منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#34164
قراءة في كتاب(تطور الفكر السياسي: رواده ،اتجاهاته ،اشكالياته)عرض: أ.د. ابراهيم خليل العلاف


قراءة في كتاب( تطور الفكر السياسي: رواده، اتجاهاته، اشكالياته )
المؤلف: الدكتور احمد محمد الاصبحي
الناشر:دار البشير (عمان، 2000)
عرض :أ.د.ابراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الاقليمية –جامعة الموصل
احمد محمد الاصبحي، سياسي من الجمهورية العربية اليمنية. ولد سنة 1947 وشغل مناصب عديدة منها عضوية المجلس الاستشاري. كما عين وزيرا للصحة وللتربية والتعليم وللخارجية. وقد سبق له أن عمل رئيساً لجامعة صنعاء وهو أمين سر اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام. له مؤلفات عديدة منها (أوراق في المشروع العربي) و (اطلالة على البحر الأحمر والصراع اليمني – الأرتيري)، و (اليمن وتجديد الدور التاريخي) و (تطور الفكر السياسي في اليمن).
كتابه الذي نقدمه للقارئ، يمزج فيه بين دراساته النظرية وتجاربه في الحقل السياسي ومن هنا تأتي أهميته، فالرجل يعد من قادة العمل القومي العربي كما انه شارك في عملية صنع القرار السياسي في بلاده. وقد قدم الاصبحي قراءة تحليلية ونقدية شاملة ومتكافئة ليس للفكر السياسي واتجاهاته وحسب، بل والى رواده كذلك، والكتاب جزء من مشروع كبير بدأ بتنفيذه الاصبحي ويستهدف جرد تطور الفكر السياسي العربي والاسلامي والغربي على حد سواء..
يتألف الكتاب من جزئين مندمجين ببعضهما البعض ويقعان في قرابة 1200 صفحة من القطع الكبير يتناول الجزء الأول الفكر السياسي ورواده واشكالاته. أما الجزء الثاني فيقف عند (الفكر السياسي العربي الحديث والمعاصر).
والذي يهمنا هو الجزء الثاني المتعلق بالفكر السياسي العربي الحديث والمعاصر ويشكل هذا الجزء الباب الرابع من مشروع الاصبحي المشار إليه آنفاً ويتألف هذا الباب من ثلاثة فصول هي على التوالي: الحركات الإسلامية السلفية ورواد الفكر السياسي العربي الحديث والمعاصر ومشروع النهوض القومي. ففي الفصل المتعلق بالحركات الاسلامية السلفية يقف عند الوهابية والشوكانية والسنوسية والمهدية، ومع عرض لسيرة وفكر اثنين من رواد هذه الحركات وهما (رفاعة رافع الطهطاوي) و (خير الدين التونسي).
اما الفصل الثاني فيتناول فكر جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدة ومحمد رشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي وعبد الحميد بن باريس وشبكي شميل واديب اسحق وساطع الحصري وحسن البنا وقسطنطين زريق. وفي الفصل الثالث، نجد الاصبحي يلاحق مشروعين مهمين من مشاريع النهوض القومي اولاهما مشروع الثورة العربية الكبرى والشريف الحسين بن علي وثانيهما مشروع جمال عبد الناصر..
يتوسع الاصبحي في اشكالية مهمة من الاشكاليات التي تعترض الفكر السياسي العربي المعاصر وهي (مسألة العلاقة بين (الدولة) و (الأمة)، ونراه يقول بأن هذه الاشكالية قديمة ترجع الى الفترة التي تحولت فيها الخلافة من خلافة شورية الى خلافة وراثية اساسها التغلب والعصبية، وقد ظلت هذه الاشكالية قائمة في العهود اللاحقة.
ومع نهاية القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) عندما اغلق باب الاجتهاد عند قطاعات معينة من المسلمين تعرض الفقه السياسي لشئ من الجمود وذهب يقارب بين كيفية الحكم ونظمه وبين الحاكم من يكون؟
ومن أي قبيلة أو فصيل أو طائفة أو مجلة.. واهدرت جهود وطاقات فكرية هائلة خاصة عندما قامت المجادلات الحامية التي غذت الصراعات بدل ان تنصرف لتطوير الأمة في شأنها السياسي الذي كان ينبغي ان يركز فيه على فلسفة السلطة في اصولها وقواعدها، وتنظيماتها وآلياتها بشكل موضوعي، تجتمع عليه مختلف قوى الأمة في معيارية سياسية واضحة يمكن الحكم من خلالها على مدى صلاحية من يتولى القيادة على أساس الكفاءة والجدارة بمعيار الإسلام.
لذلك كله لم تتمكن الدول من تحقيق الاندماج العضوي بالأمة ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل جرت عملية استئثار بالسلطة وكان على علماء الأمة ومفكريها عندئذ ان يتمسكوا بالمثل والمبادئ فحدثت الفجوة بين الفكر والسياسة وسرعان ماأخذ هذا الشرخ يزداد بمرور الوقت وهذا مانلاحظه اليوم من وجود التناقض الحاد بين السلطة من جهة والمثقفين من جهة اخرى. ولم يمنع التناقض من ظهور مثقفين ارتبطوا عضوياً بالسلطة وعبروا عن مواقفها وبرروا اعمالها وقد اطلق المرحوم الدكتور على الوردي، عالم الاجتماع العراقي المعروف على اولئك اسم (وعاظ السلاطين).
لقد ابتدأت هذه الاشكالية تتبلور ايام الدولة العثمانية ومالبثت الدول التي تأسست بعد الحرب العالمية الاولى وخاصة في المشرق العربي ان توارثت هذه الاشكالية وبدلا من ان يبذل دعاة الفكر السياسي العربي جهودهم لحل هذه الاشكالية فانهم وقعوا اسيري اشكاليات اخرى يتعلق معظمها بقيم الحرية وحقوق الانسان وبدلا من ان يكرسوا انفسهم لمعالجة حالة التناقض المصطنع بين السلطة والجمهور فانهم فشلوا في جمع العرب حول مشروع نهوضي واحد أو صيغة اتحادية كالتي اقدم عليها الأوربيون فيما بعد. ومع ان الدكتور الاصبحي لم يركز على هذه الاشكاليات ومر بها مرور الكرام ونحا في كتابه منحى تقريري، الا ان القارئ الحصين يستطيع ببساطة من خلال قراءته الكتاب بامعان ان يصل الى النتيجة ذاتها التي اشرنا اليها وابرز مافيها ان الانسان العربي لايزال مثقلا بهموم أمنه ومعيشته واختلال علاقات دوله ومجتمعاته ومنظماته وقصوره في تلبية متطلبات الحرية وحقوق الانسان والتنمية المستديمة الفاعلة.
* منشور في نشرة( قراءات استراتيجية) التي يصدرها مركز الدراسات الاقليمية بجامعة الموصل (مايس –ايار 2008 )