By مشاري لحندول (9) - الثلاثاء مايو 10, 2011 10:19 pm
- الثلاثاء مايو 10, 2011 10:19 pm
#35118
منذ أكثر من عقد ، و الاعلام بكل انواعه يطبل و يزمر و هو يدعو لمصطلح ذي بعد ايديولوجي متشعب الابعاد ، غطى هذا المصطلح الذي اختير له اسم العولمة على كل المصطلحات الايديولوجية الاخرى ،و لقد
كان لتفكك و انهيار الاتحاد السوفيتي بشكل درامي دور كبير في ولادة المصطلح ، كما ان للقوة الاقتصادية و العسكرية و الاعلامية التي تمتلكها الولايات المتحدة الامريكية اثراً كبيراً في تعويم مشروع العولمة و الدعاية له ، ثم ما لبثت احداث / 11- سبتمبر / ان عجلت باعتقال هذا المصطلح من قبل المارد الامريكي ، فأمركته مع توسيعه ايديولوجياً ، لتضاف اليها تعاريف اخرى مثل عولمة محاربة الارهاب و الهيمنة على منظمة الامم المتحدة ، و عولمتها امريكياً . و كما ان لكل ايدولوجية جديدة عدواً ان تدخل معه صراعاً ، ليساهم هذا الصراع بشكل ما في ادارة المسرحية ، ليعطيها بعداً تنافسياً و يجعل لها انصاراً ، تم اعتبار الاسلام العدو في هذا الصراع ، ليزج به اعداؤه في هذه المعركة رغم انفه ، و لهذا الاختبار مبررات نفسية عند الغرب الذي لايزال يعيش عقدة الحروب الصليبية ، و لم يلبث يرددها في كل تحد كما ان ثنائية الشرق و الغرب ، او الهلال و الصليب لا تزال تعشش في اذهان المستشرقين ، و هي تجعل الرأي العام في المعسكر الغربي ينحاز للعولمة مادام العدو الجديد هو المتحدي ؟ و أخذ مروجو العولمة و ازلامها يخدعون المجتمعات البشرية بشعارات رنانة تسحر آذان المستمعين ، و يسيل لها لعابهم ، و تسبح مع هذه الشعارات أحلامهم مثل : حقوق الانسان ، و الديموقراطية ، و المجتمع المدني و صراع الحضارات . و اعتقد مؤسسو العولمة انه قد تم خداع العالم فيما طرحوا ، خصوصاً بعد انهيار المنظومة الاشتراكية رسمياً ، فإن الجميع سيسير في ركبهم باستثناء الاسلاميين الذي يصرون على مشروعهم الاسلامي و لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن اباطرة العولمة ، فإذا بمناهضي العولمة ليس الاسلاميون وحدهم ، بل معهم في مقاومة مشروع العولمة اليساريون ذوو الاتجاه الاقتصادي ، و هناك الطبقة العاملة الغربية التي كشفت مؤامرة شياطين العولمة ، الذين يخططون لإلقائهم في الشارع تحت حجة ما يسمى بدمج الشركات ، و يجب ان نعلم ان مقاومة مشروع العولمة ليست قضية الاسلاميين وحدهم ، بل هي قضية الشرفاء في كل مكان على الارض ، و نحن مأمورون بمقاومة كل تمدد فرعوني ، و كل انتشار طاغوتي ، يريد مصادرة حرية الناس و مسخ خصوصياتهم و تدمير الاخلاقيات عندهم ، و لابد ان نوضح و نحن من أمة لها تاريخها و دينها و هويتها و مشروعها اننا امام تحد حقيقي ، و أمام اختبار حضاري ، إما ان تسخر فيه الامة خصوصيتها و مشروعها ، و اما ان تثبت و تقاوم و تستعيد حيويتها و ارادتها لتقدم مشروعها الحضاري ، و لنعلم اننا أمام ايديولوجية اخطبوطية ، لم تظهر هكذا بين عشية و ضحاها ، بل عمل اصحابها من أجلها كثيراً ، و خططوا لها عقوداً طويلة و درسوا توقيت اطلاقها دراسة ماكرة . لذلك علينا ان نوضح ماهية هذا المصطلح ،و نبين حقيقته و اهدافه و من