منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
By محمد الغملاس1
#34107
أحداث أيلول هو الاسم الذي يشار به إلى أحداث شهر أيلول من عام 1970، والذي يطلق عليه أفراد الحركات السياسية الفلسطينية اسم "أيلول الأسود". في هذا الشهر تحرك الجيش الأردني بناءاً على تعليمات الملك الراحل الحسين بن طلال ملك الأردن ومستشاريه العسكريين لوضع نهاية لوجود المنظمات الفلسطينية في الأردن. لم تكن العلاقات بين الملك حسين والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر جيدة، الأمر الذي أعطى منظمة التحرير الفلسطينية قوة دافعة داخل الأردن مردها أن قيادة المنظمات الفلسطينية كانت متأكدة من أن الأنظمة العربية المجاورة للأردن سوف تتدخل لمصلحة المنظمات الفلسطينية في حال نشوب أي صراع مع الجيش الأردني.
تعود جذور الصراع إلى بعد عام 1968 أي بعد معركة الكرامة تقريباً, والتي انتصر فيها الجيش الأردني على الجيش الإسرائيلي في الأغوار والذي كان قد عبر نهر الأردن بإتجاه الضفة الشرقية عبر بلدة الكرامة. كانت غاية إسرائيل وهدفها الوحيد والمرسوم بدقة احتلال جبال السلط المطلة على الضفة الغربية وجعلها جولان جديدة.

ما بين منتصف عام 1968 ونهاية عام 1969 كان هنالك أكثر من 500 اشتباك عنيف وقع بين الفصائل الفلسطينية وقوات الأمن الأردنية, وأصبحت أعمال العنف والقتل تتكرر بصورة مستمرة حتى باتت تُعرف عمّان في وسائل الإعلام العربية بهانوي العرب.

زار الملك حسين الرئيس المصري عبدالناصر في فبراير 1970, وبعد عودته أصدر مجلس الوزراء الأردني في 10 فبراير 1970 قراراً بشأن اتخاذ إجراءات تكفل قيام "مجتمع موحد ومنظم"، وكان مما جاء فيه أن ميدان النضال لا يكون مأموناً وسليماً، إلا إذا حماه مجتمع موحد منظم يحكمه القانون، ويسيره النظام. ونص على ما يلي:
كل القوى في الدولة حكومية وشعبية وفردية مدعوة إلى القيام بدورها حسب ما يفرضه القانون وترسمه السلطات المختصة.
حرية المواطن مصونة بأحكام الدستور.
يمنع منعاً باتاً وبأي شكل من الأشكال تأخير أو تعطيل أو منع رجال الأمن العام أو أي مسؤول من أية مؤسسة رسمية من تنفيذ واجباته المشرعة.
يجب على كل مواطن أن يحمل بطاقته الشخصية في جميع الأوقات وأن يعرضها على رجال الأمن إذا طلب منه ذلك.
يمنع إطلاق النار داخل حدود المدن والقرى.
يمنع التجول بالسلاح داخل حدود أمانة العاصمة أو الإحتفاظ به, ويستثنى من ذلك تنظيمات المقاومة الشعبية فقط.
يمنع خزن المتفجرات أو الإحتفاظ بأية مقادير منها داخل حدود أمانة العاصمة أو الأماكن المأهولة، وتعطى مهلة أسبوعين اعتباراً من تاريخ صدور هذا القرار للإبلاغ عن مثل تلك المواد المخزونة وإزالتها، وإبلاغ القيادة العامة للجيش العربي الأردني, وكل من يخالف ذلك يتعرض للعقوبة.
كل سيارة أو مركبة تعمل في المملكة الأردنية الهاشمية يجب أن تحمل الرقم الرسمي المخصص لها من دائرة السير.
تمنع منعاً باتاً جميع المظاهرات والتجمهرات والإجتماعات والندوات غير المشروعة، ولا يسمح بعقد الندوات إلا بإذن مسبق من وزارة الداخلية.
تمنع جميع النشرات والصحف والمجلات والمطبوعات الصادرة خلافاً للأصول المرعية.
النشاطات الحزبية ممنوعة بموجب القانون وتمنع ممارستها بأية صورة من الصور.

