By نايف صالح الطليحي 1 - الثلاثاء إبريل 19, 2011 6:06 pm
- الثلاثاء إبريل 19, 2011 6:06 pm
#34191
لثورة البلشفية والأفكار الماركسية " الشيوعية "
بما ان الموضوع يحتاج الى شرح كبير فقد اضطررت الى وضعه على شكل ثلاث رمشاركاتوانمتى من الجميع الصبر واعتذر مسبقا للاطالة :
الثورة البلشفية ـ روسيا عام 1917
تعد الثورة البلشفية فى روسيا القيصرية هى التطبيق العملى لأفكار وكتابات المفكر " كارل ماركس " ومساعده
" فريدريك أنجلز "
وهى الفكر الشيوعى الذى بدأه ماركس وأسسه بكتابه البالغ الشهرة " رأس المال "
وتقوم الفكرة الأساسية للشيوعية على حكم الطبقة العاملة والمسماه فى هذا الفكر
" بروليتاريا " لمحاربة الطبقية وتحكم رأس المال الخاص فى الحياة الاقتصادية
بمعنى عدم جواز تحكم أى فرد وأى مؤسسة يملكها أفراد فى أى منحى من مناحى الحياة الاقتصادية ..
وعليه تكون الدولة هى المالكة لكل وسائل الانتاج دون استثناء
ولا يسمح للأشخاص بتملك أى معدة أو أداة تدر انتاجا .. ويسمح فقط بملكية الأفراد لما هو رهن باستخداهم الشخصي لمنع الاستغلال الرأسمالى كما يري هذا الفكر
وعليه
كان من الطبيعى طبقا لما توقعه وخططه كارل ماركس أن تكون الثورة الشيوعية فى بلد صناعى من الدرجة الأولى تتوافر فيه طبقة البروليتاريا " طبقة العمال "
وكان ظنه يتجه فى ذلك الوقت الى الملكة المتحدة " بريطانيا " أو الى " ألمانيا "
واستبعد تماما فكرة قيامها فى بلد زراعى كروسيا
البداية
مع قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914 م ..
ودخول الامبراطورية القيصرية فى روسيا الى الحرب مما أثر سلبا على وضع المواطنين لا سيما العمال
بدأت أفكار ماركس تتسرب وتتحول تدريجيا الى ثورة منظمة على رأسها اثنان من من المناهضين للحكم القيصري وهما
فلاديمير أوليانوف وهو المعروف فيما بعد باسم " لينين "
جوزيف فيسرافيتش .. وهو المعروف فيما بعد باسم " ستالين "
وتحت تأثير الضغط هرب الاثنان من الجحيم الروسي الى ألمانيا واستعانا فى الهرب بالأسماء المستعارة لينين وستالين ليواصلا هناك المد الثورى ويستغلا بشدة تضجر الشعب الروسي بأكمله من الحرب العالمية التى كلفت الروس كثيرا دون مصلحه يراها الشعب داعية لتلك الحرب
وبدأت المعونات تتدفق عليهما وعلى الثورة من الحكومة الألمانية التى كان من مصلحتها العليا بالطبع تدعيم الثورة على النظام الروسي لصالح الثوار الذين اكتسبوا شعبيتهم الطاغية من مجرد اعلانهم أنهم ضد الحرب وعزمهم على الانسحاب منها فور أن تستتب الأمور لهما
ولأن الأمر برمته أصبح مدعاة لقلب الموازين الحربية
فقد تدخل جهاز المخابرات الألمانى بكل ثقله ليساعد الثوار عن طريق عنصرين هامين
الأول
تدعيم وتوصيل نداءات وبيانات الثورة للشعب الروسي على النحو الذى أدى لانسحاب فرق بأكملها وكتائب روسية تركت مواقعها على الجبهة استجابة واقتناعا وتمردا على القيصر
والثانى
كان قام جهاز المخابرات الألمانى بتنفيذ عملية من أشهر عملياته عرفت باسم " عملية القطار الحديدى "
عملية القطار الحديدى
كان التفكير منحصرا فى جهاز المخابرات الألمانى على الوسيلة المثلي لاعادة لينين وستالين الى روسيا بعد أن بلغت شعبيتهما حدا مناسبا لتتبع الشعب لهما
وبالتدريج .. انهار النظام الروسي القيصري فعليا أمام الجموع الهادرة وتم الاعداد لعودة لينين وستالين الى روسيا بقطار ينقلهما من ألمانيا الى وطنهما
وفى وسط تلك الأجواء ..
علمت المخابرات البريطانية بأمر عملية القطار الحديدى وأيقنت أن حليفتها روسيا القيصرية بصدد الخروج المحتم من الحرب لو وصل الثوار الى السلطة لا سيما اذا نجحت عملية اعادة القادة الى روسيا
وتفتق ذهن المخابرات البريطانية عن طريقة جديدة تمكنها من استشراق الأمور عن قرب ومعرفة موعد عملية القطار الحديدى لتعطيلها
فأرسل رجال المخابرات البريطانية الى الكاتب والمفكر البريطانى الأشهر " سومرست موم "
أحد أعلام الأدب فى أوربا وطلبت تعاونه بالسفر الى ألمانيا وتحرى الأمر بعد تدريبه على أعمال التخابر لسري بصفة عاجلة
وكان دافع الأمر للاستعانة بموم هو استحالة تطرق الشك الى شخصيته باعتباره علما معروفا فى سائر أوربا مما يسهل مهمته الى أقصي حد وعلى نحو لا يتوافر لضابط مخابرات محترف معرض لكشف أمره أمام جهاز المخابرات الألمانى اليقظ
وسافر " سومرست موم " الى ألمانيا وأدى مهمته بنجاح مطلق غير أن نجاح مهمته لم يمنع نجاح عملية القطار الحديدى
فقد جلب موم كل المعلومات الخاصة بالعملية ووضح الأمر أمام البريطانيين أن عملية القطار الحديدى اكتملت تماما وتنتظر التنفيذ خلال فترة بسيطة للغاية وكان هذا يعنى تأخر التدخل البريطانى بطبيعه الحال
وعاد القادة لينين وستالين الى روسيا لتنفجر الثورة البلشفية ويستولى الشيوعيون على السلطة ويتأسس الاتحاد السوفياتى على ثورة حمراء قضت على كل رموز الحكم القيصري بالقتل الجماعى
العداء التاريخى بين روسيا والولايات المتحدة
يخطى من يظن أن العداء المستحكم بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الاتحاد السوفياتى بدأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية وصعود كليهما الى سدة القوى العظمى بعد انهيار الامبراطوريات القديمة
فالعداء بدأ مع بدايات الثورة البلشفية
فعندما وصل الثوار الى الحكم وانسحبوا قبيل نهاية الحرب العالمية الأولى من جبهة الحلفاء
أصاب الغيظ والجنون بقية الحلفاء بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة
وعلى الرغم من أن الانسحاب لم يؤثر سلبا على النتيجة التى حسمت بالفعل لصالح الحلفاء
الا أن الرئيس الأمريكى وقتها " وودر ويلسون " أصيب بنوبة حماقة مفاجأة ..
وأرسل عددا من قواته لتتولى ابطال الثورة الحمراء بروسيا
وفشل التدخل الأمريكى وانتهى أمره
لكن لم ينته أثره
وبقيت الصفحة الأمريكية سوداء لدى الثورة البلشفية وقوادها حتى مع تحالف الحرب العالمية الثانية
المد الشيوعى
مع سياسة تقسيم النفوذ العالمى بين القوتين الأعظم فى العالم
برز الصراع بين القطبين صراعا باردا بطبيعه الحال ونتائج السلاح النووى الذى حكم حكما نهائيا بعدم تجدد القتال المباشر بين القوى العظمى
وبالتالى أصبح الصراع قائما على مناطق النفوذ فى دول العالم عبر أقطاره الست
كما أن الصراع لم يكن صراع أسلحه ..
بل اختلف مع مقاييس العالم الجديد وفكره البازغ
فأصبح صراع عقائد بين الرأسمالية والشيوعية
وانطلقت الرأسمالية الأمريكية تغزو أوربا الغربية ومعها حلف الأطلنطى
وانطلقت الشيوعية الروسية تغزو أسيا وأوربا الشرقية ومعها حلف وارسو
اصافة الى عدة أحلاف فى عدة مناطق ساخنه من العالم الثالث مقسمة بين الجانبين
وتركز الصراع الحقيقي بين الجانبين على منطقة الشرق الأوسط وبالذات فى العالم العربي .