وراءه ، و ماذا يريد منا و من العالم ، كما يجب علينا ان نبين الاخطار المترتبة على الامة الاسلامية خاصة و البشرية عامة من جراء هذه الاستراتيجية التي تتمدد داخل المجتمعات تمدد الثعابين و المسماة بالعولمة ، من خلال كشف ابعادها الثقافية و الاجتماعية و الدينية و الاقتصادية و السياسية ،و لابد و نحن نقوم بذلك ، ان نراعي تبسيط المفهوم الايديولوجي للعولمة حتى يدركه الجميع ، و يستنفروا طاقاتهم من أجل مقاومته ، دون تسطيحه و عرض حقيقة العولمة ضمن اطارها الصحيح دون تضخيمها . فاليوم تتعرض كل شعوب الارض بكل قومياتها و ثقافاتها الى عملية و أد لهويتها ، و عملية اجهاض لخصوصيتها التي عرفت بها منذ زمن طويل ، و ذلك من خلال مشروع العولمة الامريكية ، التي لا تقبل لأي أمة ان يكون لها مشروعها الخاص او هويتها الذاتية ، أو نمطها الثقافي ، و نحن كأمة من بين أمم الارض ، نعاني مما تعاني هذه الامم من همجية هذا المشروع ، الذي سيدوس الجميع بقوته الاقتصادية و السياسيةو العسكرية و الاعلامية ، و لقد جذب مشروع العولمة الامريكية اهتمام الكثير من المفكرين و العلماء و السياسيين نحو نقاش كبير في كل مكان على وجه الارض لما لهذا المشروع من أبعاد لا يمكن ان تمر مرور الكرام ،خصوصاً أنه يرفض الآخر ولايعترف بخصوصية لأحد ،بل يريد أن يطبع العالم كله بطابعه الثقافي والاستهلاكي والنفعي ،ولقد أخذ مصطلح العولمة يترك أثراً مباشراً على مسامع الناس ،في كل مكان من هذا العالم وبدأت وسائل الاعلام ودور صناعة الفكر والسلوك التي تنتشر في كل مكان تهيئ الناس ،كي يرتدوا ثوب العولمة وهم يتجردون عن ثيابهم الخاصة التي عرفوا بها دون أن يشعروا . خداع المصطلح: لقد طرح مصطلح العولمة على أنه مترجم من الكلمة الانجليزية وهي (g l o b a l ) والتي قيل أن المقصود بها هو العالمية ولكن معنى العالمية في الانكليزية هو: ( u n i v e r s a l i s m e ) وبالتالي فإن العولمة شيء والعالمية شيء آخر تماماً ، فالعالمية ترتكز على الحوار والاعتراف بالآخر مهما يختزن من ثقافة وفكر ،وهي حركة إنسانية لتبادل المعلومات والثقافات والتجارب ،ومن هنا نقول: إن الفارق بين العالمية والعولمة كبير جداً ،لأن العالمية هي الارتقاء بالخصوصية نحو مصاف التعميم العالمي بطريقة العرض لاالفرض ،أما العولمة كما يتضح من سياستها فهي كبت للخصوصيات الأخرى ومنع لانطلاقها ووأد وإقصاء لكل هوية تريد إظهار نفسها ،يترافق ذلك مع تعميم النمط الثقافي الاستهلاكي الامريكي ،وهذا ماأراده عالم الاتصالات الكندي مارشال ماكلوهان الذي قال: إن العالم من خلال ثورة الاتصالات الحديثة سيتحول الى عالم متحد لاتستطيع الحدود بين الدول أن تمنع تلاقي الناس فيما بينهم من خلال سرعة وضخامة شبكات الاتصال الحديثة وبالتالي يتحول العالم الى مايشبه القرية الكونية فالكندي(ماكلوهان) أراد العالمية ولم يرد العولمة بالمفهوم الأمريكي إلا أن المصطلح سرق ،وأخذت العولمة تذكر مقرونة بمصطلح القرية العالمية ،ولوقلنا جدلاً أن المصطلح يصح على ثورة الاتصالات الحديثة ،فما علاقة هذا المصطلح بمشروع العولمة الثقافي والاقتصادي والسياسي ،إلا إذا كان مشروع العولمة