بداية التوتر..
حاول الملك حسين التخفيف من حدة التشنج لدى الجيش الأردني الذي قام عدة مرات بالهجوم على قواعد فصائل فلسطينية نتيجة لرد الفعل عن هجمات للمنظمات أوقعت قتلى في صفوف الجيش وذلك بتعيين وزراء مقربين إلى القيادات الفلسطينية, إلا أن ذلك لم يفد. وفي 11 فبراير، وقعت مصادمات بين قوات الأمن الأردنية والمجموعات الفلسطينية في شوارع وسط عمان، مما أدى إلى سقوط 300 قتيل معظمهم مدنيين. وفي محاولته منع خروج دوامة العنف عن السيطرة، قام الملك بالإعلان قائلاً: «نحن كلنا فدائيون»، وأعفى وزير الداخلية من منصبه.إلا أن جهوده باءت بالفشل.
في يونيو(حزيران) قبلت مصر والأردن اتفاقية روجرز والتي نادت بوقف لإطلاق النار في حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، وبالإنسحاب الإسرائيلي من مناطق احتُلت عام 1969، وذلك بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242. رفضت سوريا ومنظمة التحرير والعراق الخطة. وقررت المنظمات الراديكالية في منظمة التحرير الفلسطينية: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش الذي قال إن تحرير فلسطين يبدأ من عمان وبقية العواصم الرجعية، الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين بقيادة نايف حواتمة، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل تقويض نظام الملك حسين بن طلال الموالي للغرب حسب تعريفهم.
لم يتصدى ياسر عرفات للراديكاليين, بل أن بعضهم اتهمه برغبته في السيطرة على الحكم في الأردن. وصرح أبو اياد, وهو الاسم الحركي لصلاح خلف أنه سيتدخل ضد الجيش الأردني إذا تعرضت هذه المنظمات إلى أي ضربة عسكرية من الجيش الأردني بعد أن وصلت حدة التوتر بين الجيش ومنظمة جورج حبش إلى قمتها، الأمر الذي جعل المنظمات الفلسطينية كلها في مواجهة الجيش الأردني.
في 9 يونيو نجا الملك حسين من محاولة فاشلة لإغتياله أثناء مرور موكبه في منطقة صويلح ومحاولة فاشلة أخرى بوسط عمّان حيث قام قناص فلسطيني كان مختبئاً على مئذنة المسجد الحسيني بإطلاق النار على سيارة الملك واستقرت إحدى الرصاصات في ظهر زيد الرفاعي الذي كان يحاول حماية الملك، وقامت مصادمات بين قوات الأمن وقوات المنظمات الفلسطينية ما بين فبراير ويونيو من عام 1970، قتل فيها حوالي 1000 شخص.

اتفاقية السبعة بنود..
ضمن مناطق الجيوب الفلسطينية والمخيمات في الأردن بدأت قوات الأمن الأردنية وقوات الجيش تفقد سلطتها، حيث بدأت قوات منظمة التحرير الفلسطينية النظامية بحمل السلاح بشكل علني، واقامة نقاط تفتيش وجمع الضرائب. خلال مفاوضات نوفمبر عام 1968 تم التوصل إلى اتفاقية بسبعة بنود بين الملك حسين والمنظمات الفلسطينية..

لم تصمد الاتفاقية، وأضحت منظمة التحرير الفلسطينية دولة ضمن الدولة في الأردن, وأصبح رجال الأمن والجيش الحكومي يهاجَمون ويُستهزأ بهم، وما بين منتصف عام 1968 ونهاية عام 1969 كان هنالك أكثر من 500 اشتباك عنيف وقع بين الفصائل الفلسطينية وقوات الأمن الأردنية. وأصبحت أعمال العنف والخطف تتكرر بصورة مستمرة. ادّعى زيد الرفاعي رئيس الديوان الملكي الأردني أن الفدائيين قتلوا جندياً، قطعوا رأسه ولعبوا به كرة القدم في المنطقة التي كان يسكن بها.
كما استمرت منظمة التحرير الفلسطينية بمهاجمة إسرائيل انطلاقاً من الأراضي الأردنية بدون تنسيق مع الجيش الأردني، حيث كانوا يطلقون الأعيرة النارية من أسلحتهم البدائية بإتجاه إسرائيل, مما أدى إلى رد بهجمات انتقامية عنيفة من الجانب الأسرائيلي بالطائرات والصواريخ على المدن الأردنية.

