- الأحد مايو 29, 2011 2:43 pm
#37294
كان سيغموند فرويد هو الباديء بمحاولة التحليل النفسي للرؤساء الاميركيين . فقد قام فرويد بإعداد دراسة حول شخصية الرئيس الأميركي وودرو ولسون. مستندا" في ذلك الى معطيات قدمها له أحد المقربين من ولسون وهو السفير بوليت. ونشر النص بعد وفاة فرويد لذلك فهو غير متداول كغيره من النصوص الفرويدية.
مهما يكن فإن قراءة النص توحي بوجود أوجه شبه عديدة بين ولسون وبيت الرئيس الأميركي ووكر بوش. وبالنظر الى حراجة اللحظة السياسية العالمية الراهنة فقد رأينا ضرورة ترجمة هذا النص الى العربية. مع تذييله بهوامش توضح وجوه الشبه المشار لها أعلاه.
لكن علم النفس السياسي المعاصر يتخطى التحليل النفسي الى تطبيق نظريات نفسية أخرى في الميدان السياسي. ومنها النظرية السلوكية حيث بعض التاس يعتقدون أن البشر يقسمون إلى فئتين: منغلق ومنفتح. وبعضهم يعتقد بوجود نسبية في الإنفتاح والإنغلاق. أما البقية ،وأنا منهم، فهم لايعتقدون بإمكانية تقسيم البشر وتوزيعهم على فئات. وهذا الموقف يقوده أساسا" أتباع التحليل النفسي الذين يصرون على رأي فرويد القائل بأن الموضوعية الحقة هي الإهتمام بالذاتية. لكن ذلك لم يمنع فرويد من تمييز فئات نفسية خاصة. ولم يمنع أتباعه من تحديد أنماط تحليلية قد تكون مخالفة للأنماط السلوكية لكنها في الخلاصة تصنيف مفترض للشخصيات. والسلوكيون لا يقدمون مثل هذا التصنيف لأنهم يحصرون إهتمامهم بسلوك الشخص وتصرفاته وليس بدوافعه الكامنة وشخصيته عامة. لذلك فإن الأنماط السلوكية هي عبارة عن قوالب سلوكية يكونها الشخص وفق خبرته ويتصرف من خلالها. فالنمط السلوكي إذا" هو عبارة عن قالب سلوكي يمكن لأشخاص ذوي شخصيات مختلفة أن يشتركوا في إعتماده. ولعل أكثر الأنماط السلوكية شيوعا" هما النمطان أ وب. حيث يعتبر أصحاب النمط (أ) من الأشخاص الذين يتصرفون بطريقة تجلب لهم الإرهاق وبالتالي فهم الأكثر عرضة للذبحة القلبية وللأمراض الجسدية الناجمة عن الإرهاق عموما".
تعريف النمط السلوكي
النمط السلوكي هو عبارة عن علاقة بين الفعل والإنفعال. التي نلاحظها ، في حالة النمط أ مثلا"، لدى الأشخاص يخوضون صراعا" دائما" بهدف الحصول ، وبأقل وقت ممكن، على عدد معين من الأهداف والأشياء. ويختلف هذا النمط عن حالات القلق العادية من حيث تحديده لأهدافه وإصراره عليها. و ذلك على عكس القلق الذي يتراجع ليطلب النصح إذا ما أحس أن ذمام الأمور بدأ يفلت من يده.
هذا بالنسبة للأنماط الطبية – النفسية ( السيكوسوماتية) أما بالنسبة للأنماط السياسية فهي مختلفة لجهة إعتمادها معايير مختلفة. كما لجهة إنحسارها في فئة محدودة جدا" هي فئة السياسيين. ويهمنا في هذا السياق تحديدا" فئة الرؤساء الأميركيين وأنماطهم السلوكية.
1. الأنماط السلوكية للرؤساء الأميركيين
إن النمط المميز لهيكلية جهاز القيم الأميركي، يجعل من قضية الأخلاق قضية جاذبة للرأي العام، وخصوصا" في فترة الإنتخابات. التي تشهد التركيز على الحياة الخاصة للمرشحين، وعلى العلاقة بين هفوات المرشحين وبين أدائهم الرئاسي في حال فوزهم.