الامريكي يريد مصادرة كل شيء لحسابه ؟! وهنا يبدو خداع المصطلح ،إذ أن المستفيدين من العولمة يريدون خداع الناس مستغلين التقدم العلمي الذي حققه الانسان من انترنيت ومحطات فضائية ليقولوا للعالم : هذا من انتاج العولمة ،لتدخل المجتمعات نادي العولمة وهي منبهرة بتلك العلوم فتفقد كل خصوصيتها . إن محاولة خداع الناس من خلال اظهار العولمة وكأنها ثورة للاتصالات ،لها الفضل في هذه الثورة (انترنيت ومحطات فضائية وأقمار صناعية) وإخفاء وراء ذلك عولمة الثقافة ،وتخريب البيئة بواسطة شركاتها ،وهيمنة الاقتصاد الامبريالي على العالم ،وسياسة القطب الواحد ،وتعيم النمط الاستهلاكي الامريكي من خلال ثورة الاتصالات ،إنما هو خداع للبسطاء وتبسيط لمخاطر العولمة ،ومن خلال خداع المصطلح تغدو كل الشعوب النامية ،متلقية ماينتجه ويستغله أباطرة مشروع العولمة ،دون أن يكون لها أي دور أو ارادة !؟ فأصحاب هذا المشروع يقولون للعالم: لن تتقدموا ،ولن تستطيعوا أن تتحضروا إلا إذا واكبتم مانفرزه ومانقدمه لكم وعليكم حتى تستطيعوا أن تدخولا نادي العولمة أن تدخلوا عن كل ماهو خاص لتتخذوا من نمطنا الثقافي والاجتماعي والاستهلاكي لبوساً جديداً لكم . وكانت وسائل الاعلام الأمريكية ومن حذا حذوها ،تدعو الجميع الى فتح أبوابهم للعولمة ،وأن يتخذوا من النموذج الامريكي أسوة حتى يتعولموا وأن يكيفوا مجتمعاتهم مع النمط الامريكي ،ليستطيعوا التعايش مع مشروع العولمة ،ولكي يعطي مروجو العولمة مشروعهم بعداً أيديولوجياً اتخذوا من الاسلام عدواً لهم ،حتى يستنفروا أعداء الأخلاق والفضيلة والايمان ،كي ينضموا الي تيارهم ،وهذا هو السبب الذي دفع بصموئيل هنتنغتون الذي تحدث في مقالته الشهيرة عن (صدام الحضارات) والذي وصل في نهاية نظريته الى أن الاسلام هو المؤهل والمرشح لكي يتصادم مع الحضارة الغربية ،والتي أخذت العولمة بنموذجها الامريكي قدوة لها ،وهنتنغتون يعرف أن الصراع بين العرب والعولمة يبدأ من الثقافة وله علاقة مباشرة بالسلوكيات . وأخذت الدعوة الى هذه الأمة للحاق بقطار العولمة يتبناها مجموعة من عملاء الحضارة الامريكية ،تدعو أبناء هذه الأمة للتخلي عن هويتهم وخصوصيتهم كي لايفوتهم قطار العولمة ،إنهم يدعون الأمة للانتساب الى نادي العولمة دون أن يبينوا .لامتهم ما هو ثمن رسم الدخول الى نادي العولمة ولا ما هي الشروط التي يجب ان تتوفر في من يدخل رحاب هذا النادي ويكتفون بخداع الامة بمصطلح العولمة ان هؤلاء يخدعون الامة بما يزينون به مشروع العولمة ويدعون الامة الى ان تفتح ابوابها وحدودها واسواقها وبيوتها لما تبثه العولمة من سلع دون ان يوضحوا للامة ان وراء كل سلعة تقدمها العولمة سلوكاً ثقافياً يجب ان يمارس مع تعاطي هذه السلعة سلوكاً لا يقبل ان يكون موجوداً بوجود سلوك ثقافي وفكري آخر لانه اناني لا يقبل المشاركة والمنافسة . ويبدو ان هؤلاء المسحورين بكل ما يأتي من امريكا دون تمييز بين ما هو مفيد للامة وما هو ضار بها لا يقيمون وزناً للهوية ولا للخصوصية ولا اعتبار عندهم لهذه الامة ان كانت تابعة او ممسوخة او غدت ذنباً للآخرين ؟ من هنا تبدو العولمة باهدافها الخطيرة ومشروعها الكبير جداً واذرعها الاخطبوطية تشكل تحدياً حقيقياً لهذه الامة ومشروعها ورسالتها وخصوصيتها ان هذا التحدي يجب ان يشكل حافزاً لهذه الامة . ان العولمة تقدم امريكا على اساس انها فرعون العصر وجورج سورس قارونها ومرداخ هامانها والمارينز الامريكي جنودها . ثم لا ننسى قضية مهمة حتى لا ننخدع في المصطلح وهي ان هناك فارقاً كبيراً بين العولمة الامريكية ومفهوم العالمية الذي طرحه وطبقه الاسلام لان العالمية الاسلامية تضمن خصوصية الآخر وتعطيه الحق في المحافظة على هويتها وتؤمن بالتعددية في كل شيء حتى العقيدة وترفض الاكراه في كل شيء وتعطي الحرية لكل فكر في ان يبدي رأيه وتقول لكل مخالف : « قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين » . في حين ان العولمة تلغي الخصوصية ولا تعترف بالهوية ولا تحتمل الرأي الآخر بل تكيل له التهم وتعمل على محاربته وحتى لا يخدعنا المصطلح وان ترجم من الاصل الانجليزي على اساس انه يعني في الانجليزية دولي او عالمي فهو في مقاصده ليس كذلك كما انه في اللغة العربية ليس من ذات الجذر الذي يفهم منه معنى العالمية وربما يراد من تمييع المصطلح وخداعه اشياء ستظهر جلية عندما نعرف العولمة جيداً وحول ذلك يتحدث الدكتور اسعد السحمراني في كتابه « ويلات العولمة » قائلاً : العولمة التي لم يصوغوا لها تعريفاً ولا تحديداً بل تركوها ملتبسة كي تنطلي مؤامراتهم على البسطاء يريدون من خلالها توسيع مساحة نفوذهم وسيطرتهم على الاقتصاد والسياسة والفن والثقافة وسائر وجوه الحياة وميادينها لا بل يريدون من خلالها ضرب الهويات والخصائص في كل امة ان استطاعوا ذلك متذرعين بتجاوز الحدود القومية والوطنية او ان العالم حسب زعمهم بات قرية كونية صغيرة وهذا تعبير فيه تجاوز للحقيقة
كان لتفكك و انهيار الاتحاد السوفيتي بشكل درامي دور كبير في ولادة المصطلح ، كما ان للقوة الاقتصادية و العسكرية و الاعلامية التي تمتلكها الولايات المتحدة الامريكية اثراً كبيراً في تعويم مشروع العولمة و الدعاية له ، ثم ما لبثت احداث / 11- سبتمبر / ان عجلت باعتقال هذا المصطلح من قبل المارد الامريكي ، فأمركته مع توسيعه ايديولوجياً ، لتضاف اليها تعاريف اخرى مثل عولمة محاربة الارهاب و الهيمنة على منظمة الامم المتحدة ، و عولمتها امريكياً . و كما ان لكل ايدولوجية جديدة عدواً ان تدخل معه صراعاً ، ليساهم هذا الصراع بشكل ما في ادارة المسرحية ، ليعطيها بعداً تنافسياً و يجعل لها انصاراً ، تم اعتبار الاسلام العدو في هذا الصراع ، ليزج به اعداؤه في هذه المعركة رغم انفه ، و لهذا الاختبار مبررات نفسية عند الغرب الذي لايزال يعيش عقدة الحروب الصليبية ، و لم يلبث يرددها في كل تحد كما ان ثنائية الشرق و الغرب ، او الهلال و الصليب لا تزال تعشش في اذهان المستشرقين ، و هي تجعل الرأي العام في المعسكر الغربي ينحاز للعولمة مادام العدو الجديد هو المتحدي ؟ و أخذ مروجو العولمة و ازلامها يخدعون المجتمعات البشرية بشعارات رنانة تسحر آذان المستمعين ، و يسيل لها لعابهم ، و تسبح مع هذه الشعارات أحلامهم مثل : حقوق الانسان ، و الديموقراطية ، و المجتمع المدني و صراع الحضارات . و اعتقد مؤسسو العولمة انه قد تم خداع العالم فيما طرحوا ، خصوصاً بعد انهيار المنظومة الاشتراكية رسمياً ، فإن الجميع سيسير في ركبهم باستثناء الاسلاميين الذي يصرون على مشروعهم الاسلامي و لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن اباطرة العولمة ، فإذا بمناهضي العولمة ليس الاسلاميون وحدهم ، بل معهم في مقاومة مشروع العولمة اليساريون ذوو الاتجاه الاقتصادي ، و هناك الطبقة العاملة الغربية التي كشفت مؤامرة شياطين العولمة ، الذين يخططون لإلقائهم في الشارع تحت حجة ما يسمى بدمج الشركات ، و يجب ان نعلم ان مقاومة مشروع العولمة ليست قضية الاسلاميين وحدهم ، بل هي قضية الشرفاء في كل مكان على الارض ، و نحن مأمورون بمقاومة كل تمدد فرعوني ، و كل انتشار طاغوتي ، يريد مصادرة حرية الناس و مسخ خصوصياتهم و تدمير الاخلاقيات عندهم ، و لابد ان نوضح و نحن من أمة لها تاريخها و دينها و هويتها و مشروعها اننا امام تحد حقيقي ، و أمام اختبار حضاري ، إما ان تسخر فيه الامة خصوصيتها و مشروعها ، و اما ان تثبت و تقاوم و تستعيد حيويتها و ارادتها لتقدم مشروعها الحضاري ، و لنعلم اننا أمام ايديولوجية اخطبوطية ، لم تظهر هكذا بين عشية و ضحاها ، بل عمل اصحابها من أجلها كثيراً ، و خططوا لها عقوداً طويلة و درسوا توقيت اطلاقها دراسة ماكرة . لذلك علينا ان نوضح ماهية هذا المصطلح ،و نبين حقيقته و اهدافه و من وراءه ، و ماذا يريد منا و من العالم ، كما يجب علينا ان نبين الاخطار المترتبة على الامة الاسلامية خاصة و البشرية عامة من جراء هذه الاستراتيجية التي تتمدد داخل المجتمعات تمدد الثعابين و المسماة بالعولمة ، من خلال كشف ابعادها الثقافية و الاجتماعية و الدينية و الاقتصادية و السياسية ،و لابد و نحن نقوم بذلك ، ان نراعي تبسيط المفهوم الايديولوجي للعولمة حتى يدركه الجميع ، و يستنفروا طاقاتهم من أجل مقاومته ، دون تسطيحه و عرض حقيقة العولمة ضمن اطارها الصحيح دون تضخيمها . فاليوم تتعرض كل شعوب الارض بكل قومياتها و ثقافاتها الى عملية و أد لهويتها ، و عملية اجهاض لخصوصيتها التي عرفت بها منذ زمن طويل ، و ذلك من خلال مشروع العولمة الامريكية ، التي لا تقبل لأي أمة ان يكون لها مشروعها الخاص او هويتها الذاتية ، أو نمطها الثقافي ، و نحن كأمة من بين أمم الارض ، نعاني مما تعاني هذه الامم من همجية هذا المشروع ، الذي سيدوس الجميع بقوته الاقتصادية و السياسيةو العسكرية و الاعلامية ، و لقد جذب مشروع العولمة الامريكية اهتمام الكثير من المفكرين و العلماء و السياسيين نحو نقاش كبير في كل مكان على وجه الارض لما لهذا المشروع من أبعاد لا يمكن ان تمر مرور الكرام ،خصوصاً أنه يرفض الآخر ولايعترف بخصوصية لأحد ،بل يريد أن يطبع العالم كله بطابعه الثقافي والاستهلاكي والنفعي ،ولقد أخذ مصطلح العولمة يترك أثراً مباشراً على مسامع الناس ،في كل مكان من هذا العالم وبدأت وسائل الاعلام ودور صناعة الفكر والسلوك التي تنتشر في كل مكان تهيئ الناس ،كي يرتدوا ثوب العولمة وهم يتجردون عن ثيابهم الخاصة التي عرفوا بها دون أن يشعروا . خداع المصطلح: لقد طرح مصطلح العولمة على أنه مترجم من الكلمة