- الأربعاء إبريل 06, 2011 1:21 pm
#33991
تشكل الحصانات والامتيازات الدبلوماسية أهم الركائز الأساسية للعلاقات الدولية وهي تهدف إلى تأمين الأداء الفعال لوظائف البعثات الدبلوماسية على أكمل وجه. وهذا ما يؤمن أهداف الدبلوماسية القائمة على إدارة الشؤون الخارجية للأطراف الدولية وتعزيز علاقاتها على أسس ومبادئ المساواة وحفظ السلم والأمن الدوليين.
إن العلاقات الدبلوماسية، منذ نشوئها بين القبائل والشعوب والدول، ارتكزت على مبادئ وأسس جعلت من الدبلوماسية أسلوبا ومنهجا ومهنة ذات وظائف متنوعة. وشهدت هذه العلاقات أشكالا متنوعة من الممارسة توحدت وتمحورت جميعها على قاعدة أساسية واحدة تقوم على منح الدبلوماسيين حصانات وامتيازات معينة ومحددة، تسمح لهم بتأمين الاتصال والتبادل بين الأمم والشعوب والدول، أي تأمين العلاقات الخارجية لهم، مما أدى إلى ارتباط وثيق بين هذه الحصانات والامتيازات وبين الممارسة الدبلوماسية.
لقد عرفت المجتمعات منذ القدم مبدأ تبادل الرسل والمبعوثين وأقرت لهم حصانات وامتيازات شكلت القواعد الأولى لظهور الممارسة الدبلوماسية والتعامل بين الدول.[1]
حيث حرصت الأمم القديمة على احترام وتقديس الممثل الدبلوماسي في إطار المهمة الموكولة إليه.
وقد ورد في مجموعة القوانين الرومانية ما يلي : " إن من يعتدي على سفير دولة أجنبية، يخرق أحكام القانون الدولي ويجب تسليمه إلى حكومة السفير وأبناء شعبه للاقتصاص منه على هذه الإهانةة"[2]
وأصدرت حكومة هولندا في عام 1651م قانونا ينص على ما يلي: " إن القانون الدولي العام، وحتى قوانين البرابرة، تقضي باحترام وتكريم السفراء والممثلين الدبلوماسيين الموفدين من قبل الملوك والأمراء ورؤساء الجمهوريات. ولذلك يحظر على كل إنسان إهانتهم أو التعرض لهم، أو إلحاق الأذى بهم تحت طائلة الحكم عليه يجرم خرق مبادئ القانون الدولي والإخلال بالأمن العام"، وفي عام 1728م حكم في السويد على أحد الأشخاص بالإعدام لإقدامه على شتم سفير الملك لويس الرابع عشر علنا.[3]
هذه أمثلة قليلة تثبت أن للمثل الدبلوماسي الحرية والحصانة، وأن التعدي عليها يحرك المسؤولية الدولية للدولة المضيفة، إذا لم تتحرك لإزالة ما تعرض له المبعوث الدبلوماسي من إساءة.
ومع تطور العلاقات الدولية وتطور الممارسة الدبلوماسية تطورت قواعد الحصانات والامتيازات الدبلوماسية، وتطورت المفاهيم النظرية التي تبرز منح هذه الحصانات والامتيازات.
وظهرت تاريخيا، ثلاث نظريات تبرز منح أو إقرار الحصانات والامتيازات الدبلوماسية.فقد سادت منذ القرن 17 وحتى الحرب العالمية الأولى نظرية الصفة التمثيلية le caractère représentatifونظرية امتداد الإقليم
l’exterritorialité .
ومنذ هذا التاريخ أي منذ العقد الثالث من القرن العشرين بدأت تسيطر نظرية جديدة هي نظرية أو ضرورات الوظيفة l’itéret de la fonction التي تبنتها جميع الاتفاقيات الدبلوماسية، واستبعدت في ذات الوقت النظريتين السابقتين. ومن ناحية أخرى، وبهدف تسليط الضوء على هذه المفاهيم النظرية، سوف نتطرق عند بحثها ومعالجتها إلى مفهوم " عهد الأمان " الذي ساد في المجتمع العربي الإسلامي قبل القرن الخامس عشر.[4]
إن ظهور مصطلح الحصانة الدبلوماسية مرتبط بظهور مصطلح الدبلوماسية نفسها، حيث يسجل لنا التاريخ البشري في جانبه السياسي تطور العلاقات السلمية بين الدول من خلال البعثات واستقبال الرسل والسفراء[10].