الصدام العسكري ونهاية المنظمات..
تقرر في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية في عمان بضرورة توجيه ضربة استئصالية ضخمة وبقوات متفوقة إلى كل المنظمات الفلسطينية داخل المدن الأردنية, وبدا أن الطريق وصل إلى نقطة اللاعودة. كان الملك حسين يرغب بتوجيه ضربة عسكرية محدودة قد تحصر النشاط العسكري للفصائل داخل المخيمات وتعيد هيبة الدولة, بينما كانت المؤسسة العسكرية تنزع إلى توجية الضربة الإستئصالية القاضية مستخدمة التفوق العسكري لديها, وكان الكثير من القادات العسكرية الأردنية قامت بعمليات هجومية شرسة على الفصائل الإرهابية، وكان يقود هذا الرأي المشير حابس المجالي ومدير المخابرات الأردنية نذير رشيد. يقول محمد داوود الملقب بابو داوود وهو قائد المليشا التابعة للفدائيين في الاردن ان الملك حسين اجابه على سواله عن امكانية تفادي الصراع بين الجانبين فاجاب الملك: لقد كان يدفع الاميركان لنا كل 3 اشهر 3 ملايين دولار بشكل دوري وفي الفترة الاخيرة دفعوا لنا خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة لمرة واحدة وعندما استدعيت السفير الاميركي لأساله عن السبب قال لي ان الولايات المتحدة لاتراهن الا على الحصان الرابح...
بعد عملية خطف الطائرات الأربع الشهيرة والهبوط بها في مطار قديم في المفرق وتفجيرها وحجز 288 رهينة واقتيادهم إلى فندق الأردن كونتيننتال في جبل عمان, أعلن في أيلول من عام 1970 تشكيل حكومة عسكرية برئاسة وصفي التل, وإقالة مشهور حديثة الجازي عن قيادة الجيش وتعيين المشير حابس المجالي قائداً للجيش وحاكماً عسكرياً عاماً, حيث وكّل إلى هذه الحكومة أمر تحرير الرهائن وتصفية وجود الفصائل الفلسطينية العسكري داخل المدن الأردنية, وهذا ما حدث بالفعل فيما بعد، فعلى الرغم من تهديدات الحكومات العربية للأردن, وضغط الشارع العربي بسبب شعارات أحمد سعيد مذيع إذاعة صوت العرب المناهضة للحكم الملكي في الأردن, إلا أن عملية حشد آلاف العربات المصفحة والمجنزرات وتحريك الآلاف من الجنود حول عمان والزرقاء استمرت. أرسل حابس المجالي إلى ياسر عرفات يطلبه للمفاوضات, حيث أرسل مجموعة من الضباط للتفاوض مع المنظمات, فرفض ياسر عرفات مقابلة حابس المجالي وأرسل محمود عباس (الرئيس الفلسطيني الحالي) للتفاوض عن الطرف الفلسطيني، وكان هدف المجالي من هذا التفاوض هو إعطاء الجيش الأردني الوقت الكافي لنصب المدافع في مواقع حساسة واتمام عملية الحشد والتي تمت بالفعل بالإضافة إلى إعطاء صورة بعدم جدية الجيش الأردني بالقيام بأعمال عسكرية, حيث تبين فيما بعد أن تطمينات عربية كانت قد وصلت إلى عرفات تؤكد عدم جدية التحركات العسكرية الأردنية مما أوقع الفصائل في الكمين. وفي المفاوضات طالب محمود عباس إخراج جميع القوات العسكرية الأردنية من عمان واستبدالها بشرطة مسلحة بالعصي فقط! وإسقاط الحكومة العسكرية واستبدالها بمدنية يكون للمنظمات الفلسطينية دور في تشكيلها, ثم يتم التفاوض على باقي النقاط بعد تنفيذ هذه الشروط، أبدى الوفد الأردني رضاه عن هذه الشروط وأنه سيتباحث مع القيادة فيها, وطلب امهاله لليوم التالي حيث سيتم عقد الاتفاق.
وفي يوم التالي بدأ الجيش بتنفيذ الخطة, فبدأت الدبابات والمجنزرات الأردنية بالقصف المدفعي العنيف على مواقع المنظمات الفلسطينية, وبدأت المجنزرات والسكوتات بإقتحام مخيم الوحدات ومخيم البقعة ومخيم سوف ومخيم الزرقاء واجتياح فرق المشاه لشوارع مدن الزرقاء وعمان وإربد حيث حدثت معارك ضارية فيها, وكان لشدة المقاومة في مخيم الوحدات السبب في دفع القوات الأردنية إلى زيادة وتيرة القصف والضغط العسكري الأمر الذي ضاعف الإنتقادات العربية للأردن التي لم يأبه بها أبداً لولا أن كل من سوريا والعراق ولبنان قاموا بطرد اللاجئين الفلسطينيين إلى الحدود ونبذهم عن المجتمعات. فاستسلم أكثر من 7.000 من المسلحين الفلسطينين إلى القوات الأردنية وقتل الآلاف.
وصل بعض الزعماء العرب يرأسهم جعفر نميري رئيس السودان إلى عمان في محاولة إلى وقف القتال وإنقاذ منظمة التحرير, إلا أن أحداً لم يأبه بمحولاتهم, حيث بدا وكأن الجيش قد دهس على رؤوس الفصائل ولم تعد السلطة السياسية في الأردن تسيطر على عمان فقط, بل وكل الأردن تئن تحت رحمة الجيش الأردني. تمكن الباهي الأدغم وزير خارجية تونس من الوصول إلى مخبأ ياسر عرفات في السفارة المصرية في عمان, حيث غادر إلى مصر متنكراً بزي نسائي خليجي، وبالرغم من علم المخابرات الأردنية بهويته إلا أن الملك حسين أمر رجال المخابرات بالسماح له بالمغادرة.

