منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#34475
استقرار العراق .. علاقة إشكالية بين الأمن والسياسة
إيمان أحمد رجب *
قضايا السياسة الدولية .....

تشير تطورات الأوضاع داخل العراق إلي تأزم وضعه الأمني والسياسي، في فترة مهمة ت جري فيها انتخابات مصيرية، ستحدد مستقبل خريطة القوي السياسية فيه، وشبكة علاقاته مع دول الجوار طوال السنوات الأربع التالية. من ناحية، يشهد العراق عودة النشاط المسلح لتنظيم 'دولة العراق الإسلامية' التابع لتنظيم القاعدة، الذي أعلن تبنيه لعمليات تفجيرية استهدفت عدة مبان حكومية، كتفجير 19 أغسطس 2009 الذي استهدف وزارتي الخارجية والمالية، وتفجيرات أكتوبر 2009 التي استهدفت الجسر الدولي الذي يربط العراق بكل من سوريا والأردن، ومبني محافظة بغداد(1).

كما تشهد بعض المدن العراقية ارتفاعا في منحني العنف، ومن ذلك مدينة بغداد التي نفذت فيها عدة تفجيرات متزامنة في 8 ديسمبر 2009، ونفذت في نطاق وزارتي العمل والشئون الاجتماعية والمالية، وقرب مكتب تابع لوزارة الداخلية، كما نفذت فيها ثلاثة تفجيرات أخري قرب وزارتي الخارجية والهجرة، وقرب مبني السفارة الإيرانية في 15 ديسمبر 9002.

وقد كانت هذه التفجيرات سببا في تجدد السجال الداخلي حول مدي كفاءة خطة فرض القانون التي تنفذها الحكومة العراقية، حيث قام البرلمان العراقي باستجواب لرئيس الوزراء نوري المالكي، ووزراء الدفاع والداخلية والاستخبارات(2).

ومن ناحية أخري، يشهد العراق، بالتزامن مع ارتفاع منحني العنف، تنفيذا مرحليا لعملية انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية، وجدلا داخليا حول طرح الاتفاقية المنظمة لذلك، والتي تم التوصل إليها بين حكومة المالكي والقوات الأمريكية في نوفمبر 2008 للاستفتاء الشعبي، وهو أمر لم يحسم بعد، مما يثير تساؤلا حول مدي استعداد القوات العراقية للتخلي عن دعم القوات الأمريكية في هذه المرحلة الحرجة.


أولا- وضع أمني هش :

تشير تطورات الوضع الأمني في العراق إلي هشاشة الوضع الأمني في المدن العراقية، بما يؤكد أن ما حققته حكومة نوري المالكي من إنجاز أمني، طوال فترة توليها الحكم، كان إنجازا شكليا. فلا تزال الأسباب الحقيقية للعنف قائمة، وهو ما يفسر ارتفاع منحني العنف مجددا مطلع عام 2009، حيث لا يكاد يمر يوم علي المدن العراقية دون أن يقع تفجير ما يودي بحياة العديد من المدنيين العراقيين.


ويمكن تفسير هشاشة الوضع الأمني في العراق بعاملين، يتمثل العامل الأول منهما في ضعف قوات الأمن العراقية. فنجاح الجماعات المسلحة في تنفيذ عملياتها وعدم قدرة قوات الأمن العراقية علي التصدي لها أو إحباطها، خاصة في المدن التي باتت تتبعها أمنيا بعد خروجها من نطاق ولاية القوات الأمريكية، يعني عمليا استمرار ضعف قوات الأمن العراقية وتدني كفاءتها. وهذا ما يؤكده تصريح وزير الداخلية العراقي، جواد البولاني، إثر تفجيرات بغداد التي استهدفت وزارتي المالية والخارجية 19 أغسطس 2009، والذي أكد فيه أن 'البني التحتية لأجهزة الاستخبارات العراقية لا تزال في طور التهيئة، وأن الحاجة قائمة إلي الاستعانة بالجهد الاستخباراتي للقوات الأمريكية'(5).

أما العامل الثاني، فيتعلق بحقيقة حساسية الوضع الأمني العراقي لعلاقات العراق مع كل من سوريا وإيران. فما يتحقق من أمن داخل العراق يتوقف بدرجة كبيرة علي مدي ضبط كل من هاتين الدولتين لحدودهما مع العراق، حيث تعتمد العديد من الجماعات المسلحة علي عناصر داخل هاتين الدولتين للحصول علي دعم لوجيستي أثناء تنفيذ عملياتها داخل المدن العراقية، وبالتالي فإن توتر علاقة العراق بأي منهما سيكون له أثره الواضح علي أمن العراق. فعلي سبيل المثال، ترتب علي أزمة العراق مع سوريا، علي خلفية هجومي 19 أغسطس 2009 اللذين استهدفا وزارتي المالية والخارجية، عدم انضباط الحدود معها. ورغم أنه من غير الواضح ما ستنتهي إليه هذه الأزمة، إلا أن ما يمكن توقعه هو انعكاسها علي الوضع الأمني، خاصة في المناطق الحدودية، وهذا ما تشير إليه عودة أعمال العنف في محافظة الأنبار القريبة من الحدود مع سوريا.

