لقد اتسعت دائرة العنف والإرهاب في الآونة الأخيرة لتشمل دولاً كثيرة في معظم أنحاء العالم متجاوزة في ذلك ليس فقط الجرائم في دول محددة بل الجرائم ذات الطابع الدولي، وهو ما يضر بالنظام الدولي العام وبمصالح الشعوب والمواطنين، وأمن وسلام العالم وكذلك حقوق وحريات المواطنين والأفراد الأساسية في مختلف بقاع المعمورة.
لقد حاول أساتذة القانون والعلوم السياسية عبر العقود الأخيرة لهذا القرن تحليل ظاهرة العنف والإرهاب، إلا أنهم لم يتوصلوا إلى حل نهائي لتحديد مفهوم الإرهاب بشكل منطقي وعقلاني، والسبب في ذلك اختلاف أيديولوجية كل طرف عن الآخر.
وعلى سبيل المثال نرى وفقاً لما ورد في المعجم القانوني لمؤلفه "بلاك" أن الرهبة تعرف على أنها ذعر أو رعب أو فزع أو حالة ذهنية تسببها الخشية من ضرر جراء حادث أو مظهر معاد أو متوعد، أو هي خوف يسببه ظهور خطر.
وعنف الترهيب يمكن أن يرتكب إما لأسباب عادية أو لأسباب سياسية. ويمكن أن ترتكب أفعال عنف الترهيب من قبل فرد أو مجموعة أفراد تشكل عصابة أو جمعية أو منظمة وكذلك يمكن أن تقترف من قبل دولة من الدول أيضاً ويطلق على هذا الشكل "إرهاب الدولة" أو إرهاب تسانده الدولة أو إرهاب ترعاه الدولة.
أستاذ القانون الدولي
أما المؤلف "أرنولد" فيعتبر تعريف الإرهاب على أنه ظاهرة وصفها أسهل من تعريفها والمؤلف "شميد"، اعتبر الإرهاب على أنه أسلوب من أساليب الصراع الذي تقع فيه الضحايا الجزافية أو الرمزية كهدف عنف فعال... الخ".
وأخيراً يقدم لنا "بسيوني" تعريفاً حديثاً حيث يقول: "الإرهاب هو استراتيجية عنف محرم دولياً تحفزها بواعث عقائدية (أيديولوجية) أو تتوخى إحداث عنف مرعب داخل شريحة خاصة من مجتمع معين لتحقيق الوصول إلى السلطة أو للقيام برعاية لمطلب أو لمظلمة بغض النظر عما إذا كان مقترفو العنف يعملون من أجل أنفسهم ونيابة عنها أم نيابة عن دولة من الدول".
وبطريقة مشابهة يعتقد "بروس بالمر" بأن الإرهاب "قابل للتعريف فيما إذا كانت الأعمال التي يضمها معناه يجري تعدادها وتعريفها بصورة دقيقة وبطريقة موضوعية دون تمييز فيما يتعلق بالفاعل، مثل الأفراد، وأعضاء الجماعات السياسية، وعملاء دولة من الدول... الخ".
ويقترح "بالمر" مشروع تقنين بشأن الإرهاب كما يقترح طرقاً ووسائل بهدف مكافحته"، ومما يجدر ملاحظته أن "بالمر" وهو في هذا على صواب، يربط بين التطبيق القديم لعقوبة الإرهاب وبين وجود محكمة جنائية دولية والتي كما اقترحها آخرون من رجال القانون، تتألف من قضاة محايدين ينتخبون دولياً لمعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية ومن ضمنها الإرهاب.
ويمكن القول أن غياب الاتفاق الدولي على الحد الأدنى، وقف حائلاً حتى الآن دون تبني تعريف مقبول لمصطلح الإرهاب... وكان هذا هو الحال فيما يتعلق بتعريف ظاهرة العدوان، لكن تم وضع هذا التعريف فقط في عام 1974.
