- الاثنين مايو 30, 2011 12:44 am
#37531
كشفت مصادر مطلعة على الأوضاع الإيرانية أن الخلاف بين مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي ورئيس الجمهورية المهندس محمود أحمدي نجاد ليست خلافات تفصيلية أو جزئية، بل
هي تتمحور حول بعض القضايا العقائدية والفكرية الأساسية التي تمس جوهر النظام الإسلامي في إيران، وأن قضية إقالة وزير المخابرات حيدر مصلحي ليست سوى الوجه المعلن لهذا الخلاف الذي قد يزداد في المرحلة المقبلة رغم ما أعلنه نجاد من التزامه بأوامر خامنئي وتنفيذها».
وتشير هذه المصادر إلى أن «مستشار نجاد ووالد زوج ابنته رحيم مشائي هو الذي يلعب دورا أساسيا في هذا الخلاف، كونه يحمل مشروعا فكريا وسياسيا يؤثر على مستقبل الجمهورية الإسلامية ونظامها السياسي والفكري، وأن هذا المشروع يقوم على أن ظهور الإمام المهدي (وهو الإمام الثاني عشر عند المذهب الشيعي) قد أصبح قريبا وأن مشائي يتواصل معه مباشرة وأن ذلك سيؤدي إلى إلغاء دور مرشد الجمهورية الإيرانية (الذي هو بمثابة الولي الفقيه ونائب الإمام المهدي حسب الدستور الإيراني)، أما البعد الثاني في المشروع فهو يتركز على ضرورة إعادة البعد القومي في الفكر الإيراني وتقديم هذا البعد على الجانب الإسلامي وذلك لإعادة التواصل مع كل الإيرانيين المهاجرين في الغرب والاتجاه نحو حل مشاكل إيران الخارجية سواء مع أميركا أو الكيان الصهيوني».
وتضيف هذه المصادر أن «بعض قادة الجمهورية الإسلامية والحرس الثوري الإيراني بدأوا يتحدثون عن اختراق الحركة الماسونية لفريق عمل نجاد والذي يعمل للسيطرة على الوضع تمهيدا للانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة، لأن نجاد لم يعد له الحق بولاية ثالثة مما سيجعل من مشائي مرشحا أساسيا، كما أن المطلوب السيطرة على مجلس الشورى الجديد في مواجهة القوى المحافظة، التي تتكون من رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني وشقيقه مسؤول القضاء الشيخ صادق لاريجاني ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف وغيرهم من القيادات الإيرانية المؤيدة لخامنئي».
لكن ما هي حقيقة الإمام المهدي في الفكر الشيعي؟ وكيف يعمل الرئيس نجاد لظهور المهدي وطبيعة العلاقة التي تربطه بهذه الفكرة؟
إن الإيمان بوجود الإمام المهدي ليس أمرا جديدا في الفكر الإسلامي عامة والشيعي خاصة، فأتباع مذهب الإمامية الاثني عشرية يعتقدون بأن الإمام المهدي هو الإمام الثاني عشر من سلالة الأئمة، وهو نجل الإمام الحسن العسكري وقد ولد عام 255 هجرية وقد توفي والده وله من العمر 5 سنوات ويعتقد الشيعة أن للمهدي غيبتين، الغيبة الصغرى، التي استمرت لمدة سبعين عاما وكان يتم التواصل خلالها بينه وبين الناس عبر أربعة سفراء، والغيبة الكبرى الممتدة منذ العام 329 هـ وحتى اليوم والتي تنتهي بظهور الإمام مباشرة وليس لنهايتها وقت محدد، مع أن الشيعة يعتقدون أنه خلال الغيبة الكبرى يحصل تواصل بين الإمام المهدي وأتباعه بوسائل وطرق متعددة.
أما على صعيد أهل السنة فإنهم يعتقدون أن المهدي سيظهر في آخر الزمان وأن اسمه محمد بن عبد الله فاسمه يوافق اسم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) واسم أبيه يوافق اسم أبيه، أما مهدي الشيعة فاسمه محمد بن الحسن العسكري. وأن المهدي عند أهل السنة من ولد الحسن ومهدي الشيعة من ولد الحسين. وأن المهدي عند السنة تكون ولادته طبيعية ولم يوجد في الأحاديث، بحسب أهل السنة والجماعة، ما يدل على أنه يمتاز عن غيره من الناس بشيء من ذلك.
وقد برزت في التاريخ الإسلامي الكثير من الحركات السياسية والدينية التي ادعى مؤسسوها أنهم «الإمام المهدي» وقد طالبوا بالحكم والبيعة لهم، لكن معظم هذه الحركات انتهت إلى الفشل، كما تم تأسيس الكثير من الأحزاب والحركات باسم المهدي لكن للمرة الأولى تتحول فكرة المهدوية وانتظار الإمام المهدي إلى مشروع دولة كما حصل في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فمنذ تأسيس هذه الجمهورية ومؤسسها الإمام الخميني يعتبرها أنها الدولة التي تهيئ لظهور الإمام المهدي، كما نجح الإمام الخميني في إنهاء فكرة أصحاب مشروع الحجتية.
فقبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران برزت في الفكر الشيعي مجموعات تؤمن بانتظار المهدي وعدم القيام بأي عمل سياسي لإقامة الدولة حتى ظهور الإمام، وسمي هؤلاء بالحجتية، لكن الإمام الخميني أنهى هذه النظرية بالتأكيد على أن الانتظار يتحقق بإقامة الحكومة الإسلامية أو الجمهورية الإسلامية وهي التي تمهد لظهور الإمام.
ولم تغب مصطلحات الإمام المهدي والمهدوية عن خطابات الإمام الخميني والإمام خامنئي والعديد من مسؤولي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن مع وصول الرئيس أحمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية في إيران، اتخذ هذا الموضوع بعدا عمليا سياسيا من خلال الربط بين كل نشاط وكل خطوة يقوم بها الرئيس الإيراني بالإمام المهدي والمهدوية. وتمت إقامة مراكز الدراسات والمؤتمرات المتخصصة بالمهدوية، وعمد نجاد إلى إدخال فكرة «المهدوية» في خطاباته السياسية والشعبية وصولا إلى أحد خطاباته في الأمم المتحدة حين قال «إن العالم المعاصر أحوج ما يكون إلى المخلص الحقيقي والإنسان الكامل الذي تنتظره الأمم والشعوب حول العالم، ليملأ العالم عدلا وأخوة ومحبة».
وقد أدى إدخال مصطلح «المهدوية» في خطابات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى إثارة الكثير من التساؤلات والاستفهامات لدى الأوساط السياسية والإعلامية ومراكز الأبحاث الغربية حول أبعاد هذا المصطلح وعلاقته بالمشروع السياسي والتكنولوجي والعسكري الذي تعمل الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تحقيقه في المرحلة المقبلة.
ولم يخف المسؤولون الإيرانيون، وخصوصا الفريق المقرب من الرئيس نجاد، حقيقة هذا المشروع وأبعاده، مؤكدين أن ورود مصطلحات «الإمام المهدي» و«الدولة المهدوية» و«صاحب الزمان» التي ترد في خطابات الرئيس نجاد ليست عفوية بل هي إشارات مقصودة لإيصال رسالة محددة سواء للرأي العام الإيراني أو للجهات العربية والإسلامية والدولية. وقد عمدت المستشارية الثقافية الإيرانية في بيروت إلى نشر دراسة متكاملة تحت عنوان «الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف والمهدوية في خطاب الرئيس أحمدي نجاد» وأسهم في الإشراف على إعداد الدراسة المستشار الثقافي الإيراني في بيروت السيد محمد حسين رئيس زاده. وتمت الاستفادة لإعداد الدراسة من وثائق «مؤسسة المستقبل للشرق» (آينده روشن، وهي مؤسسة إيرانية متخصصة بالدراسات المهدوية ويشرف عليها مسعود بورسيد أقاني).
لكن ما هي علاقة المشروع الإيراني السياسي العسكري والتكنولوجي بالدولة المهدوية؟ وهل للملف النووي الإيراني ارتباط بهذه العقيدة الدينية؟
منذ انتصار الثورة الإسلامية وتسلم الإمام الخميني لموقع المرشد للجمهورية الإسلامية سادت في الأوساط الشيعية المرتبطة بإيران مقولات تعتبر أن الإمام الخميني هو الذي سيسلم الراية للإمام المهدي وأن الحرس الثوري الإيراني سيكون جيش الإمام المهدي المقبل، وأن «المطلوب إعداد جيش قوامه عشرون مليون فرد ليكون الجيش الذي يقاتل مع الإمام المهدي عند ظهوره». لكن وفاة الإمام الخميني قبل تسليمه الراية للمهدي أدت إلى انتشار حالة من التساؤل والقلق لدى بعض هذه الأوساط، فتم الترويج لاحقا أن الإمام خامنئي هو الذي سيسلم الراية للمهدي لأنه من خراسان (مشهد) وذلك تطبيقا لبعض الأحاديث من أن «رجلا من خراسان سيسلم الراية للإمام». كما أنه عند حصول أية تطورات سياسية أو عسكرية كبرى في العالم الإسلامي يتم الربط بينها وبين الإمام المهدي، كما حصل خلال التحرك العسكري الذي قام به جهيمان في مكة المكرمة، وكذلك عند احتلال الرئيس العراقي صدام حسين للكويت واندلاع حرب الخليج. ولكن منذ وصول الرئيس محمود أحمدي نجاد لرئاسة الجمهورية الإسلامية انتشرت بقوة أفكار جديدة بأن نجاد هو من أنصار المهدي وأنه سيعد الجمهورية الإسلامية لتكون مركزا أساسيا لانطلاق الإمام خصوصا على صعيد الركائز العسكرية والتكنولوجية... وتم طبع ونشر العديد من الكتب والدراسات التي تربط بين نجاد والإمام المهدي.
ويسود لدى بعض الأوساط الإسلامية في إيران وفي عدد من الدول العربية أن ما يجري في الجمهورية الإسلامية هو الإعداد والتهيئة لظهور الإمام، وقد حرص الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على إبراز هذا الأمر بشكل دائم في خطاباته ومواقفه، كما أن بعض هذه الأوساط يعتبر أن «حصول إيران على التكنولوجيا النووية هو جزء من التحضير والاستعداد لظهور الإمام لأنه لا بد من امتلاك التقنيات والتكنولوجيا القادرة على مواجهة التقنيات والقدرات الغربية. فالإمام سيدير العالم وفقا لنظام عالمي جديد في مواجهة الرأسمالية الغربية وبعد فشل الاشتراكية والشيوعية».
