- الجمعة يناير 07, 2011 9:55 pm
#32052
نظرة الإسلام في التعامل مع الغير
المطلب الأول: أسس بناء العلاقات الدولية في الإسلام
لقد أثبتت التجارب قديماً وحديثاً أن المبادئ التي تفرض بالقوة سرعان ما تزول بزوالها، وهذه النظرة لهي أصدق دليل على أن الإسلام لم يفرض نفسه على الغير بالقوة, فدخول الشعوب في دين الله أفواجاً وتحمسها لهذا الدين العظيم ومدافعتها عنه بالنفس والنفيس والغالي والرخيص وثباتها عليه لهو من أقوى الأدلة على ذلك وما ذلك إلا بهذا الدين العظيم الذي عمر قلوبهم بالمنطق والبرهان ولو كان الأمر عكس ذلك لكانت الأمم التي لم تكن خاضعة للإسلام يوماً من الأيام أعداءً له وعوامل هدم وحقد عليه, ولهذا يظهر أن اعتناق الناس للإسلام كان مبعثه الاقتناع بصحة مبادئه وجلاء معالمه بطريق فردي, ومن هذا المنطلق يمكننا تحديد الأسس التي بنى عليها الإسلام علاقاته.
الإسلام في اللغة: الخضوع والانقياد، يقال: فلان أسلم، أي خضع وانقاد، ومن ذلك قول الله تعالى: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون)1.
ويطلق لفظ "الإسلام" ويراد به مجموعة التعاليم التي أوحاها الله إلى سيدنا محمد وهي داعية إلى توحيد الله والخضوع لأحكامه والانقياد للأصول العامة التي جاء بها الأنبياء من قبل، يقول الله تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)2 ومن ثم فقد أطلق لفظ الإسلام على كل من اتبع هذه التعاليم، فيقال إن نوحاً مسلم، وإبراهيم مسلم، وعيسى مسلم.. وكذلك يسمى بهذا الاسم كل من تبعهم وانقاد لتعاليمهم.
1- تكريم الإنسان, قال تعالى: ٍٍٍٍِِِِ(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) قرر الإسلام مبدأ الكرامة الإنسانية والمساواة بين البشر جميعاً في القيمة الإنسانية المشتركة، فأوجب على المسلمين احترام الإنسان لإنسانيته وآدميته حتى وإن كان على غير الإسلام، فالإسلام يراعي هذه الكرامة ويجعلها مبدءاً عاماً في السلم والحرب، والإنسان مخلوق مكرم في حياته وبعد مماته، ومن مظاهر هذا التكريم مواراة قتلى الأعداء ودفنهم، وقد ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم القتلى يوم بدر في بئر القليب، ونهى عن حرق جثث الأعداء بالنار أو تشويهها, أو تعذيب الجرحى أو إساءة معاملتهم لأن في هذا إساءة للإنسانية وإهداراً لكرامتها3.
2- المحافظة على العهود والمواثيق: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) 4
تعريف العهد أو الميثاق : هو الإتفاق المبرم بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول مدة معينه من الزمن5 . من أهم المبادئ التي حرص على مراعاتها الإسلام في علاقاته مع غيره الوفاء بالعهود والمواثيق وعدم خيانة الطرف الآخر، وقد ورد في السنة النبوية كثير من النصوص التي توجب الوفاء بالوعد وتحرم الغدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به" 6 في ظلال هذه النصوص يتضح لنا ما في هذا الدين من صدق وأمانة وحفاظ على العهد من نقض أو خيانة.
