- الأربعاء مايو 18, 2011 12:23 am
#35737
ماذا بعد ثورة تونس
في وقت تتوالى فيه الاستقالات في الحكومة التونسية المؤقتة بعد الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي يوم 14 يناير الفائت، يعاني هذا البلد - الذي أشعل فتيل الثورات الحالية في الشوارع العربية - عجزا أمنيا دفع بالسلطة العسكرية مؤخرا إلى إطلاق نداء لاستدعاء جنود الاحتياط من أجل الالتحاق بمراكز التجنيد والتعبئة بدءا من 16 فبراير 2011.
وبإعلان وزير خارجية الحكومة المؤقتة عن استقالته اليوم، فإنه يمكن القول إن مهمة الحكومة المؤقتة تزداد صعوبة في ظل ضغوطات الشارع الذي لا يستند إلى برنامج سياسي ولا يحتكم إلى زعيم يقوده.
فهل ستتمكن الحكومة المؤقتة من المقاومة والاستمرار حتى تاريخ تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية هذا العام؟ وهل سيساعد السجال السياسي المحتقن في تونس في بلوغ مرحلة توافقية تمكن تونس من المرور إلى نظام ديمقراطي بعد تجربة تناهز خمسة عقود من الحكم غير الديمقراطي؟ وكيف ستتمكن تونس من الوقوف أمام مخاطر أمنية تؤججها أطراف خارجية
كما يعاني الجهاز الأمني في تونس من انشقاقات بين أجهزة أمنية مختلفة داخل وزارة الداخلية ذاتها وهو ما دفع وزير الداخلية إلى إقالة مجموعة من الرموز دفعة واحدة والاستعانة برموز عسكرية في إطار ما يصطلح في تونس على وصفه بـ"عمليات تنظيف" الأجهزة الأمنية، وسط شكوك بعض المراقبين من قدرة الوزير الحالي على الاستمرار في مهمته "الصعبة"، خاصة بعد التهجم عليه وهو في مكتبه من طرف فرقة أمنية تم صدها بعد اللجوء إلى فرقة مقاومة الإرهاب لحماية وزير الداخلية
وتفاديا لعدوانية بعض الأطراف من الشارع التونسي الذي اختلطت مواقفه بين الانتقام من ظلم سابق أو تصفية حسابات شخصية، وبين من يدفعون إلى استمرار الفوضى في الشارع لمآرب شخصية أو سياسية حسب بعض المراقبين.
كما تعيش تونس في فوضى سياسية تؤججها حملات تشويه لرموز سياسية تنتمي إلى المعارضة أو كانت تنتمي قبل الثورة التونسية إلى الحزب الحاكم السابق الذي تم تعليق نشاطه مؤخرا بقرار من وزير الداخلية، وذلك بحسب التموقع السياسي لهذه الرموز من حيث كونها داخل الحكومة المؤقتة أو خارجها.
ان الظروف الصعبة التي مرت بها ثورة الرابع عشر من يناير منذ انطلاقتها صحيح انها قد انتهت بسقوط الرئيس زين العابدين بن علي، ولكن في الحقيقة تؤكد أن المرحلة المقبلة محملة بالمخاوف من المجهول ومن إرهاصات ثورة مضادة.
فالمتتبع للشأن التونسي يلحظ أن مخاض ثورة تونس لايزال مستمرا وأن حالة الهبوط والصعود ترجمتها عودة الاحتجاجات في العاصمة التونسية ضد أداء حكومة محمد الغنوشي الانتقالية الأولى و الانفلات الأمني المحسوب على مليشيات النظام السابق.
ولكن هناك من يرى أن الثورة تحولت بعودة الاحتجاجات إلى ثورة فئوية وإلى مطالب خاصة
وقد أصر الشباب اليوم على صد كل ما من شأنه أنه يهدد ثورته مصمما في الوقت ذاته على استكمال مسيرة التغيير بعد الإطاحة بالرئيس بن علي وتخلي الغنوشي عن منصبه استجابة لضغوط شعبية عارمة.
لذلك يشير مراقبون إلى أن المطلوب بعد الثورة في تونس هو إرادة سياسية قوية تصل لإقناع الشباب على انها تعمل على حراسة مكتسبات الثورة ومواصلة القطع مع حقبة العهد السابق.
ويحذر محللون ومراقبون من أن الثورة في تونس تواجه تحديات سياسية واقتصادية كبيرة من شأنها تحديد مآلاتها ومستوى نجاحها وفشلها ولكن يبقى التحدي الأكبر هو الانتقال من دولة الحزب الواحد إلى دولة التعددية السياسية وبعيدا عن الأفاق السياسية فان التحديات الاقتصادية في تونس بعد الثورة لاتقل أهمية عن السياسية حيث تأثرت معظم قطاعات الاقتصاد التونسي بالاضطرابات التي حدثت أثناء الثورة وبعدها وهي تواجه اليوم تحديات رئيسة تكمن في استعادة النسق العادي لمستوى الانتاج والتصدير, والحفاظ على الوظائف وإيجاد مزيدا منها, واستحداث استثمارات جديدة بخلق مناخ من الثقة.