وتنتشر في الأوساط الشيعية حلقات نقاش وحوار خاصة غير معلنة متخصصة بكل ما يتعلق بالإمام المهدي حيث تتم دراسة الأحاديث والروايات عن الرسول والأئمة وتطبيقها على الوقائع السياسية الحالية، ويتم الربط بين كل تطور عالمي وبين حديث من الأحاديث.
ورغم أن بعض التطبيقات لم تكن دقيقة، فإنه منذ وصول الرئيس نجاد للحكم ازدادت هذه التوقعات والتقديرات. وما جرى من أحداث في اليمن كان إحدى الإشارات التي توقف عندها الكثيرون لأن جيش المهدي سيتشكل من «اليمانيين» حسب بعض الأحاديث، وقد وُجدت عند الحوثيين كتب خاصة بالروايات عن المهدي وعلامات ظهوره وقد أعدها أحد العلماء اللبنانيين المقيمين في قم، هو الشيخ علي الكوراني.
أما على الصعيد السياسي والميداني فإن كل العقيدة التي يرتكز عليها الحرس الثوري الإيراني ومشروع الرئيس نجاد تقوم على التحضير والاستعداد لظهور الإمام المهدي لأنه هو الذي «سيقيم العدل وينهي الظلم في العالم» حسب عقيدة الشيعة.
وقد عمد نجاد في الكثير من خطاباته ومواقفه للإشارة إلى الرعاية الخاصة التي يحظى بها في تحركاته من قبل الإمام المهدي وخصوصا خلال زياراته للولايات المتحدة الأميركية وإلقائه محاضرة في إحدى جامعات نيويورك.
ويقول الرئيس نجاد في إحدى خطبه «الموضوع الثاني الذي نلتمس فيه بركات صاحب العصر (الإمام المهدي) هو الملف النووي... وبعض البلدان ما زالت منذ 25 سنة تسعى للحصول على الطاقة النووية أما الشعب الإيراني فإنه استطاع ببركة الإمام وخلال سنتين أو ثلاث من الحصول على التقنية النووية دون أن يقدم التزاما أو تعهدا لأحد». ويضيف «تصوروا أن تلك الساعة أتت وأصبحنا على صلة مباشرة بالإنسان الكامل، بإمام العصر (المهدي) وتخيلوا ماذا يحصل ساعتئذ تخيلوا تلك الاستعدادات والمواهب التي سوف تتفتح... ولا شك أنكم سمعتم أنه عندما يظهر الإمام ويتصل نهر الحقيقة الهادر بالمحيط، تحصل أمور عديدة فيها فيتفتح العقل الإنساني وكماله».
ومن أجل تحقيق هذا المشروع تم وضع خطة متكاملة على الصعد السياسية والدينية والثقافية والعسكرية وكل ما يقوم به نجاد من زيارات ولقاءات عالمية في هذا الاتجاه، حتى إن الخطاب الدبلوماسي الذي يدعو نجاد إلى اعتماده ينطلق من هذه الرؤية.
وقد برز مؤخرا التزايد الملحوظ في نفوذ الحرس الثوري داخل المؤسسات المختلفة مع بروز مؤشرات توحي بوجود توتر مكتوم بين المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي والرئيس أحمدي نجاد الذي يدعم بقوة دور «التعبئة العامة» (الباسيج)، فقد ازداد قيام الرئيس نجاد بالترويج لنظرية «انبعاث المهدوية» وقد عمد إلى تكرار مصطلحات «الدولة المهدوية» و«صاحب الزمان» و«الإمام المهدي» في الكثير من خطاباته، وكان الهدف من ذلك ترويج رسائل للداخل قبل الخارج بأن المشروع الذي تجتهد حكومته من أجل تحقيقه هو التعجيل بعودة الإمام ومن دون شك فإن ذلك يطرح دلالات كثيرة أهمها خفوت مكانة المرشد الأعلى للجمهورية في رؤية الرئيس أحمدي نجاد وأنصاره من الأصوليين المتشددين باعتبار أنه لا مجال الآن لوسيط بين الحكومة والإمام الغائب وأن الدور الذي كان يمارسه المرشد الأعلى باعتباره حلقة الوصل بين الإمام المهدي وجمهور الشيعة لم يعد يحظى بأهمية لدى هذا الفريق الذي بات يسيطر على معظم مفاتيح صنع القرار في طهران ويحظى الرئيس نجاد وفريقه بدعم خاص من أحد كبار رجال الدين الإيرانيين وهو آية الله محمد تقي مصباح يزدي، الذي لديه آراء متشددة على صعيد الارتباط بالإمام المهدي وأن طاعة رئيس الجمهورية واجبة كطاعة الإمام المهدي.