كما أن توتر العلاقات العراقية -الإيرانية من شأنه أن يزيد من احتمال عدم انضباط الحدود معها، والذي سينعكس في حرية الحركة التي ستتمتع بها الجماعات الشيعية المسلحة الموالية لها، مثل منظمة بدر، وتنظيم عصائب أهل الحق، والتي قد تعمل علي تغيير نتائج الانتخابات العراقية بشكل أو بآخر، إذا سارت بما لا يتفق ومصالحها. وتشهد علاقات العراق مع إيران في الآونة الأخيرة درجة من درجات التوتر، والتي يمكن تتبع بداياتها إلي منتصف عام 2009، حين تسببت سيطرة إيران علي المراقد الشيعية في النجف وكربلاء، والتي سماها بعض العراقيين ب- 'هيمنة منظمة الحج والزيارة الإيرانية'، في تدني عوائد الزيارة لهذه الأماكن، مما أضر بالاقتصاد العراقي. كما ثارت خلال أكتوبر الماضي (2009) خلافات بين إيران والحكومة العراقية حول نصيب العراق من الأنهار المشتركة معها، خاصة نهري الكارون والكرخة، وتحديدا مع تزايد مشاكل الجفاف وتملح الأرض، مما أثر علي القطاع الزراعي في العراق.

ثانيا- تحالفات متغيرة وقوي مستبعدة :

يمر العراق حاليا بمرحلة تشكيل تحالفات بين القوي السياسية المختلفة لخوض الانتخابات التشريعية، التي ستنظم في 7 مارس 2010، والتي من المتوقع - في حال عقدها في موعدها - أن تعيد توزيع موازين القوة بين القوي السياسية العراقية.

ويلاحظ وجود تغير نوعي في تحالفات القوي السياسية الشيعية المدعومة من إيران بصفة خاصة، بل وتغير في طبيعة علاقاتها مع بعضها. حيث شكل المجلس الأعلي الإسلامي الائتلاف العراقي الموحد في 24 أغسطس 2008، دون أن يضم حزب الدعوة الإسلامي الذي يرأسه المالكي، واستقطب بعض المكونات الأساسية في الائتلاف الموحد الذي خاض انتخابات عام 2005، كالتيار الصدري، وحزب الفضيلة، وتيار الإصلاح الوطني، الذي يتزعمه رئيس حزب الدعوة ورئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، إلي جانب بعض ممثلي السنة كمجلس إنقاذ الأنبار برئاسة حميد الهايس، وجماعة علماء العراق برئاسة الشيخ خالد الملا.

وفي المقابل، اتجه المالكي للحوار مع بعض قادة عناصر الصحوة، أثناء الانتخابات المحلية، تمهيدا للتحالف معها في الانتخابات التشريعية المقبلة. وأعلن في 2 أكتوبر 2009 عن تشكيل ائتلاف دولة القانون، الذي ضم 40 حزبا وحركة سياسية، منها حزب الدعوة الإسلامية - جناح المالكي، وحزب الدعوة الإسلامية تنظيم العراق - جناح هاشم الموسوي، وكتلة مستقلون، والاتحاد الإسلامي لتركمان العراق، وكتلة الانتفاضة الشعبانية، والتيار العربي المستقل، والحركة الدستورية، والحزب الوطني الديمقراطي الأول.


الموقف من عناصر الصحوة :

يلاحظ استمرار إقصاء عناصر الصحوة ورفض دمجها في الأجهزة الأمنية منذ تشكيلها في سبتمبر 2006 . فمنذ مطلع عام 2009، اتخذت حكومة المالكي عددا من الخطوات الإقصائية في مواجهة هذه العناصر. فرغم انتقال مسئولية 82 ألفا من عناصر الصحوة في 8 محافظات إلي الحكومة العراقية، خلال الفترة من أكتوبر 2008 وحتي 12 مارس 2009، إلا أنه لم يتم دمج عدد كاف منها في الأجهزة الأمنية، استنادا للقرار 118 الصادر في 8 سبتمبر 2008، والذي نص علي دمج عناصر الصحوة التي ليس لها سجل إجرامي في الأجهزة الأمنية، والنظر في مدي صلاحية من تبقي من العناصر للانضمام للأجهزة الإدارية للدولة(10).

