- الجمعة فبراير 25, 2011 1:24 am
#32871
تتبجّح بعض الحكومات العربيّة بأنّ الأزمة العالمية لم تضرب اقتصاداتها، لأنّ معدّلات البطالة لم تتغيّر فيها بشكلٍ كبير. لكن هل البطالة مؤشّر حقيقي لقياس الآثار الاجتماعية، ليس فقط للأزمة العالميّة، بل للتحوّلات الكبيرة التي تشهدها البلدان العربيّة؟
يقاس هذا المؤشّرعبر استقصاءات تجريها غالباً مؤسّسات إحصاء رسميّة، حسب تعريفٍ بالحدّ الأدنى وضعته منظّمة العمل الدولية. فمعدّل البطالة يتحدّد بنسبة من أجابوا في الاستقصاء المذكور أنّهم لم يعملوا ولو ساعة واحدة في الأسبوع الذي سبق لحظة سؤالهم، على مجمل السكّان الراغبين بالعمل (الناشطين اقتصادياً).
شقّا هذه النسبة يطرحان في بلداننا عدداً من الأشكاليّات. فمن ناحية بسط الكسر (شقّه الأعلى) لا يُقصد بـ"العمل" هنا، كما عند نشوء مفهوم البطالة في أوروبا في القرن التاسع عشر، عملاً مستمرّاً بأجر يتبع عقداً بين طرفين. فهذه الصفة لا تشمل إلاّ العاملين في القطاع الحكومي، وجزءاً ضئيلاً عندنا من العاملين في القطاع الخاص النظّامي (المسجّل كشركات). فمعظم المشتغلين في بلداننا هم غير نظاميّين، أعَمِلوا في القطّاع الخاص النظامي أو غير النظامي [1]. جزءٌ من هذا الوضع يأتي حتماً نتيجة أهميّة القطاع الزراعي؛ لكنّه فيما عدا هذا القطاع، حوالى نصف المشتغلين "يعملون لحسابهم الخاص self-employed"، أي أصحاب أعمال صغيرة، كسائق سيارة أجرة مثلاً، والباقون أجراء بدون عقود أو يعملون دون أجر في مؤسّسات عائليّة.
من ناحية أخرى، لا يعني العمل لساعة واحدة في أسبوعٍ مضى أنّ الشخص يحصل على كرامة العمل ويخرج - هو وعائلته - من الفقر. فحسب الزمن الذي يجري فيه الاستقصاء، يمكنه أن يشمل أو لا المشتغلين الموسميين في الزراعة أو السياحة مثلاً [2].
إلاّ أنّ إشكاليّات أكبر يطرحها قاسم الكسر (أي شقّه الأسفل)، ونادراً ما تتمّ مناقشتها. فمن هم السكّان المعنيّون، أهم فقط مواطنو الدولة المعنيّة (المقيمون دون أن يهاجروا) أم مجمل المقيمين بمعزلٍ عن جنسيّاتهم. السؤال له أهميّة كبرى ليس فقط في الدول العربيّة النفطيّة (حيث يشكّل السكّان غير المواطنين نسبةً كبيرة، وحتّى الأغلبيّة في أغلب الأحيان) بل أيضاً في الدول الأخرى (حيث تصل أعداد غير المواطنين إلى نسبٍ مرموقة، كما حال الفلسطينيين في لبنان والأردن، والعراقيين في سورية والأردن، وجنسيّات أخرى في مصر… هذا عدا انتشار عمالة الأجنبيّات في المنازل). فماذا يحصل لغير المواطن عندما يفقد عمله؟ أيصبح عاطلاً بانتظار عملٍ آخر، أم يطرد من البلاد أم ماذا؟ وعلى الأقلّ، هل هو في شقّي المؤشّر أم لا يُحسَب؟
الرغبة في العمل أو النشاط الاقتصادي أو المشاركة في قوّة العمل (وكلّها ردائف تتعلّق بمجمل المشتغلين والمتعطّلين في فئة السكّان العمريّة بين 15 و65 سنة) تطرح إشكاليّات أخرى، حيث تعدّ البلدان العربية أدنى نسب المشاركة في قوّة العمل في العالم. ويأتي هذا أساساً من تدنّي نسبة مشاركة المرأة، لأسبابٍ تتعلّق بالسياسات الاجتماعية للحكومات [3]. ولكنّ ضعف المشاركة يرتبط أيضاً بكون أنّ معظم العاطلين في بلداننا هم عاطلون منذ زمنٍ طويل، ما يعني أنّ هناك نسبةً كبيرة خارج قوّة العمل تتشكّل من "المحبَطين" (discouraged workers حسب تعابير منظّمة العمل الدولية) الذين ذهبوا بعيداً عن النشاط الاقتصادي لطول انتظارهم ولزحمة سوق العمل أساساً بالباحثين عن فرصة.
