- السبت مايو 28, 2011 9:26 am
#36707
د.خليل زهر – جريدة الاقتصادية الإلكترونية – 24/2/2011م
تعتبر الموارد البترولية من أبرز معالم الجغرافيا السياسية لمنطقة الشرق الأوسط نظرا لتركز ما يزيد على 60 في المائة من احتياطيات النفط العالمية فيها. كما يعتبره العديد من المحللين الاستراتيجيين عاملا أساسيا في التنافس على النفوذ في المنطقة سواء الإقليمي أو الدولي. بدليل أن عددا من التحليلات والدراسات تعزو الهدف الرئيس خلف الغزو العسكري الأمريكي للعراق إلى رغبة أمريكا وحلفائها في السيطرة على موارد العراق البترولية الكثيرة. كما يصبح النفط في مثل هذه التحليلات عاملا مهما وراء الدعم الخارجي للحركات الانفصالية في المنطقة. ويضع البعض الحرب الأفغانية في إطار هدف الولايات المتحدة وحلفائها السيطرة على ممر استراتيجي مستقبلي للنفط والغاز من روسيا ودول القوقاز إلى أسواق الهند وجنوب شرق آسيا. وكذلك الأزمة الإيرانية مع الدول الغربية، حيث يعتقد هؤلاء أن القضية النووية ما هي إلا ذريعة للسيطرة على موارد إيران البترولية، كما كان الملف النووي المختلق ذريعة لتبرير غزو العراق.
لكن التطورات الأخيرة في العراق تلقي الشك حول هذه الأطروحة، فعلى الرغم من مرور ثماني سنوات على احتلال العراق وتكبد قوة الاحتلال ما يزيد على 700 مليار دولار من التكاليف حتى الآن، فضلا عن خسائرها وحلفائها في الأرواح والجرحى، فإن ما حظيت به الشركات النفطية الأمريكية من عقود في دورتين من العطاءات التي أجرتهما الحكومة العراقية حتى الآن، لا تشير إلى أفضلية استثنائية لها أو لغيرها من الشركات الغربية. فما حصلت تلك الشركات عليه في ظل الاحتلال لا يختلف عما يمكن أن تحصل عليه تحت ظروف طبيعية وإرادة عراقية حرة، مع الأخذ في الاعتبار الميزة المكتسبة للشركات الغربية الرئيسة الناتجة من خبرتها المتميزة وتقنياتها المتقدمة. فقد توزعت العطاءات في الدورتين على شركات متعددة من الولايات المتحدة، الصين، بريطانيا، إيطاليا، ماليزيا، روسيا، هولندا، وغيرها.
كما أن طبيعة العقود التي تم إبرامها مع الشركات المختلفة، وعلى الرغم من مداها الطويل، فإنها لا تنتقص من السيادة الوطنية؛ حيث إنها عقود خدمة تتقاضى الشركات رسما تنافسيا جدا (نحو دولارين عن البرميل المنتج) مقابل استثماراتها في إنتاج النفط والغاز الطبيعي. وليس عقود شراكة في الإنتاج تضفي حق الشراكة في ملكية الموارد، أو عقود امتياز كتلك التي كانت تبرم في الماضي التي انتهى عهدها بعد قيام منظمة أوبك وتأميم الموارد البترولية في معظم الدول المنتجة.
هذا لا يعني أن الطمع في السيطرة على موارد البترولية العراقية، أو توظيف تلك الموارد لخدمة الأغراض الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، لم يستعمل للترويج لغزو العراق واحتلاله من قبل بعض الأطراف والقوى التي وجدت في تدمير قدرات العراق مصلحة لها، لكنه لم يكن العامل الأوحد، حيث لا يجدر أن نستخف بأدوات التسويق الأخرى للحرب، التي من بينها: الرغبة في التخلص من نظام صدام حسين أو إحلال الديمقراطية في العراق توطئة لتغيير الشرق الأوسط، أو إشباع الغريزة البدائية المتمثلة لدى البعض في الرغبة في الانتقام من العرب لهجوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 الذي شنته القاعدة على أمريكا.
إن ما جعل حسابات البيدر تخيب حسابات الحقل للطامعين في السيطرة على موارد العراق كان وعي العراقيين، بمختلف شرائحهم، حتى الآن. هذا الوعي الذي دعم الجانب العراقي الوطني خلال المفاوضات الصعبة على قانون النفط الذي كان يواجه ضغوط المصالح الأجنبية بقوة وثبات. حيث استطاع حتى الآن بلورة مشروع قانون للنفط يحافظ على المصالح الوطنية العراقية ويمنع هدر ثرواته أو استغلالها بغير حق، كما قد يستشف من جولتي المناقصات الأخيرتين.
