منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#34798
أتى شابّان إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان في


المجلس وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمامه


‏قال عمر: ما هذا

‏قالوا : يا أمير المؤمنين ، هذا
قتل أبانا


‏قال: أقتلت أباهم ؟

‏قال: نعم قتلته !

‏قال : كيف قتلتَه ؟


‏قال : دخل بجمله في أرضي ، فزجرته

، فلم ينزجر، فأرسلت عليه ‏حجراً ، وقع على رأسه فمات...


‏قال عمر : القصاص .... ‏الإعدام .. قرار لم يكتب ... وحكم سديد لا يحتاج مناقشة ،
لم يسأل عمر عن أسرة هذا الرجل ، هل هو من قبيلة شريفة ؟ هل هو من أسرة قوية ؟



‏ما مركزه في المجتمع ؟ كل هذا لا يهم عمر - رضي الله عنه - لأنه لا


‏يحابي ‏أحداً في دين الله ، ولا يجامل أحدا ًعلى حساب شرع الله ،

ولو كان ‏ابنه ‏القاتل ، لاقتص منه ..



‏قال الرجل : يا أمير المؤمنين : أسألك بالذي قامت به السماوات والأرض

‏أن تتركني ليلة ، لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية ،
فأُخبِرُهم ‏بأنك سوف تقتلني ، ثم أعود إليك ،


والله ليس لهم عائل إلا الله ثم أنا

قال عمر : من يكفلك أن تذهب إلى البادية ، ثم تعود إليَّ؟



‏فسكت الناس جميعا ً، إنهم لا يعرفون اسمه ، ولا خيمته ، ولا

داره ‏ولا قبيلته ولا منزله ، فكيف يكفلونه ، وهي كفالة ليست


على عشرة دنانير، ولا على ‏أرض ، ولا على ناقة

إنها كفالة على الرقبة أن تُقطع بالسيف ..


‏ومن يعترض على عمر في تطبيق شرع الله ؟ ومن يشفع عنده ؟ومن ‏يمكن

أن يُفكر في وساطة لديه ؟ فسكت الصحابة ، وعمر مُتأثر ، لأنه



‏وقع في حيرة ، هل يُقدم فيقتل هذا الرجل ، وأطفاله يموتون جوعاً

هناك أو يتركه فيذهب بلا كفالة ،


فيضيع دم المقتول ، وسكت الناس ،


ونكّس عمر ‏رأسه ، والتفت إلى الشابين : أتعفوان عنه ؟



‏قالا : لا ، من قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين..


‏قال عمر : من يكفل هذا أيها الناس ؟!!


‏فقام أبو ذر الغفاريّ بشيبته وزهده ، وصدقه ،
وقال: ‏يا أمير المؤمنين ، أنا أكفله


‏قال عمر : هو قَتْل ، قال : ولو كان قاتلا!


‏قال: أتعرفه ؟


‏قال: ما أعرفه ، قال : كيف تكفله ?


‏قال: رأيت فيه سِمات المؤمنين ،

فعلمت أنه لا يكذب ، وسيأتي إن شاء‏الله



‏قال عمر : يا أبا ذرّ ، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك!


‏قال: الله المستعان يا أمير المؤمنين ...


‏فذهب الرجل ، وأعطاه عمر ثلاث ليال ٍ، يُهيئ فيها نفسه،

ويُودع ‏أطفاله وأهله ، وينظر في أمرهم بعده ،ثم يأتي ،

ليقتص منه لأنه قتل ....


‏وبعد ثلاث ليالٍ لم ينس عمر

الموعد ، يَعُدّ الأيام عداً ،


وفي العصر‏نادى ‏في المدينة : الصلاة جامعة ،

فجاء الشابان ، واجتمع الناس ، وأتى أبو ‏ذر ‏وجلس أمام عمر


، قال عمر: أين الرجل ؟


قال : ما أدري يا أمير المؤمنين!



‏وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس ، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها

، وسكت‏الصحابة واجمين ، عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله.



‏صحيح أن أبا ذرّ يسكن في قلب عمر، وأنه يقطع له من جسمه إذا أراد


‏لكن هذه شريعة ، لكن هذا منهج ، لكن هذه أحكام ربانية ،

لا يلعب بها ‏اللاعبون‏ولا تدخل في الأدراج لتُناقش صلاحيتها


، ولا تنفذ في ظروف دون ظروف ‏وعلى أناس دون أناس ،


وفي مكان دون مكان... ‏وقبل الغروب بلحظات ،


وإذا بالرجل يأتي ،


فكبّر عمر ،وكبّر المسلمون‏ معه



‏فقال عمر : أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ،
ما شعرنا بك ‏وما عرفنا مكانك !!



‏قال: يا أمير المؤمنين ، والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من

الذي يعلم السرَّ وأخفى !!


ها أنا يا أمير المؤمنين ، تركت أطفالي


كفراخ‏ الطير لا ماء ولا شجر في البادية ،وجئتُ لأُقتل...


وخشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس


فسأل عمر بن الخطاب أبو ذر لماذا ضمنته؟؟؟


فقال أبو ذر : خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من الناس



‏فوقف عمر وقال للشابين : ماذا تريان؟


‏قالا وهما يبكيان : عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه..

وقالوا نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس !



‏قال عمر : الله أكبر ، ودموعه تسيل على لحيته .....


‏جزاكما الله خيراً أيها الشابان على عفوكما ،

وجزاك الله خيراً يا أبا ‏ذرّ ‏يوم فرّجت عن هذا الرجل كربته


، وجزاك الله خيراً أيها الرجل ‏لصدقك ووفائك ...




‏وجزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين لعدلك و رحمتك.....


‏قال أحد المحدثين :

والذي نفسي بيده ، لقد دُفِنت سعادة الإيمان ‏والإسلام في أكفان عمر!!.