- الثلاثاء مايو 10, 2011 1:06 am
#35005
الكاتب : محمد سبيلا
قد لا يكون من اليسير على الباحث أن يكون موضوعيا ومحايدا في تناول موضوع حار كهذا: العنف، الدولة، والمجتمع في مغرب ما بعد الاستقلال، وذلك لأن هذه الواقعة كانت من الحدة الشمولية بحيث عمت كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية في المغرب، حيث طالت جل القطاعات، وجعلت الصراع السياسي العنيف يستقطب ويكيف على أشكال الصراع الأخرى. هذا إضافة إلى الطابع المأساوي الاجتماعي لهذه الظاهرة التي طالت نتائجها آلاف المصائر الفردية والجماعية.
لكن مع مرور الزمن ومع الوعي بضرورة اتخاذ المسافة الفكرية، إن لم يكن الوجدانية، الكافية تجاه هذا الواقع الذي طالت نتائجه كل القطاعات، وبخاصة الحقل السياسي لعدة عقود. يمكن مبدئيا أن نكون جميعا مدعوين للتفكير في واقعة العنف السياسي في بلادنا بقدر أكبر من الموضوعية، ووضع الأحكام السياسية والإيديولوجية المسبقة بين قوسين ولو مؤقتا، وربما الانفصال المنهجي المؤقت عن متخيل سياسي بكامله.
1 - نظرة شمولية إلى عنف هذه المرحلة
أول متطلبات الموضوعية هنا هو ضرورة النظر إلى عنف هذه المرحلة بشموليته. لقد كانت كمية العنف المصرفة والمعتملة والمختزلة في الحقل السياسي كبيرة كما وكيفا، وحجما(1) ووحدة، ابتداء من العنف الجسدي (تصفيات المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وبعض فقهاء حزب الاستقلال، ومناضلي حزب الشورى والاستقلال)، إلى التمردات المتلاحقة (اليوسي-عدي وبيهي-الريف-الدار البيضاء 1972-1965 مولاي بوعزة، والناظور، وفاس...)، إلى الانقلابات والتظاهرات والاعتقالات والإبادات والإذابات والمؤامرات والمؤامرات المضادة، إلى العنف اللفظي والإيديولوجي الذي طبع لغة تلك الفترة ("الحكم الملكي المطلق"-"النظام الإقطاعي"...إلخ). لقد كان العنف "واقعة كلية" (fait total ) مستشرية ومتبادلة وحادة شملت كل أزمنة الجمر ومستوياتها، حيث "عسف السيف الحاد المسلط على الرقاب، وانهمار المطر الوابل الدماء في المغرب الجريح الذبيح وهلم شرا"(2).
لكن الاعتراف بكون العنف كان لغة مختلف الأطراف، وإن بدرجات متفاوتة، يتطلب الكثير من الجهد النفسي والفكري لمحاولة وضع عناءات المرحلة مؤقتا بين قوسين، والتخلص من البقايا والترسبات النفسية، وردود الفعل الانعكاسية والشرطية لثقافة المعارضة، ولحدة سنوات الجمر، وذلك تمهيدا لفهم أعمق للمرحلة.
وسواء اعتبرنا هذا العنف الشامل مجرد عنف دفاعي أو عنفا هجوميا، سواء اعتبرناه عنف فعل أو عنف رد فعل (على الرغم من أن كل عنف يقدم نفسه على أنه عنف-مضاد (contre-violence ) أي مجرد رد فعل على عنف الطرف الآخر)، وسواء اعتبرناه عنفا عذبا (violence douce )، أو عنفا شرسا، وسواء كان عنفا مناسباتيا أو دوريا، أو عنفا انتظاميا وإيقاعيا ويوميا؛ فإن هناك واقعة موضوعية وهي أن عنف الدولة كان، دون شك، الأضخم والأقوى والأشرس والأشمل لكل المجالات، والوسائل، والأمكنة، والأشخاص، والثنايا.
لقد اختلطت في هذا العنف الشرس والشامل والمستقطب، بشكل رفيع وماكر، عناصر التنافس والصراع الإيديولوجي، والجيلي، والبطولي الفردي، والطبقي، والجهوي، والعرقي، والحزبي، واللغوي وغيرها.