كما تأخرت الحكومة في دفع رواتب عناصر الصحوة، فشهدت بعض المناطق توقف تلك العناصر عن القيام بعملها، وقامت بمحاكمة عدد من عناصر الصحوة علي ما ارتكبوه من جرائم قبل الانضمام إلي مجالس الصحوة، ومن ذلك القبض علي ناظم الجبوري، زعيم الصحوة في مدينة الضلوعية، بتهمة المشاركة في قتل شيعة الدجيل خلال عام 2006، والمشاركة في استهداف نقطة للشرطة هناك(11)، واعتقال عادل المشهداني، رئيس مجلس الصحوة في منطقة الفضل، في مارس 2009 بتهمة الارتباط بالقاعدة، وتنفيذ عمليات تفجير، واعتقالها عناصر في الإسكندرية شمال بابل بتهمة الإرهاب(12).

فالحكومة العراقية ترفض دمج هذه العناصر في الأجهزة الأمنية، رغم أنه قد تم تدريبها من قبل القوات الأمريكية والعراقية علي كيفية ضبط مداخل المدن العراقية، وما صاحب ذلك من فهم، ولو جزئي، لاستراتيجية الحكومة في محاربة تنظيم القاعدة. وهذا يطرح احتمال تحول سلاح هذه العناصر ضد الحكومة العراقية ذاتها وأجهزتها الأمنية، خاصة أن تنظيم القاعدة لا يزال قادرا علي إعادة تنظيم صفوفه داخل العراق، حيث لم تتم بعد تصفيته كلية، وهذا يعني تحولها إلي هدف سهل من قبل التنظيم. ومن ثم، من المحتمل أن تعود دائرة العنف للاتساع مجددا داخل العراق، خاصة إذا لم تر عناصر الصحوة في محاولات المالكي التقرب من قادتها للتحالف معها في الانتخابات المقبلة، مما يعوضها عن استبعادها من الأجهزة الأمنية.

وبالتالي، تظل عناصر الصحوة تشكل خطرا علي أمن العراق، إذا لم يتم التعامل معها بما يضمن لها تمثيلا في الأجهزة الأمنية. وهذا الخطر تشير إليه المواجهات التي وقعت بين اللجان الشعبية التابعة لمجلس الصحوة في بعقوبة بمحافظة ديالي والشرطة العراقية، والتي كانت بسبب رفض قائد شرطة المحافظة واللجنة السياسية في مجلس المحافظة مطالبها بالالتحاق بالأجهزة الأمنية الخاصة بالمحافظة، وبرروا ذلك بمشاركتها في قتل وخطف مواطنين خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وقد هيأ هذا الوضع مناخا سمح لتنظيم القاعدة بتنفيذ هجمات جديدة أثناء ذلك في المدينة(13).

الموقف من البعثيين :

يلاحظ وجود انقسام بين القوي السنية وغيرها من القوي العراقية حول كيفية التعامل مع البعثيين. وإذا ما حدث نوع من التقارب بين مواقف السنة وغيرها من القوي، فإنه مرتبط بتحقيق غايات معينة، أي أنه تقارب آني لا يستند إلي قناعة حقيقية لدي تلك القوي بدمج البعثيين في العملية السياسية.

ويعتبر موقف حكومة المالكي من البعثيين، خاصة بعد إعلان نتائج الانتخابات المحلية، هو الأكثر مرونة مقارنة بمواقف القوي العراقية الأخري، حيث حاولت استمالة القوي السنية للتحالف معها، خاصة تلك المؤيدة لعودة البعثيين كصالح المطلك(14). فالقوي السياسية السنية تسعي للضغط علي حكومة المالكي لإحياء عملية المصالحة الوطنية وتوسيعها لتشمل البعثيين، بمن في ذلك أولئك الموجودون في سوريا، حتي وإن تطلب ذلك منها تقديم بعض التنازلات. وهذا ما قامت به عند عرض الاتفاق الأمني علي مجلس النواب العراقي، حيث قايضت جبهة التوافق السنية، التي انسحبت من حكومة المالكي إثر خلافات معها في أغسطس 2007، الموافقة علي الاتفاق الأمني مقابل تمرير وثيقة الإصلاح السياسي، وقد مررها المجلس بقرار تشريعي. وشملت الوثيقة عددا من القضايا، من أهمها إعادة بناء القوات المسلحة العراقية علي أسس مهنية ووطنية، واستيعاب مجالس الصحوة، والتوقف عن ملاحقة عناصرها باستثناء من ارتكب جرائم في حق الشعب العراقي(15).