قضية الأخلاق هذه كانت مدخل الجمهور الأميركي لاستكشاف شخصية الرئيس كلينتون، بدءا" بعلاقته مع زوجته الصعبة المزاج ( لدرجة الاضطراب أحيانا")، مرورا" بعلاقاته النسائية التي تكللت بفضيحة التحرش الجنسي، والدعوى التي أقامتها باولا جونز على كلينتون، وأيضا" مرورا" بـ "وايت ووتر"، وانتحار أحد المستشارين وما أشيع عن علاقة بينه وبين زوجة كلينتون، وصولا" إلى الديون التي تثقل كاهل الرئيس... الخ من الهفوات التي أتاحت للجمهور الأميركي تكوين فكرة عن الملامح الرئيسية لشخصية كلينتون. لكن التركيز على هذه الهنات لا يعني أنها غير مسبوقة، فقد كان لغاري هارت مغامراته العاطفية مع العارضة دونا رايس، كما اتسم سلوك بات روبرتسون بالعبث الشبابي. ولم يكن جون كينيدي بعيدا" لا عن المغامرات العاطفية، ولا عن اضطراب تفاهمه الزوجي... الخ. من القضايا التي كان قد أثارها عالم النفس( في جامعة كاليفورنيا)، كيث سيمونتون مؤلف كتاب "لماذا ينجح الرؤساء"، وفيه يقول: " إن الكثير من القضايا الأخلاقية المثارة لا تملك الأهمية في موضوع اختيار الرئيس وانتخابه". وبمعنى آخر فإن أداء الرئيس في غرفة النوم لا علاقة له بأخلاقه. ويذكر سيمنتون أن لغالبية الرؤساء الأميركيين مغامراتهم العاطفية خارج فراش الزوجية، دون أي فارق بين الناجحين وبين غير الفاعلين منهم.
أما عالم الشخصيات روبرت هوغان، فيعارض ذلك إذ يقول: " إن الشخصية هي مجموعة متكاملة من السمات مثل الذكاء والمرونة ودرجة الحياء والكبت عند الشخص...الخ وهذه السمات هي التي تحدد سلوك الشخص سواء كان رئيس عمال في ورشة، أو كان في البيت الأبيض رئيسا".
ويدعم هذا الرأي عالم السياسة "جيمس دافيد باربر". مؤلف كتاب: "الأخلاق الرئاسية – التنبؤ بمستوى الأداء في البيت الأبيض"، إذ يقول: أن من يدرس أحوال الرئاسة في القرن العشرين، سيصل للإستنتاج القائل، بأن لأخلاق الرئيس أهمية وتأثير أكيد في مجريات الأمور. بل أن أخلاق المرشح أصدق إنباء عن شخصيته وأدائه من كل الوعود والاقتراحات الانتخابية التي يطرحها أثناء حملته. ويعطي باربر مثالا" على ذلك " ليندون جونسون"، فيقول بأن قصة جونسون مع حرب فيتنام هي أكثر الأمثلة إثارة للرعب في العصر الحديث. فقد كان يدعي بأنه مرن ومحب للسلام، ولكنه لم يلبث أن تحوّل إلى التصلّب في سياسته العسكرية الفاشلة، وذلك بسبب سلوكه القهري المتصلّب. ويتابع باربر بأن دوايت د.ايزنهاور يمثّل نموذجا" للشخصية السلبية ( ينسحب من المواجهة لأسباب أخلاقية تاركا" حل المشاكل للآخرين ) ومن هنا فشله في محاربة المكارثية، والمشكلات التي انبثقت في أيامه كانحلال الحياة في المدن ومظاهر الشغب العرقي. وهنا علينا أن نلاحظ تكرار هذه الملامح في عهد ووكر بوش منذ الاشهر الأولى لولايته. حيث الشغب العرقي المندلع في سينسيناتي في 1/4/2001 وحيث التورط في قصف افغانستان وصعوبة الانسحاب منها. إضافة للرغبة القهرية لدى بوش بتوجيه ضربة أخرى للعراق.
2- التصنيف النفسي – السياسي للرؤساء الأميركيين
يطرح باربر تصنيف الرؤساء الأميركيين، وفق خطين قاعديين: 1- خط الفاعل و 2- خط المنفعل ( أي القدر من الطاقة الشخصية الذي يبذله المرء في عمله في مقابل العاطفة الايجابية – السلبية أو موقفه من نتائج عمله ومدى تقبله لهذه النتائج). وعلى هذا الأساس يحدد باربر أنماطا" أربعة لشخصية الرئيس الاميركي وهذه الانماط هي:
أ – النمط الفاعل – الإيجابي
هذا النمط من الرؤساء يستثمر قدرا" كبيرا" من الطاقة الشخصية في عمله، وهو يستمتع بذلك. وتكون لدى مثل هذا الرئيس أهداف تحكم توجهاته. كما تكون لديه مرونة. لكنه قد يواجه مشكلات في التعامل مع المواقف العاطفية وغير العقلانية في السياسة. ومن الرؤساء المنتمين الى هذا النمط: روزفلت، وترومان وكينيدي.