وإن اختلفت الآراء في تقييم الوضع الاقتصادي الحالي فإنها تجمع على أن الاقتصاد يمكن أن يتعافى بسرعة إذا تحقق الأمن, واطمأن المستثمرون.
وقد بدأ القطاع السياحي يستأنف نشاطه الطبيعي تدريجيا مع تحسن الأوضاع الأمنية حيث تحدثت تقارير صحفية عن توافد مجموعة من السياح الألمان والبريطانيين.
وقد يكون مخاض ثورة تونس عسيرا والتحديات أكبر ولكن يدرك التونسيون أن صعوبة المرحلة التي سبقت الثورة لاتقل حساسية بالنسبة لما بعد الرابع عشر من يناير. كما ايضا
في هذه الأثناء تحظى تونس باهتمام أوروبي مكثف منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، حيث سارع الاتحاد الأوربي ومنذ الأسبوع الأول بعد ثورة 14 يناير، إلى إقرار خطة لتخصيص معونات مادية لتونس لمساعدتها في إرساء نظام ديمقراطي وتنظيم انتخابات نزيهة، بحسب تصريحات مسؤولين في الاتحاد الأوروبي.
لا شك أن ما حدث في تونس الشقيقة عبر حراكها الشعبي الإحتجاجي الأخير، كان لحظة تاريخية غير مسبوقة في الأقطار العربية، لاعتبارين أساسيين على الأقل
أولا، لكون هذا الحراك كان نابعا من الداخل
ثانيا، لكون هذا الحراك وما تلاه من سقوط رأس النظام، كان هدفا مشتركا بين كل التيارات الوطنية (الإسلامية والقومية واليسارية والليبيرالية) ضمن إطار وطني جامع.
وهنا الا
غير أن هذا الإنجاز الجزئي الهام، وما يمكن أن ينجر عنه من تغيير سياسي واجتماعي لا يمنع من طرح سؤال المصير وما يرتبط به من نتائج ومقدمات قد تتحول إلى معوقات فعلية أمام الهدف التاريخي المستقبلي.
ويرتبط السؤال الأول في تقديرنا بمدى قدرة النخب السياسية والفكرية القائدة على جعل هذه اللحظة التاريخية النادرة، مدخلا إستراتيجيا للتعبير عن إرادة شعبية مشتركة في الإنتقال الفعلي بعد الثورة إلى نظام حكم بديل.
ويرى بعض المراقبين أنه وبسبب قلة خبرة تونس بالتجربة الديمقراطية، فإن النظام البرلماني قد يكون هو الأنسب لتونس لخوض تجربة ديمقراطية ناجحة مستقبلا، لأن مثل هذا النظام سيضمن السيادة للبرلمان الذي يمثل الشعب، معتبرين في الوقت ذاته أن اعتماد النظام الرئاسي غير مضمون العواقب بعد تجربة الديكتاتورية التي عرفها الشعب التونسي على امتداد 54 سنة تقريبا من النظام الشمولي القائم على الحزب الواحد، والنظام السلطوي القائم على أمن مؤسسة الرئاسة على حساب استقلالية باقي مؤسسات الدولة.
ويمكننا من هنا من خلال المقالات طرح عدة اسئلة على مابعد الثورة
ويرتبط السؤال الأول في تقديرنا بمدى قدرة النخب السياسية والفكرية القائدة على جعل هذه اللحظة التاريخية النادرة، مدخلا إستراتيجيا للتعبير عن إرادة شعبية مشتركة في الإنتقال الفعلي بعد الثورة إلى نظام حكم بديل.
• ومن هنا يأتي التساؤل المنطقي الأعمق: هل هناك في الوسط التونسي العام إجماع حقيقي بين مختلف التيارات السياسية والنخب الفكرية والتنظيمات النقابية والطلابية على نظام الحكم البديل؟
• أو بمعنى أدق: هل سيكون بإمكان التونسيين تحقيق الإنتقال إلى النظام البديل على غرار ما حققته مثلا حالات الإنتقال في كل من بولندا ورومانيا؟ أو حتى غرار ما توصلت إليه المؤتمرات القومية في عدد من الدول الإفريقية كما في بنين والسنغال؟ أم أن إدارة الصراع السياسي بعد رحيل بن علي ستأخذ أبعادا أكثر دراماتيكية كما حدث في الجزائر واليمن؟
•
في وقت تتوالى فيه الاستقالات في الحكومة التونسية المؤقتة بعد الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي يوم 14 يناير الفائت، يعاني هذا البلد - الذي أشعل فتيل الثورات الحالية في الشوارع العربية - عجزا أمنيا دفع بالسلطة العسكرية مؤخرا إلى إطلاق نداء لاستدعاء جنود الاحتياط من أجل الالتحاق بمراكز التجنيد والتعبئة بدءا من 16 فبراير 2011.
