By مصعب البريكان(6) - السبت يناير 08, 2011 12:11 am
- السبت يناير 08, 2011 12:11 am
#32084
لندن: موسى مهديالاربعـاء 04 ذو الحجـة 1431 هـ 10 نوفمبر 2010 العدد 11670
ارتفع سعر الذهب أمس إلى أكثر من 1414 دولارا للأوقية متأثرا بالانتقادات الحادة لسياسة «التيسير الكمي الثانية» التي أضعفت الدولار وبتصريحات رئيس البنك الدولي روبرت زوليك التي دعا فيها إلى عودة معيار الذهب إلى أسواق الصرف. وهو النظام الذي يربط أسعار العملات بالذهب، وكان النظام الساري في نظام النقد العالمي حتى عام 1971. دعا زوليك في اقتراحه المفاجئ قبيل انعقاد قمة العشرين في سيول غدا إلى العودة إلى نظام «بريتون وودز»، ولكن بشكل معدل فيما أطلق عليه «بريتون وودز 2» للعملات المعومة خلفا لنظام سعر الصرف الثابت الذي انهار في السبعينات. وقال المسؤول الدولي زوليك، الذي شغل سابقا منصب الممثل التجاري للولايات المتحدة وخدم في عدة إدارات جمهورية في مقال بصحيفة «فاينانشيال تايمز» أن تحركا من هذا القبيل سيتطلب على الأرجح إشراك الدولار واليورو والين والجنيه الإسترليني و«عملة صينية» تتحرك صوب التدويل، ثم صوب حساب رأسمالي مفتوح. وهو اقتراح من بين عدة اقتراحات عومت في الآونة الأخيرة لحل أزمة سعر الصرف العالمي التي تحولت إلى حرب أسعار في «كازينو التخفيضات الجارية» لسعر الفائدة وضخ النقد في الأسواق المالية دون غطاء يعتد به.
واقتراح «بريتون وودز 2» الداعي إلى العودة للذهب كمعيار لسعر العملات وإعادة الاستقرار إلى سوق الصرف المضطربة، اقتراح جذاب من حيث إنه سيحمي المستثمرين وقيم الموجودات السيادية والثروات الشخصية من غول التضخم الذي كان أحد أسباب الكارثة المالية الأخيرة، ولكن هل الاقتراح عمليا في ظل الظروف الراهنة التي يعيش فيها الاقتصاد العالمي والتي تعاني مرحلة من الانكماش، وهل هو اقتراح مقبول في ظل تمدد حجم التجارة الدولية إلى أكثر من 50 تريليون دولار.
الكارثة المالية التي ضربت العالم في منتصف عام 2008 كانت أحد أسبابها الرئيسية تضخم الموجودات. ومنذ مايو (أيار) عملت الدول على ضخ تريليونات الدولار في الأسواق لإنقاذ اقتصادياتها من الانهيار، مما سبب حالة من الارتباك في أسواق الصرف العالمية. ووفقا لافتراض العودة لمعيار الذهب، صحيح من الناحية النظرية أنه سيعيد الاستقرار لأسعار الصرف وصحيح كذلك أنه سيمنع عودة الاقتصادات إلى فقاعات التضخم التي تسبب الانهيار. ولكن هذا من الناحية النظرية فقط، أما من الناحية العملية فالعودة إلى معيار الذهب ربما يعني مزيدا من الانكماش ومزيدا من البطالة في القوى العاملة في أميركا والاقتصاديات الغربية. ويلاحظ أن أحد الأسباب الرئيسية التي دعت أميركا إلى التخلي عن اتفاق «بريتون وودز» هو الضائقة المالية في السبعينات. والآن العالم يعيش ضائقة ائتمانية أشد من تلك التي عاشتها أميركا في السبعينات كما يعيش كذلك حالة من الانكماش والبطالة. والعودة إلى ربط العملات بالذهب سيعني تحديدا التضييق على السيولة. وأي تضييق في الكتلة النقدية أو السيولة، فسيؤدي بلا شك إلى مزيد من البطالة وانهيار الشركات.