كما إن التطورات التي شهدتها أسواق النفط العالمية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، التي تمثل أبرزها في توحيد تلك الأسواق في سوق عالمية واحدة، قلصت من قدرة اللاعبين على التحكم فيها إلى حد كبير. فأسعار النفط لم تعد تحددها عقود طويلة الأجل بين المنتجين والمستهلكين، بل توازنات العرض والطلب في السوق العالمية الواحدة. كما أنها لم تعد عقود امتياز تعطي لشركات النفط العالمية حق التحكم في مستوى الإنتاج وتحديد الأسعار.
إن سوق النفط حاليا أشبه ببحيرة يصب فيها كامل الإنتاج العالمي ويخرج منها كامل الاستهلاك، فمنسوب هذه البحيرة، الذي يمثل المخزون العالمي من النفط، يعكس إجمالي الداخل والخارج منها. فإذا زاد معدل الإنتاج على معدل الاستهلاك ارتفع منسوبها، وانخفضت بالتالي أسعار النفط، وإذا انعكست العلاقة انخفض المنسوب وارتفعت الأسعار. وبالتالي يصبح تأثير لاعب واحد أو مجموعة محدودة من اللاعبين، سواء من المستهلكين أو المنتجين للنفط، على مستوى المنسوب نسبيا وهامشيا إلى حد كبير. لذا، فإن التحليلات التي تعطي هدف السيطرة على مصادر النفط وزنا طاغيا في الاستراتيجيات العسكرية والأمنية للدول العظمى ما زالت تتأثر بنماذج قديمة لا تساعد على القراءة الصحيحة والكاملة للغايات الفعلية لتلك الاستراتيجيات.
في جانب آخر، جعلت هذه التغيرات الهيكلية في أسواق النفط العالمية، من استعمال النفط كأداة لتعزيز المصالح الوطنية لمنتجيه الرئيسين، أداة ذات حدين في توظيفها السلبي والإيجابي. فإن التوظيف السلبي للنفط باستعماله كسلاح للدفاع عن القضايا الوطنية من خلال الحد من إمداداته عن جهة معينة مثلا، كما لا يزال يدعو إليه البعض بين الحين والآخر، يؤدي إلى انخفاض منسوب البحيرة النفطية العالمية وبالتالي ارتفاع أسعار النفط على جميع مستهلكيه وإلحاق الأذى بالجميع دون تمييز بين خصم وصديق. كما أن استغلال هذه الموارد كسلاح سياسي يضعف من اعتمادية إمداداته، ويسرع بالتالي البحث عن بدائل دائمة للنفط وإحلاله.
أما التوظيف الإيجابي للنفط فينبع من كونه يعزز العلاقات بين المنتجين والمستهلكين ويجعل من استقرار واعتمادية سوق النفط هدفا مشتركا لكليهما. وهذا يعزز التعاون ويقوي الروابط، ليس في المجالات التجارية والاقتصادية فحسب، بل أيضا في المجالات الأمنية والاستراتيجية. إن هذا الدور للنفط الذي يجعل من منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص، هدفا للقوى المعادية التي من مصلحتها هدم الجسور القائمة أو الممكنة بين العالم العربي وبقية العالم، هذه الجسور التي تمكنه من تعبئة الدعم لقضاياه الوطنية، وتعزز مكانته الاستراتيجية، اقتصاديا وأمنيا وسياسيا. فهدف هذه القوى، ليس بالضرورة السيطرة على الموارد النفطية وخلافها، حيث إن ذلك - كما رأينا - صعب جدا، بل هدفه خلق حالة دائمة من عدم الاستقرار في المنطقة.
إن حالة عدم الاستقرار تسيء إلى أمن الإمدادات النفطية واعتماديتها وإلى استقرار أسواق الطاقة العالمية ومستقبل النفط فيها، كما أنها تسيء بشكل أساسي إلى مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة. إلا أنه وقبل كل شيء، تعزز من مواقع بدائل النفط والغاز في الأسواق العالمية، الأمر الذي قد يؤدي إلى التعطيل النهائي والجذري لوظيفة النفط الإيجابية وتهميش دوره في العلاقات الدولية، وبالتالي تقليص نفوذ الدول المنتجة له وإضعافها.