ب- النمط الفاعل – السلبي
يملك صاحب هذا النمط طاقة شخصية عالية، لكنها موجّهة في كفاح قهري لا متعة فيه، وليس له سوى مردود عاطفي محدود. ويواجه أصحاب هذا النمط صعوبة في كبت وضبط مشاعرهم العدائية. من أهم أمثلة هذا النمط الرؤساء ولسون وجونسون ونيكسون.
ج – النمط المنفعل – الإيجابي
يمتاز هذا النمط بأنه مساير ومتعاون أكثر منه صاحب شخصية وحيوية قوية. مع مسحة تفاؤل مهيمنة على سلوكه. وهذا النمط يفاوض بشكل جيد، ولكنه يحيط نفسه بأصدقائه القدامى الذين يجلبون له العار. ومن أمثلة هذا النمط هوارد تافت وريغان، " الذي يقول عنه سيمونتون: "ها نحن نجد ريغان يوقع صفقة أسلحة مهمة وفي الوقت نفسه تنفجر حوله الفضائح في كل مكان". كما ينتمي الى هذا النمط الرئيس كلينتون.
د – النمط المنفعل – السلبي
يدخل أصحاب هذا النمط الى ميدان السياسة إنطلاقا" من حسّ الواجب والخدمة وليس لتحقيق المتعة. وهم لا يجنون من الرئاسة سوى القليل من القناعة والرضى. وهم يميلون لتجنّب الصراعات، والانسحاب منها معتمدين على بيانات مبادئ غامضة كما فعل كوليدج وايزنهاور.
على ان هذا التصنيف يجب ألا يدفعنا إلى تجاوز العوامل الفردية، التي تميز الفرد عن الآخرين، بحيث لا يمكن إدراج شخصيته بصورة حصرية في واحد من هذه الأنماط لوحده، بل هو مزيج يهيمن عليه أحد هذه الأنماط.
3- التحديات التي تواجه الرؤساء الأميركيين
يرى عالم السياسة "بروس بوكانان" من جامعة تكساس، أن الرؤساء الأميركيين يواجهون أربعة تحديات أساسية تعترض مدة إقامتهم في البيت الأبيض هي:
1- المجد المفرط : هو التحدي الأول حيث يكثر المادحون والمتزلفون، بحيث تتحول معارضته إلى مفاجأة يستجيب لها البعض بالغضب ( يزداد الغضب مع ازدياد القناعة بأقوال المادحين).
2- إجهاد القرارت : ان التحدي الثاني، الذي يواجه الرئيس، هو العراقيل والحواجز المؤدية للإحباطات وكيفية تعامل الرئيس معها. فهل هو يعرف متى يحارب ومتى ينسحب؟ وهل هو قادر على تحمّل الفشل وهضمه؟.
3- التوفيق بين أجنحة ادارته: وهو التحدي الثالث في مواجهة الرئيس. و هو أسلوب الإدارة التي غالبا" ما تواجه الرئيس بمطالب متناقضة، حيث يجب أن يملك الرئيس القدرة على التوفيق بين هذه القدرة المتناقضات. هذا التوفيق الذي فشل فيه جيمي كارتر لتدخّله الزائد لدرجة التورط. كما فشل فيه ريغان بسبب تراجعه وعدم تدخله بالمستوى المطلوب.
4- الإغراءات الضخمة : وهي التحدي الرابع للرئيس. ويعطي بوكانان على هذا التحدي مثال جونسون الذي رغب في تحقيق برامجه الإجتماعية (مشروع المجتمع الكبير) وبأن ينتصر في فييتنام في آن معا". لكن الكونغرس لم يكن مستعدا" لتمويل الاثنين معا". كما أن ريغان كان مستميتا" لتحرير الرهائن الأميركيين ولم يكن مستعدا" لاجراء أية مقايضة مع الزعماء الإيرانيين. وفي كلتا الحالتين فإن فشل الرئيسين في تحقيق إغراء الحصول على هدفين في آن واحد قد دفعهما إلى الكذب.