وبإعلان وزير خارجية الحكومة المؤقتة عن استقالته اليوم، فإنه يمكن القول إن مهمة الحكومة المؤقتة تزداد صعوبة في ظل ضغوطات الشارع الذي لا يستند إلى برنامج سياسي ولا يحتكم إلى زعيم يقوده.
فهل ستتمكن الحكومة المؤقتة من المقاومة والاستمرار حتى تاريخ تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية هذا العام؟ وهل سيساعد السجال السياسي المحتقن في تونس في بلوغ مرحلة توافقية تمكن تونس من المرور إلى نظام ديمقراطي بعد تجربة تناهز خمسة عقود من الحكم غير الديمقراطي؟ وكيف ستتمكن تونس من الوقوف أمام مخاطر أمنية تؤججها أطراف خارجية
كما يعاني الجهاز الأمني في تونس من انشقاقات بين أجهزة أمنية مختلفة داخل وزارة الداخلية ذاتها وهو ما دفع وزير الداخلية إلى إقالة مجموعة من الرموز دفعة واحدة والاستعانة برموز عسكرية في إطار ما يصطلح في تونس على وصفه بـ"عمليات تنظيف" الأجهزة الأمنية، وسط شكوك بعض المراقبين من قدرة الوزير الحالي على الاستمرار في مهمته "الصعبة"، خاصة بعد التهجم عليه وهو في مكتبه من طرف فرقة أمنية تم صدها بعد اللجوء إلى فرقة مقاومة الإرهاب لحماية وزير الداخلية
وتفاديا لعدوانية بعض الأطراف من الشارع التونسي الذي اختلطت مواقفه بين الانتقام من ظلم سابق أو تصفية حسابات شخصية، وبين من يدفعون إلى استمرار الفوضى في الشارع لمآرب شخصية أو سياسية حسب بعض المراقبين.
كما تعيش تونس في فوضى سياسية تؤججها حملات تشويه لرموز سياسية تنتمي إلى المعارضة أو كانت تنتمي قبل الثورة التونسية إلى الحزب الحاكم السابق الذي تم تعليق نشاطه مؤخرا بقرار من وزير الداخلية، وذلك بحسب التموقع السياسي لهذه الرموز من حيث كونها داخل الحكومة المؤقتة أو خارجها.
ان الظروف الصعبة التي مرت بها ثورة الرابع عشر من يناير منذ انطلاقتها صحيح انها قد انتهت بسقوط الرئيس زين العابدين بن علي، ولكن في الحقيقة تؤكد أن المرحلة المقبلة محملة بالمخاوف من المجهول ومن إرهاصات ثورة مضادة.
فالمتتبع للشأن التونسي يلحظ أن مخاض ثورة تونس لايزال مستمرا وأن حالة الهبوط والصعود ترجمتها عودة الاحتجاجات في العاصمة التونسية ضد أداء حكومة محمد الغنوشي الانتقالية الأولى و الانفلات الأمني المحسوب على مليشيات النظام السابق.
ولكن هناك من يرى أن الثورة تحولت بعودة الاحتجاجات إلى ثورة فئوية وإلى مطالب خاصة
وقد أصر الشباب اليوم على صد كل ما من شأنه أنه يهدد ثورته مصمما في الوقت ذاته على استكمال مسيرة التغيير بعد الإطاحة بالرئيس بن علي وتخلي الغنوشي عن منصبه استجابة لضغوط شعبية عارمة.
لذلك يشير مراقبون إلى أن المطلوب بعد الثورة في تونس هو إرادة سياسية قوية تصل لإقناع الشباب على انها تعمل على حراسة مكتسبات الثورة ومواصلة القطع مع حقبة العهد السابق.
ويحذر محللون ومراقبون من أن الثورة في تونس تواجه تحديات سياسية واقتصادية كبيرة من شأنها تحديد مآلاتها ومستوى نجاحها وفشلها ولكن يبقى التحدي الأكبر هو الانتقال من دولة الحزب الواحد إلى دولة التعددية السياسية وبعيدا عن الأفاق السياسية فان التحديات الاقتصادية في تونس بعد الثورة لاتقل أهمية عن السياسية حيث تأثرت معظم قطاعات الاقتصاد التونسي بالاضطرابات التي حدثت أثناء الثورة وبعدها وهي تواجه اليوم تحديات رئيسة تكمن في استعادة النسق العادي لمستوى الانتاج والتصدير, والحفاظ على الوظائف وإيجاد مزيدا منها, واستحداث استثمارات جديدة بخلق مناخ من الثقة.