الانجليزية وهي (g l o b a l ) والتي قيل أن المقصود بها هو العالمية ولكن معنى العالمية في الانكليزية هو: ( u n i v e r s a l i s m e ) وبالتالي فإن العولمة شيء والعالمية شيء آخر تماماً ، فالعالمية ترتكز على الحوار والاعتراف بالآخر مهما يختزن من ثقافة وفكر ،وهي حركة إنسانية لتبادل المعلومات والثقافات والتجارب ،ومن هنا نقول: إن الفارق بين العالمية والعولمة كبير جداً ،لأن العالمية هي الارتقاء بالخصوصية نحو مصاف التعميم العالمي بطريقة العرض لاالفرض ،أما العولمة كما يتضح من سياستها فهي كبت للخصوصيات الأخرى ومنع لانطلاقها ووأد وإقصاء لكل هوية تريد إظهار نفسها ،يترافق ذلك مع تعميم النمط الثقافي الاستهلاكي الامريكي ،وهذا ماأراده عالم الاتصالات الكندي مارشال ماكلوهان الذي قال: إن العالم من خلال ثورة الاتصالات الحديثة سيتحول الى عالم متحد لاتستطيع الحدود بين الدول أن تمنع تلاقي الناس فيما بينهم من خلال سرعة وضخامة شبكات الاتصال الحديثة وبالتالي يتحول العالم الى مايشبه القرية الكونية فالكندي(ماكلوهان) أراد العالمية ولم يرد العولمة بالمفهوم الأمريكي إلا أن المصطلح سرق ،وأخذت العولمة تذكر مقرونة بمصطلح القرية العالمية ،ولوقلنا جدلاً أن المصطلح يصح على ثورة الاتصالات الحديثة ،فما علاقة هذا المصطلح بمشروع العولمة الثقافي والاقتصادي والسياسي ،إلا إذا كان مشروع العولمة الامريكي يريد مصادرة كل شيء لحسابه ؟! وهنا يبدو خداع المصطلح ،إذ أن المستفيدين من العولمة يريدون خداع الناس مستغلين التقدم العلمي الذي حققه الانسان من انترنيت ومحطات فضائية ليقولوا للعالم : هذا من انتاج العولمة ،لتدخل المجتمعات نادي العولمة وهي منبهرة بتلك العلوم فتفقد كل خصوصيتها . إن محاولة خداع الناس من خلال اظهار العولمة وكأنها ثورة للاتصالات ،لها الفضل في هذه الثورة (انترنيت ومحطات فضائية وأقمار صناعية) وإخفاء وراء ذلك عولمة الثقافة ،وتخريب البيئة بواسطة شركاتها ،وهيمنة الاقتصاد الامبريالي على العالم ،وسياسة القطب الواحد ،وتعيم النمط الاستهلاكي الامريكي من خلال ثورة الاتصالات ،إنما هو خداع للبسطاء وتبسيط لمخاطر العولمة ،ومن خلال خداع المصطلح تغدو كل الشعوب النامية ،متلقية ماينتجه ويستغله أباطرة مشروع العولمة ،دون أن يكون لها أي دور أو ارادة !؟ فأصحاب هذا المشروع يقولون للعالم: لن تتقدموا ،ولن تستطيعوا أن تتحضروا إلا إذا واكبتم مانفرزه ومانقدمه لكم وعليكم حتى تستطيعوا أن تدخولا نادي العولمة أن تدخلوا عن كل ماهو خاص لتتخذوا من نمطنا الثقافي والاجتماعي والاستهلاكي لبوساً جديداً لكم . وكانت وسائل الاعلام الأمريكية ومن حذا حذوها ،تدعو الجميع الى فتح أبوابهم للعولمة ،وأن يتخذوا من النموذج الامريكي أسوة حتى يتعولموا وأن يكيفوا مجتمعاتهم مع النمط الامريكي ،ليستطيعوا التعايش مع مشروع العولمة ،ولكي يعطي مروجو العولمة مشروعهم بعداً أيديولوجياً اتخذوا من الاسلام عدواً لهم ،حتى يستنفروا أعداء الأخلاق والفضيلة والايمان ،كي ينضموا الي تيارهم ،وهذا هو السبب الذي دفع بصموئيل هنتنغتون الذي تحدث في مقالته الشهيرة عن (صدام الحضارات) والذي وصل في