وفى البلاد التى شهدت ثورات على نظم الحكم وكانت بدايتها
مصر ثم سوريا ثم العراق ثم ليبيا والجزائر واليمن
ظهرت الأحزاب الشيوعية العربية المؤثرة فى ذلك الوقت واستقطبت الكثير من شباب المفكرين الحالمين بالجنة الشيوعية كما بشرهم بها أصحابها
وكان أشهرها الحزب الشيوعى المصري والذى تم ضرب نفوذه وتحجيم حركته من النظام السياسي المصري بقيادة جمال عبد الناصر بالرغم من صداقته الوطيدة للاتحاد السوفياتى وميوله الاشتراكية المستقاه من الفكر الماركسي فى ذلك الوقت
وكان داعى التناقض أمر طبيعى ..
وهو مشاركة جمال عبد الناصر لرفيقيه " جواهر لال نهرو " زعيم الهند الشهير و " جوزيب بروز تيتو " زعيم ومؤسس يوغسلافيا فى تأسيس حركة عدم الانحياز بغرض البعد بقدر معقول عن النفوذ المطلق للقوتين الأعظم فى العالم حتى وان كان هناك تقارب سياسي بين الدول النامية الثورية وبين الاتحاد السوفياتى
وكان السلوك المصري فى ذلك الوقت مدعاة غضب عنيف من الزعيم السوفياتى " نيكيتا خروشوف " الذى خلف ستالين على مقعد زعامة الاتحاد السوفياتى
وكان هناك أيضا الحزب الشيوعى السورى ... برياسة " خالد بكداش" والذى ظهر كأقوى الحزاب الشيوعية أثرا فى العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط بعد الضربات التى تلقتها الحركة الشيوعية المصرية
ومع عام 1958 م ..
ومع الوحدة السياسية التى تمت بين مصر وسوريا واشتراط جمال عبد الناصر على حل جميع الأحزاب بسوريا قبل اتمام الوحدة
رفض خالد بكداش الشرط المصري ولم يحل حزبه وغادر سوريا نهائيا ومارس نشاطه من الخارج خاصة مع نفوذه المهيب فى دوائر الحكم السوفياتى بقصر الكريميلين
واستمر الحال فى شد وجذب حتى انهارت الحركة الشيوعية العربية بانهيارها بمصر عقب للتوجه السياسي الجديد للرئيس المصري أنور السادات
المد الشيوعى فى بقية أنحاء العالم
مع بداية المد الشيوعى ..
انطلقت المبادئ الماركسية مبشرة بأحلام الطبقات المطحونة وحكم البروليتاريا " الطبقة العمالية "
وازداد المد سخونه مع تفجر الصراع المذهبي الذى كان ينسق للحرب الباردة بين الرأسمالية الأمريكية والشيوعية السوفياتية
وانتشرت الشيوعية مبدئيا فى الصين ثم فى بقية دول شرق آسيا حيث النفوذ الحقيقي للاتحاد السوفيتى ككمبوديا وفيتنام وغيرها
اضافة الى دول أوربا الشرقية وعلى رأسها ألمانيا الشرقية الخاضعه للسيطرة الروسية وفق لاتفاق " يالطا " الذى شهد تقسيم مناطق النفوذ بين الحلفاء الكبار عقب النصر
وبولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا
فى مواجهة الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية وبقية دول أوربا الغربية
وبهذا أصبحت آسيا محمية سوفيتية وأمريكا بشقيها محمية أمريكية وتقاسم الطرفان أوربا ..
اضافة الى بعض الاستثناءات فى كلا منطقتى النفوذ
حيث تمكنت أمريكا من اخضاع ايران لسيطرتها عبر حاكمها محمد رضا بهلوى والذى قام بدور شرطى الحراسة .. وبالمثل تمكنت السيطرة السوفياتية من مساندة بعض دول أمريكا الجنوبية وأشهرها فى ذلك الوقت " كوبا " بقيادة
" فيدل كاسترو "
وبهذا تحقق التعادل النسبي بين القوتين
ولم يأت الصراع ساخنا وعالى الصوت الا فى البؤرة الساخنه دوما من العالم حيث العالم العربي
فقد تقدمت الولايات المتحدة سريعا لترث الامبرطورية البريطانية فى الخليج حيث منابع النفط
وتقدم الاتحاد السوفياتى بنفس السرعه للسيطرة على حركات التحرر التى بدأت بثورة 23 يوليو بمصر لميل الأنظمة الثورية الى الاتحاد السوفياتى نظرا للانحياز الكامل من الولايات المتحدة لاسرائيل
وبعد أن تمكن " ستالين " الذى خلف " لينين " على مقعد الرياسة بالاتحاد السوفياتى وتقدم مصرا على الحصول على السر النووى ونجح بالفعل فى بداية الخمسينات عبر قضية شهيرة عرفت فى الأوساط الأمريكية باسم " قضية روزنبرغ " وهو العالم الأمريكى الملحق بهيئة الطاقة الأمريكية والذى قام مع زوجته بنقل أسرار القنبلة الذرية للاتحاد السوفياتى لتتساوى القوتين الأعظم فى درجة التسليح ويصبح الصراع الحربي المباشر بينهما أمرا مستحيلا
وعقب أربعين عاما من السيطرة قضاها ستالين رجلا أول للاتحاد السوفياتى توفي ليخلفه
" نيكيتا خروشوف"
وكان تولى خروشوف امتدادا لقوة الاتحاد السوفياتى ومكانته عبر العالم غير أن هناك حادثتين جديرتين بالاهتمام .. يعدها المحللون أول مسمار فى نعش الشيوعية وحدثت كلاهما فى بداية تولى خروشوف مقعد الرياسة .. وهما
_ ازدياد هوة الخلاف بين الاتحاد السوفياتى وبين الصين حول تطبيق المبادئ الشيوعية وكان هذا الصراع بلا شك خادما للسياسة الأمريكية لأن الصين فى ذلك الوقت بعد ثورة ماو ـ تسي ـ تونج الزعيم الفلته للصين أصبحت قوة عظمى دون أدنى شك ومن المفترض أن يصب هذا كله فى مصلحة الشيوعية غير أن الخلاف على التطبيق كان داعى ضعف لا مصدر قوة
_ الخطاب الأشهر لخروشوف أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعى والذى فضح فيه خروشوف دموية سلفه ستالين ومدى الجرائم التى ارتكبها فى حق الشعب بسياسة القمع الرهيب على يد أركان نظامه وأشهرهم " الكلونيل " بيريا " وزير داخلية ستالين
فهذا الخطاب الفاضح للقمع الشيوعى ولو أنه كان سريا الا أن المخابرات المركزية الأمريكية تمكنت من تسجيله ونشرته على نطاق واسع كأسلوب لهدم الشيوعية من داخلها
وعلى الرغم من ذلك ..
