منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#30711

تلعب وسائل الاعلام بكل اشكالها (سمعية، مرئية، مقروءة ) دورا كبيرا في التاثير على الراي العام وتشكيل توجهاته واتجاهاته، او تعبئته باتجاه اهداف او قضايا معينة، فتصبح وسائل الاعلام أدوات مهمة في عمليات التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وفي كل الدول ومهما كان مستوى تطور او تخلف هذه الدولة او تلك (متخلفة، نامية، متقدمة).


لان الانسان في اغلب الاحيان يفكر ويتاثر ويسلك سلوكا يتناسب مع مؤثرات بيئته ،تستخدم وسائل الاعلام كوسيلة للتأثير وتغيير الاتجاهات لدى الفئات المستهدفة (الرأي العام) وخلق توجهات واتجاهات، وبالتالي خلق سلوك مطلوب يقع ضمن اهداف الحملة الاعلامية المطلوبة، والمجتمع المستهدف بهذه الحملة .
ان أية عمليات تغيير تحدث وفي أية دولة من العالم لابد ان تسبقها او ترافقها حملة اعلامية تبشر بهذا التغيير باعتباره مطلبا حضاريا لابد من تحقيقه، كما ان هذا التغيير لايمكن ان يصبح واقعا الا من خلال الارتفاع بدرجات الوعي المجتمعي باهميته، وبالتالي ايجاد وتوفير الرغبة الحقيقية فيه لدى جميع الشرائح الاجتماعية والمكونات الوطنية.
وتعتبر وسائل الاعلام من وسائل الضبط الاجتماعي المهمة في أي مجتمع ، حيث تعمل على التوجيه وغرس قيم وممارسات اجتماعية جديدة تتحول الى تغيرات في المفاهيم والسلوك الفردي والمجتمعي من اجل احداث تغير حضاري في طريقة التفكير والعمل والحياة .
ويرى بعض الباحثين ان وسائل الاعلام (تعمل على توسيع الافاق وخلق الشخصية القادرة على فهم الغير وتبني نظرة جديدة متفحصة، كما تعمل على تحطيم المسافة والعزلة، وانتقال الناس من المجتمع التقليدي الى المجتمع الكبير، ويؤدي الى توسيع الافاق والى تنمية (التفتح والتسامح والاستشعار بالغير) لدى الافراد وهو ما يطلق عليه (التقمص الوجداني) empathy الذي يعطي الفرد القدرة على ان يرى نفسه مكان الاخرين مما ييسر عمليه المشاركة والتبادل).
وتعمل وسائل الاعلام على اعادة الترتيب القيمي والسلوكي للمجتمع المستهدف عن طريق خلق المعايير الجديدة ، وفرض الاوضاع الاجتماعية المرغوبة والمعاونة على انشاء قواعد واطر مرجعية جديدة تؤطر السلوك المرغوب ومتابعة الظواهر المرفوضة والمنحرفة وكشفها، وتعديل المواقف والاتجاهات الضعيفة وتدعيم الافكار والاتجاهات والمواقف المرغوبة التي تتلاءم وروح العصر، والعمل على ايجاد ثغرات في بنية القيم المرفوضة، تستطيع من خلالها وسائل الاعلام ان تتسلل للتأثير وزعزعة القناعة بها واظهار مساوئها واضرارها وايجاد نوع من الكراهية اتجاهها لدى الجمهور.
ومن هنا فوسائل الاعلام تبشر بالافكار وتقوم بنشرها، وقد يتبنى الانسان هذه الافكار او يرفضها ويخضع هذا الامر لمؤثرات كثيرة تتمثل بتلاؤمها مع مصالحه ومدى مقبوليتها اجتماعيا وشدة ضعطها عليه والتكرار لنفس الافكار في وسائل الاعلام واستمرارية الطرق كفيلة بايجاد منفذ او منفذ الى عقل المتلقي.
وبقدر تعلق الامر بالوضع السياسي في العراق وتحديدا مشروع المصالحة الوطنية الذي بادر بطرحه السيد رئيس الوزراء ، نقول ان وسائل الاعلام كان لها الدور الكبير في اللعب بالنسيج الاجتماعي.
فهي التي قادت الحملات الاعلامية التحريضية للمكونات العراقية بعضها ضد البعض الاخر في معرض اعادة انتاج الهويات الفرعية، مما صعد من مستوى التعبئة و التحشيد الاعلامي، والتسابق في التعبئة لصالح اهداف ومصالح فئوية اضرت بالنسيج الوطني كثيرا وغيبت الخطاب الوطني او اثارت الضباب والغبار حوله .
ومما زاد الطين بلة ، ان تكون المواد الاعلامية هي تصريحات لمسؤولين كبار في العملية السياسية، او رجال دين اعتلوا منابرهم ، فكانت سطوتهم وصولتهم وصوتهم اشد فتكا من خلال التحريض المفرق الذي كان اعلى من أي صوت اخر.
هذه الفئات وكمواد اعلامية يكون تأثيرها اكبر من غيرها على المتلقي لانه يعتقد وفي الكثير من الاحيان انهم المدافعون الحقيقيون عن مصالحه وتطلعاته، فيندرج تحت تاثير سطوة خطابهم الفئوي المحرض على التخندق والتمترس في الخنادق الفئوية حتى وصل الحال الى مانحن عليه .
يضاف الى هذا، المصالح والقوى الاقليمية والعربية والدولية التي اوجدت لها الكثير من المنابر الاعلامية في الداخل وتحت تسميات وعناوين عراقية للتعمية والتدليس، فكان الكثير من الصحف والمجلات والفضائيات والاذاعات تعمل كلها على دعم عدم الاستقرار في العراق، فضلا عن وسائل الاعلام العربية التي قادت حملات واسعة من التحريض والتعبئة باتجاه الاقتتال الطائفي والعرقي.
ومن هنا يتبين لدينا الدور السيئ والمشبوه الذي قامت به بعض وسائل الاعلام في تأجيج نار الفتنة والفرقة والتناحر، ولابد ان نقول مع الشاعرالعربي ( وداوني بالتي كانت هي الداء) او مع اخر حين يقول ( ان من اشعل النيران يطفيها).
أي ان وسائل الاعلام كما اشعلت فتيل الفتنة فانها تستطيع بما تملكه من نفوذ وسطوة وتأثير على المتلقي وبشتى الوسائل اطفاء هذه النار وتحويل العداء والضغينة والتباعد الى اخوة وطنية واعادة اللحمة للنسيج الوطني العراقي.
واذا كان هناك من يتساءل كيف يحدث هذا؟
ومن هنا يصبح من واجب وسائل الاعلام ان تتحمل مسؤوليتها في عملية اشاعة ثقافة المصالحة والتسامح وقبول الاخر المختلف ونبذ العنف ومحاربته وتوجيه كل الاقلام والجهد الاعلامي باتجاه محاربة الارهاب لانه يستهدف كل المكونات العراقية بدون استثناء ومن ثم فهو يستهدف الامن والاستقرار