3- عدم الإكراه في الدين، قال تعالى: ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) لقد أصّل الإسلام هذا المبدأ فلم يحارب لأجل فرضه على الأمم قصراً, وقد أجمع الفقهاء والعلماء بأن الآية غير منسوخة ولا مخصوصة، ومن خالف من العلماء أتى بأدلة ضعيفة والشواهد التاريخية التي سنعرض بعضاً منها دلت على أن الآية كان معمولٌ بها في زمن النبي وظل يُعمل بها في عهد الخلفاء الراشدين والصحابة والسلف الصالح, ومما يدل على ذلك أنه لم ترد حادثة واحدة تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أكره أحداً على الدخول في هذا الدين لا ممتنعاً ولا مقدوراً عليه ولا ذمياً أو مستأمناً أما الحربي فقد اختلف العلماء في جواز إكراهه، والأرجح أنه لا يجوز7 . قال ابن تيمية: "آية الإكراه عند جمهور السلف ليست منسوخة ولا مخصوصة وإنما النص عام فلا نكره أحداً على الدين والقتال لمن حاربنا"8 .ويرجح الدكتور الزحيلي عدم جواز إكراه ا لحربي على الإسلام بقوله: " هناك ثمة فرق بين أن أقاتل الحربي لدفع أذاه ورد عدوانه وبين إكراهه على تغيير عقيدته بالقوة فالأول أمر مستساغ والثاني لا يقبله منطق9
أقول: إن مبدأ الإكراه على أي شيء لا يستساغ فطرة، فكيف لو كان الإكراه على تغيير عقيدة أو مبدأ، فهي ألصق شيء في النفس ولا يمكن تغييرها إلا بالاقتناع الداخلي والرضا عن بينة وبرهان، وهو الطريق الأسلم لكسب نفوس مؤمنة لصف الإسلام، وإلا لانتشر في صف المسلمين المنافقين والعملاء الحاقدين على هذا الدين نتيجة لعملية الإكراه، ثم إن هذا الدين عظيم يزلزل القلوب ويأخذ بمجامع النفوس وهو يصل إلى هذه القلوب بطريق سهل ميسور دون استئذان، كيف لا وهو دين الفطرة السليمة دين رب العالمين.
4- حضارة التعاون الثقافي:كما أن الأمة الإسلامية كانت تتلقى بعثات الأمم الأخرى لإفادتها من علومها ومعارفها فقد اعتبرت أن من فروض الكفاية إرسال بعثات للتعليم إلى البلاد المسالمة للمسلمين لتستقي من علومها ومعارفها, ولا ينكر الغرب أثر الحضارة الإسلامية في حضارتهم، بل إن بعض المنصفين منهم يعترف بأن أصول النهضة العلمية في أوروبا في القرون الوسطى كان منبعها بلاد المسلمين10 .
5- محاربة التمييز العنصري: قال تعالى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )11 .لقد اقتلع الإسلام جذور الحقد الدينية بالنسبة لأتباع الديانات السماوية الأخرى، وأقر بوجود زمالة عالمية بين أفراد النوع البشري، فالناس في نظر الإسلام خلقوا من أصل واحد وهم سواسية، الأبيض والأسود والأحمر، والعرب والعجم لا فضل لأمة على أمة ولا لشعب على شعب إلا بمدى قربه عن الإسلام أو بعده.
فالعدل والمساواة أصلان من أصول الشريعة الإسلامية، جاء بهما القرآن الكريم والسنة والنبوية وقامت عليهما العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الأمم أفراداً وجماعات, وقد وردت في القرآن الكريم الذي هو دستور الدولة الإسلامية كلمة العدل في ثمانية وعشرين موضعاً، وفي كثير من نصوص السنة النبوية ما يدل على وجوب النظر إلى البشر جميعاً من حيث أصل الخلقة بالتساوي، ففي حجة الوداع قال النبي صلى الله عليه وسلم:" يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي.... إن أكرمكم عند الله أتقاكم"12 .
6- عالمية الدعوة: قال تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين)13.
وقال تعالى: ( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين)14 , وقال تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً)15 . لقد أرست هذه النصوص وتظافرت مع نصوص كثيرة أخرى في القرآن والسنة قاعدة مهمة أصيلة ألا وهي عالمية الدعوة, فالإسلام دين ذو نزعة عالمية والناس جميعاً مخاطبين به وعليهم شرعاً للاستجابة لتعاليمه، لأنه حياة جامعة للناس وهو دين الفطرة التي فطر الناس عليها، (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله)16
وانطلاقاً من هذا المبدأ ينبغي على المسلمين:
- النشاط في سبيل الدعوة، والجد والبدار فهو أمر مطلوب في كل زمان ومكان.