وقد أدى دعم آية الله مصباح يزدي للرئيس أحمدي نجاد إلى بروز وجهات نظر معارضة له، وفي هذا السياق أطلق السيد علي أكبر محتشمي (وزير الداخلية السابق وأحد مؤسسي حزب الله) والسفير الإيراني الأسبق لدى سوريا، تصريحات معارضة ليزدي ونجاد ومما قاله «إن جماعة المصباحية (نسبة لمصباح يزدي) لا تقف مكتوفة الأيدي. إنهم جماعة خطرة جدا وعنيفة جدا ولا تظهر شفقة إزاء أحد، لا إزاء الإمام الخميني ولا إزاء آية الله خامنئي، إنهم يستخدمونه للوصول إلى غاياتهم وحينما يتحقق لهم ذلك فإنهم سيدمرون القائد الأعلى أيضا». وأضاف محتشمي «أنا متأكد من أن السيد مصباح يزدي لا يؤمن بالقائد الأعلى ولا بالإمام الخميني وهو لم يكن حاضرا في الحرب ولا في مواقع أخرى». وتكشف هذه التصريحات حجم الإشكاليات التي يطرحها «مشروع المهدوية» الذي يحمله الرئيس نجاد ومؤيدوه.
ويبدو أن إحياء المهدوية الذي استجد في السنوات الأخيرة بمثابة رد على الفساد الاقتصادي، والقمع الاجتماعي، والانحدار الثقافي. ومع أن بعض الذين يرتبطون بالتيار المهدوي في إيران حاليا يعبرون عن حالة من البعد عن السياسة - وهذا ما يظهر من خلال إحياء جمعية «الحجتية» - فإن معظمه هو من نوع المهدوية الثورية التي ترتبط بالرئيس أحمدي نجاد.
في كلا النوعين غير المسيس، والمسيس، من المهدوية، يلعب رجال الدين دورا صغيرا. على سبيل المثال، كان أعضاء «الحجتية»، قبل الثورة وبعدها، من غير رجال الدين بمعظمهم. الاستثناء الوحيد في التيار المهدوي الذي يتزعمه أحمدي نجاد هو «محمد تقي مصباح يزدي»، الذي يتمتع بالاحترام في حوزة قم على المستوى الفقهي، سوى أنه معزول سياسيا. ويتخذ كثير من رجال الدين والفقهاء البارزين موقف ارتياب عميق إزاء المهدوية لأن المهدويين يؤمنون بأن الإسلام يعيش حالة أزمة وبأن مؤسسات الإسلام التقليدية قد انحرفت عن «الصراط المستقيم» للإسلام وباتت عاجزة، بالتالي، عن القيام بواجباتها. ويعتقد المهدويون أنهم هم من يمثل الإسلام الصحيح، في حين أن رجال الدين ليسوا سوى المؤولين الشكليين والتقليديين للإسلام. كما يعتبر دعاة «آخر الزمان الوشيك» أن الإسلام ليس سوى مسار من الانحدار والانحطاط.
يمكن التعبير عن الفارق الرئيسي بين المهدوية غير المسيسة والتيارات السياسية الجديدة على النحو التالي: أولا، ينظر أعضاء «الحجتية» إلى المستقبل برجاء، في حين يعتبر التيار السياسي الجديد أن الماضي هو «اليوتوبيا» ويسعى لإحياء السنن الشيعية؛ ثانيا، يؤمن أعضاء «الحجتية» بتطور المجتمع وتقدمه (بل إن بعضهم متأثر بـ«داروين» و«سبنسر»)، في حين يؤكد المهدويون الجدد على الثورة وليس على التطور؛ ثالثا، ينتمي أعضاء «الحجتية»، عادة، إلى الطبقات الوسطى الحديثة المتعلمة وهم ليسوا بالضرورة محافظين اجتماعيا كما هو حال أتباع التيار المهدوي المسيس الحديث، الذين يستقطبون الشرائح التقليدية في المجتمع؛ أخيرا، آيديولوجية «الحجتية» هي آيديولوجية جبرية وتؤمن بأن الإمام سيظهر في آخر الزمان، في حين يعتقد المهدويون الثوريون الجدد أن القيام بأعمال معينة سيعجل عودته.
الشكل الآخر من المهدوية في إيران هو المهدوية العلمانية التي تبحث عن بطل لإيجاد حل عجائبي لكل مشاكل إيران. إن انتظار المخلص، سواء كان وليا أو دنيويا، قد أصبح العنصر الرئيسي في النزعة البطولية المهدوية. إن هذا النوع من التطلع المهدوي إلى مخلص دنيوي يؤدي إلى اللامبالاة السياسية إزاء الأحداث المثيرة للقلق الجارية على مسرح السياسة والمجتمع.
يركز دعاة المهدوية اليوم سواء في إيران أو خارجها على الطقوس الإسلامية أكثر منها على الثقافة، والمعرفة، والعقل. وهذا ما يدفعهم لرفض الطرق التقليدية لفهم الإسلام كما مارستها الفلسفة الإسلامية أو الشريعة الإسلامية. وهم يتعاملون بالأساطير الدينية أكثر منها مع المفاهيم الفقهية المجردة، وتستخدم العادات والطقوس لاستثارة الخيال ولتوليد دينامية اجتماعية مؤيدة لرؤيا آخر الزمان الوشيك. وفي الخيال الاجتماعي الإيراني، ترتبط مفاهيم مثل التضحية والأمل بالصورة الخيالية لأبطال ما قبل الإسلام الذين يتجسدون في أئمة الشيعة. ويستخدم دعاة آخر الزمان هذه الصورة الاجتماعية لتعبئة الناس لأغراضهم. لذا، فرؤى آخر الزمان جذابة للناس العاديين، ويمكن نشرها بسهولة في المجتمع.