تعتبر الموارد البترولية من أبرز معالم الجغرافيا السياسية لمنطقة الشرق الأوسط نظرا لتركز ما يزيد على 60 في المائة من احتياطيات النفط العالمية فيها. كما يعتبره العديد من المحللين الاستراتيجيين عاملا أساسيا في التنافس على النفوذ في المنطقة سواء الإقليمي أو الدولي. بدليل أن عددا من التحليلات والدراسات تعزو الهدف الرئيس خلف الغزو العسكري الأمريكي للعراق إلى رغبة أمريكا وحلفائها في السيطرة على موارد العراق البترولية الكثيرة. كما يصبح النفط في مثل هذه التحليلات عاملا مهما وراء الدعم الخارجي للحركات الانفصالية في المنطقة. ويضع البعض الحرب الأفغانية في إطار هدف الولايات المتحدة وحلفائها السيطرة على ممر استراتيجي مستقبلي للنفط والغاز من روسيا ودول القوقاز إلى أسواق الهند وجنوب شرق آسيا. وكذلك الأزمة الإيرانية مع الدول الغربية، حيث يعتقد هؤلاء أن القضية النووية ما هي إلا ذريعة للسيطرة على موارد إيران البترولية، كما كان الملف النووي المختلق ذريعة لتبرير غزو العراق.
لكن التطورات الأخيرة في العراق تلقي الشك حول هذه الأطروحة، فعلى الرغم من مرور ثماني سنوات على احتلال العراق وتكبد قوة الاحتلال ما يزيد على 700 مليار دولار من التكاليف حتى الآن، فضلا عن خسائرها وحلفائها في الأرواح والجرحى، فإن ما حظيت به الشركات النفطية الأمريكية من عقود في دورتين من العطاءات التي أجرتهما الحكومة العراقية حتى الآن، لا تشير إلى أفضلية استثنائية لها أو لغيرها من الشركات الغربية. فما حصلت تلك الشركات عليه في ظل الاحتلال لا يختلف عما يمكن أن تحصل عليه تحت ظروف طبيعية وإرادة عراقية حرة، مع الأخذ في الاعتبار الميزة المكتسبة للشركات الغربية الرئيسة الناتجة من خبرتها المتميزة وتقنياتها المتقدمة. فقد توزعت العطاءات في الدورتين على شركات متعددة من الولايات المتحدة، الصين، بريطانيا، إيطاليا، ماليزيا، روسيا، هولندا، وغيرها.
كما أن طبيعة العقود التي تم إبرامها مع الشركات المختلفة، وعلى الرغم من مداها الطويل، فإنها لا تنتقص من السيادة الوطنية؛ حيث إنها عقود خدمة تتقاضى الشركات رسما تنافسيا جدا (نحو دولارين عن البرميل المنتج) مقابل استثماراتها في إنتاج النفط والغاز الطبيعي. وليس عقود شراكة في الإنتاج تضفي حق الشراكة في ملكية الموارد، أو عقود امتياز كتلك التي كانت تبرم في الماضي التي انتهى عهدها بعد قيام منظمة أوبك وتأميم الموارد البترولية في معظم الدول المنتجة.
هذا لا يعني أن الطمع في السيطرة على موارد البترولية العراقية، أو توظيف تلك الموارد لخدمة الأغراض الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، لم يستعمل للترويج لغزو العراق واحتلاله من قبل بعض الأطراف والقوى التي وجدت في تدمير قدرات العراق مصلحة لها، لكنه لم يكن العامل الأوحد، حيث لا يجدر أن نستخف بأدوات التسويق الأخرى للحرب، التي من بينها: الرغبة في التخلص من نظام صدام حسين أو إحلال الديمقراطية في العراق توطئة لتغيير الشرق الأوسط، أو إشباع الغريزة البدائية المتمثلة لدى البعض في الرغبة في الانتقام من العرب لهجوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 الذي شنته القاعدة على أمريكا.
إن ما جعل حسابات البيدر تخيب حسابات الحقل للطامعين في السيطرة على موارد العراق كان وعي العراقيين، بمختلف شرائحهم، حتى الآن. هذا الوعي الذي دعم الجانب العراقي الوطني خلال المفاوضات الصعبة على قانون النفط الذي كان يواجه ضغوط المصالح الأجنبية بقوة وثبات. حيث استطاع حتى الآن بلورة مشروع قانون للنفط يحافظ على المصالح الوطنية العراقية ويمنع هدر ثرواته أو استغلالها بغير حق، كما قد يستشف من جولتي المناقصات الأخيرتين.
