أولى قواعد النجاح ... سلاح التركيز
إن الطاقة متوفرة في الإنسان , ولكنها ربما تكون موزعة , فإذا استطاع أن يركزها استطاع أن يوجهها .
ولعل أفضل السبل لتنميتة الطاقة هو ما يأتي: قسم يومك إلى أصغر أجزاء زمنية ممكنة , واعتبر كل جزء منها وحدة مستقلة لها قيمتها في ذاتها .
وحين تقسم عملك وحدات مجزأة , يمكنك أن تنصرف بكليتك إلى كل وحدة لتنتهي منها , ثم تنتقل إلى التي تليها ,
فيتيح لك ذلك فرصة التغيير في معدل السرعة ونمط التقدم , وإحساسا متجددا بالإنجاز
.
يقول أحد الناجحين :
(لقد ظللت سنوات طويلة ابدأ أيام عملي في حال من القلق والاتقاد , ولم أكد أصل إلى مكتبي لأجده قد ازدحم قبل وصولي بالوثائق والرسائل البريدية , بينما تدق أجراس التلفونات ويتضخم عدد من المنتظرين مقابلتي , ولا تكاد الساعة تبلغ الساعة الحادية عشر حتى يتملكني الإرهاق والتوتر ويغلب علي الإمتعاض من نفسي لعدم تمكني طوال ساعتين كاملتين من أن أتم عملا واحدا .
وفي النهاية , قررت أن ابدأ النهار بإنجاز شئ مهما كان بسيطا , فعقدت العزم على قضاء الساعة الأولى في الرد على البريد , من دون أن أرد على المكالمات التفونية أو أقابل أي شخص, وعالجت البريد وكأنه شريحة مستقلة من العمل , مهمة ولكنها محدودة , وبعد انتهائي من قرائته , والرد عليه واتخاذ ما تتطلبه الحال من إجراءات والتخلص منه بأكمله , كنت اكافئ نفسي بفنجان من القهوة نظير ما أنهيته من عمل محدد , ثم أخرج لأتمشى حول المكتب .
ولم يمض وقت طويل حتى وجدتني أتطلع إلى ساعتي الأولى هذه , لأنها كانت تعطيني إحساسا بالتصميم والإنجاز , وتتيح لي أن أوجه طاقتي إلى مهمة محددة , بدلا من تركها تتبعثر في بداية اليوم بسبب عدم تركيزي على أي شيء بعينه.
إن إتباع الطرق التالية كفيل بذلك :
أولا : تعلم هذا الفن .
إن التركيز (فن) يمكن تعلمه وإتقانه كأي فن آخر , فلا تنتظر أن تصبح قادرا على التركيز حتى تقوم بذلك , بل أبدأ بالتركيز .
وهذا يتطلب التمرين عليه , فكر في مسألة معينة ثم قرر أن تحصر ذهنك فيها , وكلما شرد عليك , رده إلى المسألة نفسها ...
إن التركيز هو القدرة على حصر الذهن في موضوع معين , ثم القدرة على أن تملي على العقل واجبه وأن تكفل طاعته , وهذه القدرة تكتسب بالتدريب الأمر الذي يتطلب الصبر , فإن الانتقال من الشرود إلى حصر الذهن حصرا بينا محكما هو ثمرة الجهد الملح , فإذا استطعت أن ترد عقلك عشر مرات , وخمسين مرة , ومائة مرة , إلى الموضوع الذي اعتزمت معالجته , فإن الخواطر التي تنازعك لا تلبث أن تخلي مكانها للموضوع الذي آثرته بالاختيار والعناية , ثم تلقي نفسك آخر الأمر قادرا على حصر ذهنك بإرادتك في ما تختار .
والأمر الذي يتطلب التدريب ليس هو محاولة امتلاك القدرة على التركيز , فإن ذلك من الأمور التي أعطاها الله –تعالى- لنا جميعا , وإنما هو ضبط القدرة على حصر الذهن وامتلاك زمامها..