وبقراءة تاريخية بسيطة، نجد أن الولايات المتحدة تخلت عن ربط قيمة الدولار بالذهب عام 1971 في أعقاب التكلفة الباهظة لحرب فيتنام وتكاليف الإنفاق الاجتماعي الضخمة في عهد الرئيس جونسون، ثم جاءت مطالبة الرئيس الفرنسي ديغول بتحويل الرصيد الأجنبي الفرنسي من الدولار إلى الذهب. ومنذ ذلك التاريخ عومت أميركا الدولار والعملات الرئيسية مثل الجنيه الإسترليني والمارك الألماني والفرنك السويسري والين الياباني. وتعويم أو تحرير العملة يعني أن كان سعرها تحدده قوى السوق. هذا التخلي عن اتفاق «بريتون وودز» كان بسبب الحاجة إلى توسيع الكتلة الاقتصادية ومساعدة الاقتصاد على النمو، والآن الحاجة أشد إلى النمو وتنشيط الإقراض والأعمال التجارية.
خلال الثمانينات حدث الاتفاق بين مجموعة السبع على ربط العملات غير الحرة أو غير المعومة بهامش ذبذبة بالدولار. وهو الاتفاق الذي أطلق عليه اتفاق «بلازا»، نسبة إلى فندق بلازا الشهير في نيويورك. ومنذ ذلك الحين ارتبطت الكثير من عملات العالم، ومن بينها اليوان الصيني وعملات دول الخليج وعملات دول آسيا وأميركا اللاتينية بالدولار، فيما أطلق عليه دولرة الاقتصاد العالمي. كان الهدف من ذلك تحقيق استقرار نسبي في أسواق الصرف وتحول العالم تدريجيا نحو سعر الصرف الحر. يلاحظ حتى الثمانينات، كان الدولار هو العملة العالمية أو عملة الاحتياط دون منافس، وكانت أميركا تتفرد بالقيادة الاقتصادية من حيث القوة والفتوة وحجم التجارة العالمية. أما الآن فالوضع مختلف فهناك عملات باتت تنافس الدولار من بينها اليورو، كما باتت الصين تنافس أميركا وتتفوق عليها في النسبة التي تأخذها من حجم التجارة العالمية. فالظروف التي طبق فيها نظام «بريتون وودز» في الأربعينات، تختلف كثيرا عن الظروف الراهنة التي يقترح فيها زوليك العودة لنظام الارتباط بالذهب. يلاحظ أنه منذ تخلي أميركا عن ربط قيمة الدولار بالذهب وتعويم العملات الرئيسية، شهد العالم مجموعة من الاضطرابات، كما أن المحاولات التي بذلها الكبار فشلت في إحداث الاستقرار في أسواق الصرف العالمية. الآن وتحت وطأة حرب العملات والسباق بين الاقتصادات الكبرى نحو الفائدة الصفرية وسعي كل لخفض قيمة عملته إلى أقل ما يمكن في سبيل زيادة صادراتها، هناك حاجة ماسة لإعادة الثقة في أسعار الصرف ووظائف النقود، من حيث هي مخزن للثروة ووسيط لتبادل السلع ومقياس للثروة ووسيلة مقبولة لتسوية الديون كوحدة محاسبية. وبالتالي فهناك حاجة إلى اتفاق عالمي، خاصة بين مجموعة دول العشرين حول سعر صرف يعيد الثقة في النقود ويجعل منها «خزينا آمنا» للثروة.
إن فكرة العودة إلى الذهب التي نادى بها روبرت زوليك أول من أمس في مقاله بصحيفة «فاينانشيال تايمز»، فكرة قد تفتح النقاش حول الحلول لأزمة أسعار الصرف، ولكنها بالتأكيد ليست فكرة عملية لثلاثة أسباب رئيسية، أولها أن حجم التجارة العالمية السنوي يساوي حاليا 50 تريليون دولار، ولا توجد احتياطات أو إنتاج كاف من الذهب لتغطية هذا الحجم من التبادل. ثانيا التجارة العالمية الآن متنوعة مقارنة مع التجارة في القرن التاسع عشر والعقود السبعة الأولى من القرن العشرين، وثالثا فإن عودة العالم إلى ربط العملات العالمية بالذهب سيقود إلى انكماش حاد في النمو. وقد ثبت أن بريطانيا تخلت عن ربط قيمة الجنية بالذهب في أعقاب الحرب العالمية لأنها كانت تريد أن تخرج اقتصادها من الانكماش إلى النمو.