هذا ولا يهمل بوكانان، الاشارة إلى جملة عوامل تؤثر في أسلوب مواجهة الرئيس لهذه التحديات، فيذكر العوامل التالية:
1- مجموعات المصالح.
2- الحزب المسيطر على الكونغرس والمحكمة العليا.
3- الدعم الشعبي .
4- أجواء التوقع (تذكيها الصحافة)...الخ.
و في حالة الرئيس جورج ووكر بوش يلاحظ أن هذه العوامل إتخذت طابع الحدة. بحيث أصبحت موازية للعوامل الرئيسية في أهميتها وفي تأثيرها على قرارات الرئيس.
4- النمط السلوكي لجورج ووكر بوش
بعد هذا الشرح المختصر والمبسط للتصنيف السلوكي للرؤساء الأميركيين علينا أن نقوم بتحديد النمط السلوكي للرئيس جورج ووكر بوش. فإلى أي من هذه الأنماط السلوكية الأربعة ينتمي. فتحديد نمط بوش من شأنه مساعدتنا على تبين العلائم السلوكية المسيطرة على تصرفاته الرئاسية وعلى خياراته. أيضا" يسمح لنا هذا التحديد بعقد المقارنة بينه وبين الرؤساء السابقين من ذات نمطه السلوكي. بحيث يساعدنا ذلك على التنبوء المستقبلي بإتجاهات الرئيس وخياراته. وهنا لابد من التذكير بأن القانون الأميركي ( ومعه السياسة) يعتمد مبدأ السابقة. وعليه فإن الرئيس الأميركي يفتش عن السوابق في تاريخ أسلافه للإستناد إليها في قراراته الصعبة. ومن الطبيعي أن يميل الرئيس إلى السوابق والحلول المنسجمة مع نمطه السلوكي. وعليه فإنه يختار من بين السوابق سوابق الرؤساء المشاركين له في نمطه السلوكي. ومن هذا المنطلق رأينا بوش الإبن يتجه نحو التوحد بريغان متجنبا" التوحد بوالده. ولهذا التجنب سبب ظاهر هو محاولة الإستقلال عن ظل أبيه. وسبب آخر خفي هو إختلاف النمط السلوكي بين الأب ( فاعل - ايجابي) والإبن. لكن إختيار الإبن التوحد بالرئيس ريغان لم يكن موفقا" كون النمط السلوكي لريغان مناقضا" لنمط ووكر بوش فإعجاب بوش بريغان وحده لا يكفي للوصول به إلى أداء مماثل لأداء ريغان كما سنرى. إذ ينتمي ريغان الى النمط المنفعل الإيجابي. ومراجعة سلوك ووكر بوش تؤكد بعده التام عن هذا النمط. وتكفي هنا مراجعة الملامح المشتركة بينه وبين جونسون (اشرنا اليها اعلاه) لنتبين انتماء ووكر بوش الى النمط الفاعل-السلبي. ويتدعم انتماءه لهذا النمط بمقارنتنا لسلوكه مع سلوك نيكسون وولسون.
ولهذا النمط من الرؤساء الأميركيين سماتهم السلوكية المشتركة التالية:
1. سهولة التأثر بمستشاريهم ومقربيهم وأعضاء ادارتهم. مع سهولة شبيهة في الإنقلاب على هؤلاء.
2. نقص في المعلومات الضرورية لاتخاذ القرارات. سواء بسبب نقص ثقافي أو بسبب حجب المعلومات عنهم بحجة عدم أهميتها. بحيث يبدو كلا" منهم مخدوعا" في أحد المواقف المفصلية في ولايته.
3. الاندفاع غير المدروس في إتجاهات استراتيجية خاطئة. وهو احتمال يزداد مع انحياز هذا النمط للفريق المتطرف في ادارته.
4. عدم إستساغة الجمهور الأميركي لهذا النمط من الرؤساء وتخليه عنهم في ورطاتهم.
5. الرغبة المفرطة في التمتع بالمجد والجبروت الرئاسي.
6. عدم القدرة على تحمل الإحباطات ومواجهة المواقف الصعبة. مما يدفعهم للإرتماء أكثر فأكثر في أحضان فريقهم ومستشاريهم. مع إتباعهم للسلوك الهروبي.