نهاية نظريته الى أن الاسلام هو المؤهل والمرشح لكي يتصادم مع الحضارة الغربية ،والتي أخذت العولمة بنموذجها الامريكي قدوة لها ،وهنتنغتون يعرف أن الصراع بين العرب والعولمة يبدأ من الثقافة وله علاقة مباشرة بالسلوكيات . وأخذت الدعوة الى هذه الأمة للحاق بقطار العولمة يتبناها مجموعة من عملاء الحضارة الامريكية ،تدعو أبناء هذه الأمة للتخلي عن هويتهم وخصوصيتهم كي لايفوتهم قطار العولمة ،إنهم يدعون الأمة للانتساب الى نادي العولمة دون أن يبينوا .لامتهم ما هو ثمن رسم الدخول الى نادي العولمة ولا ما هي الشروط التي يجب ان تتوفر في من يدخل رحاب هذا النادي ويكتفون بخداع الامة بمصطلح العولمة ان هؤلاء يخدعون الامة بما يزينون به مشروع العولمة ويدعون الامة الى ان تفتح ابوابها وحدودها واسواقها وبيوتها لما تبثه العولمة من سلع دون ان يوضحوا للامة ان وراء كل سلعة تقدمها العولمة سلوكاً ثقافياً يجب ان يمارس مع تعاطي هذه السلعة سلوكاً لا يقبل ان يكون موجوداً بوجود سلوك ثقافي وفكري آخر لانه اناني لا يقبل المشاركة والمنافسة . ويبدو ان هؤلاء المسحورين بكل ما يأتي من امريكا دون تمييز بين ما هو مفيد للامة وما هو ضار بها لا يقيمون وزناً للهوية ولا للخصوصية ولا اعتبار عندهم لهذه الامة ان كانت تابعة او ممسوخة او غدت ذنباً للآخرين ؟ من هنا تبدو العولمة باهدافها الخطيرة ومشروعها الكبير جداً واذرعها الاخطبوطية تشكل تحدياً حقيقياً لهذه الامة ومشروعها ورسالتها وخصوصيتها ان هذا التحدي يجب ان يشكل حافزاً لهذه الامة . ان العولمة تقدم امريكا على اساس انها فرعون العصر وجورج سورس قارونها ومرداخ هامانها والمارينز الامريكي جنودها . ثم لا ننسى قضية مهمة حتى لا ننخدع في المصطلح وهي ان هناك فارقاً كبيراً بين العولمة الامريكية ومفهوم العالمية الذي طرحه وطبقه الاسلام لان العالمية الاسلامية تضمن خصوصية الآخر وتعطيه الحق في المحافظة على هويتها وتؤمن بالتعددية في كل شيء حتى العقيدة وترفض الاكراه في كل شيء وتعطي الحرية لكل فكر في ان يبدي رأيه وتقول لكل مخالف : « قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين » . في حين ان العولمة تلغي الخصوصية ولا تعترف بالهوية ولا تحتمل الرأي الآخر بل تكيل له التهم وتعمل على محاربته وحتى لا يخدعنا المصطلح وان ترجم من الاصل الانجليزي على اساس انه يعني في الانجليزية دولي او عالمي فهو في مقاصده ليس كذلك كما انه في اللغة العربية ليس من ذات الجذر الذي يفهم منه معنى العالمية وربما يراد من تمييع المصطلح وخداعه اشياء ستظهر جلية عندما نعرف العولمة جيداً وحول ذلك يتحدث الدكتور اسعد السحمراني في كتابه « ويلات العولمة » قائلاً : العولمة التي لم يصوغوا لها تعريفاً ولا تحديداً بل تركوها ملتبسة كي تنطلي مؤامراتهم على البسطاء يريدون من خلالها توسيع مساحة نفوذهم وسيطرتهم على الاقتصاد والسياسة والفن والثقافة وسائر وجوه الحياة وميادينها لا بل يريدون من خلالها ضرب الهويات والخصائص في كل امة ان استطاعوا ذلك متذرعين بتجاوز الحدود القومية والوطنية او ان العالم حسب زعمهم بات قرية كونية صغيرة وهذا تعبير فيه تجاوز للحقيقة