فقد قام خروشوف بدوره فى بناء الدولة السوفياتية وتدعيم سيطرتها وكان عهده عهد قوة لا سيما وأنه الزعيم السوفياتى الذى تمكن من اكتساب قوى الثورة العربية الى جواره فى مصر وسوريا ليصبح الاتحاد السوفياتى متحدثا باسم الحقوق العربية
وذلك فى وسط أجواء ساخنه للغاية من الحرب الباردة
ويعد خروشوف أيضا هو الرئيس الأخير للاتحاد السوفياتى الذى شهد عهده بزوغ القوة السوفياتية وتراجعت الولايات المتحدة سياسيا أمامه فبنهاية عهد خروشوف فى منتصف الستينات اهتزت السيطرة والمقدرة السوفياتية الهائلة التى قامت مع قيام الدولة على يد لينين ثم ستالين ثم خروشوف
على النحو الذى سنراه الآن
بداية الانهيار
جاء خروشوف لرياسة الوزارة فى الاتحاد السوفياتى مقابلا لرياسة " دوايت أيزنهاور " فى الولايات المتحدة الأمريكية وكان خروشوف كما سبق القول صاحب سياسة الهيبة للاتحاد السوفياتى وشهدت آخر سنة من حكم الرئيس الأمريكى أيزنهاور احدة المواقف التى لا تنسي فى الصراع البارد وهو قضية طائرة التجسس التى أسقطها السوفيات وكانت تبع الاستطلاع الأمريكى وتم أسر الطيار حيا ليعترض خروشوف وتنفجر الأزمة مدوية بين القطبين
وأعلن خروشوف رفضه الكامل للتعامل مع أيزنهاور الذى قاربت ولايته على الانتهاء
وبالفعل خرج أيزنهاور من البيت الأبيض ليأتى اليه " جون فيتزجيرالد كيندى " أحب الرؤساء الأمريكيين اليهم وكان شابا ممتلئا بالحيوية واختار ادارته من عيون رجال السياسة والصحافة والاعلام
وبدا للجميع أن السلام العالمى من الممكن تحقيقة بين القوتين العظميين لا سيما مع اللقاء التاريخى بين الزعيمين " كيندى وخروشوف " فى مقر احجدى السفارات الأمريكية بأوربا "
الا أن حقائق القوة كان لها رأى آخر
فمن الجهة الأمريكية جاء كيندى الى البيت الأبيض ليجد فى انتظاره خطة للتدخل العسكرى المباشر فى كوبا عرفت باسم " خطة خليج الخنازير " وذلك لردع الزعيم الكوبي " فيدل كاسترو " الذى كان بمساندة السوفيات يمثل صداعا دائما فى رأس السياسة الأمريكية
ولم يجد كنيدى ميلا لاستخدام التدخل العسكرى على هذا النحو
الا أنه تحت الضغوط استجاب وتمت العملية لتفشل فشلا ذريعا وينتصر كاسترو بمعاونة السوفيات فى أول مواجهة .. الا أن المواجهة الثنائية بين القطبين لم تنته بفشل التدخل الأمريكى بعد أن كشفت تقارير الولايات المتحدة وجود مساندة نووية سوفيتية لكوبا تحسبا لما يحدث هناك
وكانت تلك أولى المواجهات وآخرها فى الواقع ..
فعلى الجانب السوفياتى سقط خروشوف بتدبير من زملائه أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعى والذين قرروا تنحية خروشوف عن منصبه فى أثناء قضائه اجازة راحه على البحر
وذلك بعد أن تنبه الى مخطط كيندى المتمثل فى جر الاتحاد السوفياتى لسباق تسلح يأخذ كل اهتماماته واقتصاده وبالتالى يسقط تلقائيا
فقرر خروشوف تخفيض مبالغ التسليح الطائلة والاكتفاء بالترسانة النووية الهائلة التى تكفي لتدمير العالم عدة مرات .. لأنها تكفي وزيادة فما الداعى لكل نفقات التسليح المدمرة للاقتصاد طالما أن القدرة النووية تمثل الحاجة والردع بما يزيد عن الحاجة
لكن القيادة العسكرية لم تكن تقبل مثل هذا المنطق واتحدت الرؤي بينها وبين أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعى لتجتمع اجتماعها الشهير الذى أطاحت فيه بخروشوف من جميع مناصبه
وأتى خروشوف للاجتماع المدبر وهو يشعر بما سيحدث مسبقا ليصبح أول رئيس سوفياتى تنتهى ولايته بدون موته .. وبسقوط خروشوف جاء الى الاتحاد السوفياتى قيادة ثلاثية وليس رجلا منفردا
وهم
ليونيد بريجنيف ـ أليكسي كوسيجين ـ نيكولاى بادجورنى
لتستمر سياسة الأولوية للتسليح وتمضي فى خطاها على النسق الذى خططه الأمريكيون والغريب أن الهيبة التى كان يملكها خروشوف للاتحاد السوفياتى لم تتحقق للقيادة الجديدة على الرغم من سابق آرائها التى كانت ضد سياسة خروشوف فى الاحتفاظ بالهيبة مستندة الى ما تحقق فعليا بالقوة
والالتفات للتنمية الاقتصادية والزراعية
وبتصاريف القدر .. سقط كيندى بالاغتيال الغامض على يد أحد الشباب الأمريكى يدعى " لى أوزوالد "
ليأتى النائب " ليندون جونسون " الشخصية المكروهه فى الأوساط الأمريكية بالمصادفة رئيسا للولايات المتحدة ليهدد السلام العالمى كله على اثر سياساته الحمقاء فى فيتنام التى تورط فيها الجيش الأمريكى بشكل لم يسبق له مثيل وأيضا بسياسة التخطيط والتواطؤ الكامل فى أزمات ومعارك الشرق الأوسط أثناء حرب يونيو 1967 م .. غير عابئ بالقيادة السوفياتية العقيمة التى كانت تتحسب بشدة لخطواتها بينما الولايات المتحدة تتصرف بجرأة بلغت حد التهور
وركزت القيادة السوفياتية الجديدة اهتمامتها فى زيادة التسلح والسباق النووى كما لو أنها تنفذ الخطة الأمريكية تماما ..
وشيئا فشيئا وبمضي السنوات شاخت قيادة بريجنيف على القمة فى الاتحاد السوفياتى وتزايد عمق الخلافات بين السياستين السوفيتية والصينية والتى يكفي للتدليل عليها
ذلك الحوار الذى جرى بين ماوتسي تونج وخروشوف حيث قال الأخير للأول
" نحن بحاجة الى فك الخلافات المذهبية "
فقال له ماو ..
" نحن بحاجة الى ألف عام لحل تلك الخلافات "
فاندهش خروشوف وقال له
" لكننا من الممكن أن نخفض المدة بمزيد من الجهد "
فقال ماو
" من الممكن بأقصي جهد أن نحل الخلافات فى 900 عام
النهاية ..
تسارعت السنوات والحوادث وشاخ بريجنيف بحكم السن والمرض وطال انتظار موته فى الاتحاد السوفياتى زهاء عشرين عاما حتى نهاية الثمانينيات
فى الوقت نفسه تعاقب على البيت الأبيض قيادات مختلفة وفت العهد لخطة جون كيندى القاضية بجذب القيادة السوفياتية لسباق تسلح بلا نهاية مما يؤدى لانهيار اقتصادى لا شك فيه
ومع القمع وعدم وجود محاسبات ديمقراطية للسلطة
استمر الروتين السوفياتى فى محاولة اللهاث الأعمى للتسليح الفوق عادى ..
وعلى العكس من هذا ..
كانت القيادات الأمريكية وعلى الرغم من اختلاف انتماءاها السياسية ومشاربها .. تحرص تماما على المضي قدما فى السياسة المرسومة من المؤسسات السيادية بالدولة دونما أن يغير شخص رئيس الدولة من تلك الطبيعه .. طالما كانت الخطط والاستراتيجيات معتمدة وسارية
وتتابع على القيادة الأمريكية منذ تغير الوضع فى الاتحاد السوفياتى وسقوط خروشوف وبزوغ القيادة الثلاثية ومنهم بريجنيف عام 1962 .. وحتى عام 1980 م حيث انتهى عصر هذا الأخير
تتابع على البيت الأبيض كل من
( ليندون جونسون ـ ريتشارد نيكسون ـ جيمى كارتر ـ رونالد ريجان )
وكان الرئيس الأميركى رونالد ريجان الذى تولى فى بداية الثمانينيات وانتهت ولايته عام 89 بالفترة الثانية له هو الرئيس الأمريكى الذى شهد الانهيار والتفكك الرسمى لجمهوريات الاتحاد السوفياتى السابق
كان رحيل بريجنيف ومجئ تلميذه " رومانوف " لمدة سنتين فقط .. تولى بعدهما " ميخائيل جورباتشوف " رياسة الاتحاد السوفياتى ايذانا ببدء العد التنازلى للمرحلة الأخيرة من انهيار الدولة الماركسية
على الرغم من أن ميخائيل جورباتشوف كان سياسيا شابا بارعا وشهد له معاصروه
الا أن نواياه الحسنة لم تكن تصلح للسياسة الدولية التى لا وجود فيها لحالم بسلام عالمى حقيقي ..
