منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#33389
رنا صباغ
يأمل د. مروان المعشر، مهندس الأجندة الوطنية التي وئدت فور ولادتها عام ،2005 بأن لا تضيّع الحكومة فرصة ذهبية لإطلاق عملية تحديث سياسي-اقتصادي-اجتماعي متكامل ومتدرج من وحي خريطة طريق الأجندة بعد أن استبق قطار مطالب التغيير الشعبي كل الأنظمة العربية منذ تسونامي تونس مطلع عام الثورات.



فرياح التغيير التي تجتاح العالم العربي من المحيط إلى الخليج توفر فرصة أخرى - أردنيا - لا يجب تفويتها لإحداث قفزات إصلاحية سريعة بشمولية عبر بوابة الأجندة العشرية ذات المحاور الثمانية، طبقا لجدول زمني ملزم للحكومات والوزراء، وبعد تحديث شقّها الاقتصادي الذي تأثر بتداعيات الأزمة المالية العالمية، على ما يرى د. المعشر في حوار مع كاتبة المقال.



يشاركه في هذا الطرح التفاؤلي بحذر ساسة، نشطاء مجتمع مدني ومسؤولون يؤمنون بحتمية انتقال آمن ومتدرج صوب مجتمع مدني ديمقراطي يتكئ إلى قيم مجتمعية حديثة، نظم مساءلة ومراقبة، سيادة القانون، تغليب مبدأ الكفاءة على أساس عقد اجتماعي جديد، فضلا عن بناء حياة حزبية فاعلة وقاعدة اقتصادية قابلة للنمو المستدام لتحل مكان الدولة الريعية الضعيفة المهددة، باعتمادها على المساعدات الخارجية.



فالأهداف "النبيلة" للأجندة المعلقة منذ ست سنوات غدت اليوم مطالب مشروعة تتماهى مع تطلعات غالبية الشعوب العربية، بعد أن قرّرت الغالبية الصامتة كسر حاجز الخوف إلى غير رجعة، في مسعى لمواكبة صرعة القرن الحادي والعشرين، بعيدا عن عصور العبيد والأسياد وما بينهما من بطانة ترتع بمكتسبات الأوطان.



ما تريده غالبية الشباب - وقود الانتفاضات المستعرة في مصر وتونس ثم اليمن فالبحرين، سلطنة عمان والسعودية مرورا بالأردن، العراق، الجزائر والمغرب- يحمل إلى حد كبير روح أجندة الأردن، لا سيما أن حراكهم المفاجئ والعفوي قبل ثلاثة شهور أظهر قواسم مشتركة بين غالبية أنظمة الحكم العربية.



فثمّة تواطؤ مرعب وتداخل بين المنظومة الأمنية والسياسة، وتغوّل السلطة التنفيذية على التشريعية والقضاء مع تقاطع الإمارة بالتجارة ما حوّل الدول كافة- سواء شحيحة الموارد الطبيعية أو الغنية بالغاز والنفط- إلى مزارع فساد تستفيد منها الأنظمة وبطانتها مع استمرار قمع الحريات الفردية، تشويه رسالة الإعلام وهدر كرامة المواطن، يترافق ذلك مع الإيحاء بأن هذه الحال، على مساوئها، أفضل من المجهول.



قادة في المنطقة صاروا جزءا من الماضي، أمثال زين الدين العابدين بن علي وحسني مبارك. آخرون ما يزالون يقمعون صوت الحرية بالسلاح والتهديد بعد أن فقدوا شرعيتهم السياسية، مثل العقيد معمر القذافي. علي عبد صالح المتحالف مع أميركا ضد الإرهاب، وربما شعبه، استخدم الفزّاعة ذاتها بأن هذه الدولة وإسرائيل تؤججان الشارع العربي ضد زعمائه، فيما وظّفت ماكنة القذافي البروباغاندية بعبع القاعدة لترويع الغرب.



لكن استباقيين مثل ملك المغرب فهموا الرسالة، إذ عرض هذا الملك الشاب يوم الخميس حزمة تعديلات دستورية ستطرح على استفتاء شعبي من بينها مواد لتعزيز صلاحيات رئيس الوزراء، ضمان استقلال القضاء وفصل السلطات وتكليف حزب الأغلبية بتشكيل الحكومة.