وتكمن المشكلة الرئيسة في تعريف الإرهاب بدرجة معينة من الوضوح والدقة في أنه، كما يشير إلى ذلك "لبليش" كان حتى الآن "جملة من الأفعال التي حرمتها القوانين الوطنية لمعظم الدول، إضافة إلى أفعال معينة جرمتها اتفاقيات دولية على وجه التخصيص".
وهكذا، وخلافاً لما هو عليه الحال بالنسبة لعدد متزايد من القوانين الوطنية حيث يعتبر الإرهاب جريمة بحد ذاته، فإن الحال ليس كذلك في القانون الدولي حيث يبدو الإرهاب مجرد تسمية أو خطة ينضوي تحتها عدد من الجرائم المعرفة تماماً.
فكما هو معروف فإن اتفاقية منع ومعاقبة الإرهاب لعام 1937، الموقعة تحت رعاية عصبة الأمم كانت أول محاولة لتقنين الإرهاب على الساحة الدولية. لكن لم يكتب لها النجاح ولم تصبح نافذة المفعول نتيجة لعدم تصديقها إلا من قبل دولة واحدة فقط.
كما أن تلك الاتفاقية بما فيها من مزايا ومثالب، لم يتم أحياؤها أو المناداة بها من قبل أية دولة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة عام 1945.
لكن بعد تأسيس هيئة الأمم المتحدة، اتخذت الجمعية العامة كثيراً من القرارات المتعلقة في موضوع الإرهاب الدولي وكذلك تم التوقيع على اتفاقيات دولية قائمة متعلقة بمختلف جوانب مشكلة الإرهاب الدولي ومن بينها الاتفاقية المتعلقة بالجرائم وبعض الأعمال الأخرى المرتكبة على متن الطائرات الموقعة في طوكيو في 14 أيلول 1963... الخ. وجميع هذه الاتفاقيات والقرارات تشجب جميع الأعمال الإرهابية بما فيها الأعمال التي تتورط الدول في ارتكابها بشكل مباشر أو غير مباشر، والتي تشيع العنف والإرهاب، وقد تودي بالأرواح البشرية وتسبب أضراراً مادية تهدد سير العمل الطبيعي للعلاقات الدولية.
إذن فالإرهاب هو استخدام طرق عنيفة كوسيلة الهدف منها نشر الرعب للإجبار على اتخاذ موقف معين أو الامتناع عن موقف معين.
ومن هذا التعريف يتضح لنا أن ملامح جريمة الإرهاب تختلف عن غيرها من الجرائم:
1- إن الإرهاب هو وسيلة وليس غاية.
2- إن الوسائل المستخدمة عديدة ومتنوعة وتتميز بطابع العنف وتخلق حالة من الفزع والخوف.
3- الحديث عن جريمة الإرهاب لا يثار إلا إذا كان هناك مشكلة سياسية أو موقف معين، أو في قول آخر، فريقان مختلفان، وغالباً ما تكون هناك أسباب سياسية لهذه الجرائم.
4- عدم مراعاة حقوق الأقليات، عدم مراعاة حق الشعوب في تقرير مصيرها.
5- عدم احترام حقوق الإنسان.
إن جريمة الإرهاب تختلف اختلافاً جوهرياً عن جريمة العدوان في أن الأخيرة تقع ضد سلامة الأراضي والاستقلال السياسي من الدول، وأطرافها فقط دول بينما الإرهاب هو جريمة تقع ضد سلامة الأشخاص وحقوقهم وحرياتهم الأساسية وأطرافها لا يكونون إلا أفراداً أو جماعات ومنفذوها لا يكونون إلا أفراداً.
وأخيراً آن الأوان لعقد مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة لمعالجة مشكلة الإرهاب الدولي، وتوسيع الكفاح ضد الإرهاب بوضع تعريف للإرهاب الدولي متفق عليه من معظم دول العالم وفقاً لأهداف ومبادئ الميثاق ولإعلان مبادئ القانون الدولي، واتخاذ قرارات فعالة وحاسمة من أجل القضاء نهائياً وبسرعة على الإرهاب الدولي من خلال إبرام اتفاقية دولية متعددة الأطراف.