يكون المهدويون في العادة رجال دين لا يملكون الكثير من المعرفة الفقهية أو مدنيين على اطلاع ضحل على الفقه الإسلامي. ويؤمن معظم المهدويين أن المهدي، حينما يظهر، سيبطل التأويل التقليدي للإسلام ويأتي بتأويل جديد. ويبحث المهدويون طوال الوقت عن تأويلات جديدة للنصوص المقدسة لدعم معتقداتهم. ولهذا السبب، يتخذ رجال الدين التقليديون المحافظون موقفا مناوئا للمهدوية باعتبار أنهم ملتزمون بالحفاظ على التقاليد الراسخة. ولا يسعى الفقهاء التقليديون إلى تطبيق الأحاديث المتعلقة بالمهدوية على زمنهم هم، إذ هم أكثر اهتماما بحصر المخاطر منهم بالتغيير الجذري. نحن إذن أمام مشروع جديد قديم يسعى لدمج الرؤية الدينية بالمشروع السياسي والعسكري، فليست المرة الأولى التي تشهد فيها قيام حركات دينية أو مشروعات آيديولوجية عقائدية يعمل أصحابها على دمج المشروع الديني بالمشروع السياسي، لكن ما نشهده اليوم في إيران هو أن هناك دولة كبيرة لديها إمكانات عسكرية ومالية ضخمة وتعمل لإعطاء مشروعها السياسي أبعادا دينية تتصل بأحد أهم العناصر العقائدية في الدين الإسلامي عامة وفي المذهب الشيعي على الأخص، أي «فكرة المهدوية»، فهل سينجح هذا المشروع، أم أننا سنكون بعد فترة من الزمن أمام إحباط جديد ناتج عن عدم تطابق الرؤية الدينية السياسية مع الوقائع العلمية.
هي تتمحور حول بعض القضايا العقائدية والفكرية الأساسية التي تمس جوهر النظام الإسلامي في إيران، وأن قضية إقالة وزير المخابرات حيدر مصلحي ليست سوى الوجه المعلن لهذا الخلاف الذي قد يزداد في المرحلة المقبلة رغم ما أعلنه نجاد من التزامه بأوامر خامنئي وتنفيذها».
وتشير هذه المصادر إلى أن «مستشار نجاد ووالد زوج ابنته رحيم مشائي هو الذي يلعب دورا أساسيا في هذا الخلاف، كونه يحمل مشروعا فكريا وسياسيا يؤثر على مستقبل الجمهورية الإسلامية ونظامها السياسي والفكري، وأن هذا المشروع يقوم على أن ظهور الإمام المهدي (وهو الإمام الثاني عشر عند المذهب الشيعي) قد أصبح قريبا وأن مشائي يتواصل معه مباشرة وأن ذلك سيؤدي إلى إلغاء دور مرشد الجمهورية الإيرانية (الذي هو بمثابة الولي الفقيه ونائب الإمام المهدي حسب الدستور الإيراني)، أما البعد الثاني في المشروع فهو يتركز على ضرورة إعادة البعد القومي في الفكر الإيراني وتقديم هذا البعد على الجانب الإسلامي وذلك لإعادة التواصل مع كل الإيرانيين المهاجرين في الغرب والاتجاه نحو حل مشاكل إيران الخارجية سواء مع أميركا أو الكيان الصهيوني».
وتضيف هذه المصادر أن «بعض قادة الجمهورية الإسلامية والحرس الثوري الإيراني بدأوا يتحدثون عن اختراق الحركة الماسونية لفريق عمل نجاد والذي يعمل للسيطرة على الوضع تمهيدا للانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة، لأن نجاد لم يعد له الحق بولاية ثالثة مما سيجعل من مشائي مرشحا أساسيا، كما أن المطلوب السيطرة على مجلس الشورى الجديد في مواجهة القوى المحافظة، التي تتكون من رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني وشقيقه مسؤول القضاء الشيخ صادق لاريجاني ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف وغيرهم من القيادات الإيرانية المؤيدة لخامنئي».
لكن ما هي حقيقة الإمام المهدي في الفكر الشيعي؟ وكيف يعمل الرئيس نجاد لظهور المهدي وطبيعة العلاقة التي تربطه بهذه الفكرة؟
إن الإيمان بوجود الإمام المهدي ليس أمرا جديدا في الفكر الإسلامي عامة والشيعي خاصة، فأتباع مذهب الإمامية الاثني عشرية يعتقدون بأن الإمام المهدي هو الإمام الثاني عشر من سلالة الأئمة، وهو نجل الإمام الحسن العسكري وقد ولد عام 255 هجرية وقد توفي والده وله من العمر 5 سنوات ويعتقد الشيعة أن للمهدي غيبتين، الغيبة الصغرى، التي استمرت لمدة سبعين عاما وكان يتم التواصل خلالها بينه وبين الناس عبر أربعة سفراء، والغيبة الكبرى الممتدة منذ العام 329 هـ وحتى اليوم والتي تنتهي بظهور الإمام مباشرة وليس لنهايتها وقت محدد، مع أن الشيعة يعتقدون أنه خلال الغيبة الكبرى يحصل تواصل بين الإمام المهدي وأتباعه بوسائل وطرق متعددة.