أما في الأردن، فيضيع الوقت في جدل عقيم حول آلية تشكيل لجنة الحوار الوطني بعد أسبوعين على اختيار رئيسها طاهر المصري، شخصية وطنية محل إجماع. يفترض أن تصوغ اللجنة حزمة قوانين الإصلاحات السياسية:الانتخاب، الأحزاب والاجتماعات العامة على أمل إجراء انتخابات تضمن بداية تداول سلمي للسلطة عبر تشكيل حكومة مدعومة من القوى التي تفوز بالأكثرية.



حتى الآن، ليس واضحا فيما إذا سيسمح للجنة بالبحث في مطالب تعديل الدستور لزرع مبدأ فصل السلطات ومنح مجلس النواب صلاحيات أوسع.



يتم كل ذلك وسط جدال متواصل حول الطريقة الفضلى لتشكيل اللجنة (بين مؤيد ل¯ 30 عضوا وآخر يفضل 80)، أهدافها، آليات العمل، وفترة التنفيذ (بين شهرين وسبعة شهور) على حساب الجوهر; وهو الإصلاح السياسي. فثمّة خشية من إهدار الوقت قبل إحداث إصلاحات فصّلتها الأجندة الوطنية ويحتاجها الأردن في الداخل والخارج. ويبدو أن الهدف تقزّم وكأن الغاية حوار وطني، يقّرر ما هو الإصلاح المقبول.



مجلس النواب، الذي يستشعر قرارا بحلّه على منوال سابقه، قرّر الدخول على خط المنافسة عبر سعيه لتشكيل لجنة حوار وطني موازية. في الأثناء ترتفع أصوات مسؤولين ومتنفذّين بأن الشعب يريد وظائف وطعام قبل الديمقراطية. ويزداد نفوذ قوى الشد العكسي المتجذرة في بيروقراطية الدولة لتحذر من الانفتاح السياسي الحقيقي، قبل تسوية القضية الفلسطينية وحسم شماعة ثنائية الهوية باعتبارها تهدد أمن البلاد واستقرار النظام.



قبلها وقعت صدمة إعادة تدوير وجوه قديمة مجربّة لم تترك وراءها بصمات تذكر لتعود إلى مناصب عليا في الحكومة والقصر ما يفتح باب التساؤلات حول مدى إدراك مفاصل صنع القرار لعمق الاحتقان الذي تعيشه الدولة وأهمية استباق الشارع، الذي ارتفعت دعواته إلى سقوف "إصلاح النظام" و"الملكية الدستورية" واستعادة نصوص دستور ،1952 بعد أن تدرّج سلّم مطالبها قبل ثلاثة شهور من إقالة الحكومة، تعديل قانون الانتخاب ومكافحة الفساد.



فثمة عودة إلى أسلوب الفزعة والعمل بالقطعة، رفع سقف الوعود، وتأليب مكون مجتمعي على الآخر ضمن سياسة فرق تسد وحشد مظاهر الولاء والتأييد، وكأن من يرفع مطالبات سياسية مشروعة يكّن العداء للنظام، الذي لا خلاف على شرعيته.



عودة إلى د. المعشر، الذي يصر في حوار مع كاتبة المقال، على التذكير بجملة حقائق غائبة أو مغيبة تلازم مقاربة التعاطي مع الأجندة الوطنية، من حيث أهدافها والشخوص التي تقف وراءها.



منطلقات الأجندة الوطنية استهدفت بناء دولة حديثة، تطوير قيم مجتمعية ومحطات مساءلة ومراقبة، سيادة القانون، تغليب مبدأ الكفاءة على أساس عقد اجتماعي جديد، تطوير حياة حزبية فاعلة وتغيير تدريجي لقانون الانتخاب إلى صوتين لكل ناخب: للمرشح المفضّل - مناطقي، عشائري، حزبي ومستقل يحتلون 90% من مقاعد المجلس، مقابل 10% تذهب للوائح حزبية على مستوى الوطن. وكان من المفترض زيادة نسبة "لائحة وطن" تدريجيا مع كل دورة انتخابية بحيث يتعود المواطن على الاقتراع بناء على برامج اقتصادية، اجتماعية، سياسية تحملها التحالفات لمصلحة الحاكم والمحكوم.