بينما كان رونالد ريجان على الجانب الآخر يسير وفق خطى ثابتة لمشروع حرب النجوم فى اطار نفس السياسة المتبعه لزيادة واستمرار سباق التسلح
بدا جورباتشوف حالما بما لا يمكنه وفقا لحقائق الأشياء أن يحقق شيئا منه على الاطلاق
كان يظن أن بمقدرته انتزاع الشيوعية من براثن الأسلوب القمعى للشعب الروسي
وفوق هذا تحقيق وفاق سياسي ينهى الحرب الباردة بين قطبي العالم الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتى على غرار الوفاق التى تم بين القوتين العظميين فى بداية القرن الماضي بريطانيا وفرنسا عام 1907 م
وفى اطار سعيه للهدف الأول
ابتكر جورباتشوف سياستيه الشهيرتين
" البروسترويكا "
وتعنى سياسة اعادة البناء
" الجلاسوسنت "
وتعنى سياسة المصارحة بالحقائق بالصوت العالى
وعليه بسط أمام الشعب الروسي فتحا جديدا يتمثل فى حرية ابداء الرأى " بروسترويكا "
وفى اعادة البناء لكل المؤسسات وفق ارادة الشعب ومشاركته " جلاسوسنت "
وبدلا من أن تؤدى سياسته الجديدة الى اكتساب الشعب الثقة فى قيادته
أتت برد فعل معاكس تماما
فالشعب الروسي القابع تحت القمع الفائق منذ أيام لينين عام 1918 م حتى مجئ جورباتشوف فى 1981 م ومرورا بقيادة ستالين زعيم القضبة الحديدة ثم خروشوف ثم بريجنيف .. كان شاعرا بالقمع ومستجيبا لقدره لكنه فى نفس الوقت يظن أنه فى عالم مثالى ويتحمل شظف العيش من أجل رفعة الدولة السوفياتية ورفعه النظرية الماركسية
فاذا بسياسة المصارحه تكشف أمامه فجأة أن الفترة الطويلة التى قضاها الشعب جائعا عاريا ومقهورا لم تكن تنبئ بمجئ الرخاء المنتظر بلا نهاية
بل كان الانتظار أسر فى الوهم الذى نجح قادة السوفيات فى تغييب الشعب خلفه وكانوا أول من خالف نداءات الماركسية فى بلاط حكمهم الذى فاق حكم القياصرة قهرا واستبدادا
وكشفت السياسة الجديدة أيضا حقائق الموقف الاقتصادى شبه المنهار أمام الشعب
فاذا بكل أحلام الرخاء المنتظرة تنقلب الى يأس عارم
ومع فتح الحرية نسبيا
تفجرت المظاهرات بشكل مكثف ورهيب فى موسكو نفسها وانتقلت الى مختلف جمهوريات الاتحاد السوفياتى كاشفة زيف الحلم الشيوعى ثم انتقلت أكثر حتى بلغت أوربا الشرقية التى يبسط عليها الاتحاد السوفياتى وصايته
وأفلتت الأمور تدريجيا من يد جورباتشوف
فحاول تحقيق الهدف الاستراتيجى الثانى له بسياسة الوفاق على اعتبار أن الولايات المتحدة ستنهى سباق التسلح ويصبح فى الامكان طلب معاونتها الاقتصادية مما يحقق شيئا من الرخاء للشعب المنهار
لكن الفشل كان ذريعا هنا أيضا
فمن ناحية ..
كان من المستحيل على جموع الشعب المخدوعه أن تثق من جديد فى أى قيادة قائمة على الحزب الشيوعى حتى لو كان جورباتشوف المحرر الجديد
ومن ناحية أخرى وهى الأهم
لم تكن الأمور تسري بتلك الغفلة فى المحيط السياسي
فالوفاق السياسي عبر التاريخ بين أن قوتين عظميين لم يكن أكثر من هدنه
أما جورباتشوف فقد تعامل معه على أنه معاهدة سلام دائمة .. ناسيا أن السياسة لها وجوهها المخالفة للباقة الدبلوماسية البالغه الوضوح فى المحافل العامة
فالوفاق السياسي كما قلت نوع من الهدنة يقضي باخفاء العداء الظاهر فقط .. أما بالباطن فليس هناك أى شك من أن السطح يخفي ما يجري تحت الجسور من مياه وعواصف
وعليه فقد رحبت الولايات المتحدة بمساعدة جورباتشوف الا أنها وطبقا لقواعد اللعبة كانت تمد العسل بيد وتمد فى الوقت نفسه باليد الأخرى السم الذى يضمن ابطال مفعول العسل الممنوح
واهتزت الأمور أكثر تحت قدمى جورباتشوف وفقد السيطرة فعليا على بعض الجمهوريات التابعه للاتحاد والتى ظهرت بها القوميات الداعية لفك الارتباط والاستقلال عن الشيوعية مثل كازخستان مثلا ثم الشيشان التى أحرجت السوفيات باللفعل تحت قيادة زعيمها الأسطورة
" جوهر دوداييف "
والذى احتارت مع عقيدته القوية كل محاولات السوفيات لاقصائه حتى أرسلت طائرة حربية حديثة تكفلت بضربه بالصواريخ عبر التعرف على مخبئه عن طريق مراقبة موجات هاتفه لينسحق جسده سحقا بالصواريخ وعجز الجميع عن العثور عن أى أثر لجثته مما حوله الى أسطورة حقيقية
وكانت الضربات لا تزال تتوالى .. وكانت القاصمة بحق عندما ثار سكان ألمانيا الشرقية وتضامنوا مع النداء القادم من ألمانيا الغربية بالاتحاد من جديد لتكوين ألمانيا القديمة
وانكسر سور برلين مع نهاية الثمانينيات لينقصم ظهر الاتحاد السوفياتى كله فى الواقع
وأدى التحرر الألمانى وانتشار الفضائح التى أنتجتها سياسة المصارحه الى مزيد من الثورة على الشيوعية كمذهب وعلى الاتحاد السوفياتى كدولة
وخرج من قلب التاريخ عامل نمساوى بسيط أعلن ثورة العمال على الشيوعية ودعاتها
وأصبح " ليخ فاونسا " العامل البسيط واحد من أكثر الناس أثرا فى هدم الشيوعيى بأوربا الشرقية لتسقط سيطرة الاتحاد السوفياتى عن أوربا بأكملها
ثم تتابع الانفصال وطال جمهوريات الاتحاد السوفياتى نفسه ..
وكانت خاتمة الانهيار
عندما قام انقلاب عسكرى على حكم جورباتشوف .. ورغم فشل الانقلاب الا أن ميخائيل جورباتشوف كان قد استبد به اليأس نهائيا فقدم استقالته وتبعه على مقعد الرياسة " بوريس يلتسين "
وهو أول رئيس لروسيا البيضاء التى ورثت المقعد السوفياتى القديم بعد تفكك نظامه وتحلله الى اتحاد صورى حمل اسم " الكومنولث "
وتفكك مع الدولة العظمى سابقا كل أجهزتها الشهيرة وعلى رأسها جهاز المخابرات السوفياتى " كى ـ جى ـ بي "
صاحب التاريخ العريض فى عمليات التخابر الأسطورية لا سيما ضد النظام البريطانى
وأصبحت الجهاز تابعا للدولة الجديدة وبتقسيم جديد حمل اسم " اس ـ في ـ أر "
وبعد السقوط الكبير للماركسية والثورة الروسية تتباع الانهيار عبر قارات العالم لتنحصر الشيوعية فقط فى الصين على تلك المبادئ التى أسسها " كارل ماركس " وأعاد صياغتها الزعيم الصينى العملاق " ماو ـ تسي ـ تونج " ..
وأيضا تبقت من دول أمريكا الجنوبية " كوبا " على النظام الشيوعى برياسة فيدل كاسترو
وفى الشرق الأزسط انهارت الأحزاب اليسارية
ولم يتبق منها الا أشباح تناولها أحلام اليقظة بين الحين والآخر
ومنهم من انقلب الى النقيض تماما ..
فبرز من زعماء الشيوعية القديمة فى العالم العربي رجال أعمال من عتاة الرأسمالية ..
