منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#33022
التكنولوجيا واتخاذ القرار العسكري .

أصبحت تطبيقات التكنولوجيا الحديثة تستخدم للتدريب على اتخاذ القرارات في المستويات الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية، حيث تستخدم لعب الحرب في المستويين الاستراتيجي والعملياتي، لمساعدة صانعي القرارات والمخططين على اتخاذ أفضل القرارات اللازمة لاستخدام القوة الوطنية والأداة العسكرية، أما على المستوى التكتيكي الذي تتناوله هذه المقالة فتستخدم المشبهات ولعب الحرب، لتطوير مهارات القتال في ميدان المعركة.

قد يبدو من الوهلة الأولى أن مصطلح لعب الحرب من المصطلحات الحديثة، ولكنه في الحقيقة قديم في فكرته وتطبيقه واستخداماته، حيث يذكر أن المفكر العسكري الصيني (صن تزو) قد استخدم لعب الحرب في العصر القديم، ورغم أنها كانت تستخدم في البداية للتسلية، إلاّ أنها سرعان ما أثبتت جدواها في تدريب وتعليم الطلاب على المهن المختلفة، وفي الوقت الراهن تستخدم عديد من المنظمات تلك التمارين لتطوير القادة وتهيئتهم لعملية اتخاذ القرار في ظروف واقعية. ومن بين أنواع لعب الحرب التي تستخدم في تدريب المرؤوسين على مهارات اتخاذ القرار: تمرين القرار التكتيكي (TDE)، حيث توفّر هذه التمارين آلية فعالة لتطوير المقدرات الفردية على اتخاذ القرار تحت ظروف الضغط البدني والذهني، وفي حين أن هذه التمارين لا يمكن أن تكون هي البديل الأمثل للتمارين والتدريبات الفعلية، ولكنها تفيد في صقل المهارة الفردية لاتخاذ القرار بالحدس. وفي ظروف المعركة الحديثة التي تتسم بالضغوط وتعدد المهام تتيح تمارين القرار التكتيكية فرصة للقادة على كافة المستويات لصقل مهارات اتخاذ القرار أثناء تنفيذ سيناريوهات تضع القادة المتدربين في مواقف تتصف بالضغط الشديد، وقد شهدت الآونة الأخيرة عملية إحياء لتمارين القرار التكتيكي (TDE) كنوع من لعب الحرب بعد أن أثارت تجارب العمليات وقت السلم الاهتمام بمزايا استخدام هذه السيناريوهات لتطوير مهارات اتخاذ القرار.

تاريخ لعب الحرب

لا يعرف أحد بالتحديد من هو أول من ابتكر لعب الحرب، ولكن المؤرخين يعزون الفضل لضابط في الجيش البروسي يدعى (فون ريسيفتز) كأول من نقل لعب الحرب من مجال التسلية والترفيه للمجال العسكري، ففي عام 1811م صمّم ذلك الضابط لعبة مستخدماً بيادق بعلامات تمثل الوحدات، ثم نقل لاحقاً لعب الحرب من لوحة الشطرنج إلى طاولة رملية ذات معالم تمثّل طبيعة الأرض، وأصبح بإمكان اللاعبين نقل البيادق بسهولة حسب قدرات الوحدات المعنية.
وانتشرت لعبة (ريسيفيتز) في بلاط الملوك والطبقات الراقية في المجتمع، بيد أنها لم ترسخ بعد في الأوساط العسكرية المحترفة، ولم يفطن كثير من العسكريين لمزايا اللعبة. وفي عام 1824م طور ابن (ريسيفيتز) الذي كان ضابط مدفعية في الجيش البروسي نسخة معدلة من اللعبة تضمنت عدداً من التحسينات والقواعد وخرائط طبوغرافية تمثل ميدان المعركة، وحظيت اللعبة باهتمام واسع وأصبحت أخيراً ترياقاً للعسكريين، وكان من بين المعجبين بها الجنرال (فون مولتكه) الذي شيد عام 1828م نادياً لممارسة هذه اللعبة، وعندما تولى (فون مولتكه) رئاسة هيئة أركان الجيش البروسي عام 1857م ساهم في انتشار اللعبة بين العسكريين في كافة قطاعات الجيش.
وأثناء الحرب الفرنسية البروسية بين عامي 1870 1871م، ألحق الجيش البروسي هزيمة نكراء بالجيش الفرنسي المرموق في غضون خمسة شهور فقط، رغم أن الجيش البروسي كان يتألف في معظمه من قوات احتياط ومليشيات، وكان انقلاب موازين القوى في أوروبا سريعاً ومفاجئاً، مما أحدث صدمة عالمية. وقد كتب المؤرخ العسكري المشهور (مايكل هوارد) مشيراً إلى أن النصر الساحق الذي حققه الجيش البروسي كان في جانب كبير منه بسبب التنظيم والتعليم، وقد دفعت الانتصارات العسكرية التي حققها ذلك الجيش كثيراً من الدول لتحليل الإصلاحات التي أجراها البروسيون، وإدخال بعضها في المؤسسات العسكرية في تلك الدول، وكان من بين تلك الإصلاحات تعليم الضباط من خلال لعب الحرب. ومنذ ذلك الوقت أجريت العديد من التعديلات والابتكارات على لعب الحرب، وبالطبع فإن التقنية الحديثة قد أضافت بعداً جديداً للعبة، وساعدت على ممارستها بالحاسب الآلي والمشبهات، ومن بين تلك الأنواع العديدة للعب الحرب تمارين القرار التكتيكي (TDE) وفيها تعرض معضلة عسكرية للمشارك في اللعبة على شكل موقف ما، ومخطط بسيط، ثم يحدد له وقت قصير لتطوير الحل الممكن خلال ذلك الوقت ليعرضه على شكل أوامر للمرؤوسين.
ورغم عدم معرفتنا لأول من طوّر تمارين القرار التكتيكي (TDE) على وجه الدقة، ولكن الثابت أن البعض لا يقر بمزايا تطبيق تلك التمارين في الدوائر العسكرية كما حدث مع لعبة (ريسيفيتز) في السابق، بل إن الجدل يحتدم حتى حول اسمها: أهي لعبة أم تمرين؟ وبدلاً من الانسياق في مثل هذا الجدل، يبدو أنه من الحصافة النظر في فوائد تطبيقها، مع العلم بأن تمارين القرار التكتيكية ليست هي العلاج الشافي لكافة المشاكل الناجمة عن تقليص ميزانية الدفاع أو افتقار الخبرة القتالية، ولن تكون بديلاً مناسباً لتدريب الوحدات، إلا أنها في الوقت نفسه أداة فعالة يمكن أن تستخدم مع طرق وأساليب أخرى لتعليم القادة والمرؤوسين حسبما أثبتت تجارب كثير من المنظمات خارج نطاق المؤسسة العسكرية.

المصدر: المنتدى العربي للدفاع والتسليح , الرائد- فرانك بريويستر (الجيش الأمريكي)