وكانت هذه البعثات المؤقتة لا تغادر بلادها إلا وهي تحمل لحامليها من ملوكها وسلاطينها وأمرائها وثائق تعطي لحملتها امتيازات وحصانات من التعرض لهم أثناء أداء مهمتهم وتسهيل مرورهم، وهذه الوثيقة نجد لها مقابلا في أدوات العمل الدبلوماسي الحالي حيث إنها تشبه إلى حد كبير جواز السفر الدبلوماسي، ووجه الشبه يتمثل في أن الجواز الدبلوماسي ما هو إلا وثيقة رسمية تيسر لصاحبها الحصول على الحماية والحصانة من التعرض له، وتسهل له الانتقال من بلد إلى آخر دون إعاقة، أي يكاد أن يكون بينه وبين الوثيقة المطوية عند الإغريق صلة قريبة من حيث كونهما رخصة خاصة تمنح لحاملها أنواعا من الامتيازات والحصانات، وتعطي الدبلوماسي حق التنقل بين البلدان المرسل إليها وأداء الوظيفة بحرية دون العرض لشخصه ولعائلته وماله بسوء حتى يعود إلى بلده الأصلي كما سيأتي بيانه.[11]
وجواز السفر والوثيقة المطوية التي تعطى للرسل في بلاد الإغريق ، في مضمونها يفيدان الأمان للشخص، وهو ما يشبه مقتضى الأمان في الإسلام، إلا أن هناك فرقا واضحا بين النظامين، حيث إن جواز السفر يصدر من قبل جهة رسمية تتمثل في حكومة الدولة، والأمان في الإسلام كما سيأتي يصدر من أي فرد كما هو رأي الفقهاء، ولكن في ظل الدولة الإسلامية المعاصرة فإن الأمان من الفرد منع، ليوافق التشريع الإسلامي بذلك القانون الدولي.[12]
وتعد الحصانة الدبلوماسية من أهم مقتضيات العمل الدبلوماسي المعاصر، فهي تشمل مختلف الحصانات والامتيازات الدبلوماسية التي يتمتع بها الممثل السياسي من الحصانة القضائية ( المادة 29 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961م) والحصانة القضائية ( المادة 31 من نفس الاتفاقية)، والامتيازات المالية ( المادة 34-36 من نفس الاتفاقية)، كما أن الفقه الإسلامي عرف ومارس هذه الحصانات منذ زمن مبكر كما سيأتي توضيحه.
إن مبدأ الحصانة الدبلوماسية هو واحد من أقدم عناصر العلاقات الخارجية، وقد منح اليونان والرومان والمسلمون وضعا خاصا للسفراء والرسل، و ظلت الحصانة الدبلوماسية من المبادئ المتفق عليها قديما وحديثا بغض النظر عن بعض الاعتراضات عليها والتي تظهر هنا بفعل أوضاع قانونية تكون الحصانة مسؤولة عنها.[13]
ويذهب أستاذ القانون الدولي أبو هيف وغيره إلى القول: " بضرورة حماية المبعوث الدبلوماسي ضد الاعتداء عليه والحفاوة به "[14].
وهذه الضرورة لم تنبع من فراغ فهي مستمدة من الأصول العامة للفقه السياسي الإسلامي وقواعد القانون الدولي حيث تجتمع أقوال الفقهاء المسلمين وآراء الشراح الحقوقيين على أنه بالرسل تتم المصالحات بين الأمم، ولذلك أصبح تبادل التمثيل السياسي ضرورة تفرضها علاقات التعارف والتآخي " سورة الحجرات أية 13"، وهو ما يبعد الانطوائية والعزلة عن الدولة الإسلامية عن غيرها من الدول.[15]
إن أول الحصانات الدبلوماسية التي عرفتها البشرية هي الحصانة الشخصية أو حصانة الأفراد، وكان إذا ذكرت الحصانة قصد بها الحصانة الشخصية.
