منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By فراس الشويرخ 8-4-1
#36804
أمير طاهري
دائما ما يستخدم السياسيون المعارضون للإصلاح والتغيير الخوف كوسيلة لإقناع الأفراد برفض الاختيار تحت مسمى الاستقرار.

شعاراتهم هذه تستدعي إلى الأذهان كلمات ديمقراطيس، الذي يلقبه ابن سينا بـ«الفيلسوف السعيد». والذي كان شعاره «ارضَ بما لديك!»

بيد أنه عندما وقع التغيير بالفعل، هجر معارضو التغيير ديمقراطيس من أجل تأييد أليس، مستكشفة لويس كارول الصغيرة في بلاد العجائب. وكان شعارهم هناك: «وعود لن تتحقق غدا، ووعود لم تتحقق في الماضي؛ ولكن ليس اليوم على الإطلاق».

وخلال الأسابيع القليلة المنصرمة، شهدنا استخدام هاتين الحيلتين في مصر وتونس.
في البداية، أصرت النخبة التي تتولى مقاليد الأمور أن التغيير من الممكن أن يؤدي إلى كارثة. ولكن عندما حدث التغيير ولم تقع الكارثة كما قالوا، تحولت هذه النخبة إلى مناقشات تأجيل الانتخابات «على الأقل لبعض الوقت». هذه هي النغمة التي يستخدمها بعض السياسيين في مصر الآن، من بينهم بعض المرشحين السياسيين الفعليين أو المتوقعين.

يقول عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والمرشح الرئاسي «سيكون من الحكمة إذا انتظرنا قليلا».

وقبل 5 سنوات استخدم موسى نفس العبارة أثناء حديث بيننا حول العراق في منتدى دافوس. «العراقيون غير جاهزين.. وسيكون من الحكمة إذا انتظرنا قليلا». وأعتقد أن موسى كان مخلصا آنذاك كما هو الآن. ولكنى أعتقد أيضا أنه كان مخطئا آنذاك كما هو الآن.

وأسباب خطئه عديدة:
لعل أول هذه الأسباب أنه لم يوضح مدى طول هذه الفترة، تماما كما هو الحال مع الرئيس السابق حسني مبارك الذي كان يرى هو الآخر أن على مصر أن تنتظر «لفترة» قبل عقد انتخابات مهمة.

من ناحية أخرى لم يذكر موسى الحكمة من وراء تأجيل الانتخابات. بينما كان آخرون، على الرغم من ذلك، أكثر تحديدا في القول إن الانتخابات المبكرة ستفيد الإخوان المسلمين فقط لأنها الجماعة الأكثر تنظيما في هذا الوقت.

بيد أن هذه الحجة ربما تكون مقنعة في نصفها فقط، على أقل تقدير. ففي أي وقت من الأوقات، سيكون هناك من يوصف بأنه الأكثر تنظيما خلال هذه الفترة. فعلى سبيل المثال لو أن الانتخابات كانت قد أجريت قبل ستة أشهر، لكان الحزب الوطني الديمقراطي هو الحزب الأكثر تنظيما. على الرغم من اختفائه من الساحة في الوقت الراهن.

إضافة إلى أن هذا الرأي يفترض وجود مستوى تنظيم واحد لجميع الأحزاب. وهذا أمر محال. ففي أي وقت من الأوقات تكون هناك بعض الأحزاب الأكثر تنظيما من الأحزاب الأخرى. فلا يستطيع المرء أن ينتظر حتى تصل جميع الأحزاب، وفي مصر نحو 60 حزبا، إلى مستوى محدد من التنظيم.

على أية حال، من الذي يستطيع أن يحدد معيار مستوى التنظيم؟ هذا الادعاء مبني على افتراض خاطئ بأنه إذا أجلنا الانتخابات، فإن جميع الأحزاب، فيما عدا واحدا، ستنتظم بسرعة إلى هذا المستوى غير المعروف الذي نريده.
وسيكون الاستثناء هو «الإخوان».

بيد أنه إذا كان الإخوان المسلمون مستعدين للمخاطرة بالسجن والإعدام عندما قاموا بتنظيم أنفسهم على مرأى من الدولة البوليسية، فهل سيقفون الآن كسالى عندما تأتيهم الفرصة للنمو بحركتهم في جو من الحرية والأمن؟

ربما كان طرح المناقشة حول «التأجيل» على أساس آخر أكثر أهمية: الادعاء الضمني هو أن حكم الشعب من الممكن الوثوق به فقط إذا أصدر نتائج معينة. وبعبارة أخرى، ستكون الانتخابات جيدة لمصر فقط إذا كان الإخوان هم الخاسرين.

