي في المعسكرين حيث شهدت سنة53 وفاة ستالين ومجيء الترويكا السوفياتية كما ذهب في الولايات المتحدة الأمريكية ترومان أما انتصار إيزنهاور فزالت بذلك مرحلة التشدد وبدأ نوع من الليونة في سياسة البلدين 2- تأثر المعسكرين كان لتدخل المعسكرين في الأزمات والحروب المريرة الأثر البالغ إذ ترتب عنه خسائر مادية وبشرية 3- توازن الرعب النووي إن النمو الذي حققه العملاقان في المجال الاستراتيجي والنووي يجعلهما يتأكدان بأن أي حرب بينهما تعني فناء البشرية وأن الرابح فيها أكبر متضرر وأمام يقين كليهما باستحالة هزم خصمه تأكد من ضرورة التعايش معا 4- تصدع المعسكر الواحد : يظهر ذلك من خلال القطيعة بين الصين والاتحاد السوفياتي عام 60 وخروج فرنسا من الحلف الأطلسي عام 66 وتقبل المعسكرين لفكرة الاختلاف وتعدد المواقف والأفكار 5- بروز حركة عدم الانحياز : ساهمت الحركة منذ تأسيسها عام 61 في إرساء التعايش السلمي وإبعاد شبح الحرب ولعل خير نداء تلك الرسالة التي وجهت في نهاية المؤتمر التأسيسي لرئيس البلدين جون كنيدي ونيكتا خروتشوف فضلا عن نداءات الحركة خلال مؤتمراتها المتعاقبة 6- تأثير الرأي العام العالمي ويظهر ذلك من خلال الجوانب الآتية – تنديد الشعوب الأوربية بالمواجهة والتسابق نحو التسلح – تضامن الشعوب الأفرو آسيوية والأمريكو لاتينية ورفضها للقواعد العسكرية ونبذها للحرب والصراع 7- تخلي الاتحاد السوفياتي عن فكرة الثورة المستمرة إذ تخلى السوفيات عن فكرة تصدير الثورة خاصة في فترة خروتشوف 57 – 64 8- انعقاد مؤتمر جنيف عام 55 وزوال سوء التفاهم . مظاهر التعايش السلمي : 1- بناء جسور اقتصادية وثقافية تربط بين المعسكرين 2- ضعف النزعة القديمة والتي مفادها أن كل طرف يعتقد بأنه على صواب 3- تطبيق ممارسات مختلفة للاشتراكية مثل التجربة اليوغسلافية 4- إلغاء مكتب الكومنفورم سنة 56 وتخلي الاتحاد السوفياتي عن وصايته على الأحزاب الشيوعية 5- إنشاء الخط الهاتفي الأحمر بين موسكو وواشنطن 6- تبادل اللقاءات والزيارات الرسمية ، زيارة خروتشوف إلى و م وزيارة نيكسون للاتحاد سوفياتي عام 59 ، لقاء خروتشوف كينيدي بجنيف 55 ولقاء فينا 61 وهلسنكي 75 وريكافيك 86 7- إبرام الصلح مع النمسا واليابان 51 – 56 وهي معاهدات الصلح المتأخرة بسبب الحرب الباردة 8- إبرام المعسكرين عدة معاهدات لنزع السلاح ، معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية 63 ، تحديد الفضاء 67 ، معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية 68 ، تحديد أعماق البحار 70 ، معاهدة سالت 1 عام 72 وسالت 2 عام 75 وستارت 1 عام 91 وستارت 2 عام 93 ، معاهدة برين دابا جنوب إفريقيا عام 75 التي حددت 5 مناطق في العالم منزوعة السلاح منها إفريقيا ، 9- قبول الغرب للمعارضة الشيوعية وتقبل فكرة عدم الانحياز نتائج التعايش السلمي : - التخفيف من حدة الصراع والتوتر ـ التحول من اسلوب المواجهة إلى الاحتواء ـ تسويات لكثير من الأزمات ـ تزايد التعاون والتنافس الاقتصادي والتكنولوجي ـ تزايد الاهتمام بدول الجنوب ـ اقتناع كل طرف بما حققه من نفوذ ومصالح ـ توقيع اتفاقيات الحد من التسلح ـ الإعلان عن نهاية الحرب الباردة رسميا في مؤتمر باريس عام 90 ـ الصعوبات التي واجهت التعايش السلمي : انعدام الثقة بين العملاقين ـ النزعة العسكرية لدى الاتحاد السوفياتي ـ النزعة الأمبريالية لدى الولايات م أ ـ الحرب الباردة ووجود بؤر توتر كثيرة في أنحاء العالم مدى نجاح أو فشل التعايش السلمي : لقد نجحت سياسة التعايش السلمي في تحقيق ما يلي : إبعاد فرصة اندلاع حرب نووية ـ توقيع مجموعة من المعاهدات الدولية ـ بعث الثقة في العلاقات الدولية ـ تسويات العديد من الأزمات الدولية المستعصية وفشلت في حل القضايا التالية : معالجة سباق التسلح بجدية ـ توسيع دائرة الاهتمام لتشمل الدول النامية ـ الحروب الأهلية والأزمات الدولية المتجددة الخاتمة : رغم الأهمية التي اكتسبتها سياسة التعايش السلمي إلا أن نقص الجدية والاستمرارية في معالجة القضايا أضعف مصداقيتها وأفرغ محتواها السلمي الحقيقي وعلى الرغم من نهاية الحرب الباردة فإن بؤر التوتر في العالم تجعل التعايش السلمي أمرا يصعب تحقيقه