ومنهم من أحرق النظرية بتجربتها وانطوى على نفسه
وهكذا سقطت الثورة الروسية بنظريتها الماركسية وسقط آلهتها عندما انطلقت الجماهير فى الميدان الأحمر لتنتزع جثة
" لينين " المحنطة وتلقي بها تحت أقدامها
هاهى قصة الثورة الروسية وافرازاتها التالي
بما ان الموضوع يحتاج الى شرح كبير فقد اضطررت الى وضعه على شكل ثلاث رمشاركاتوانمتى من الجميع الصبر واعتذر مسبقا للاطالة :
الثورة البلشفية ـ روسيا عام 1917
تعد الثورة البلشفية فى روسيا القيصرية هى التطبيق العملى لأفكار وكتابات المفكر " كارل ماركس " ومساعده
" فريدريك أنجلز "
وهى الفكر الشيوعى الذى بدأه ماركس وأسسه بكتابه البالغ الشهرة " رأس المال "
وتقوم الفكرة الأساسية للشيوعية على حكم الطبقة العاملة والمسماه فى هذا الفكر
" بروليتاريا " لمحاربة الطبقية وتحكم رأس المال الخاص فى الحياة الاقتصادية
بمعنى عدم جواز تحكم أى فرد وأى مؤسسة يملكها أفراد فى أى منحى من مناحى الحياة الاقتصادية ..
وعليه تكون الدولة هى المالكة لكل وسائل الانتاج دون استثناء
ولا يسمح للأشخاص بتملك أى معدة أو أداة تدر انتاجا .. ويسمح فقط بملكية الأفراد لما هو رهن باستخداهم الشخصي لمنع الاستغلال الرأسمالى كما يري هذا الفكر
وعليه
كان من الطبيعى طبقا لما توقعه وخططه كارل ماركس أن تكون الثورة الشيوعية فى بلد صناعى من الدرجة الأولى تتوافر فيه طبقة البروليتاريا " طبقة العمال "
وكان ظنه يتجه فى ذلك الوقت الى الملكة المتحدة " بريطانيا " أو الى " ألمانيا "
واستبعد تماما فكرة قيامها فى بلد زراعى كروسيا
البداية
مع قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914 م ..
ودخول الامبراطورية القيصرية فى روسيا الى الحرب مما أثر سلبا على وضع المواطنين لا سيما العمال
بدأت أفكار ماركس تتسرب وتتحول تدريجيا الى ثورة منظمة على رأسها اثنان من من المناهضين للحكم القيصري وهما
فلاديمير أوليانوف وهو المعروف فيما بعد باسم " لينين "
جوزيف فيسرافيتش .. وهو المعروف فيما بعد باسم " ستالين "
وتحت تأثير الضغط هرب الاثنان من الجحيم الروسي الى ألمانيا واستعانا فى الهرب بالأسماء المستعارة لينين وستالين ليواصلا هناك المد الثورى ويستغلا بشدة تضجر الشعب الروسي بأكمله من الحرب العالمية التى كلفت الروس كثيرا دون مصلحه يراها الشعب داعية لتلك الحرب
وبدأت المعونات تتدفق عليهما وعلى الثورة من الحكومة الألمانية التى كان من مصلحتها العليا بالطبع تدعيم الثورة على النظام الروسي لصالح الثوار الذين اكتسبوا شعبيتهم الطاغية من مجرد اعلانهم أنهم ضد الحرب وعزمهم على الانسحاب منها فور أن تستتب الأمور لهما
ولأن الأمر برمته أصبح مدعاة لقلب الموازين الحربية
فقد تدخل جهاز المخابرات الألمانى بكل ثقله ليساعد الثوار عن طريق عنصرين هامين
الأول
تدعيم وتوصيل نداءات وبيانات الثورة للشعب الروسي على النحو الذى أدى لانسحاب فرق بأكملها وكتائب روسية تركت مواقعها على الجبهة استجابة واقتناعا وتمردا على القيصر
والثانى
كان قام جهاز المخابرات الألمانى بتنفيذ عملية من أشهر عملياته عرفت باسم " عملية القطار الحديدى "
عملية القطار الحديدى
كان التفكير منحصرا فى جهاز المخابرات الألمانى على الوسيلة المثلي لاعادة لينين وستالين الى روسيا بعد أن بلغت شعبيتهما حدا مناسبا لتتبع الشعب لهما
وبالتدريج .. انهار النظام الروسي القيصري فعليا أمام الجموع الهادرة وتم الاعداد لعودة لينين وستالين الى روسيا بقطار ينقلهما من ألمانيا الى وطنهما
وفى وسط تلك الأجواء ..
علمت المخابرات البريطانية بأمر عملية القطار الحديدى وأيقنت أن حليفتها روسيا القيصرية بصدد الخروج المحتم من الحرب لو وصل الثوار الى السلطة لا سيما اذا نجحت عملية اعادة القادة الى روسيا
وتفتق ذهن المخابرات البريطانية عن طريقة جديدة تمكنها من استشراق الأمور عن قرب ومعرفة موعد عملية القطار الحديدى لتعطيلها
فأرسل رجال المخابرات البريطانية الى الكاتب والمفكر البريطانى الأشهر " سومرست موم "
أحد أعلام الأدب فى أوربا وطلبت تعاونه بالسفر الى ألمانيا وتحرى الأمر بعد تدريبه على أعمال التخابر لسري بصفة عاجلة
وكان دافع الأمر للاستعانة بموم هو استحالة تطرق الشك الى شخصيته باعتباره علما معروفا فى سائر أوربا مما يسهل مهمته الى أقصي حد وعلى نحو لا يتوافر لضابط مخابرات محترف معرض لكشف أمره أمام جهاز المخابرات الألمانى اليقظ
وسافر " سومرست موم " الى ألمانيا وأدى مهمته بنجاح مطلق غير أن نجاح مهمته لم يمنع نجاح عملية القطار الحديدى
فقد جلب موم كل المعلومات الخاصة بالعملية ووضح الأمر أمام البريطانيين أن عملية القطار الحديدى اكتملت تماما وتنتظر التنفيذ خلال فترة بسيطة للغاية وكان هذا يعنى تأخر التدخل البريطانى بطبيعه الحال
وعاد القادة لينين وستالين الى روسيا لتنفجر الثورة البلشفية ويستولى الشيوعيون على السلطة ويتأسس الاتحاد السوفياتى على ثورة حمراء قضت على كل رموز الحكم القيصري بالقتل الجماعى
العداء التاريخى بين روسيا والولايات المتحدة
يخطى من يظن أن العداء المستحكم بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الاتحاد السوفياتى بدأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية وصعود كليهما الى سدة القوى العظمى بعد انهيار الامبراطوريات القديمة
فالعداء بدأ مع بدايات الثورة البلشفية
فعندما وصل الثوار الى الحكم وانسحبوا قبيل نهاية الحرب العالمية الأولى من جبهة الحلفاء
أصاب الغيظ والجنون بقية الحلفاء بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة
وعلى الرغم من أن الانسحاب لم يؤثر سلبا على النتيجة التى حسمت بالفعل لصالح الحلفاء
الا أن الرئيس الأمريكى وقتها " وودر ويلسون " أصيب بنوبة حماقة مفاجأة ..
وأرسل عددا من قواته لتتولى ابطال الثورة الحمراء بروسيا
وفشل التدخل الأمريكى وانتهى أمره
لكن لم ينته أثره
وبقيت الصفحة الأمريكية سوداء لدى الثورة البلشفية وقوادها حتى مع تحالف الحرب العالمية الثانية
المد الشيوعى
مع سياسة تقسيم النفوذ العالمى بين القوتين الأعظم فى العالم
برز الصراع بين القطبين صراعا باردا بطبيعه الحال ونتائج السلاح النووى الذى حكم حكما نهائيا بعدم تجدد القتال المباشر بين القوى العظمى
وبالتالى أصبح الصراع قائما على مناطق النفوذ فى دول العالم عبر أقطاره الست
كما أن الصراع لم يكن صراع أسلحه ..
بل اختلف مع مقاييس العالم الجديد وفكره البازغ
فأصبح صراع عقائد بين الرأسمالية والشيوعية
وانطلقت الرأسمالية الأمريكية تغزو أوربا الغربية ومعها حلف الأطلنطى
وانطلقت الشيوعية الروسية تغزو أسيا وأوربا الشرقية ومعها حلف وارسو
اصافة الى عدة أحلاف فى عدة مناطق ساخنه من العالم الثالث مقسمة بين الجانبين
وتركز الصراع الحقيقي بين الجانبين على منطقة الشرق الأوسط وبالذات فى العالم العربي .
