منتديات الحوار الجامعية السياسية

شخصيات صنعت التاريخ

المشرف: بدريه القحطاني

By مشعل الحمياني1
#34981


كانت المرحلة العباسية من أهم المراحل في التاريخ العربي الإسلامي، فهي دولة البناء، والفتوحات، والشعر والفنون، ولا شك أن سيرة حياة كاتبها وناقش خطى مسيرتها، ومؤسسها الفعلي، هي كذلك من أهم السير، فنحن نتحدث هنا عن خليفة، ومحارب، وقائد عسكري، ومتذوق للشعر من الطراز الرفيع .. إننا نتحدث عن أمير المؤمنين "أبي جعفر المنصور".

ولد "أبو جعفر المنصور" في منطقة "الحميمة" بجنوب الأردن (95هـ -714م)، وتميزت شخصية "أبو جعفر" منذ بنانة أطرافه، ونشأ "أبو جعفر" الطفل بين كبار رجال بني هاشم، فشب فصيحاً عالماً بالسير والأخبار، ملماً بالشعر والنثر. وكان أبوه صاحب الدعوة العباسية، ومنظمها الأول، فقد وصلت رسالة لأبيه "محمد بن علي"، من رعية العراق والشام، تطلب منه أخذ موقف من الدولة الأموية التي هرمت، وما عادت قادرة على إدارة شؤونهم.

لقد أثبت "أبو جعفر" حضوره في بدايات الدعوة العباسية التي كرّس نفسها لها وتملكت جل وجدانه، فأضفى عليها لمساته وترك بصمته الواضحة، وحين نجحت الدعوة وأطاحت بالدولة الأموية؛ استعان به أخوه "أبو العباس السفّاح" في القضاء على خصومه وتصريف شؤون الدولة، يمرض "أبو العباس" فيوصى لأخيه بالخلافة، وهنا تبدأ المرحلة الأهم في سيرة هذا الرجل، في (ذي الحجة 136هـ = حزيران 754م).

لقد كانت الدولة الشابة حين تسلم أمرها "المنصور" غير ثابتة الأركان آيلة للسقوط، وذلك لكثرة الثورات والخصوم، فبدأ معركته بالحفاظ على السلطة مع ثورة عمه "عبد الله بن علي" الذي رأى أنه أحق بالخلافة منه؛ وما أن انتهى منها، حتى تخلص بالحيلة والدهاء من "أبي مسلم الخراساني".

ثم واجه عدة ثورات جامحة، اشتعلت في بعض أركان الدولة، وقضى عليها جميعها، إلا أن أخطر ما واجه، وأعتى من خرج عليه هو "محمد النفس الزكية"، وهي الثورة التي تبقى محطة من أهم محطات سيرته السياسية العامة أو الخاصة.

وما أن تخلص من الثورات الكبيرة حتى وضع حجر الأساس لعاصمة الدنيا "بغداد"، والتي أسسها لتكون مصدراً لتزويد الدولة بالدعم المادي، ولقربها من كل الطرق التجارية، ولم يخلُ بناؤها من الروح المعمارية الفاخرة، وما أقامه "أبو جعفر" قائم حتى اليوم، على الرغم من كثرة الغزوات والمجازر التي واجهته.

لقد كشفت كل الأحداث العظيمة والثورات العديدة والخطيرة التي واجهها "أبو جعفر"، ما يمتلكه هذا الرجل من براعة سياسية وخبرة حربية، وقدرة على حشد الرجال، وتثبيتهم في المحن، ودهاء وحيلة في الإيقاع بالخصوم، ودراية في مجال السياسة وبناء الدول.

دامت خلافة "أبي جعفر المنصور" اثنين وعشرين عاماً، نجح خلالها في تثبيت أركان الدولة العباسية ووضع أساسها الراسخ. وتوفي في (7 من تشرين الأول 755م) وهو محرم بالحج والعمرة، ودُفن في مقبرة المعلاة "بئر ميمون" في أعلى "مكة المكرمة".