وعندما دونت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 في قالبها القانوني[16]، جاء في نصوصها تحديد أنواع هذه الحصانات.
ويقول العالم المشهور فاتل : " لما كانت السفارات شأن كبير في المجتمع العالمي للدول وكان لا بد منها للسلام أو الأمان الذي يبغيه، فإن الممثلين الدبلوماسيين المكلفين للسفارة يجب أن يكونوا محصنين مقدسين عند الشعوب جميعا "[17].
وذهب بعض الباحثين القانونيين إلى حد اعتبار الحصانة الدبلوماسية جزءا من القانون الطبيعي، إلا أن آراء هؤلاء الباحثين تضاربت في تفسير الأساس القانوني للحصانة الدبلوماسية، ويقرر أبو هيف أن الحصانة الدبلوماسية تتناول أولا ذات المبعوث وثانيا مسكنه وأمواله[18].
ولقد عرفت اتفاقية فيينا الحصانة الدبلوماسية من خلال شخص المبعوث إذ قالت: " حرمة شخص المبعوث الدبلوماسي مصونة ولا يجوز إخضاعه لأية صورة من صور القبض والاعتقال ، ويجب على الدولة المعتمد لديها معاملته بالاحترام اللائق واتخاذ جميع التدابير المناسبة لمنع أي اعتداء على شخصه أو حريته أو كرامته"[19].
أما القاموس السياسي فيعرف الحصانة بأنها: " إعفاء بعض الأشخاص أو الهيئات من ولاية القضاء في الدولة التي يعتمدون بها رؤساء الدول الأجنبية وممثليهم السياسيين كما يشمل هذا الاستثناء الهيئات الدولية أو المنظمات الإقليمية المعترف بها في نظاق عضويتها"[20].
ويأتي هذا التعريف بالنظر إلى كونه يضع الحصانة في إطار قضائي عوض أن يركز على بعدها الشخصي، وهو اتجاه ذهب إليه أيضا بعض الباحثين المعاصرين.
وذهب رأي آخر إلى أن الحصانة الشخصية تعني حق المبعوث في حماية زائدة من جانب الدولة المستقبلة ضد أي اعتداء يتعرض له سواء من مواطني الدولة أو من الأجانب وذلك من خلال تشريع خاص ووسائل خاصة.[21]
وجاء في قاموس أكسفورد تعريف موجز للحصانة الدبلوماسية بأنها " التحرر من الواجبات أو الإعفاء من العقوبة في الحالات غير المفضلة"[22]
ومن التعريفات الحديثة التي يميل إليها الباحث تعريف كلاي الذي يقول عن الحصانة بأنها: " مبدأ من مبادئ القانون الدولي الذي يعفى بموجبه بعض مسئولي الدول الأجنبية من الخضوع لأحكام المحاكم المحلية وغيرها من السلطات بالنسبة لنشاطاتهم الرسمية، وإلى حد كبير فيما يتعلق بنشاطاتهم الشخصية"[23].
فهذا التعريف ربط الحصانة الدبلوماسية بمفهومه القديم والحديث في آن واحد، فقد تحرر من التقيد بفترة زمنية محددة مما طبع التعريف بسمة التوازن بين المرجعية التاريخية وروح العصر.
والحصانة بمفهومها العام لها جانبان:
الأول: حق يمنح لشخص المبعوث أو سفارته ليحول دون ممارسة الدولة المضيفة أي اعتداء عليها، وهذا الحق يطلق عليه " الحق السلبي " إذ يقوم على عدم ممارسة الدولة المضيفة سلطاتها القضائية أو المالية على المبعوثين الدبلوماسيين.