وفى البلاد التى شهدت ثورات على نظم الحكم وكانت بدايتها
مصر ثم سوريا ثم العراق ثم ليبيا والجزائر واليمن
ظهرت الأحزاب الشيوعية العربية المؤثرة فى ذلك الوقت واستقطبت الكثير من شباب المفكرين الحالمين بالجنة الشيوعية كما بشرهم بها أصحابها
وكان أشهرها الحزب الشيوعى المصري والذى تم ضرب نفوذه وتحجيم حركته من النظام السياسي المصري بقيادة جمال عبد الناصر بالرغم من صداقته الوطيدة للاتحاد السوفياتى وميوله الاشتراكية المستقاه من الفكر الماركسي فى ذلك الوقت
وكان داعى التناقض أمر طبيعى ..
وهو مشاركة جمال عبد الناصر لرفيقيه " جواهر لال نهرو " زعيم الهند الشهير و " جوزيب بروز تيتو " زعيم ومؤسس يوغسلافيا فى تأسيس حركة عدم الانحياز بغرض البعد بقدر معقول عن النفوذ المطلق للقوتين الأعظم فى العالم حتى وان كان هناك تقارب سياسي بين الدول النامية الثورية وبين الاتحاد السوفياتى
وكان السلوك المصري فى ذلك الوقت مدعاة غضب عنيف من الزعيم السوفياتى " نيكيتا خروشوف " الذى خلف ستالين على مقعد زعامة الاتحاد السوفياتى
وكان هناك أيضا الحزب الشيوعى السورى ... برياسة " خالد بكداش" والذى ظهر كأقوى الحزاب الشيوعية أثرا فى العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط بعد الضربات التى تلقتها الحركة الشيوعية المصرية
ومع عام 1958 م ..
ومع الوحدة السياسية التى تمت بين مصر وسوريا واشتراط جمال عبد الناصر على حل جميع الأحزاب بسوريا قبل اتمام الوحدة
رفض خالد بكداش الشرط المصري ولم يحل حزبه وغادر سوريا نهائيا ومارس نشاطه من الخارج خاصة مع نفوذه المهيب فى دوائر الحكم السوفياتى بقصر الكريميلين
واستمر الحال فى شد وجذب حتى انهارت الحركة الشيوعية العربية بانهيارها بمصر عقب للتوجه السياسي الجديد للرئيس المصري أنور السادات
المد الشيوعى فى بقية أنحاء العالم
مع بداية المد الشيوعى ..
انطلقت المبادئ الماركسية مبشرة بأحلام الطبقات المطحونة وحكم البروليتاريا " الطبقة العمالية "
وازداد المد سخونه مع تفجر الصراع المذهبي الذى كان ينسق للحرب الباردة بين الرأسمالية الأمريكية والشيوعية السوفياتية
وانتشرت الشيوعية مبدئيا فى الصين ثم فى بقية دول شرق آسيا حيث النفوذ الحقيقي للاتحاد السوفيتى ككمبوديا وفيتنام وغيرها
اضافة الى دول أوربا الشرقية وعلى رأسها ألمانيا الشرقية الخاضعه للسيطرة الروسية وفق لاتفاق " يالطا " الذى شهد تقسيم مناطق النفوذ بين الحلفاء الكبار عقب النصر
وبولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا
فى مواجهة الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية وبقية دول أوربا الغربية
وبهذا أصبحت آسيا محمية سوفيتية وأمريكا بشقيها محمية أمريكية وتقاسم الطرفان أوربا ..
اضافة الى بعض الاستثناءات فى كلا منطقتى النفوذ
حيث تمكنت أمريكا من اخضاع ايران لسيطرتها عبر حاكمها محمد رضا بهلوى والذى قام بدور شرطى الحراسة .. وبالمثل تمكنت السيطرة السوفياتية من مساندة بعض دول أمريكا الجنوبية وأشهرها فى ذلك الوقت " كوبا " بقيادة
" فيدل كاسترو "
وبهذا تحقق التعادل النسبي بين القوتين
ولم يأت الصراع ساخنا وعالى الصوت الا فى البؤرة الساخنه دوما من العالم حيث العالم العربي
فقد تقدمت الولايات المتحدة سريعا لترث الامبرطورية البريطانية فى الخليج حيث منابع النفط
وتقدم الاتحاد السوفياتى بنفس السرعه للسيطرة على حركات التحرر التى بدأت بثورة 23 يوليو بمصر لميل الأنظمة الثورية الى الاتحاد السوفياتى نظرا للانحياز الكامل من الولايات المتحدة لاسرائيل
وبعد أن تمكن " ستالين " الذى خلف " لينين " على مقعد الرياسة بالاتحاد السوفياتى وتقدم مصرا على الحصول على السر النووى ونجح بالفعل فى بداية الخمسينات عبر قضية شهيرة عرفت فى الأوساط الأمريكية باسم " قضية روزنبرغ " وهو العالم الأمريكى الملحق بهيئة الطاقة الأمريكية والذى قام مع زوجته بنقل أسرار القنبلة الذرية للاتحاد السوفياتى لتتساوى القوتين الأعظم فى درجة التسليح ويصبح الصراع الحربي المباشر بينهما أمرا مستحيلا
وعقب أربعين عاما من السيطرة قضاها ستالين رجلا أول للاتحاد السوفياتى توفي ليخلفه
" نيكيتا خروشوف"
وكان تولى خروشوف امتدادا لقوة الاتحاد السوفياتى ومكانته عبر العالم غير أن هناك حادثتين جديرتين بالاهتمام .. يعدها المحللون أول مسمار فى نعش الشيوعية وحدثت كلاهما فى بداية تولى خروشوف مقعد الرياسة .. وهما
_ ازدياد هوة الخلاف بين الاتحاد السوفياتى وبين الصين حول تطبيق المبادئ الشيوعية وكان هذا الصراع بلا شك خادما للسياسة الأمريكية لأن الصين فى ذلك الوقت بعد ثورة ماو ـ تسي ـ تونج الزعيم الفلته للصين أصبحت قوة عظمى دون أدنى شك ومن المفترض أن يصب هذا كله فى مصلحة الشيوعية غير أن الخلاف على التطبيق كان داعى ضعف لا مصدر قوة
_ الخطاب الأشهر لخروشوف أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعى والذى فضح فيه خروشوف دموية سلفه ستالين ومدى الجرائم التى ارتكبها فى حق الشعب بسياسة القمع الرهيب على يد أركان نظامه وأشهرهم " الكلونيل " بيريا " وزير داخلية ستالين
فهذا الخطاب الفاضح للقمع الشيوعى ولو أنه كان سريا الا أن المخابرات المركزية الأمريكية تمكنت من تسجيله ونشرته على نطاق واسع كأسلوب لهدم الشيوعية من داخلها
وعلى الرغم من ذلك ..