كما إن التطورات التي شهدتها أسواق النفط العالمية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، التي تمثل أبرزها في توحيد تلك الأسواق في سوق عالمية واحدة، قلصت من قدرة اللاعبين على التحكم فيها إلى حد كبير. فأسعار النفط لم تعد تحددها عقود طويلة الأجل بين المنتجين والمستهلكين، بل توازنات العرض والطلب في السوق العالمية الواحدة. كما أنها لم تعد عقود امتياز تعطي لشركات النفط العالمية حق التحكم في مستوى الإنتاج وتحديد الأسعار.
إن سوق النفط حاليا أشبه ببحيرة يصب فيها كامل الإنتاج العالمي ويخرج منها كامل الاستهلاك، فمنسوب هذه البحيرة، الذي يمثل المخزون العالمي من النفط، يعكس إجمالي الداخل والخارج منها. فإذا زاد معدل الإنتاج على معدل الاستهلاك ارتفع منسوبها، وانخفضت بالتالي أسعار النفط، وإذا انعكست العلاقة انخفض المنسوب وارتفعت الأسعار. وبالتالي يصبح تأثير لاعب واحد أو مجموعة محدودة من اللاعبين، سواء من المستهلكين أو المنتجين للنفط، على مستوى المنسوب نسبيا وهامشيا إلى حد كبير. لذا، فإن التحليلات التي تعطي هدف السيطرة على مصادر النفط وزنا طاغيا في الاستراتيجيات العسكرية والأمنية للدول العظمى ما زالت تتأثر بنماذج قديمة لا تساعد على القراءة الصحيحة والكاملة للغايات الفعلية لتلك الاستراتيجيات.
في جانب آخر، جعلت هذه التغيرات الهيكلية في أسواق النفط العالمية، من استعمال النفط كأداة لتعزيز المصالح الوطنية لمنتجيه الرئيسين، أداة ذات حدين في توظيفها السلبي والإيجابي. فإن التوظيف السلبي للنفط باستعماله كسلاح للدفاع عن القضايا الوطنية من خلال الحد من إمداداته عن جهة معينة مثلا، كما لا يزال يدعو إليه البعض بين الحين والآخر، يؤدي إلى انخفاض منسوب البحيرة النفطية العالمية وبالتالي ارتفاع أسعار النفط على جميع مستهلكيه وإلحاق الأذى بالجميع دون تمييز بين خصم وصديق. كما أن استغلال هذه الموارد كسلاح سياسي يضعف من اعتمادية إمداداته، ويسرع بالتالي البحث عن بدائل دائمة للنفط وإحلاله.
أما التوظيف الإيجابي للنفط فينبع من كونه يعزز العلاقات بين المنتجين والمستهلكين ويجعل من استقرار واعتمادية سوق النفط هدفا مشتركا لكليهما. وهذا يعزز التعاون ويقوي الروابط، ليس في المجالات التجارية والاقتصادية فحسب، بل أيضا في المجالات الأمنية والاستراتيجية. إن هذا الدور للنفط الذي يجعل من منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص، هدفا للقوى المعادية التي من مصلحتها هدم الجسور القائمة أو الممكنة بين العالم العربي وبقية العالم، هذه الجسور التي تمكنه من تعبئة الدعم لقضاياه الوطنية، وتعزز مكانته الاستراتيجية، اقتصاديا وأمنيا وسياسيا. فهدف هذه القوى، ليس بالضرورة السيطرة على الموارد النفطية وخلافها، حيث إن ذلك - كما رأينا - صعب جدا، بل هدفه خلق حالة دائمة من عدم الاستقرار في المنطقة.
إن حالة عدم الاستقرار تسيء إلى أمن الإمدادات النفطية واعتماديتها وإلى استقرار أسواق الطاقة العالمية ومستقبل النفط فيها، كما أنها تسيء بشكل أساسي إلى مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة. إلا أنه وقبل كل شيء، تعزز من مواقع بدائل النفط والغاز في الأسواق العالمية، الأمر الذي قد يؤدي إلى التعطيل النهائي والجذري لوظيفة النفط الإيجابية وتهميش دوره في العلاقات الدولية، وبالتالي تقليص نفوذ الدول المنتجة له وإضعافها.