والثاني: يتمثل في توقيع العقوبات المقدرة قانونا على من اعتدى على المبعوثين الدبلوماسيين أو على السفارة، وهذا الحق يسمى " الحق الإيجابي " وباقي التعريفات التي لم يتم ذكرها تدور على معنى واحد وهو توفير الحماية والحصانة لشخص المبعوث الدبلوماسي حتى لا يتم التعرض له من قبل الأفراد أو سلطات الدولة المضيفة بالأذى بدنيا أو قضائيا أو فرض التزامات ماله وما عليه.[24]
ورغم كل هذه التعاريف والمفاهيم والتي تدور حول معنى واحد كما سبق الذكر لا بد من الإشارة إلى الأساس القانوني المعتمد الذي تنبني عليه
إن العلاقات الدبلوماسية، منذ نشوئها بين القبائل والشعوب والدول، ارتكزت على مبادئ وأسس جعلت من الدبلوماسية أسلوبا ومنهجا ومهنة ذات وظائف متنوعة. وشهدت هذه العلاقات أشكالا متنوعة من الممارسة توحدت وتمحورت جميعها على قاعدة أساسية واحدة تقوم على منح الدبلوماسيين حصانات وامتيازات معينة ومحددة، تسمح لهم بتأمين الاتصال والتبادل بين الأمم والشعوب والدول، أي تأمين العلاقات الخارجية لهم، مما أدى إلى ارتباط وثيق بين هذه الحصانات والامتيازات وبين الممارسة الدبلوماسية.
لقد عرفت المجتمعات منذ القدم مبدأ تبادل الرسل والمبعوثين وأقرت لهم حصانات وامتيازات شكلت القواعد الأولى لظهور الممارسة الدبلوماسية والتعامل بين الدول.[1]
حيث حرصت الأمم القديمة على احترام وتقديس الممثل الدبلوماسي في إطار المهمة الموكولة إليه.
وقد ورد في مجموعة القوانين الرومانية ما يلي : " إن من يعتدي على سفير دولة أجنبية، يخرق أحكام القانون الدولي ويجب تسليمه إلى حكومة السفير وأبناء شعبه للاقتصاص منه على هذه الإهانةة"[2]
وأصدرت حكومة هولندا في عام 1651م قانونا ينص على ما يلي: " إن القانون الدولي العام، وحتى قوانين البرابرة، تقضي باحترام وتكريم السفراء والممثلين الدبلوماسيين الموفدين من قبل الملوك والأمراء ورؤساء الجمهوريات. ولذلك يحظر على كل إنسان إهانتهم أو التعرض لهم، أو إلحاق الأذى بهم تحت طائلة الحكم عليه يجرم خرق مبادئ القانون الدولي والإخلال بالأمن العام"، وفي عام 1728م حكم في السويد على أحد الأشخاص بالإعدام لإقدامه على شتم سفير الملك لويس الرابع عشر علنا.[3]
هذه أمثلة قليلة تثبت أن للمثل الدبلوماسي الحرية والحصانة، وأن التعدي عليها يحرك المسؤولية الدولية للدولة المضيفة، إذا لم تتحرك لإزالة ما تعرض له المبعوث الدبلوماسي من إساءة.
ومع تطور العلاقات الدولية وتطور الممارسة الدبلوماسية تطورت قواعد الحصانات والامتيازات الدبلوماسية، وتطورت المفاهيم النظرية التي تبرز منح هذه الحصانات والامتيازات.
وظهرت تاريخيا، ثلاث نظريات تبرز منح أو إقرار الحصانات والامتيازات الدبلوماسية.فقد سادت منذ القرن 17 وحتى الحرب العالمية الأولى نظرية الصفة التمثيلية le caractère représentatifونظرية امتداد الإقليم
l’exterritorialité .
ومنذ هذا التاريخ أي منذ العقد الثالث من القرن العشرين بدأت تسيطر نظرية جديدة هي نظرية أو ضرورات الوظيفة l’itéret de la fonction التي تبنتها جميع الاتفاقيات الدبلوماسية، واستبعدت في ذات الوقت النظريتين السابقتين. ومن ناحية أخرى، وبهدف تسليط الضوء على هذه المفاهيم النظرية، سوف نتطرق عند بحثها ومعالجتها إلى مفهوم " عهد الأمان " الذي ساد في المجتمع العربي الإسلامي قبل القرن الخامس عشر.[4]
إن ظهور مصطلح الحصانة الدبلوماسية مرتبط بظهور مصطلح الدبلوماسية نفسها، حيث يسجل لنا التاريخ البشري في جانبه السياسي تطور العلاقات السلمية بين الدول من خلال البعثات واستقبال الرسل والسفراء[10].