فقد قام خروشوف بدوره فى بناء الدولة السوفياتية وتدعيم سيطرتها وكان عهده عهد قوة لا سيما وأنه الزعيم السوفياتى الذى تمكن من اكتساب قوى الثورة العربية الى جواره فى مصر وسوريا ليصبح الاتحاد السوفياتى متحدثا باسم الحقوق العربية
وذلك فى وسط أجواء ساخنه للغاية من الحرب الباردة
ويعد خروشوف أيضا هو الرئيس الأخير للاتحاد السوفياتى الذى شهد عهده بزوغ القوة السوفياتية وتراجعت الولايات المتحدة سياسيا أمامه فبنهاية عهد خروشوف فى منتصف الستينات اهتزت السيطرة والمقدرة السوفياتية الهائلة التى قامت مع قيام الدولة على يد لينين ثم ستالين ثم خروشوف
على النحو الذى سنراه الآن
بداية الانهيار
جاء خروشوف لرياسة الوزارة فى الاتحاد السوفياتى مقابلا لرياسة " دوايت أيزنهاور " فى الولايات المتحدة الأمريكية وكان خروشوف كما سبق القول صاحب سياسة الهيبة للاتحاد السوفياتى وشهدت آخر سنة من حكم الرئيس الأمريكى أيزنهاور احدة المواقف التى لا تنسي فى الصراع البارد وهو قضية طائرة التجسس التى أسقطها السوفيات وكانت تبع الاستطلاع الأمريكى وتم أسر الطيار حيا ليعترض خروشوف وتنفجر الأزمة مدوية بين القطبين
وأعلن خروشوف رفضه الكامل للتعامل مع أيزنهاور الذى قاربت ولايته على الانتهاء
وبالفعل خرج أيزنهاور من البيت الأبيض ليأتى اليه " جون فيتزجيرالد كيندى " أحب الرؤساء الأمريكيين اليهم وكان شابا ممتلئا بالحيوية واختار ادارته من عيون رجال السياسة والصحافة والاعلام
وبدا للجميع أن السلام العالمى من الممكن تحقيقة بين القوتين العظميين لا سيما مع اللقاء التاريخى بين الزعيمين " كيندى وخروشوف " فى مقر احجدى السفارات الأمريكية بأوربا "
الا أن حقائق القوة كان لها رأى آخر
فمن الجهة الأمريكية جاء كيندى الى البيت الأبيض ليجد فى انتظاره خطة للتدخل العسكرى المباشر فى كوبا عرفت باسم " خطة خليج الخنازير " وذلك لردع الزعيم الكوبي " فيدل كاسترو " الذى كان بمساندة السوفيات يمثل صداعا دائما فى رأس السياسة الأمريكية
ولم يجد كنيدى ميلا لاستخدام التدخل العسكرى على هذا النحو
الا أنه تحت الضغوط استجاب وتمت العملية لتفشل فشلا ذريعا وينتصر كاسترو بمعاونة السوفيات فى أول مواجهة .. الا أن المواجهة الثنائية بين القطبين لم تنته بفشل التدخل الأمريكى بعد أن كشفت تقارير الولايات المتحدة وجود مساندة نووية سوفيتية لكوبا تحسبا لما يحدث هناك
وكانت تلك أولى المواجهات وآخرها فى الواقع ..
فعلى الجانب السوفياتى سقط خروشوف بتدبير من زملائه أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعى والذين قرروا تنحية خروشوف عن منصبه فى أثناء قضائه اجازة راحه على البحر
وذلك بعد أن تنبه الى مخطط كيندى المتمثل فى جر الاتحاد السوفياتى لسباق تسلح يأخذ كل اهتماماته واقتصاده وبالتالى يسقط تلقائيا
فقرر خروشوف تخفيض مبالغ التسليح الطائلة والاكتفاء بالترسانة النووية الهائلة التى تكفي لتدمير العالم عدة مرات .. لأنها تكفي وزيادة فما الداعى لكل نفقات التسليح المدمرة للاقتصاد طالما أن القدرة النووية تمثل الحاجة والردع بما يزيد عن الحاجة
لكن القيادة العسكرية لم تكن تقبل مثل هذا المنطق واتحدت الرؤي بينها وبين أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعى لتجتمع اجتماعها الشهير الذى أطاحت فيه بخروشوف من جميع مناصبه
وأتى خروشوف للاجتماع المدبر وهو يشعر بما سيحدث مسبقا ليصبح أول رئيس سوفياتى تنتهى ولايته بدون موته .. وبسقوط خروشوف جاء الى الاتحاد السوفياتى قيادة ثلاثية وليس رجلا منفردا
وهم
ليونيد بريجنيف ـ أليكسي كوسيجين ـ نيكولاى بادجورنى
لتستمر سياسة الأولوية للتسليح وتمضي فى خطاها على النسق الذى خططه الأمريكيون والغريب أن الهيبة التى كان يملكها خروشوف للاتحاد السوفياتى لم تتحقق للقيادة الجديدة على الرغم من سابق آرائها التى كانت ضد سياسة خروشوف فى الاحتفاظ بالهيبة مستندة الى ما تحقق فعليا بالقوة
والالتفات للتنمية الاقتصادية والزراعية
وبتصاريف القدر .. سقط كيندى بالاغتيال الغامض على يد أحد الشباب الأمريكى يدعى " لى أوزوالد "
ليأتى النائب " ليندون جونسون " الشخصية المكروهه فى الأوساط الأمريكية بالمصادفة رئيسا للولايات المتحدة ليهدد السلام العالمى كله على اثر سياساته الحمقاء فى فيتنام التى تورط فيها الجيش الأمريكى بشكل لم يسبق له مثيل وأيضا بسياسة التخطيط والتواطؤ الكامل فى أزمات ومعارك الشرق الأوسط أثناء حرب يونيو 1967 م .. غير عابئ بالقيادة السوفياتية العقيمة التى كانت تتحسب بشدة لخطواتها بينما الولايات المتحدة تتصرف بجرأة بلغت حد التهور
وركزت القيادة السوفياتية الجديدة اهتمامتها فى زيادة التسلح والسباق النووى كما لو أنها تنفذ الخطة الأمريكية تماما ..
وشيئا فشيئا وبمضي السنوات شاخت قيادة بريجنيف على القمة فى الاتحاد السوفياتى وتزايد عمق الخلافات بين السياستين السوفيتية والصينية والتى يكفي للتدليل عليها
ذلك الحوار الذى جرى بين ماوتسي تونج وخروشوف حيث قال الأخير للأول
" نحن بحاجة الى فك الخلافات المذهبية "
فقال له ماو ..
" نحن بحاجة الى ألف عام لحل تلك الخلافات "
فاندهش خروشوف وقال له
" لكننا من الممكن أن نخفض المدة بمزيد من الجهد "
فقال ماو
" من الممكن بأقصي جهد أن نحل الخلافات فى 900 عام
النهاية ..
تسارعت السنوات والحوادث وشاخ بريجنيف بحكم السن والمرض وطال انتظار موته فى الاتحاد السوفياتى زهاء عشرين عاما حتى نهاية الثمانينيات
فى الوقت نفسه تعاقب على البيت الأبيض قيادات مختلفة وفت العهد لخطة جون كيندى القاضية بجذب القيادة السوفياتية لسباق تسلح بلا نهاية مما يؤدى لانهيار اقتصادى لا شك فيه
ومع القمع وعدم وجود محاسبات ديمقراطية للسلطة
استمر الروتين السوفياتى فى محاولة اللهاث الأعمى للتسليح الفوق عادى ..
وعلى العكس من هذا ..
كانت القيادات الأمريكية وعلى الرغم من اختلاف انتماءاها السياسية ومشاربها .. تحرص تماما على المضي قدما فى السياسة المرسومة من المؤسسات السيادية بالدولة دونما أن يغير شخص رئيس الدولة من تلك الطبيعه .. طالما كانت الخطط والاستراتيجيات معتمدة وسارية
وتتابع على القيادة الأمريكية منذ تغير الوضع فى الاتحاد السوفياتى وسقوط خروشوف وبزوغ القيادة الثلاثية ومنهم بريجنيف عام 1962 .. وحتى عام 1980 م حيث انتهى عصر هذا الأخير
تتابع على البيت الأبيض كل من
( ليندون جونسون ـ ريتشارد نيكسون ـ جيمى كارتر ـ رونالد ريجان )
وكان الرئيس الأميركى رونالد ريجان الذى تولى فى بداية الثمانينيات وانتهت ولايته عام 89 بالفترة الثانية له هو الرئيس الأمريكى الذى شهد الانهيار والتفكك الرسمى لجمهوريات الاتحاد السوفياتى السابق
كان رحيل بريجنيف ومجئ تلميذه " رومانوف " لمدة سنتين فقط .. تولى بعدهما " ميخائيل جورباتشوف " رياسة الاتحاد السوفياتى ايذانا ببدء العد التنازلى للمرحلة الأخيرة من انهيار الدولة الماركسية
على الرغم من أن ميخائيل جورباتشوف كان سياسيا شابا بارعا وشهد له معاصروه
الا أن نواياه الحسنة لم تكن تصلح للسياسة الدولية التى لا وجود فيها لحالم بسلام عالمى حقيقي ..