كان يفترض بالأجندة، لو فعّلت، أن ترفع مستوى الخدمات; مثلا، تأمين صحي شامل بحلول عام 2011 وموازنة خالية من العجز عام 2016 (بل من 11.8% قبل المنح والمساعدات إلى فائض بنسبة 1.8%)، علما أن العجز تفاقم إلى ملياري دولار على مدى السنوات الخمس الماضية. كان يفترض تحقيق معدل نمو سنوي 7.2%، خفض الدين العام من 91% إلى 36% من الناتج المحلي الإجمالي، زيادة المدخرات الوطنية من 13% إلى 27% من الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن خفض نسبة البطالة من 12.5% إلى 6.8% من السكان الناشطين اقتصاديا، عبر استحداث 600.000 فرصة عمل جديدة، وصولا إلى مضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي.



في عين المعشر الأجندة تعني:



- استراتيجية عابرة للحكومات لم تضعها حكومة بعينها، ما يعطيها مصداقية أكبر.



- توافق وطني على مهندسيها ومضامينها. فشخصياتها ليست نكرة كما حاولت تصويرها جهات متنفذّة في عالم السياسة والإعلام. أعضاء اللجنة الملكية ال¯ 27 الذين اشرفوا على صياغة الأجندة شخصيات وطنية تمثّل مكونات المجتمع، بمن فيهم القيادي الإسلامي عبد اللطيف عربيات، الإصلاحي الديمقراطي طاهر المصري والقومي المستنير القاضي طاهر حكمت. "فإذا لا يتمتع هؤلاء بالمصداقية فماذا بقي للمصداقية"? يتساءل المعشر بمرارة.



- جهد 450 خبيرا أردنيا وشخصيات سياسية وحزبية ونيابية برئاسة د. المعشر صاغوا محاورها الثمانية، كلا حسب تخصصه وبطريقة تعكس مطالب شرائح مجتمعية، نقابية وسياسية واسعة.



- رسم أهداف سنوية قابلة للتعديل تسير بالتلازم ويربط تنفيذها بتوفير بنود إنفاق محددة بالموازنة السنوية.



ويستذكر المعشر أن خطابات تكليف الحكومات خلال السنوات العشر الماضية أكدت على الإصلاح السياسي، إلى جانب تعزيز النهج الاقتصادي صوب اقتصاد السوق وتحسين الظروف المعيشية والخدمات التعليمية والصحية وغيرها. "لكن، استجابة الحكومات لمطالب الإصلاح السياسي كانت إما عبر تجاهله أو بطرق لا ترتقي إلى ما طلب منها في تلك الكتب"، حسبما يشخص نائب رئيس الوزراء ووزير البلاط الأسبق، الذي انتقل إلى البنك الدولي قبل أن يدير معهد كارنيجي (قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا).



بعد ذلك، يتساءل مراقبون عن مغزى استمرار الحاكم والمحكوم في دفع ثمن الإخفاقات الإصلاحية? لماذا لا ينفض الغبار عن الأجندة التي تجترح حلولا معقولة لكل مسارات الإصلاح; وتحديدا قانون الانتخاب? كذلك يتساءلون لماذا لا يفعّل الميثاق الوطني، الذي كان عام 1990 موضع إجماع القوى الإسلامية، اليسارية- القومية والمستقلة? ولماذا لا يصدر تكليف ملكي يضمن توجيه المصري وسائر أعضاء لجنة الحوار الوطني إلى وضع خطة عمل في أقل من شهرين، بالاستناد إلى الأجندة والميثاق، وبما يعيد بناء توافق حول الإصلاحات الاقتصادية? ولماذا لا تسمعنا قيادتنا/ التي نكن لها كل مشاعر الحب والولاء والاحترام، أطروحات أكثر وضوحا حول ما هو المطلوب لتوحيد الأنظار صوب بوصلة أكثر دقّة?



فهل من يختلف مع د. المعشر من أنه لو بدأ الأردن في تطبيق الأجندة قبل خمس سنوات "لكانت أمورنا أفضل مما نحن عليه اليوم، ولاستطاع الأردن أن يشكّل أنموذجا رائدا لنشر التحديث على مستوى الوطن العربي"?



ويبقى التساؤل: "لماذا لا يصار إلى رسم إصلاحات سياسية واقتصادية متفق عليها وطنيا تتحرك في مسارات متلازمة بدل معالجة الاحتقانات بقرارات عشوائية قد تكسب السلطة شعبية قصيرة المدى قبل العودة إلى مربع أزمة إدارة الدولة في غياب إطار وطني متكامل للإصلاح، أهدافه ووسائل تحقيقه.