حاول إذا ترويض هذه القدرة , فسرعان ما تشعر بأنها خفت إلى الاستجابة لك.
وسوف تجد حينما تتمكن من ذلك أنك حصلت على ميزتين:
الأولى : زيادة العمل الذي تؤديه, وتحسينه.
الثانية : التمتع بما تؤديه , فإن العقل حينما يركز على عمل ما يعطينا سرورا لذيذا , بينما إذا كان الجسم يؤدي عملا , والعقل مشغول بعمل آخر , فإنه يسلب منا الراحة .
فالاهتمام بالشيء يخلق لدى الفرد العناية به لأن العناية ثمرة الاهتمام , وحينئذ تجد نفسك مقبلا بجميع نفسك على ما أنت فيه , بغير جهد.
غير أن هذا لا يصدق طردا وعكسا , فالتركيز يجئ تبعا للاهتمام , ولكن الاهتمام لا يأتي تبعا للتركيز.
ثانياً : أغرق في العمل الذي تؤديه
إن أفضل ما يمنع الفكر من أن يتوزع هو أن يعمل العقل والجسم معا بالإتحاد فيما بينهما , وقد يكون نصيب جسمك طفيفا أو غير جلي , كأن يقتصر على الجلسة أو على التوتر العضلي , ولكن البدن يبذل جهدا على كل حال , وحتى بعد أن نشرع جادين مصممين في حصر أذهاننا في العمل , تهاجمنا طائفة منوعة من الخواطر وأنصاف الخواطر والأصوات , وغيرها من المؤثرات , ولا يكفي أن تحاول إقصاء المؤثرات الخارجية , فإن علينا دائما أن نحل محلها الشيء الوحيد الذي يتطلب اهتمامنا , فليس في وسعك أن تطرد خاطرا من ذهنك , إذا من الأفضل أن توجه عقلك إلى ما أنت الآن تؤديه وليس مجرد طرد الخواطر منه , وتذكر أن كل العباقرة بغير استثناء ينهمكون في أعمالهم بكل جوارحهم , فيحشرون بذلك جميع جهودهم الواعية لخدمة غرض واحد.
ثالثاً : لا تؤد إلا عملا واحدا في الوقت الواحد .
كثيرا ما يحدث أنك تبدأ بعمل ما , فإذا بمجموعة أمور أخرى تهجم على فكرك ,تطالبك بأن تقوم بها .
فمثلا إذا قررت أن تقوم بإصلاح الحنفية المعطوبة فإنك بمجرد أن تبدأ بذلك تتذكر أشياء أخرى هي بحاجة إلى الإصلاح والمعالجة ,فثيابك بحاجة إلى الكوي , ومكتبك بحاجة إلى ترتيب , وعليك الاتصال بصديق , وسقف الحمام بحاجة إلى تجصيص , وهكذا وكلها تطالبك بالتعجيل.
هنا قل لنفسك :
هل هذه الأمور تحتمل التأجيل أم لا ؟
وسرعان ما يقول لك العقل :
نعم إنها تحتمل , هنا قل لعقلك الذي يبدأ يعرض عليك الأعمال الأخرى , إن هذا وذاك من الأمور المهمة إلا أنه لابد من إرجائها الآن ,
فأنا مشغول بهذا العمل الذي أباشره , وهذا ما يجب أن أوليه العناية الكاملة.
وستدهشك السهولة التي يقتنع بها عقلك الباطني إذا أنت واثق , وحرصت على إنجاز وعدك له أن تعني بالأمر الذي يدعوك إليه , وهذا هو الذي ينبغي علينا جميعا أن نتعلم : أن لا نتولى سوى أمر واحد في وقت واحد , وبغير ذلك لا نصل إلى شيء , لا في العمل ولا في اللعب ولا في اللهو.
رابعاً : أبعد من أمام ناظريك كل ما يشتت فكرك ...ويمنعك من التركيز.
فنظف مكتبك من جميع الأوراق باستثناء تلك التي تتعلق بعملك الذي تؤديه الآن...