حسابات ما بعد أيلول..
طُردت الفصائل الفلسطينية من الأردن إلى لبنان - راجع حرب لبنان الأهلية - لتشتعل الحرب مجدداً هناك حيث أسس ياسر عرفات ما سمي فيما بعد بــ(جمهورية الفكهاني)وهي منطقة خاضعة للسيطرة الكاملة للمنظمات الفلسطينية داخل بيروت.
أسست فتح منظمة أيلول الأسود والتي كان هدفها الرئيسي هو الإنتقام من جميع الشخصيات التي أفشلت وجودها السياسي في الأردن, فقامت بعدة عمليات على الساحة الأردنية كان أولها محاولة اغتيال زيد الرفاعي في لندن في 15 سبتمبر 1971 كما قامت في 28 نوفمبر 1971 بإغتيال رئيس الوزراء الأردني وصفي التل في القاهرة على يد عزت رباح والذي حملته المنظمة مسؤولية فشلهم في السيطرة على النظام في الأردن, كذلك قامت المنظمة عام 1973 بمحاولة احتجاز أعضاء الحكومة الأردنية ومحاولة فك أسر الخلية التي أرادت إسقاط النظام في الأردن وعلى رأس هذه الخلية محمد داود عودة الملقب بأبو داوود.
فيما يشبه الحرب الأهلية، قُدرت عدد الإصابات بعشرات الآلاف, بينما قدّر أحمد جبريل في مقابلة لقناة الجزيرة عدد القتلى بـ 4000 عن الطرف الفلسطيني, أما عن أعداد القتلى الأردنيين فسجلات الجيش الأردني تؤكد مقتل أكثر من 120 جندي أردني في المعارك بينما أعداد القتلى المدنيين الأردنيين قد يصل إلى 1300 قتيل.