قد لا يكون من اليسير على الباحث أن يكون موضوعيا ومحايدا في تناول موضوع حار كهذا: العنف، الدولة، والمجتمع في مغرب ما بعد الاستقلال، وذلك لأن هذه الواقعة كانت من الحدة الشمولية بحيث عمت كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية في المغرب، حيث طالت جل القطاعات، وجعلت الصراع السياسي العنيف يستقطب ويكيف على أشكال الصراع الأخرى. هذا إضافة إلى الطابع المأساوي الاجتماعي لهذه الظاهرة التي طالت نتائجها آلاف المصائر الفردية والجماعية.
لكن مع مرور الزمن ومع الوعي بضرورة اتخاذ المسافة الفكرية، إن لم يكن الوجدانية، الكافية تجاه هذا الواقع الذي طالت نتائجه كل القطاعات، وبخاصة الحقل السياسي لعدة عقود. يمكن مبدئيا أن نكون جميعا مدعوين للتفكير في واقعة العنف السياسي في بلادنا بقدر أكبر من الموضوعية، ووضع الأحكام السياسية والإيديولوجية المسبقة بين قوسين ولو مؤقتا، وربما الانفصال المنهجي المؤقت عن متخيل سياسي بكامله.
1 - نظرة شمولية إلى عنف هذه المرحلة
أول متطلبات الموضوعية هنا هو ضرورة النظر إلى عنف هذه المرحلة بشموليته. لقد كانت كمية العنف المصرفة والمعتملة والمختزلة في الحقل السياسي كبيرة كما وكيفا، وحجما(1) ووحدة، ابتداء من العنف الجسدي (تصفيات المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وبعض فقهاء حزب الاستقلال، ومناضلي حزب الشورى والاستقلال)، إلى التمردات المتلاحقة (اليوسي-عدي وبيهي-الريف-الدار البيضاء 1972-1965 مولاي بوعزة، والناظور، وفاس...)، إلى الانقلابات والتظاهرات والاعتقالات والإبادات والإذابات والمؤامرات والمؤامرات المضادة، إلى العنف اللفظي والإيديولوجي الذي طبع لغة تلك الفترة ("الحكم الملكي المطلق"-"النظام الإقطاعي"...إلخ). لقد كان العنف "واقعة كلية" (fait total ) مستشرية ومتبادلة وحادة شملت كل أزمنة الجمر ومستوياتها، حيث "عسف السيف الحاد المسلط على الرقاب، وانهمار المطر الوابل الدماء في المغرب الجريح الذبيح وهلم شرا"(2).
لكن الاعتراف بكون العنف كان لغة مختلف الأطراف، وإن بدرجات متفاوتة، يتطلب الكثير من الجهد النفسي والفكري لمحاولة وضع عناءات المرحلة مؤقتا بين قوسين، والتخلص من البقايا والترسبات النفسية، وردود الفعل الانعكاسية والشرطية لثقافة المعارضة، ولحدة سنوات الجمر، وذلك تمهيدا لفهم أعمق للمرحلة.
وسواء اعتبرنا هذا العنف الشامل مجرد عنف دفاعي أو عنفا هجوميا، سواء اعتبرناه عنف فعل أو عنف رد فعل (على الرغم من أن كل عنف يقدم نفسه على أنه عنف-مضاد (contre-violence ) أي مجرد رد فعل على عنف الطرف الآخر)، وسواء اعتبرناه عنفا عذبا (violence douce )، أو عنفا شرسا، وسواء كان عنفا مناسباتيا أو دوريا، أو عنفا انتظاميا وإيقاعيا ويوميا؛ فإن هناك واقعة موضوعية وهي أن عنف الدولة كان، دون شك، الأضخم والأقوى والأشرس والأشمل لكل المجالات، والوسائل، والأمكنة، والأشخاص، والثنايا.
لقد اختلطت في هذا العنف الشرس والشامل والمستقطب، بشكل رفيع وماكر، عناصر التنافس والصراع الإيديولوجي، والجيلي، والبطولي الفردي، والطبقي، والجهوي، والعرقي، والحزبي، واللغوي وغيرها.