- بث الدعاة للإسلام في أواسط المعمورة، وهو واجب ديني متعلق بذمم المسلمين فهم مسؤولون أمام الله عن كل فرد من أفراد الأمم مات ولم يصله هذا الدين بسبب تقصيرهم، وعندها ينتشر الدعاة إلى الله في أرجاء المعمورة.
- ثقة الدعاة بنصر الله العظيم، وإيمانهم بثقل المهمة وعظمها عند الله، فما هم إلا رسلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، جندوا ليكشفوا اللثام عمّا ران على القلوب من ضلالات وأوهام حالت دون وصول نور الله إلى قلوبهم.
- والشواهد التاريخية لهي خير دليل على ما ذكرنا من مراسلة الرسول صلى الله عليه وسلم للملوك والأمراء في خارج الجزيرة العربية ومراسلته لشيوخ القبائل داخل الجزيرة يدعوهم فيها إلى اعتناق الإسلام، يقول أرنولد: "من الخطأ أن نفترض أن محمداً في المدينة قد طرح مهمة الداعي إلى الإسلام والمبلغ لتعاليمه، أو أنه عندما سيطر على جيش كبير يأتمر بأمره انقطع عن دعوة المشركين إلى اعتناق هذا الدين"17. ويقول الإستاذ خدوري: " من المعروف أن الدولة الإسلامية منذ نشأتها برئاسة النبي صلى الله عليه وسلم قد درجت على الإفادة من الأسلوب الدبلوماسي كبديل للحرب أو مساعد في تنفيذ سياستها الخارجية", وقد احتذى المسلمون حذو نبيهم في نشر الدعوة، فبالرغم من عدم وجود طبقة رجال دين تختص بنشر العقيدة إلا أن المسلمين وجدوا ما يعوضهم في ذلك، الشعور الناشئ عن المسؤولية التي ألقيت على كواهل المسلمين من الأفراد (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)18 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخلق كلهم عيال الله وأحب خلق الله تعالى إليه أحسنهم صنيعاً إلى عباده" وقال: " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب.... وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة"19.
المطلب الأول: أسس بناء العلاقات الدولية في الإسلام
لقد أثبتت التجارب قديماً وحديثاً أن المبادئ التي تفرض بالقوة سرعان ما تزول بزوالها، وهذه النظرة لهي أصدق دليل على أن الإسلام لم يفرض نفسه على الغير بالقوة, فدخول الشعوب في دين الله أفواجاً وتحمسها لهذا الدين العظيم ومدافعتها عنه بالنفس والنفيس والغالي والرخيص وثباتها عليه لهو من أقوى الأدلة على ذلك وما ذلك إلا بهذا الدين العظيم الذي عمر قلوبهم بالمنطق والبرهان ولو كان الأمر عكس ذلك لكانت الأمم التي لم تكن خاضعة للإسلام يوماً من الأيام أعداءً له وعوامل هدم وحقد عليه, ولهذا يظهر أن اعتناق الناس للإسلام كان مبعثه الاقتناع بصحة مبادئه وجلاء معالمه بطريق فردي, ومن هذا المنطلق يمكننا تحديد الأسس التي بنى عليها الإسلام علاقاته.
الإسلام في اللغة: الخضوع والانقياد، يقال: فلان أسلم، أي خضع وانقاد، ومن ذلك قول الله تعالى: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون)1.
ويطلق لفظ "الإسلام" ويراد به مجموعة التعاليم التي أوحاها الله إلى سيدنا محمد وهي داعية إلى توحيد الله والخضوع لأحكامه والانقياد للأصول العامة التي جاء بها الأنبياء من قبل، يقول الله تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)2 ومن ثم فقد أطلق لفظ الإسلام على كل من اتبع هذه التعاليم، فيقال إن نوحاً مسلم، وإبراهيم مسلم، وعيسى مسلم.. وكذلك يسمى بهذا الاسم كل من تبعهم وانقاد لتعاليمهم.