7. الوقوع بسهولة ضحية الاغراءات الضخمة. ومحاولة الجمع بين الأهداف المتناقضة. دون ملكية المرونة الكافية لوضع جدول اولويات يتيح لهم التركيز على الأهداف الأهم والتخلي عن الأقل أهمية. وهي سمة مشتركة بين الرؤساء السلبيين ( فاعلين أو منفعلين).
مهما يكن فإن قراءة النص توحي بوجود أوجه شبه عديدة بين ولسون وبيت الرئيس الأميركي ووكر بوش. وبالنظر الى حراجة اللحظة السياسية العالمية الراهنة فقد رأينا ضرورة ترجمة هذا النص الى العربية. مع تذييله بهوامش توضح وجوه الشبه المشار لها أعلاه.
لكن علم النفس السياسي المعاصر يتخطى التحليل النفسي الى تطبيق نظريات نفسية أخرى في الميدان السياسي. ومنها النظرية السلوكية حيث بعض التاس يعتقدون أن البشر يقسمون إلى فئتين: منغلق ومنفتح. وبعضهم يعتقد بوجود نسبية في الإنفتاح والإنغلاق. أما البقية ،وأنا منهم، فهم لايعتقدون بإمكانية تقسيم البشر وتوزيعهم على فئات. وهذا الموقف يقوده أساسا" أتباع التحليل النفسي الذين يصرون على رأي فرويد القائل بأن الموضوعية الحقة هي الإهتمام بالذاتية. لكن ذلك لم يمنع فرويد من تمييز فئات نفسية خاصة. ولم يمنع أتباعه من تحديد أنماط تحليلية قد تكون مخالفة للأنماط السلوكية لكنها في الخلاصة تصنيف مفترض للشخصيات. والسلوكيون لا يقدمون مثل هذا التصنيف لأنهم يحصرون إهتمامهم بسلوك الشخص وتصرفاته وليس بدوافعه الكامنة وشخصيته عامة. لذلك فإن الأنماط السلوكية هي عبارة عن قوالب سلوكية يكونها الشخص وفق خبرته ويتصرف من خلالها. فالنمط السلوكي إذا" هو عبارة عن قالب سلوكي يمكن لأشخاص ذوي شخصيات مختلفة أن يشتركوا في إعتماده. ولعل أكثر الأنماط السلوكية شيوعا" هما النمطان أ وب. حيث يعتبر أصحاب النمط (أ) من الأشخاص الذين يتصرفون بطريقة تجلب لهم الإرهاق وبالتالي فهم الأكثر عرضة للذبحة القلبية وللأمراض الجسدية الناجمة عن الإرهاق عموما".
تعريف النمط السلوكي
النمط السلوكي هو عبارة عن علاقة بين الفعل والإنفعال. التي نلاحظها ، في حالة النمط أ مثلا"، لدى الأشخاص يخوضون صراعا" دائما" بهدف الحصول ، وبأقل وقت ممكن، على عدد معين من الأهداف والأشياء. ويختلف هذا النمط عن حالات القلق العادية من حيث تحديده لأهدافه وإصراره عليها. و ذلك على عكس القلق الذي يتراجع ليطلب النصح إذا ما أحس أن ذمام الأمور بدأ يفلت من يده.
هذا بالنسبة للأنماط الطبية – النفسية ( السيكوسوماتية) أما بالنسبة للأنماط السياسية فهي مختلفة لجهة إعتمادها معايير مختلفة. كما لجهة إنحسارها في فئة محدودة جدا" هي فئة السياسيين. ويهمنا في هذا السياق تحديدا" فئة الرؤساء الأميركيين وأنماطهم السلوكية.
1. الأنماط السلوكية للرؤساء الأميركيين
إن النمط المميز لهيكلية جهاز القيم الأميركي، يجعل من قضية الأخلاق قضية جاذبة للرأي العام، وخصوصا" في فترة الإنتخابات. التي تشهد التركيز على الحياة الخاصة للمرشحين، وعلى العلاقة بين هفوات المرشحين وبين أدائهم الرئاسي في حال فوزهم.