لكن حتّى مع معدّلات المشاركة الضعيفة هذه، لا تتزايد قوّة العمل السنوية في معظم البلدان العربية بحسب المعطيات الديموغرافيّة. فمن المفترض أن يؤدّي التكاثر السكّاني الكبير في العقود السابقة، إلى زيادة كبيرة اليوم في أعداد الشباب الذين يصلون إلى عمر العمل (الوافدين الجدد). ومع ذلك لا تتزايد قوّة العمل كما هو متوقّع؛ إذ أنّ الكثيرين يهاجرون، وفي بعض البلدان لأعدادٍ تصل سنويّاً إلى مستويات توازي أعداد القادمين الجدد السنويين إلى سوق العمل.
من هنا، وبدلاً من مساءلة الحكومات العربيّة عن معدّلات البطالة، يجب مساءلتها عن مؤشّراتٍ أخرى لها دلالة أكبر عن الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
كم ازدادت قوّة العمل كلّ سنة وكيف تقارن هذه الزيادة بعدد الوافدين الجدد الديموغرافي؟ كم حجم الهجرة السنويّة إلى خارج البلاد، وما هي نوعيّة تأهيل المهاجرين؟ كم حجم الهجرة الداخلة إلى البلد وما وضعيّة هذه الهجرة في سوق العمل؟ وما هي حقوق العمّال المهاجرين؟ كم فرصة عمل تمّ خلقها كلّ عام ؟ وفي كلّ قطاعٍ اقتصادي (خاصّةً الصناعة)؟ كم فرصة عمل مع عقدٍ نظاميّ يتمّ خلقها كلّ سنة، وما هي حقوق هؤلاء فيما يتعلّق بالتأمينات الصحيّة وضمان التقاعد؟ وكم عدد العاملين لحسابهم الخاص الذين يتمّ تنظيمهم كلّ عام وإدراجهم في أنظمة الحماية الاجتماعيّة؟ كم عدد العاطلين منذ زمنٍ طويل الذين يعاد ضمّهم إلى سوق العمل كل عام؟
الأجوبة على هذه الأسئلة لا تتطلّب حقيقةً جهداً إحصائيّاً. بل أوّلاً وأساساً وعياً اجتماعيّاً وإعادة مراجعة لقوانين العمل وأنظمة المعيشة والصحّة والتقاعد انطلاقاً من واقع البلدان.
يقاس هذا المؤشّرعبر استقصاءات تجريها غالباً مؤسّسات إحصاء رسميّة، حسب تعريفٍ بالحدّ الأدنى وضعته منظّمة العمل الدولية. فمعدّل البطالة يتحدّد بنسبة من أجابوا في الاستقصاء المذكور أنّهم لم يعملوا ولو ساعة واحدة في الأسبوع الذي سبق لحظة سؤالهم، على مجمل السكّان الراغبين بالعمل (الناشطين اقتصادياً).
شقّا هذه النسبة يطرحان في بلداننا عدداً من الأشكاليّات. فمن ناحية بسط الكسر (شقّه الأعلى) لا يُقصد بـ"العمل" هنا، كما عند نشوء مفهوم البطالة في أوروبا في القرن التاسع عشر، عملاً مستمرّاً بأجر يتبع عقداً بين طرفين. فهذه الصفة لا تشمل إلاّ العاملين في القطاع الحكومي، وجزءاً ضئيلاً عندنا من العاملين في القطاع الخاص النظّامي (المسجّل كشركات). فمعظم المشتغلين في بلداننا هم غير نظاميّين، أعَمِلوا في القطّاع الخاص النظامي أو غير النظامي [1]. جزءٌ من هذا الوضع يأتي حتماً نتيجة أهميّة القطاع الزراعي؛ لكنّه فيما عدا هذا القطاع، حوالى نصف المشتغلين "يعملون لحسابهم الخاص self-employed"، أي أصحاب أعمال صغيرة، كسائق سيارة أجرة مثلاً، والباقون أجراء بدون عقود أو يعملون دون أجر في مؤسّسات عائليّة.
من ناحية أخرى، لا يعني العمل لساعة واحدة في أسبوعٍ مضى أنّ الشخص يحصل على كرامة العمل ويخرج - هو وعائلته - من الفقر. فحسب الزمن الذي يجري فيه الاستقصاء، يمكنه أن يشمل أو لا المشتغلين الموسميين في الزراعة أو السياحة مثلاً [2].