1- تكريم الإنسان, قال تعالى: ٍٍٍٍِِِِ(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) قرر الإسلام مبدأ الكرامة الإنسانية والمساواة بين البشر جميعاً في القيمة الإنسانية المشتركة، فأوجب على المسلمين احترام الإنسان لإنسانيته وآدميته حتى وإن كان على غير الإسلام، فالإسلام يراعي هذه الكرامة ويجعلها مبدءاً عاماً في السلم والحرب، والإنسان مخلوق مكرم في حياته وبعد مماته، ومن مظاهر هذا التكريم مواراة قتلى الأعداء ودفنهم، وقد ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم القتلى يوم بدر في بئر القليب، ونهى عن حرق جثث الأعداء بالنار أو تشويهها, أو تعذيب الجرحى أو إساءة معاملتهم لأن في هذا إساءة للإنسانية وإهداراً لكرامتها3.
2- المحافظة على العهود والمواثيق: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) 4
تعريف العهد أو الميثاق : هو الإتفاق المبرم بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول مدة معينه من الزمن5 . من أهم المبادئ التي حرص على مراعاتها الإسلام في علاقاته مع غيره الوفاء بالعهود والمواثيق وعدم خيانة الطرف الآخر، وقد ورد في السنة النبوية كثير من النصوص التي توجب الوفاء بالوعد وتحرم الغدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به" 6 في ظلال هذه النصوص يتضح لنا ما في هذا الدين من صدق وأمانة وحفاظ على العهد من نقض أو خيانة.
3- عدم الإكراه في الدين، قال تعالى: ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) لقد أصّل الإسلام هذا المبدأ فلم يحارب لأجل فرضه على الأمم قصراً, وقد أجمع الفقهاء والعلماء بأن الآية غير منسوخة ولا مخصوصة، ومن خالف من العلماء أتى بأدلة ضعيفة والشواهد التاريخية التي سنعرض بعضاً منها دلت على أن الآية كان معمولٌ بها في زمن النبي وظل يُعمل بها في عهد الخلفاء الراشدين والصحابة والسلف الصالح, ومما يدل على ذلك أنه لم ترد حادثة واحدة تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أكره أحداً على الدخول في هذا الدين لا ممتنعاً ولا مقدوراً عليه ولا ذمياً أو مستأمناً أما الحربي فقد اختلف العلماء في جواز إكراهه، والأرجح أنه لا يجوز7 . قال ابن تيمية: "آية الإكراه عند جمهور السلف ليست منسوخة ولا مخصوصة وإنما النص عام فلا نكره أحداً على الدين والقتال لمن حاربنا"8 .ويرجح الدكتور الزحيلي عدم جواز إكراه ا لحربي على الإسلام بقوله: " هناك ثمة فرق بين أن أقاتل الحربي لدفع أذاه ورد عدوانه وبين إكراهه على تغيير عقيدته بالقوة فالأول أمر مستساغ والثاني لا يقبله منطق9
أقول: إن مبدأ الإكراه على أي شيء لا يستساغ فطرة، فكيف لو كان الإكراه على تغيير عقيدة أو مبدأ، فهي ألصق شيء في النفس ولا يمكن تغييرها إلا بالاقتناع الداخلي والرضا عن بينة وبرهان، وهو الطريق الأسلم لكسب نفوس مؤمنة لصف الإسلام، وإلا لانتشر في صف المسلمين المنافقين والعملاء الحاقدين على هذا الدين نتيجة لعملية الإكراه، ثم إن هذا الدين عظيم يزلزل القلوب ويأخذ بمجامع النفوس وهو يصل إلى هذه القلوب بطريق سهل ميسور دون استئذان، كيف لا وهو دين الفطرة السليمة دين رب العالمين.
4- حضارة التعاون الثقافي:كما أن الأمة الإسلامية كانت تتلقى بعثات الأمم الأخرى لإفادتها من علومها ومعارفها فقد اعتبرت أن من فروض الكفاية إرسال بعثات للتعليم إلى البلاد المسالمة للمسلمين لتستقي من علومها ومعارفها, ولا ينكر الغرب أثر الحضارة الإسلامية في حضارتهم، بل إن بعض المنصفين منهم يعترف بأن أصول النهضة العلمية في أوروبا في القرون الوسطى كان منبعها بلاد المسلمين10 .