أما على صعيد أهل السنة فإنهم يعتقدون أن المهدي سيظهر في آخر الزمان وأن اسمه محمد بن عبد الله فاسمه يوافق اسم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) واسم أبيه يوافق اسم أبيه، أما مهدي الشيعة فاسمه محمد بن الحسن العسكري. وأن المهدي عند أهل السنة من ولد الحسن ومهدي الشيعة من ولد الحسين. وأن المهدي عند السنة تكون ولادته طبيعية ولم يوجد في الأحاديث، بحسب أهل السنة والجماعة، ما يدل على أنه يمتاز عن غيره من الناس بشيء من ذلك.
وقد برزت في التاريخ الإسلامي الكثير من الحركات السياسية والدينية التي ادعى مؤسسوها أنهم «الإمام المهدي» وقد طالبوا بالحكم والبيعة لهم، لكن معظم هذه الحركات انتهت إلى الفشل، كما تم تأسيس الكثير من الأحزاب والحركات باسم المهدي لكن للمرة الأولى تتحول فكرة المهدوية وانتظار الإمام المهدي إلى مشروع دولة كما حصل في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فمنذ تأسيس هذه الجمهورية ومؤسسها الإمام الخميني يعتبرها أنها الدولة التي تهيئ لظهور الإمام المهدي، كما نجح الإمام الخميني في إنهاء فكرة أصحاب مشروع الحجتية.
فقبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران برزت في الفكر الشيعي مجموعات تؤمن بانتظار المهدي وعدم القيام بأي عمل سياسي لإقامة الدولة حتى ظهور الإمام، وسمي هؤلاء بالحجتية، لكن الإمام الخميني أنهى هذه النظرية بالتأكيد على أن الانتظار يتحقق بإقامة الحكومة الإسلامية أو الجمهورية الإسلامية وهي التي تمهد لظهور الإمام.
ولم تغب مصطلحات الإمام المهدي والمهدوية عن خطابات الإمام الخميني والإمام خامنئي والعديد من مسؤولي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن مع وصول الرئيس أحمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية في إيران، اتخذ هذا الموضوع بعدا عمليا سياسيا من خلال الربط بين كل نشاط وكل خطوة يقوم بها الرئيس الإيراني بالإمام المهدي والمهدوية. وتمت إقامة مراكز الدراسات والمؤتمرات المتخصصة بالمهدوية، وعمد نجاد إلى إدخال فكرة «المهدوية» في خطاباته السياسية والشعبية وصولا إلى أحد خطاباته في الأمم المتحدة حين قال «إن العالم المعاصر أحوج ما يكون إلى المخلص الحقيقي والإنسان الكامل الذي تنتظره الأمم والشعوب حول العالم، ليملأ العالم عدلا وأخوة ومحبة».
وقد أدى إدخال مصطلح «المهدوية» في خطابات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى إثارة الكثير من التساؤلات والاستفهامات لدى الأوساط السياسية والإعلامية ومراكز الأبحاث الغربية حول أبعاد هذا المصطلح وعلاقته بالمشروع السياسي والتكنولوجي والعسكري الذي تعمل الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تحقيقه في المرحلة المقبلة.
ولم يخف المسؤولون الإيرانيون، وخصوصا الفريق المقرب من الرئيس نجاد، حقيقة هذا المشروع وأبعاده، مؤكدين أن ورود مصطلحات «الإمام المهدي» و«الدولة المهدوية» و«صاحب الزمان» التي ترد في خطابات الرئيس نجاد ليست عفوية بل هي إشارات مقصودة لإيصال رسالة محددة سواء للرأي العام الإيراني أو للجهات العربية والإسلامية والدولية. وقد عمدت المستشارية الثقافية الإيرانية في بيروت إلى نشر دراسة متكاملة تحت عنوان «الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف والمهدوية في خطاب الرئيس أحمدي نجاد» وأسهم في الإشراف على إعداد الدراسة المستشار الثقافي الإيراني في بيروت السيد محمد حسين رئيس زاده. وتمت الاستفادة لإعداد الدراسة من وثائق «مؤسسة المستقبل للشرق» (آينده روشن، وهي مؤسسة إيرانية متخصصة بالدراسات المهدوية ويشرف عليها مسعود بورسيد أقاني).