لكن الإخوان المسلمين جزء من المجتمع المصري والقرار بيد المصريين في تحديد مكانة هذه الجماعة في النظام المستقبلي الذي يسمح بالتعددية.

وهؤلاء الذين يخشون الانتخابات دائما ما يقومون بالإشارة إلى الانتصار الانتخابي لهتلر في ألمانيا عام 1932. غير أن هذا هو أحد الاستثناءات التاريخية القليلة التي تثبت القاعدة. الأهم من ذلك، أن النازيين لم يكونوا الحزب الأكثر تنظيما في ذلك الوقت. حيث ذهب اللقب بشكل روتيني إلى الحزب الشيوعي.

وفي عام 1992 و1993، قامت الآلة الأمنية العسكرية الجزائرية برفض الانتخابات بحجة ضرورة منع الجبهة الإسلامية للإنقاذ من الفوز. وقد دفعت هذه السياسة البلاد إلى حرب أهلية التي راح ضحيتها 100 ألف شخص.

وفي النهاية فإن ما ساعد الجزائر على الوصول إلى الاستقرار والصفاء هو سلسلة الانتخابات التي عقدت منذ عام 1995 فما بعده. وعلى الرغم من بُعدها عن الكمال، فقد ساعدت هذه الانتخابات على إتاحة الفرصة لهزيمة الإسلاميين الراديكاليين في المعترك السياسي.

وكلما عقدت الانتخابات في مصر وتونس بصورة أسرع، كانت فرص بناء نظام متعدد أفضل.

ما نريده في الوقت الراهن هو لمحة للرأي العام في تونس ومصر اللتين خرجتا من عقود من الحكم الاستبدادي. وعن طريق معرفة أين تقف هذه المجتمعات اليوم، ستوضح هذه اللمحة قدراتهما في التقدم نحو التعددية في كل منهما.

ما من شك في أن الإخوان حزب معاد للديمقراطية تماما، حيث إن آيديولوجيته لا تسمح بالحريات الفردية. ومع ذلك، دعنا لا ننسى أن جماعة الإخوان نشأت وظلت تنمو في ظل عدد من الأنظمة الاستبدادية المتتابعة، ولم يكن لديها خيار إلا أن تكشف عنف وتعصب هذه الأنظمة. وفي ظل نظام ديمقراطي جديد، من الممكن أن يجد الإخوان أنه من المفيد سياسيا لها أن تتحرك نحو وضع أكثر اعتدالا.

وهناك إشارات بالفعل تشير إلى أن الإخوان يحاولون تبني ما يسمى بـ«النموذج التركي» الذي ساعد حزب العدالة والتنمية على زيادة حصة الإسلاميين من المقاعد البرلمانية من 5 في المائة عام 1983 إلى 43 في المائة منذ 3 سنوات.

وجماعة الإخوان في تونس، التي تعرف باسم النهضة، ألزمت نفسها علنيا بمحاكاة حزب العدالة والتنمية التركي.

وقبل 25 سنة مضت، كان حزب الرفاه التركي خطرا واضحا على الديمقراطية التركية. وعلى الرغم من كون حزب العدالة والتنمية حزبا رجعيا، فإنه ليس بمثل هذه الدرجة من الخطر.

وقد شهدنا على مدى عقود، تطورات مشابهة في ديمقراطيات الغرب حيث ابتعدت أحزابهم الشيوعية عن الحركة الثورية الراديكالية وتبنت أوضاعا معتدلة نسبيا داخل الأنظمة البرلمانية. ومؤخرا شهدنا ذلك أيضا في حالة بعض الأحزاب الإسلامية الراديكالية في العراق.

يجب أن ترفض الأحزاب العلمانية والتقدمية في مصر وتونس استراتيجية الخوف وأن تثق في حكم الشعب. فمن الممكن أن يفوزوا بأغلبية من خلال المناقشات المثمرة والعمل الجاد، وليس عبر الحلم بسيناريوهات لخداع منافسيهم من أجل انتصار غير مؤكد.