وإن اختلفت الآراء في تقييم الوضع الاقتصادي الحالي فإنها تجمع على أن الاقتصاد يمكن أن يتعافى بسرعة إذا تحقق الأمن, واطمأن المستثمرون.
وقد بدأ القطاع السياحي يستأنف نشاطه الطبيعي تدريجيا مع تحسن الأوضاع الأمنية حيث تحدثت تقارير صحفية عن توافد مجموعة من السياح الألمان والبريطانيين.
وقد يكون مخاض ثورة تونس عسيرا والتحديات أكبر ولكن يدرك التونسيون أن صعوبة المرحلة التي سبقت الثورة لاتقل حساسية بالنسبة لما بعد الرابع عشر من يناير. كما ايضا
في هذه الأثناء تحظى تونس باهتمام أوروبي مكثف منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، حيث سارع الاتحاد الأوربي ومنذ الأسبوع الأول بعد ثورة 14 يناير، إلى إقرار خطة لتخصيص معونات مادية لتونس لمساعدتها في إرساء نظام ديمقراطي وتنظيم انتخابات نزيهة، بحسب تصريحات مسؤولين في الاتحاد الأوروبي.
لا شك أن ما حدث في تونس الشقيقة عبر حراكها الشعبي الإحتجاجي الأخير، كان لحظة تاريخية غير مسبوقة في الأقطار العربية، لاعتبارين أساسيين على الأقل
أولا، لكون هذا الحراك كان نابعا من الداخل
ثانيا، لكون هذا الحراك وما تلاه من سقوط رأس النظام، كان هدفا مشتركا بين كل التيارات الوطنية (الإسلامية والقومية واليسارية والليبيرالية) ضمن إطار وطني جامع.
وهنا الا
غير أن هذا الإنجاز الجزئي الهام، وما يمكن أن ينجر عنه من تغيير سياسي واجتماعي لا يمنع من طرح سؤال المصير وما يرتبط به من نتائج ومقدمات قد تتحول إلى معوقات فعلية أمام الهدف التاريخي المستقبلي.
ويرتبط السؤال الأول في تقديرنا بمدى قدرة النخب السياسية والفكرية القائدة على جعل هذه اللحظة التاريخية النادرة، مدخلا إستراتيجيا للتعبير عن إرادة شعبية مشتركة في الإنتقال الفعلي بعد الثورة إلى نظام حكم بديل.
ويرى بعض المراقبين أنه وبسبب قلة خبرة تونس بالتجربة الديمقراطية، فإن النظام البرلماني قد يكون هو الأنسب لتونس لخوض تجربة ديمقراطية ناجحة مستقبلا، لأن مثل هذا النظام سيضمن السيادة للبرلمان الذي يمثل الشعب، معتبرين في الوقت ذاته أن اعتماد النظام الرئاسي غير مضمون العواقب بعد تجربة الديكتاتورية التي عرفها الشعب التونسي على امتداد 54 سنة تقريبا من النظام الشمولي القائم على الحزب الواحد، والنظام السلطوي القائم على أمن مؤسسة الرئاسة على حساب استقلالية باقي مؤسسات الدولة.
ويمكننا من هنا من خلال المقالات طرح عدة اسئلة على مابعد الثورة
ويرتبط السؤال الأول في تقديرنا بمدى قدرة النخب السياسية والفكرية القائدة على جعل هذه اللحظة التاريخية النادرة، مدخلا إستراتيجيا للتعبير عن إرادة شعبية مشتركة في الإنتقال الفعلي بعد الثورة إلى نظام حكم بديل.
• ومن هنا يأتي التساؤل المنطقي الأعمق: هل هناك في الوسط التونسي العام إجماع حقيقي بين مختلف التيارات السياسية والنخب الفكرية والتنظيمات النقابية والطلابية على نظام الحكم البديل؟
• أو بمعنى أدق: هل سيكون بإمكان التونسيين تحقيق الإنتقال إلى النظام البديل على غرار ما حققته مثلا حالات الإنتقال في كل من بولندا ورومانيا؟ أو حتى غرار ما توصلت إليه المؤتمرات القومية في عدد من الدول الإفريقية كما في بنين والسنغال؟ أم أن إدارة الصراع السياسي بعد رحيل بن علي ستأخذ أبعادا أكثر دراماتيكية كما حدث في الجزائر واليمن؟
•