وكانت نصيحة الاقتصادي الشهير مينارد كينز وقتها التضحية بمعيار «الجنيه الذهبي» في سبيل إنعاش الاقتصاد البريطاني عبر توسيع الكتلة النقدية
ارتفع سعر الذهب أمس إلى أكثر من 1414 دولارا للأوقية متأثرا بالانتقادات الحادة لسياسة «التيسير الكمي الثانية» التي أضعفت الدولار وبتصريحات رئيس البنك الدولي روبرت زوليك التي دعا فيها إلى عودة معيار الذهب إلى أسواق الصرف. وهو النظام الذي يربط أسعار العملات بالذهب، وكان النظام الساري في نظام النقد العالمي حتى عام 1971. دعا زوليك في اقتراحه المفاجئ قبيل انعقاد قمة العشرين في سيول غدا إلى العودة إلى نظام «بريتون وودز»، ولكن بشكل معدل فيما أطلق عليه «بريتون وودز 2» للعملات المعومة خلفا لنظام سعر الصرف الثابت الذي انهار في السبعينات. وقال المسؤول الدولي زوليك، الذي شغل سابقا منصب الممثل التجاري للولايات المتحدة وخدم في عدة إدارات جمهورية في مقال بصحيفة «فاينانشيال تايمز» أن تحركا من هذا القبيل سيتطلب على الأرجح إشراك الدولار واليورو والين والجنيه الإسترليني و«عملة صينية» تتحرك صوب التدويل، ثم صوب حساب رأسمالي مفتوح. وهو اقتراح من بين عدة اقتراحات عومت في الآونة الأخيرة لحل أزمة سعر الصرف العالمي التي تحولت إلى حرب أسعار في «كازينو التخفيضات الجارية» لسعر الفائدة وضخ النقد في الأسواق المالية دون غطاء يعتد به.
واقتراح «بريتون وودز 2» الداعي إلى العودة للذهب كمعيار لسعر العملات وإعادة الاستقرار إلى سوق الصرف المضطربة، اقتراح جذاب من حيث إنه سيحمي المستثمرين وقيم الموجودات السيادية والثروات الشخصية من غول التضخم الذي كان أحد أسباب الكارثة المالية الأخيرة، ولكن هل الاقتراح عمليا في ظل الظروف الراهنة التي يعيش فيها الاقتصاد العالمي والتي تعاني مرحلة من الانكماش، وهل هو اقتراح مقبول في ظل تمدد حجم التجارة الدولية إلى أكثر من 50 تريليون دولار.
الكارثة المالية التي ضربت العالم في منتصف عام 2008 كانت أحد أسبابها الرئيسية تضخم الموجودات. ومنذ مايو (أيار) عملت الدول على ضخ تريليونات الدولار في الأسواق لإنقاذ اقتصادياتها من الانهيار، مما سبب حالة من الارتباك في أسواق الصرف العالمية. ووفقا لافتراض العودة لمعيار الذهب، صحيح من الناحية النظرية أنه سيعيد الاستقرار لأسعار الصرف وصحيح كذلك أنه سيمنع عودة الاقتصادات إلى فقاعات التضخم التي تسبب الانهيار. ولكن هذا من الناحية النظرية فقط، أما من الناحية العملية فالعودة إلى معيار الذهب ربما يعني مزيدا من الانكماش ومزيدا من البطالة في القوى العاملة في أميركا والاقتصاديات الغربية. ويلاحظ أن أحد الأسباب الرئيسية التي دعت أميركا إلى التخلي عن اتفاق «بريتون وودز» هو الضائقة المالية في السبعينات. والآن العالم يعيش ضائقة ائتمانية أشد من تلك التي عاشتها أميركا في السبعينات كما يعيش كذلك حالة من الانكماش والبطالة. والعودة إلى ربط العملات بالذهب سيعني تحديدا التضييق على السيولة. وأي تضييق في الكتلة النقدية أو السيولة، فسيؤدي بلا شك إلى مزيد من البطالة وانهيار الشركات.