قضية الأخلاق هذه كانت مدخل الجمهور الأميركي لاستكشاف شخصية الرئيس كلينتون، بدءا" بعلاقته مع زوجته الصعبة المزاج ( لدرجة الاضطراب أحيانا")، مرورا" بعلاقاته النسائية التي تكللت بفضيحة التحرش الجنسي، والدعوى التي أقامتها باولا جونز على كلينتون، وأيضا" مرورا" بـ "وايت ووتر"، وانتحار أحد المستشارين وما أشيع عن علاقة بينه وبين زوجة كلينتون، وصولا" إلى الديون التي تثقل كاهل الرئيس... الخ من الهفوات التي أتاحت للجمهور الأميركي تكوين فكرة عن الملامح الرئيسية لشخصية كلينتون. لكن التركيز على هذه الهنات لا يعني أنها غير مسبوقة، فقد كان لغاري هارت مغامراته العاطفية مع العارضة دونا رايس، كما اتسم سلوك بات روبرتسون بالعبث الشبابي. ولم يكن جون كينيدي بعيدا" لا عن المغامرات العاطفية، ولا عن اضطراب تفاهمه الزوجي... الخ. من القضايا التي كان قد أثارها عالم النفس( في جامعة كاليفورنيا)، كيث سيمونتون مؤلف كتاب "لماذا ينجح الرؤساء"، وفيه يقول: " إن الكثير من القضايا الأخلاقية المثارة لا تملك الأهمية في موضوع اختيار الرئيس وانتخابه". وبمعنى آخر فإن أداء الرئيس في غرفة النوم لا علاقة له بأخلاقه. ويذكر سيمنتون أن لغالبية الرؤساء الأميركيين مغامراتهم العاطفية خارج فراش الزوجية، دون أي فارق بين الناجحين وبين غير الفاعلين منهم.
أما عالم الشخصيات روبرت هوغان، فيعارض ذلك إذ يقول: " إن الشخصية هي مجموعة متكاملة من السمات مثل الذكاء والمرونة ودرجة الحياء والكبت عند الشخص...الخ وهذه السمات هي التي تحدد سلوك الشخص سواء كان رئيس عمال في ورشة، أو كان في البيت الأبيض رئيسا".
ويدعم هذا الرأي عالم السياسة "جيمس دافيد باربر". مؤلف كتاب: "الأخلاق الرئاسية – التنبؤ بمستوى الأداء في البيت الأبيض"، إذ يقول: أن من يدرس أحوال الرئاسة في القرن العشرين، سيصل للإستنتاج القائل، بأن لأخلاق الرئيس أهمية وتأثير أكيد في مجريات الأمور. بل أن أخلاق المرشح أصدق إنباء عن شخصيته وأدائه من كل الوعود والاقتراحات الانتخابية التي يطرحها أثناء حملته. ويعطي باربر مثالا" على ذلك " ليندون جونسون"، فيقول بأن قصة جونسون مع حرب فيتنام هي أكثر الأمثلة إثارة للرعب في العصر الحديث. فقد كان يدعي بأنه مرن ومحب للسلام، ولكنه لم يلبث أن تحوّل إلى التصلّب في سياسته العسكرية الفاشلة، وذلك بسبب سلوكه القهري المتصلّب. ويتابع باربر بأن دوايت د.ايزنهاور يمثّل نموذجا" للشخصية السلبية ( ينسحب من المواجهة لأسباب أخلاقية تاركا" حل المشاكل للآخرين ) ومن هنا فشله في محاربة المكارثية، والمشكلات التي انبثقت في أيامه كانحلال الحياة في المدن ومظاهر الشغب العرقي. وهنا علينا أن نلاحظ تكرار هذه الملامح في عهد ووكر بوش منذ الاشهر الأولى لولايته. حيث الشغب العرقي المندلع في سينسيناتي في 1/4/2001 وحيث التورط في قصف افغانستان وصعوبة الانسحاب منها. إضافة للرغبة القهرية لدى بوش بتوجيه ضربة أخرى للعراق.
2- التصنيف النفسي – السياسي للرؤساء الأميركيين
يطرح باربر تصنيف الرؤساء الأميركيين، وفق خطين قاعديين: 1- خط الفاعل و 2- خط المنفعل ( أي القدر من الطاقة الشخصية الذي يبذله المرء في عمله في مقابل العاطفة الايجابية – السلبية أو موقفه من نتائج عمله ومدى تقبله لهذه النتائج). وعلى هذا الأساس يحدد باربر أنماطا" أربعة لشخصية الرئيس الاميركي وهذه الانماط هي:
أ – النمط الفاعل – الإيجابي
هذا النمط من الرؤساء يستثمر قدرا" كبيرا" من الطاقة الشخصية في عمله، وهو يستمتع بذلك. وتكون لدى مثل هذا الرئيس أهداف تحكم توجهاته. كما تكون لديه مرونة. لكنه قد يواجه مشكلات في التعامل مع المواقف العاطفية وغير العقلانية في السياسة. ومن الرؤساء المنتمين الى هذا النمط: روزفلت، وترومان وكينيدي.