لكن ما هي علاقة المشروع الإيراني السياسي العسكري والتكنولوجي بالدولة المهدوية؟ وهل للملف النووي الإيراني ارتباط بهذه العقيدة الدينية؟
منذ انتصار الثورة الإسلامية وتسلم الإمام الخميني لموقع المرشد للجمهورية الإسلامية سادت في الأوساط الشيعية المرتبطة بإيران مقولات تعتبر أن الإمام الخميني هو الذي سيسلم الراية للإمام المهدي وأن الحرس الثوري الإيراني سيكون جيش الإمام المهدي المقبل، وأن «المطلوب إعداد جيش قوامه عشرون مليون فرد ليكون الجيش الذي يقاتل مع الإمام المهدي عند ظهوره». لكن وفاة الإمام الخميني قبل تسليمه الراية للمهدي أدت إلى انتشار حالة من التساؤل والقلق لدى بعض هذه الأوساط، فتم الترويج لاحقا أن الإمام خامنئي هو الذي سيسلم الراية للمهدي لأنه من خراسان (مشهد) وذلك تطبيقا لبعض الأحاديث من أن «رجلا من خراسان سيسلم الراية للإمام». كما أنه عند حصول أية تطورات سياسية أو عسكرية كبرى في العالم الإسلامي يتم الربط بينها وبين الإمام المهدي، كما حصل خلال التحرك العسكري الذي قام به جهيمان في مكة المكرمة، وكذلك عند احتلال الرئيس العراقي صدام حسين للكويت واندلاع حرب الخليج. ولكن منذ وصول الرئيس محمود أحمدي نجاد لرئاسة الجمهورية الإسلامية انتشرت بقوة أفكار جديدة بأن نجاد هو من أنصار المهدي وأنه سيعد الجمهورية الإسلامية لتكون مركزا أساسيا لانطلاق الإمام خصوصا على صعيد الركائز العسكرية والتكنولوجية... وتم طبع ونشر العديد من الكتب والدراسات التي تربط بين نجاد والإمام المهدي.
ويسود لدى بعض الأوساط الإسلامية في إيران وفي عدد من الدول العربية أن ما يجري في الجمهورية الإسلامية هو الإعداد والتهيئة لظهور الإمام، وقد حرص الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على إبراز هذا الأمر بشكل دائم في خطاباته ومواقفه، كما أن بعض هذه الأوساط يعتبر أن «حصول إيران على التكنولوجيا النووية هو جزء من التحضير والاستعداد لظهور الإمام لأنه لا بد من امتلاك التقنيات والتكنولوجيا القادرة على مواجهة التقنيات والقدرات الغربية. فالإمام سيدير العالم وفقا لنظام عالمي جديد في مواجهة الرأسمالية الغربية وبعد فشل الاشتراكية والشيوعية».
وتنتشر في الأوساط الشيعية حلقات نقاش وحوار خاصة غير معلنة متخصصة بكل ما يتعلق بالإمام المهدي حيث تتم دراسة الأحاديث والروايات عن الرسول والأئمة وتطبيقها على الوقائع السياسية الحالية، ويتم الربط بين كل تطور عالمي وبين حديث من الأحاديث.
ورغم أن بعض التطبيقات لم تكن دقيقة، فإنه منذ وصول الرئيس نجاد للحكم ازدادت هذه التوقعات والتقديرات. وما جرى من أحداث في اليمن كان إحدى الإشارات التي توقف عندها الكثيرون لأن جيش المهدي سيتشكل من «اليمانيين» حسب بعض الأحاديث، وقد وُجدت عند الحوثيين كتب خاصة بالروايات عن المهدي وعلامات ظهوره وقد أعدها أحد العلماء اللبنانيين المقيمين في قم، هو الشيخ علي الكوراني.
أما على الصعيد السياسي والميداني فإن كل العقيدة التي يرتكز عليها الحرس الثوري الإيراني ومشروع الرئيس نجاد تقوم على التحضير والاستعداد لظهور الإمام المهدي لأنه هو الذي «سيقيم العدل وينهي الظلم في العالم» حسب عقيدة الشيعة.
وقد عمد نجاد في الكثير من خطاباته ومواقفه للإشارة إلى الرعاية الخاصة التي يحظى بها في تحركاته من قبل الإمام المهدي وخصوصا خلال زياراته للولايات المتحدة الأميركية وإلقائه محاضرة في إحدى جامعات نيويورك.
ويقول الرئيس نجاد في إحدى خطبه «الموضوع الثاني الذي نلتمس فيه بركات صاحب العصر (الإمام المهدي) هو الملف النووي... وبعض البلدان ما زالت منذ 25 سنة تسعى للحصول على الطاقة النووية أما الشعب الإيراني فإنه استطاع ببركة الإمام وخلال سنتين أو ثلاث من الحصول على التقنية النووية دون أن يقدم التزاما أو تعهدا لأحد». ويضيف «تصوروا أن تلك الساعة أتت وأصبحنا على صلة مباشرة بالإنسان الكامل، بإمام العصر (المهدي) وتخيلوا ماذا يحصل ساعتئذ تخيلوا تلك الاستعدادات والمواهب التي سوف تتفتح... ولا شك أنكم سمعتم أنه عندما يظهر الإمام ويتصل نهر الحقيقة الهادر بالمحيط، تحصل أمور عديدة فيها فيتفتح العقل الإنساني وكماله».
ومن أجل تحقيق هذا المشروع تم وضع خطة متكاملة على الصعد السياسية والدينية والثقافية والعسكرية وكل ما يقوم به نجاد من زيارات ولقاءات عالمية في هذا الاتجاه، حتى إن الخطاب الدبلوماسي الذي يدعو نجاد إلى اعتماده ينطلق من هذه الرؤية.