وبقراءة تاريخية بسيطة، نجد أن الولايات المتحدة تخلت عن ربط قيمة الدولار بالذهب عام 1971 في أعقاب التكلفة الباهظة لحرب فيتنام وتكاليف الإنفاق الاجتماعي الضخمة في عهد الرئيس جونسون، ثم جاءت مطالبة الرئيس الفرنسي ديغول بتحويل الرصيد الأجنبي الفرنسي من الدولار إلى الذهب. ومنذ ذلك التاريخ عومت أميركا الدولار والعملات الرئيسية مثل الجنيه الإسترليني والمارك الألماني والفرنك السويسري والين الياباني. وتعويم أو تحرير العملة يعني أن كان سعرها تحدده قوى السوق. هذا التخلي عن اتفاق «بريتون وودز» كان بسبب الحاجة إلى توسيع الكتلة الاقتصادية ومساعدة الاقتصاد على النمو، والآن الحاجة أشد إلى النمو وتنشيط الإقراض والأعمال التجارية.
خلال الثمانينات حدث الاتفاق بين مجموعة السبع على ربط العملات غير الحرة أو غير المعومة بهامش ذبذبة بالدولار. وهو الاتفاق الذي أطلق عليه اتفاق «بلازا»، نسبة إلى فندق بلازا الشهير في نيويورك. ومنذ ذلك الحين ارتبطت الكثير من عملات العالم، ومن بينها اليوان الصيني وعملات دول الخليج وعملات دول آسيا وأميركا اللاتينية بالدولار، فيما أطلق عليه دولرة الاقتصاد العالمي. كان الهدف من ذلك تحقيق استقرار نسبي في أسواق الصرف وتحول العالم تدريجيا نحو سعر الصرف الحر. يلاحظ حتى الثمانينات، كان الدولار هو العملة العالمية أو عملة الاحتياط دون منافس، وكانت أميركا تتفرد بالقيادة الاقتصادية من حيث القوة والفتوة وحجم التجارة العالمية. أما الآن فالوضع مختلف فهناك عملات باتت تنافس الدولار من بينها اليورو، كما باتت الصين تنافس أميركا وتتفوق عليها في النسبة التي تأخذها من حجم التجارة العالمية. فالظروف التي طبق فيها نظام «بريتون وودز» في الأربعينات، تختلف كثيرا عن الظروف الراهنة التي يقترح فيها زوليك العودة لنظام الارتباط بالذهب. يلاحظ أنه منذ تخلي أميركا عن ربط قيمة الدولار بالذهب وتعويم العملات الرئيسية، شهد العالم مجموعة من الاضطرابات، كما أن المحاولات التي بذلها الكبار فشلت في إحداث الاستقرار في أسواق الصرف العالمية. الآن وتحت وطأة حرب العملات والسباق بين الاقتصادات الكبرى نحو الفائدة الصفرية وسعي كل لخفض قيمة عملته إلى أقل ما يمكن في سبيل زيادة صادراتها، هناك حاجة ماسة لإعادة الثقة في أسعار الصرف ووظائف النقود، من حيث هي مخزن للثروة ووسيط لتبادل السلع ومقياس للثروة ووسيلة مقبولة لتسوية الديون كوحدة محاسبية. وبالتالي فهناك حاجة إلى اتفاق عالمي، خاصة بين مجموعة دول العشرين حول سعر صرف يعيد الثقة في النقود ويجعل منها «خزينا آمنا» للثروة.
إن فكرة العودة إلى الذهب التي نادى بها روبرت زوليك أول من أمس في مقاله بصحيفة «فاينانشيال تايمز»، فكرة قد تفتح النقاش حول الحلول لأزمة أسعار الصرف، ولكنها بالتأكيد ليست فكرة عملية لثلاثة أسباب رئيسية، أولها أن حجم التجارة العالمية السنوي يساوي حاليا 50 تريليون دولار، ولا توجد احتياطات أو إنتاج كاف من الذهب لتغطية هذا الحجم من التبادل. ثانيا التجارة العالمية الآن متنوعة مقارنة مع التجارة في القرن التاسع عشر والعقود السبعة الأولى من القرن العشرين، وثالثا فإن عودة العالم إلى ربط العملات العالمية بالذهب سيقود إلى انكماش حاد في النمو. وقد ثبت أن بريطانيا تخلت عن ربط قيمة الجنية بالذهب في أعقاب الحرب العالمية لأنها كانت تريد أن تخرج اقتصادها من الانكماش إلى النمو.
وكانت نصيحة الاقتصادي الشهير مينارد كينز وقتها التضحية بمعيار «الجنيه الذهبي» في سبيل إنعاش الاقتصاد البريطاني عبر توسيع الكتلة النقدية