ب- النمط الفاعل – السلبي
يملك صاحب هذا النمط طاقة شخصية عالية، لكنها موجّهة في كفاح قهري لا متعة فيه، وليس له سوى مردود عاطفي محدود. ويواجه أصحاب هذا النمط صعوبة في كبت وضبط مشاعرهم العدائية. من أهم أمثلة هذا النمط الرؤساء ولسون وجونسون ونيكسون.
ج – النمط المنفعل – الإيجابي
يمتاز هذا النمط بأنه مساير ومتعاون أكثر منه صاحب شخصية وحيوية قوية. مع مسحة تفاؤل مهيمنة على سلوكه. وهذا النمط يفاوض بشكل جيد، ولكنه يحيط نفسه بأصدقائه القدامى الذين يجلبون له العار. ومن أمثلة هذا النمط هوارد تافت وريغان، " الذي يقول عنه سيمونتون: "ها نحن نجد ريغان يوقع صفقة أسلحة مهمة وفي الوقت نفسه تنفجر حوله الفضائح في كل مكان". كما ينتمي الى هذا النمط الرئيس كلينتون.
د – النمط المنفعل – السلبي
يدخل أصحاب هذا النمط الى ميدان السياسة إنطلاقا" من حسّ الواجب والخدمة وليس لتحقيق المتعة. وهم لا يجنون من الرئاسة سوى القليل من القناعة والرضى. وهم يميلون لتجنّب الصراعات، والانسحاب منها معتمدين على بيانات مبادئ غامضة كما فعل كوليدج وايزنهاور.
على ان هذا التصنيف يجب ألا يدفعنا إلى تجاوز العوامل الفردية، التي تميز الفرد عن الآخرين، بحيث لا يمكن إدراج شخصيته بصورة حصرية في واحد من هذه الأنماط لوحده، بل هو مزيج يهيمن عليه أحد هذه الأنماط.
3- التحديات التي تواجه الرؤساء الأميركيين
يرى عالم السياسة "بروس بوكانان" من جامعة تكساس، أن الرؤساء الأميركيين يواجهون أربعة تحديات أساسية تعترض مدة إقامتهم في البيت الأبيض هي:
1- المجد المفرط : هو التحدي الأول حيث يكثر المادحون والمتزلفون، بحيث تتحول معارضته إلى مفاجأة يستجيب لها البعض بالغضب ( يزداد الغضب مع ازدياد القناعة بأقوال المادحين).
2- إجهاد القرارت : ان التحدي الثاني، الذي يواجه الرئيس، هو العراقيل والحواجز المؤدية للإحباطات وكيفية تعامل الرئيس معها. فهل هو يعرف متى يحارب ومتى ينسحب؟ وهل هو قادر على تحمّل الفشل وهضمه؟.
3- التوفيق بين أجنحة ادارته: وهو التحدي الثالث في مواجهة الرئيس. و هو أسلوب الإدارة التي غالبا" ما تواجه الرئيس بمطالب متناقضة، حيث يجب أن يملك الرئيس القدرة على التوفيق بين هذه القدرة المتناقضات. هذا التوفيق الذي فشل فيه جيمي كارتر لتدخّله الزائد لدرجة التورط. كما فشل فيه ريغان بسبب تراجعه وعدم تدخله بالمستوى المطلوب.
4- الإغراءات الضخمة : وهي التحدي الرابع للرئيس. ويعطي بوكانان على هذا التحدي مثال جونسون الذي رغب في تحقيق برامجه الإجتماعية (مشروع المجتمع الكبير) وبأن ينتصر في فييتنام في آن معا". لكن الكونغرس لم يكن مستعدا" لتمويل الاثنين معا". كما أن ريغان كان مستميتا" لتحرير الرهائن الأميركيين ولم يكن مستعدا" لاجراء أية مقايضة مع الزعماء الإيرانيين. وفي كلتا الحالتين فإن فشل الرئيسين في تحقيق إغراء الحصول على هدفين في آن واحد قد دفعهما إلى الكذب.
هذا ولا يهمل بوكانان، الاشارة إلى جملة عوامل تؤثر في أسلوب مواجهة الرئيس لهذه التحديات، فيذكر العوامل التالية:
1- مجموعات المصالح.