إلاّ أنّ إشكاليّات أكبر يطرحها قاسم الكسر (أي شقّه الأسفل)، ونادراً ما تتمّ مناقشتها. فمن هم السكّان المعنيّون، أهم فقط مواطنو الدولة المعنيّة (المقيمون دون أن يهاجروا) أم مجمل المقيمين بمعزلٍ عن جنسيّاتهم. السؤال له أهميّة كبرى ليس فقط في الدول العربيّة النفطيّة (حيث يشكّل السكّان غير المواطنين نسبةً كبيرة، وحتّى الأغلبيّة في أغلب الأحيان) بل أيضاً في الدول الأخرى (حيث تصل أعداد غير المواطنين إلى نسبٍ مرموقة، كما حال الفلسطينيين في لبنان والأردن، والعراقيين في سورية والأردن، وجنسيّات أخرى في مصر… هذا عدا انتشار عمالة الأجنبيّات في المنازل). فماذا يحصل لغير المواطن عندما يفقد عمله؟ أيصبح عاطلاً بانتظار عملٍ آخر، أم يطرد من البلاد أم ماذا؟ وعلى الأقلّ، هل هو في شقّي المؤشّر أم لا يُحسَب؟
الرغبة في العمل أو النشاط الاقتصادي أو المشاركة في قوّة العمل (وكلّها ردائف تتعلّق بمجمل المشتغلين والمتعطّلين في فئة السكّان العمريّة بين 15 و65 سنة) تطرح إشكاليّات أخرى، حيث تعدّ البلدان العربية أدنى نسب المشاركة في قوّة العمل في العالم. ويأتي هذا أساساً من تدنّي نسبة مشاركة المرأة، لأسبابٍ تتعلّق بالسياسات الاجتماعية للحكومات [3]. ولكنّ ضعف المشاركة يرتبط أيضاً بكون أنّ معظم العاطلين في بلداننا هم عاطلون منذ زمنٍ طويل، ما يعني أنّ هناك نسبةً كبيرة خارج قوّة العمل تتشكّل من "المحبَطين" (discouraged workers حسب تعابير منظّمة العمل الدولية) الذين ذهبوا بعيداً عن النشاط الاقتصادي لطول انتظارهم ولزحمة سوق العمل أساساً بالباحثين عن فرصة.
لكن حتّى مع معدّلات المشاركة الضعيفة هذه، لا تتزايد قوّة العمل السنوية في معظم البلدان العربية بحسب المعطيات الديموغرافيّة. فمن المفترض أن يؤدّي التكاثر السكّاني الكبير في العقود السابقة، إلى زيادة كبيرة اليوم في أعداد الشباب الذين يصلون إلى عمر العمل (الوافدين الجدد). ومع ذلك لا تتزايد قوّة العمل كما هو متوقّع؛ إذ أنّ الكثيرين يهاجرون، وفي بعض البلدان لأعدادٍ تصل سنويّاً إلى مستويات توازي أعداد القادمين الجدد السنويين إلى سوق العمل.
من هنا، وبدلاً من مساءلة الحكومات العربيّة عن معدّلات البطالة، يجب مساءلتها عن مؤشّراتٍ أخرى لها دلالة أكبر عن الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
كم ازدادت قوّة العمل كلّ سنة وكيف تقارن هذه الزيادة بعدد الوافدين الجدد الديموغرافي؟ كم حجم الهجرة السنويّة إلى خارج البلاد، وما هي نوعيّة تأهيل المهاجرين؟ كم حجم الهجرة الداخلة إلى البلد وما وضعيّة هذه الهجرة في سوق العمل؟ وما هي حقوق العمّال المهاجرين؟ كم فرصة عمل تمّ خلقها كلّ عام ؟ وفي كلّ قطاعٍ اقتصادي (خاصّةً الصناعة)؟ كم فرصة عمل مع عقدٍ نظاميّ يتمّ خلقها كلّ سنة، وما هي حقوق هؤلاء فيما يتعلّق بالتأمينات الصحيّة وضمان التقاعد؟ وكم عدد العاملين لحسابهم الخاص الذين يتمّ تنظيمهم كلّ عام وإدراجهم في أنظمة الحماية الاجتماعيّة؟ كم عدد العاطلين منذ زمنٍ طويل الذين يعاد ضمّهم إلى سوق العمل كل عام؟
الأجوبة على هذه الأسئلة لا تتطلّب حقيقةً جهداً إحصائيّاً. بل أوّلاً وأساساً وعياً اجتماعيّاً وإعادة مراجعة لقوانين العمل وأنظمة المعيشة والصحّة والتقاعد انطلاقاً من واقع البلدان.