منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#33731

هل يحكم الإخوان المسلمون مصر؟

مصطفى عاشور *


ولد الرئيس المخلوع حسني مبارك عام 1928 في العام الذي أعلن فيه عن نشأة جماعة الإخوان المسلمين، وأعلن مبارك تنحيه عن الحكم في (11 فبراير) وهو اليوم الذي سبق اغتيال الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان قبل ستة عقود، ورغم هذه الرمزية بين التاريخ الشخصي لمبارك ومعالم في تاريخ الجماعة فإن العلاقة بين الطرفين شهدت في الخمسة عشر عاما الأخيرة من حكم مبارك قدرا كبيرا من التوتر، وقدرا من العنف السلطوي في التعامل مع الإخوان انتهت بعدة محاكمات عسكرية لعدد من قادتهم ورموزهم، كما شهد عصره اعتقال أكثر من 30 ألفا منهم.


ما المستقبل؟


لكن السؤال المطروح بعد رحيل مبارك، ومشاركة الإخوان في ثورة 25 يناير 2011م والتي قدموا فيها أكثر من 40 شهيدا، ما المستقبل السياسي للإخوان المسلمين بعد رحيل غريمهم الرئيس مبارك عن السلطة، وسقوط الكثير من معالم نظامه، والذي كان يتبع سياسة العصي الغليظة، وسياسة الإبقاء الدائم تحت القبضة الأمنية؟ وما المستقبل السياسي للإخوان في ظل تفكك الحزب الوطني الذي هيمن على الساحة السياسية المصرية أكثر من ثلاثة عقود؟ وهل ينفتح الطريق إلى السلطة في مصر أمام الإخوان بعدما زال الكثير من العقبات الكبرى التي كانت تعترض طريقهم؟ وهل تساندهم الشرعية الثورية في ثورة 25 يناير في تعبيد الطريق نحو الصعود للسلطة؟

لم يمض إلا أقل من يوم واحد على ثورة 25 يناير حتى أعلن الإخوان خوضهم تلك الثورة، وحشدوا لها كامل طاقتهم وقوتهم التنظيمية لمساندتها كخطوة لتحريك الوضع السياسي المصري المصاب بالجمود، ومع بداية المشاركة وكثافتها بدا واضحا للإخوان أن النظام أخذ يترنح، فحسم الموقف الإخواني نحو ضرورة تنحي مبارك وإسقاط نظامه السياسي.
ولم يمض إلا أسبوعين وعدة أيام حتى أعلن مبارك تنحيه، ومع بداية الثورة أخذت التحليلات السياسية الغربية سواء الأمريكية أو الأوروبية بما فيها القيادات السياسية في مناقشة كيفية التعامل مع الإخوان المسلمين الذين انفتح لهم الطريق نحو السلطة والمشاركة فيها، وانقسمت الآراء بين من يرى أن الإدماج السياسي للإخوان المسلمين هو أمر ضروري لتحقيق قدر من الاستقرار السياسي في تلك المنطقة، وبين من يستشعر أن الإخوان تمثل خطرا على الغرب وعلى إسرائيل والمصالح الغربية بالمنطقة.


رؤى غربية جديدة:


وجدت في هذه الفترة رؤى غربية لا تتوجس خيفة من الإخوان على اعتبار أن الإخوان حاضرون فعلا في المشهد السياسي المصري ولهم حضورهم في المجتمع، ورأت تلك الاتجاهات أن إغلاق باب المشاركة السياسية أمام الإخوان في تلك اللحظة الثورية له خطورة من جانبين:
الأول: أن هذا الخيار تكلفة تنفيذه عالية على الأرض خاصة مع تلك الروح الثورية التي تعم المجتمع.
والثاني: أن الإغلاق يجعل مقولات تنظيم القاعدة ذات جاذبية بين عدد من الشباب المصري حتى من المنتمين للإخوان، على اعتبار أن تنحيتهم عن الممارسة السياسية رغم دفع تضحياتها هو نوع من الإقصاء للإسلام من أن يكون له دور مشارك في بناء النظام السياسي في مصر بعد مبارك، وهو ما ينتج مواقف متصلبة من الإخوان لن تقتصر على الساحة السياسية المصرية، وسيجعل الإخوان تنحاز إلى الأصوات المتشددة داخلها وخارجها.
ولعل هذا ما لاحظه غرهام فوللر -أحد الخبراء الأمريكيين بالمنطقة وحركاتها الإسلامية- من أن الإدماج السياسي للإخوان يخفف الخطابات المتشددة، وأكد فوللر أن أحد العيوب الكبرى للأنظمة السياسية الاستبدادية أنها كانت تغلق سبل التجارب السياسية والنضج أمام الناس، وأن العلاقة السلمية بالسلطة وما يترتب عليها من مشاركة يكفل قدرا من تخفيف المثاليات، ويجعل الإسلاميين يرتبطون بالواقع.
المهم في هذا الشأن أن الغرب أخذ يتبنى إدراكا مختلفا بقدرٍ ما تجاه جماعة الإخوان المسلمين، ساهم فيه باحثون غربيون على درجة من الحيادية في بحث الحالة الإخوانية، بعيداً عن الانغلاق الأيديولوجي والمواقف المسبقة، وخلصت تلك الرؤى التي كانت ترصد السلوك السياسي للإخوان منذ الانتخابات التشريعية عام 2005 والتي نافس فيها الإخوان على ثلث مقاعد البرلمان، ووصل منهم حوالي 88 عضوا إلى البرلمان أن الإخوان المسلمين حسموا أمرهم فيما يتعلق بعملية التغيير إذ تبنوا التغيير السلمي للسلطة من خلال الانتخابات والآليات الديمقراطية، وليس من خلال التغيير العنيف أو الانقلابات العسكرية، فالمشاركة في الرؤية الإخوانية هي أساس التغيير.
هذا الإدراك الجديد في الوسط البحثي المتعلق بالحالة الإخوانية رأى أن إخراج الإخوان من العملية السياسية مخاطرة كبيرة، وربما هذا ما أكدته تجربة مبارك في الانتخابات البرلمانية 2010 حيث حجب الإخوان عن المشاركة في البرلمان، ولم تمض إلا شهور قليلة حتى نشبت ثورة يناير 2011 لأن عوامل الاحتقان بالإقصاءات السياسية قد تعصف بالنظام بالكامل، ويصبح الغرب أمام قوة إخوانية مدعومة بشرعية مجتمعية وروح ثورية قد تشكل تهديدا ما للمصالح الغربية.
هذا الإدراك الجديد رأى أن إقامة ديمقراطية في مصر وربما الشرق الأوسط تفرض ألا تقوم على آليات استبعادية إقصائية، لأن هذا يعمق حجم الاحتقانات والمشاعر العدائية للغرب، أضف إلى ذلك أن النموذج التركي أعطى انطباعا إيجابيا بإمكانية مشاركة الإسلاميين في السلطة بل وصعودهم إلى سدتها دون أن يقود ذلك إلى هدم المعادلة الإقليمية والدولية، أو بمعنى آخر أن الإسلاميين لديهم من الوعي السياسي وإدراك السياقات ما يحول دون تكرار ما جرى في الثورة الإيرانية 1979.


حركة مجتمعية أيضاً :


ويلاحظ أيضا أن الإدراك الغربي للإخوان أخذ يقترب بدرجة أو بأخرى من أن الإخوان المسلمين ليسوا حركة سياسية، ولكنها تيار لها جذور مجتمعية وأن
السياسة والاشتغال بها هي أحد تجلياته، وليست النشاط الوحيد لهذا التيار، بل إن الحضور السياسي للإخوان هو نتاج رئيس للحضور المجتمعي، وذلك على خلاف بقية الأحزاب المصرية التي توصف بأنها كرتونية، وتتركز في صحيفة ومقر ورخصة لمزاولة السياسة.
كذلك كان هناك متابعة غربية واضحة لما يجري داخل الإخوان من تعاط مقبول مع المسألة الديمقراطية، سواء في مشاركات الإخوان المسلمين في الانتخابات النقابية والمهنية، والتي أحدثت قدرا من التطور في تعاطيهم مع محدد الاستجابة لما يفرزه صندوق الاقتراع في انتخابات ديمقراطية نزيهة، أو اقترابهم من مشكلات الناخبين وتعاطيهم الجيد مع مطالبهم على مستوى المهنة أو تحسين الخدمات التي تقدم لهم، وهو ما بعث طمأنينة بأن الإخوان يؤمنون بقواعد اللعبة الديمقراطية، وأنهم يرفضون "ديمقراطية المرة الواحدة" التي صدرتها بعض الكتابات المعادية للإخوان والأقلام القريبة من السلطة في الدول المستبدة.
وتجلت الآليات الديمقراطية مؤخرا في الانتخابات التي جرت داخل تنظيم الإخوان، وتم فيها اختيار الدكتور محمد بديع محل مهدي عاكف كمرشد عام للإخوان المسلمين، فتداول السلطة مطروح في الرؤية الإخوانية.