وكانت هذه البعثات المؤقتة لا تغادر بلادها إلا وهي تحمل لحامليها من ملوكها وسلاطينها وأمرائها وثائق تعطي لحملتها امتيازات وحصانات من التعرض لهم أثناء أداء مهمتهم وتسهيل مرورهم، وهذه الوثيقة نجد لها مقابلا في أدوات العمل الدبلوماسي الحالي حيث إنها تشبه إلى حد كبير جواز السفر الدبلوماسي، ووجه الشبه يتمثل في أن الجواز الدبلوماسي ما هو إلا وثيقة رسمية تيسر لصاحبها الحصول على الحماية والحصانة من التعرض له، وتسهل له الانتقال من بلد إلى آخر دون إعاقة، أي يكاد أن يكون بينه وبين الوثيقة المطوية عند الإغريق صلة قريبة من حيث كونهما رخصة خاصة تمنح لحاملها أنواعا من الامتيازات والحصانات، وتعطي الدبلوماسي حق التنقل بين البلدان المرسل إليها وأداء الوظيفة بحرية دون العرض لشخصه ولعائلته وماله بسوء حتى يعود إلى بلده الأصلي كما سيأتي بيانه.[11]
وجواز السفر والوثيقة المطوية التي تعطى للرسل في بلاد الإغريق ، في مضمونها يفيدان الأمان للشخص، وهو ما يشبه مقتضى الأمان في الإسلام، إلا أن هناك فرقا واضحا بين النظامين، حيث إن جواز السفر يصدر من قبل جهة رسمية تتمثل في حكومة الدولة، والأمان في الإسلام كما سيأتي يصدر من أي فرد كما هو رأي الفقهاء، ولكن في ظل الدولة الإسلامية المعاصرة فإن الأمان من الفرد منع، ليوافق التشريع الإسلامي بذلك القانون الدولي.[12]
وتعد الحصانة الدبلوماسية من أهم مقتضيات العمل الدبلوماسي المعاصر، فهي تشمل مختلف الحصانات والامتيازات الدبلوماسية التي يتمتع بها الممثل السياسي من الحصانة القضائية ( المادة 29 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961م) والحصانة القضائية ( المادة 31 من نفس الاتفاقية)، والامتيازات المالية ( المادة 34-36 من نفس الاتفاقية)، كما أن الفقه الإسلامي عرف ومارس هذه الحصانات منذ زمن مبكر كما سيأتي توضيحه.
إن مبدأ الحصانة الدبلوماسية هو واحد من أقدم عناصر العلاقات الخارجية، وقد منح اليونان والرومان والمسلمون وضعا خاصا للسفراء والرسل، و ظلت الحصانة الدبلوماسية من المبادئ المتفق عليها قديما وحديثا بغض النظر عن بعض الاعتراضات عليها والتي تظهر هنا بفعل أوضاع قانونية تكون الحصانة مسؤولة عنها.[13]
ويذهب أستاذ القانون الدولي أبو هيف وغيره إلى القول: " بضرورة حماية المبعوث الدبلوماسي ضد الاعتداء عليه والحفاوة به "[14].
وهذه الضرورة لم تنبع من فراغ فهي مستمدة من الأصول العامة للفقه السياسي الإسلامي وقواعد القانون الدولي حيث تجتمع أقوال الفقهاء المسلمين وآراء الشراح الحقوقيين على أنه بالرسل تتم المصالحات بين الأمم، ولذلك أصبح تبادل التمثيل السياسي ضرورة تفرضها علاقات التعارف والتآخي " سورة الحجرات أية 13"، وهو ما يبعد الانطوائية والعزلة عن الدولة الإسلامية عن غيرها من الدول.[15]
إن أول الحصانات الدبلوماسية التي عرفتها البشرية هي الحصانة الشخصية أو حصانة الأفراد، وكان إذا ذكرت الحصانة قصد بها الحصانة الشخصية.
وعندما دونت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 في قالبها القانوني[16]، جاء في نصوصها تحديد أنواع هذه الحصانات.