إن مجرد منظر مكتب تغطيه رسائل غير مجاب عنها , وتقارير ومفكرات كثيرة , كاف لتوليد الضيق والإزعاج والتوتر والقلق , والأمر لا يقتصر على ذلك , إذ إن أكوام الأوراق تذكرك بأعمال كثيرة عليك القيام بها من دون أن يكون لديك الوقت الكافي لذلك , مما يقلقك ولا يسبب لك فقط التوتر والإرهاق , بل يسبب لك ارتفاعا في ضغط الدم وأمراض القلب وقرحة المعدة أيضا.
ولكن كيف يمكن لعملية بسيطة كإخلاء المكتب وترتيبه أن تساعدك في تجنب ضغط الدم المرتفع , ومن الشعور بالالتزام وامتداد الأعمال اللا متناهية ؟
يخبرنا الدكتور وليم ل.سدلر , الطبيب النفسي الشهير ,
عن مريض استطاع أن يتجنب الانهيار العصبي من خلال إتباع هذه الوسيلة , كان هذا الرجل مديرا لأحدى الشركات الكبرى في شيكاغو ,
وعندما قدم إلى عيادة الدكتور كان متوترا وعصبيا وقلقا , وكان يشعر أنه على حافة الانهيار التام , لكنه لا يستطيع التخلي عن عمله , إذ لابد من الاستعانة به.
يقول الدكتور :
(فيما كان الرجل يخبرني بقصته , قرع جرس الهاتف , كانت المخابرة من المستشفى , وبدلا من تأجيل الموضوع , استغليت الوقت للتوصل إلى قرار مناسب , فأنا أحل المسائل على الفور , وسرعان ما قرع جرس الهاتف ثانية , ومرة ثالثة كان الأمر مستعجلا , وكان علي أن أتفرغ لبعض الوقت من اجل مناقشته.
وثالث مقاطعة كانت حين جاء صديق لي إلى مكتبي لاستشارتي بشأن مريض , وعندما انهيت الأمر معه , التفتت إلى مريضي وبدأت الاعتذار لأنني تركته ينتظر لكنه كان نشطا , وغطت وجهه ملامح مختلفة ).
فقال لي :
(لا تعتذر أيها الطبيب ! ففي الدقائق العشرة الأخيرة , بدا لي أنني عرفت سبب علتي , سأعود إلى المكتب لأراجع عاداتي في العمل ....
ولكن قبل أن أذهب , هل تسمح لي بأن ألقي نظرة على مكتبك؟)
فتح الدكتور المعالج أدراج مكتبه , كانت كلها فارغة –باستثناء التجهيزات,
فقال المريض :
(أخبرني أين تحتفظ بالعمل الذي لم ينجز؟).
قال سدلر :
(أحتفظ به منجزا!).
فقال :
(وأين تحتفظ بالرسائل التي لم تجب عليها؟).
أجاب الدكتور :
(أحتفظ بها مجابا عنها ! قاعدتي في الحياة أن لا أترك رسالة حتى أجيب عنها , فأملي الجواب على سكرتيرتي في الحال).
وبعد ستة أسابيع , قام المدير ذاته بدعوة الدكتور إلى مكتبه , كان إنسانا جديدا – كذلك الأمر بالنسبة إلى مكتبه.
فتح أدراج مكتبه ليريه أنها فارغة من العمل غير المنجز ,
ثم قال :
(منذ ستة أسابيع , كان لدي ثلاثة مكاتب في غرفتين – وكانت كلها مليئة بالعمل الذي لم أتمكن من إنجازه – وبعد التحدث إليك , عدت وأنجزت حمولة شاحنة من التقارير والأوراق القديمة , والآن أعمل على مكتب واحد , وأرتب الأمور فور وصولها إلي , فلا أدعها تتراكم في وجهي وتسبب لي القلق والتوتر .
(لكن الأكثر دهشة هو شفائي التام , وكما ترى فإن صحتي جيدة!).