قواعد اللعبة :


كانت الممارسة السابقة لثورة 25 يناير في مصر من قبل نظام مبارك تجاه الإخوان أنه كلما أجاد الإخوان قواعد اللعبة السياسية والديمقراطية وأخذوا يعملون وفق أطرها وبمقتدى قواعدها، أخذ النظام الاستبدادي في إبعادهم قسرا عن المسرح السياسي المصري، وتجلى ذلك في الانتخابات التشريعية في الدورات السابقة لانتخابات 2010، ففى المجلس الأسبق فاز الإخوان بحوالي 17 عضوا في البرلمان، وفي انتخابات 2005 فازوا بـ88 عضوا، وفي انتخابات 2010 لم تفز الجماعة بأي مقعد، وهو ما يعني إدراك النظام أن ترك قواعد اللعبة السياسية تعمل وفق آليات الديمقراطية لا يؤشر إلا لتقدم إخواني ملحوظ على حساب النظام القائم في مصر، فكان يتم اللجوء إلى القمع ضد الإخوان لإزاحتهم من العملية السياسية بعدما فشلت الآليات الديمقراطية في استبعادهم.
وبعد تنحي مبارك أعلن الإخوان عبر مكتبهم السياسي وعبر مرشدهم أنهم لن يترشحوا إلى منصب رئيس الجمهورية، وأنهم لن يشاركوا في الحكومة، وأن عملهم سيقتصر على البرلمان في إطار انتخابات حرة ونزيهة، هذه الرسائل الإيجابية والتطمينية سواء للجيش أو القوى الأخرى في مصر أو الغرب استطاع البعض أن يلتقطها مبكرا، فتصريحات البيت الأبيض أكدت أن "التمثيل الديمقراطي يجب أن يشمل الجميع" وأكد المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس "أن الإدارة الأمريكية ليس لها علاقة مع الإخوان المسلمين، لكنها (أي الإدارة) لها معايير حول وجود العلاقات السياسية تتمثل في: طاعة القانون، وعدم استخدام العنف، والاستعداد ليكونوا جزءا من العملية السياسية"، كما صرح إدوارد مكميلان النائب بالاتحاد الأوروبي الذي زار مصر بعد رحيل مبارك أنه غير قلق من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لأن مصر دولة معتدلة.
أما وزير الدولة للشؤون الخارجية الألماني فيرنر هوير فقد ناشد الدول الغربية بضرورة إشراك الإخوان في الحوار السياسي القائم في مصر، مؤكدا أن الإخوان لهم شبكات اجتماعية واسعة وقوية ولا يمكن تجاهلها بشكل مطلق، وأنه لا يمكن تغافل جماعة من الممكن أن تحصل في الانتخابات التشريعية القادمة على مقاعد برلمانية تتراوح بين 20 و 30%.
والواقع أن الإخوان استنادا إلى تصريحاتهم ومواقفهم الحالية قبل رحيل مبارك وبعده يؤكدون أن رهانهم ليس على حكم مصر، ولكن الرهان الأكبر هو أن يكونوا شركاء مع غيرهم من القوى السياسية المصرية على أن يكونوا رقباء شعبيين على السلطة التنفيذية وممارستها، بحيث لا تنحرف عن مساراتها الديمقراطية أو تنحرف تلك السلطة إلى الفساد الاقتصادي على حساب مصالح الشعب ، وهذه الرسالة ربما استطاع الغرب أن يقرأ بعض مفرداتها بوعي عندما أدركوا أن الانتخابات النزيهة في مصر لن تسمح إلا باستحواذ الإخوان على نسبة من مقاعد البرلمان لا تتجاوز 30% وهو ما يطمئن الغرب، كما أن القوى السياسية المصرية لاحظت على أرض الواقع أن الإخوان غيروا منهجهم السياسي بدلا من المشاركة للاستحواذ على الانتخابات إلى منهج المشاركة وليس المغالبة.

--------------------------------------------------
* كاتب مصري من أسرة إسلام أون لاين