ويقول العالم المشهور فاتل : " لما كانت السفارات شأن كبير في المجتمع العالمي للدول وكان لا بد منها للسلام أو الأمان الذي يبغيه، فإن الممثلين الدبلوماسيين المكلفين للسفارة يجب أن يكونوا محصنين مقدسين عند الشعوب جميعا "[17].
وذهب بعض الباحثين القانونيين إلى حد اعتبار الحصانة الدبلوماسية جزءا من القانون الطبيعي، إلا أن آراء هؤلاء الباحثين تضاربت في تفسير الأساس القانوني للحصانة الدبلوماسية، ويقرر أبو هيف أن الحصانة الدبلوماسية تتناول أولا ذات المبعوث وثانيا مسكنه وأمواله[18].
ولقد عرفت اتفاقية فيينا الحصانة الدبلوماسية من خلال شخص المبعوث إذ قالت: " حرمة شخص المبعوث الدبلوماسي مصونة ولا يجوز إخضاعه لأية صورة من صور القبض والاعتقال ، ويجب على الدولة المعتمد لديها معاملته بالاحترام اللائق واتخاذ جميع التدابير المناسبة لمنع أي اعتداء على شخصه أو حريته أو كرامته"[19].
أما القاموس السياسي فيعرف الحصانة بأنها: " إعفاء بعض الأشخاص أو الهيئات من ولاية القضاء في الدولة التي يعتمدون بها رؤساء الدول الأجنبية وممثليهم السياسيين كما يشمل هذا الاستثناء الهيئات الدولية أو المنظمات الإقليمية المعترف بها في نظاق عضويتها"[20].
ويأتي هذا التعريف بالنظر إلى كونه يضع الحصانة في إطار قضائي عوض أن يركز على بعدها الشخصي، وهو اتجاه ذهب إليه أيضا بعض الباحثين المعاصرين.
وذهب رأي آخر إلى أن الحصانة الشخصية تعني حق المبعوث في حماية زائدة من جانب الدولة المستقبلة ضد أي اعتداء يتعرض له سواء من مواطني الدولة أو من الأجانب وذلك من خلال تشريع خاص ووسائل خاصة.[21]
وجاء في قاموس أكسفورد تعريف موجز للحصانة الدبلوماسية بأنها " التحرر من الواجبات أو الإعفاء من العقوبة في الحالات غير المفضلة"[22]
ومن التعريفات الحديثة التي يميل إليها الباحث تعريف كلاي الذي يقول عن الحصانة بأنها: " مبدأ من مبادئ القانون الدولي الذي يعفى بموجبه بعض مسئولي الدول الأجنبية من الخضوع لأحكام المحاكم المحلية وغيرها من السلطات بالنسبة لنشاطاتهم الرسمية، وإلى حد كبير فيما يتعلق بنشاطاتهم الشخصية"[23].
فهذا التعريف ربط الحصانة الدبلوماسية بمفهومه القديم والحديث في آن واحد، فقد تحرر من التقيد بفترة زمنية محددة مما طبع التعريف بسمة التوازن بين المرجعية التاريخية وروح العصر.
والحصانة بمفهومها العام لها جانبان:
الأول: حق يمنح لشخص المبعوث أو سفارته ليحول دون ممارسة الدولة المضيفة أي اعتداء عليها، وهذا الحق يطلق عليه " الحق السلبي " إذ يقوم على عدم ممارسة الدولة المضيفة سلطاتها القضائية أو المالية على المبعوثين الدبلوماسيين.
والثاني: يتمثل في توقيع العقوبات المقدرة قانونا على من اعتدى على المبعوثين الدبلوماسيين أو على السفارة، وهذا الحق يسمى " الحق الإيجابي " وباقي التعريفات التي لم يتم ذكرها تدور على معنى واحد وهو توفير الحماية والحصانة لشخص المبعوث الدبلوماسي حتى لا يتم التعرض له من قبل الأفراد أو سلطات الدولة المضيفة بالأذى بدنيا أو قضائيا أو فرض التزامات ماله وما عليه.[24]
ورغم كل هذه التعاريف والمفاهيم والتي تدور حول معنى واحد كما سبق الذكر لا بد من الإشارة إلى الأساس القانوني المعتمد الذي تنبني عليه