2- الحزب المسيطر على الكونغرس والمحكمة العليا.
3- الدعم الشعبي .
4- أجواء التوقع (تذكيها الصحافة)...الخ.
و في حالة الرئيس جورج ووكر بوش يلاحظ أن هذه العوامل إتخذت طابع الحدة. بحيث أصبحت موازية للعوامل الرئيسية في أهميتها وفي تأثيرها على قرارات الرئيس.
4- النمط السلوكي لجورج ووكر بوش
بعد هذا الشرح المختصر والمبسط للتصنيف السلوكي للرؤساء الأميركيين علينا أن نقوم بتحديد النمط السلوكي للرئيس جورج ووكر بوش. فإلى أي من هذه الأنماط السلوكية الأربعة ينتمي. فتحديد نمط بوش من شأنه مساعدتنا على تبين العلائم السلوكية المسيطرة على تصرفاته الرئاسية وعلى خياراته. أيضا" يسمح لنا هذا التحديد بعقد المقارنة بينه وبين الرؤساء السابقين من ذات نمطه السلوكي. بحيث يساعدنا ذلك على التنبوء المستقبلي بإتجاهات الرئيس وخياراته. وهنا لابد من التذكير بأن القانون الأميركي ( ومعه السياسة) يعتمد مبدأ السابقة. وعليه فإن الرئيس الأميركي يفتش عن السوابق في تاريخ أسلافه للإستناد إليها في قراراته الصعبة. ومن الطبيعي أن يميل الرئيس إلى السوابق والحلول المنسجمة مع نمطه السلوكي. وعليه فإنه يختار من بين السوابق سوابق الرؤساء المشاركين له في نمطه السلوكي. ومن هذا المنطلق رأينا بوش الإبن يتجه نحو التوحد بريغان متجنبا" التوحد بوالده. ولهذا التجنب سبب ظاهر هو محاولة الإستقلال عن ظل أبيه. وسبب آخر خفي هو إختلاف النمط السلوكي بين الأب ( فاعل - ايجابي) والإبن. لكن إختيار الإبن التوحد بالرئيس ريغان لم يكن موفقا" كون النمط السلوكي لريغان مناقضا" لنمط ووكر بوش فإعجاب بوش بريغان وحده لا يكفي للوصول به إلى أداء مماثل لأداء ريغان كما سنرى. إذ ينتمي ريغان الى النمط المنفعل الإيجابي. ومراجعة سلوك ووكر بوش تؤكد بعده التام عن هذا النمط. وتكفي هنا مراجعة الملامح المشتركة بينه وبين جونسون (اشرنا اليها اعلاه) لنتبين انتماء ووكر بوش الى النمط الفاعل-السلبي. ويتدعم انتماءه لهذا النمط بمقارنتنا لسلوكه مع سلوك نيكسون وولسون.
ولهذا النمط من الرؤساء الأميركيين سماتهم السلوكية المشتركة التالية:
1. سهولة التأثر بمستشاريهم ومقربيهم وأعضاء ادارتهم. مع سهولة شبيهة في الإنقلاب على هؤلاء.
2. نقص في المعلومات الضرورية لاتخاذ القرارات. سواء بسبب نقص ثقافي أو بسبب حجب المعلومات عنهم بحجة عدم أهميتها. بحيث يبدو كلا" منهم مخدوعا" في أحد المواقف المفصلية في ولايته.
3. الاندفاع غير المدروس في إتجاهات استراتيجية خاطئة. وهو احتمال يزداد مع انحياز هذا النمط للفريق المتطرف في ادارته.
4. عدم إستساغة الجمهور الأميركي لهذا النمط من الرؤساء وتخليه عنهم في ورطاتهم.
5. الرغبة المفرطة في التمتع بالمجد والجبروت الرئاسي.
6. عدم القدرة على تحمل الإحباطات ومواجهة المواقف الصعبة. مما يدفعهم للإرتماء أكثر فأكثر في أحضان فريقهم ومستشاريهم. مع إتباعهم للسلوك الهروبي.
7. الوقوع بسهولة ضحية الاغراءات الضخمة. ومحاولة الجمع بين الأهداف المتناقضة. دون ملكية المرونة الكافية لوضع جدول اولويات يتيح لهم التركيز على الأهداف الأهم والتخلي عن الأقل أهمية. وهي سمة مشتركة بين الرؤساء السلبيين ( فاعلين أو منفعلين).