5- محاربة التمييز العنصري: قال تعالى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )11 .لقد اقتلع الإسلام جذور الحقد الدينية بالنسبة لأتباع الديانات السماوية الأخرى، وأقر بوجود زمالة عالمية بين أفراد النوع البشري، فالناس في نظر الإسلام خلقوا من أصل واحد وهم سواسية، الأبيض والأسود والأحمر، والعرب والعجم لا فضل لأمة على أمة ولا لشعب على شعب إلا بمدى قربه عن الإسلام أو بعده.
فالعدل والمساواة أصلان من أصول الشريعة الإسلامية، جاء بهما القرآن الكريم والسنة والنبوية وقامت عليهما العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الأمم أفراداً وجماعات, وقد وردت في القرآن الكريم الذي هو دستور الدولة الإسلامية كلمة العدل في ثمانية وعشرين موضعاً، وفي كثير من نصوص السنة النبوية ما يدل على وجوب النظر إلى البشر جميعاً من حيث أصل الخلقة بالتساوي، ففي حجة الوداع قال النبي صلى الله عليه وسلم:" يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي.... إن أكرمكم عند الله أتقاكم"12 .
6- عالمية الدعوة: قال تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين)13.
وقال تعالى: ( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين)14 , وقال تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً)15 . لقد أرست هذه النصوص وتظافرت مع نصوص كثيرة أخرى في القرآن والسنة قاعدة مهمة أصيلة ألا وهي عالمية الدعوة, فالإسلام دين ذو نزعة عالمية والناس جميعاً مخاطبين به وعليهم شرعاً للاستجابة لتعاليمه، لأنه حياة جامعة للناس وهو دين الفطرة التي فطر الناس عليها، (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله)16
وانطلاقاً من هذا المبدأ ينبغي على المسلمين:
- النشاط في سبيل الدعوة، والجد والبدار فهو أمر مطلوب في كل زمان ومكان.
- بث الدعاة للإسلام في أواسط المعمورة، وهو واجب ديني متعلق بذمم المسلمين فهم مسؤولون أمام الله عن كل فرد من أفراد الأمم مات ولم يصله هذا الدين بسبب تقصيرهم، وعندها ينتشر الدعاة إلى الله في أرجاء المعمورة.
- ثقة الدعاة بنصر الله العظيم، وإيمانهم بثقل المهمة وعظمها عند الله، فما هم إلا رسلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، جندوا ليكشفوا اللثام عمّا ران على القلوب من ضلالات وأوهام حالت دون وصول نور الله إلى قلوبهم.
- والشواهد التاريخية لهي خير دليل على ما ذكرنا من مراسلة الرسول صلى الله عليه وسلم للملوك والأمراء في خارج الجزيرة العربية ومراسلته لشيوخ القبائل داخل الجزيرة يدعوهم فيها إلى اعتناق الإسلام، يقول أرنولد: "من الخطأ أن نفترض أن محمداً في المدينة قد طرح مهمة الداعي إلى الإسلام والمبلغ لتعاليمه، أو أنه عندما سيطر على جيش كبير يأتمر بأمره انقطع عن دعوة المشركين إلى اعتناق هذا الدين"17. ويقول الإستاذ خدوري: " من المعروف أن الدولة الإسلامية منذ نشأتها برئاسة النبي صلى الله عليه وسلم قد درجت على الإفادة من الأسلوب الدبلوماسي كبديل للحرب أو مساعد في تنفيذ سياستها الخارجية", وقد احتذى المسلمون حذو نبيهم في نشر الدعوة، فبالرغم من عدم وجود طبقة رجال دين تختص بنشر العقيدة إلا أن المسلمين وجدوا ما يعوضهم في ذلك، الشعور الناشئ عن المسؤولية التي ألقيت على كواهل المسلمين من الأفراد (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)18 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخلق كلهم عيال الله وأحب خلق الله تعالى إليه أحسنهم صنيعاً إلى عباده" وقال: " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب.... وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة"19.