بينما كان رونالد ريجان على الجانب الآخر يسير وفق خطى ثابتة لمشروع حرب النجوم فى اطار نفس السياسة المتبعه لزيادة واستمرار سباق التسلح
بدا جورباتشوف حالما بما لا يمكنه وفقا لحقائق الأشياء أن يحقق شيئا منه على الاطلاق
كان يظن أن بمقدرته انتزاع الشيوعية من براثن الأسلوب القمعى للشعب الروسي
وفوق هذا تحقيق وفاق سياسي ينهى الحرب الباردة بين قطبي العالم الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتى على غرار الوفاق التى تم بين القوتين العظميين فى بداية القرن الماضي بريطانيا وفرنسا عام 1907 م
وفى اطار سعيه للهدف الأول
ابتكر جورباتشوف سياستيه الشهيرتين
" البروسترويكا "
وتعنى سياسة اعادة البناء
" الجلاسوسنت "
وتعنى سياسة المصارحة بالحقائق بالصوت العالى
وعليه بسط أمام الشعب الروسي فتحا جديدا يتمثل فى حرية ابداء الرأى " بروسترويكا "
وفى اعادة البناء لكل المؤسسات وفق ارادة الشعب ومشاركته " جلاسوسنت "
وبدلا من أن تؤدى سياسته الجديدة الى اكتساب الشعب الثقة فى قيادته
أتت برد فعل معاكس تماما
فالشعب الروسي القابع تحت القمع الفائق منذ أيام لينين عام 1918 م حتى مجئ جورباتشوف فى 1981 م ومرورا بقيادة ستالين زعيم القضبة الحديدة ثم خروشوف ثم بريجنيف .. كان شاعرا بالقمع ومستجيبا لقدره لكنه فى نفس الوقت يظن أنه فى عالم مثالى ويتحمل شظف العيش من أجل رفعة الدولة السوفياتية ورفعه النظرية الماركسية
فاذا بسياسة المصارحه تكشف أمامه فجأة أن الفترة الطويلة التى قضاها الشعب جائعا عاريا ومقهورا لم تكن تنبئ بمجئ الرخاء المنتظر بلا نهاية
بل كان الانتظار أسر فى الوهم الذى نجح قادة السوفيات فى تغييب الشعب خلفه وكانوا أول من خالف نداءات الماركسية فى بلاط حكمهم الذى فاق حكم القياصرة قهرا واستبدادا
وكشفت السياسة الجديدة أيضا حقائق الموقف الاقتصادى شبه المنهار أمام الشعب
فاذا بكل أحلام الرخاء المنتظرة تنقلب الى يأس عارم
ومع فتح الحرية نسبيا
تفجرت المظاهرات بشكل مكثف ورهيب فى موسكو نفسها وانتقلت الى مختلف جمهوريات الاتحاد السوفياتى كاشفة زيف الحلم الشيوعى ثم انتقلت أكثر حتى بلغت أوربا الشرقية التى يبسط عليها الاتحاد السوفياتى وصايته
وأفلتت الأمور تدريجيا من يد جورباتشوف
فحاول تحقيق الهدف الاستراتيجى الثانى له بسياسة الوفاق على اعتبار أن الولايات المتحدة ستنهى سباق التسلح ويصبح فى الامكان طلب معاونتها الاقتصادية مما يحقق شيئا من الرخاء للشعب المنهار
لكن الفشل كان ذريعا هنا أيضا
فمن ناحية ..
كان من المستحيل على جموع الشعب المخدوعه أن تثق من جديد فى أى قيادة قائمة على الحزب الشيوعى حتى لو كان جورباتشوف المحرر الجديد
ومن ناحية أخرى وهى الأهم
لم تكن الأمور تسري بتلك الغفلة فى المحيط السياسي
فالوفاق السياسي عبر التاريخ بين أن قوتين عظميين لم يكن أكثر من هدنه
أما جورباتشوف فقد تعامل معه على أنه معاهدة سلام دائمة .. ناسيا أن السياسة لها وجوهها المخالفة للباقة الدبلوماسية البالغه الوضوح فى المحافل العامة
فالوفاق السياسي كما قلت نوع من الهدنة يقضي باخفاء العداء الظاهر فقط .. أما بالباطن فليس هناك أى شك من أن السطح يخفي ما يجري تحت الجسور من مياه وعواصف
وعليه فقد رحبت الولايات المتحدة بمساعدة جورباتشوف الا أنها وطبقا لقواعد اللعبة كانت تمد العسل بيد وتمد فى الوقت نفسه باليد الأخرى السم الذى يضمن ابطال مفعول العسل الممنوح
واهتزت الأمور أكثر تحت قدمى جورباتشوف وفقد السيطرة فعليا على بعض الجمهوريات التابعه للاتحاد والتى ظهرت بها القوميات الداعية لفك الارتباط والاستقلال عن الشيوعية مثل كازخستان مثلا ثم الشيشان التى أحرجت السوفيات باللفعل تحت قيادة زعيمها الأسطورة
" جوهر دوداييف "
والذى احتارت مع عقيدته القوية كل محاولات السوفيات لاقصائه حتى أرسلت طائرة حربية حديثة تكفلت بضربه بالصواريخ عبر التعرف على مخبئه عن طريق مراقبة موجات هاتفه لينسحق جسده سحقا بالصواريخ وعجز الجميع عن العثور عن أى أثر لجثته مما حوله الى أسطورة حقيقية
وكانت الضربات لا تزال تتوالى .. وكانت القاصمة بحق عندما ثار سكان ألمانيا الشرقية وتضامنوا مع النداء القادم من ألمانيا الغربية بالاتحاد من جديد لتكوين ألمانيا القديمة
وانكسر سور برلين مع نهاية الثمانينيات لينقصم ظهر الاتحاد السوفياتى كله فى الواقع
وأدى التحرر الألمانى وانتشار الفضائح التى أنتجتها سياسة المصارحه الى مزيد من الثورة على الشيوعية كمذهب وعلى الاتحاد السوفياتى كدولة
وخرج من قلب التاريخ عامل نمساوى بسيط أعلن ثورة العمال على الشيوعية ودعاتها
وأصبح " ليخ فاونسا " العامل البسيط واحد من أكثر الناس أثرا فى هدم الشيوعيى بأوربا الشرقية لتسقط سيطرة الاتحاد السوفياتى عن أوربا بأكملها
ثم تتابع الانفصال وطال جمهوريات الاتحاد السوفياتى نفسه ..
وكانت خاتمة الانهيار
عندما قام انقلاب عسكرى على حكم جورباتشوف .. ورغم فشل الانقلاب الا أن ميخائيل جورباتشوف كان قد استبد به اليأس نهائيا فقدم استقالته وتبعه على مقعد الرياسة " بوريس يلتسين "
وهو أول رئيس لروسيا البيضاء التى ورثت المقعد السوفياتى القديم بعد تفكك نظامه وتحلله الى اتحاد صورى حمل اسم " الكومنولث "
وتفكك مع الدولة العظمى سابقا كل أجهزتها الشهيرة وعلى رأسها جهاز المخابرات السوفياتى " كى ـ جى ـ بي "
صاحب التاريخ العريض فى عمليات التخابر الأسطورية لا سيما ضد النظام البريطانى
وأصبحت الجهاز تابعا للدولة الجديدة وبتقسيم جديد حمل اسم " اس ـ في ـ أر "
وبعد السقوط الكبير للماركسية والثورة الروسية تتباع الانهيار عبر قارات العالم لتنحصر الشيوعية فقط فى الصين على تلك المبادئ التى أسسها " كارل ماركس " وأعاد صياغتها الزعيم الصينى العملاق " ماو ـ تسي ـ تونج " ..
وأيضا تبقت من دول أمريكا الجنوبية " كوبا " على النظام الشيوعى برياسة فيدل كاسترو
وفى الشرق الأزسط انهارت الأحزاب اليسارية
ولم يتبق منها الا أشباح تناولها أحلام اليقظة بين الحين والآخر
ومنهم من انقلب الى النقيض تماما ..
فبرز من زعماء الشيوعية القديمة فى العالم العربي رجال أعمال من عتاة الرأسمالية ..
ومنهم من أحرق النظرية بتجربتها وانطوى على نفسه
وهكذا سقطت الثورة الروسية بنظريتها الماركسية وسقط آلهتها عندما انطلقت الجماهير فى الميدان الأحمر لتنتزع جثة
" لينين " المحنطة وتلقي بها تحت أقدامها
هاهى قصة الثورة الروسية وافرازاتها التالي