وقد برز مؤخرا التزايد الملحوظ في نفوذ الحرس الثوري داخل المؤسسات المختلفة مع بروز مؤشرات توحي بوجود توتر مكتوم بين المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي والرئيس أحمدي نجاد الذي يدعم بقوة دور «التعبئة العامة» (الباسيج)، فقد ازداد قيام الرئيس نجاد بالترويج لنظرية «انبعاث المهدوية» وقد عمد إلى تكرار مصطلحات «الدولة المهدوية» و«صاحب الزمان» و«الإمام المهدي» في الكثير من خطاباته، وكان الهدف من ذلك ترويج رسائل للداخل قبل الخارج بأن المشروع الذي تجتهد حكومته من أجل تحقيقه هو التعجيل بعودة الإمام ومن دون شك فإن ذلك يطرح دلالات كثيرة أهمها خفوت مكانة المرشد الأعلى للجمهورية في رؤية الرئيس أحمدي نجاد وأنصاره من الأصوليين المتشددين باعتبار أنه لا مجال الآن لوسيط بين الحكومة والإمام الغائب وأن الدور الذي كان يمارسه المرشد الأعلى باعتباره حلقة الوصل بين الإمام المهدي وجمهور الشيعة لم يعد يحظى بأهمية لدى هذا الفريق الذي بات يسيطر على معظم مفاتيح صنع القرار في طهران ويحظى الرئيس نجاد وفريقه بدعم خاص من أحد كبار رجال الدين الإيرانيين وهو آية الله محمد تقي مصباح يزدي، الذي لديه آراء متشددة على صعيد الارتباط بالإمام المهدي وأن طاعة رئيس الجمهورية واجبة كطاعة الإمام المهدي.
وقد أدى دعم آية الله مصباح يزدي للرئيس أحمدي نجاد إلى بروز وجهات نظر معارضة له، وفي هذا السياق أطلق السيد علي أكبر محتشمي (وزير الداخلية السابق وأحد مؤسسي حزب الله) والسفير الإيراني الأسبق لدى سوريا، تصريحات معارضة ليزدي ونجاد ومما قاله «إن جماعة المصباحية (نسبة لمصباح يزدي) لا تقف مكتوفة الأيدي. إنهم جماعة خطرة جدا وعنيفة جدا ولا تظهر شفقة إزاء أحد، لا إزاء الإمام الخميني ولا إزاء آية الله خامنئي، إنهم يستخدمونه للوصول إلى غاياتهم وحينما يتحقق لهم ذلك فإنهم سيدمرون القائد الأعلى أيضا». وأضاف محتشمي «أنا متأكد من أن السيد مصباح يزدي لا يؤمن بالقائد الأعلى ولا بالإمام الخميني وهو لم يكن حاضرا في الحرب ولا في مواقع أخرى». وتكشف هذه التصريحات حجم الإشكاليات التي يطرحها «مشروع المهدوية» الذي يحمله الرئيس نجاد ومؤيدوه.
ويبدو أن إحياء المهدوية الذي استجد في السنوات الأخيرة بمثابة رد على الفساد الاقتصادي، والقمع الاجتماعي، والانحدار الثقافي. ومع أن بعض الذين يرتبطون بالتيار المهدوي في إيران حاليا يعبرون عن حالة من البعد عن السياسة - وهذا ما يظهر من خلال إحياء جمعية «الحجتية» - فإن معظمه هو من نوع المهدوية الثورية التي ترتبط بالرئيس أحمدي نجاد.
في كلا النوعين غير المسيس، والمسيس، من المهدوية، يلعب رجال الدين دورا صغيرا. على سبيل المثال، كان أعضاء «الحجتية»، قبل الثورة وبعدها، من غير رجال الدين بمعظمهم. الاستثناء الوحيد في التيار المهدوي الذي يتزعمه أحمدي نجاد هو «محمد تقي مصباح يزدي»، الذي يتمتع بالاحترام في حوزة قم على المستوى الفقهي، سوى أنه معزول سياسيا. ويتخذ كثير من رجال الدين والفقهاء البارزين موقف ارتياب عميق إزاء المهدوية لأن المهدويين يؤمنون بأن الإسلام يعيش حالة أزمة وبأن مؤسسات الإسلام التقليدية قد انحرفت عن «الصراط المستقيم» للإسلام وباتت عاجزة، بالتالي، عن القيام بواجباتها. ويعتقد المهدويون أنهم هم من يمثل الإسلام الصحيح، في حين أن رجال الدين ليسوا سوى المؤولين الشكليين والتقليديين للإسلام. كما يعتبر دعاة «آخر الزمان الوشيك» أن الإسلام ليس سوى مسار من الانحدار والانحطاط.
يمكن التعبير عن الفارق الرئيسي بين المهدوية غير المسيسة والتيارات السياسية الجديدة على النحو التالي: أولا، ينظر أعضاء «الحجتية» إلى المستقبل برجاء، في حين يعتبر التيار السياسي الجديد أن الماضي هو «اليوتوبيا» ويسعى لإحياء السنن الشيعية؛ ثانيا، يؤمن أعضاء «الحجتية» بتطور المجتمع وتقدمه (بل إن بعضهم متأثر بـ«داروين» و«سبنسر»)، في حين يؤكد المهدويون الجدد على الثورة وليس على التطور؛ ثالثا، ينتمي أعضاء «الحجتية»، عادة، إلى الطبقات الوسطى الحديثة المتعلمة وهم ليسوا بالضرورة محافظين اجتماعيا كما هو حال أتباع التيار المهدوي المسيس الحديث، الذين يستقطبون الشرائح التقليدية في المجتمع؛ أخيرا، آيديولوجية «الحجتية» هي آيديولوجية جبرية وتؤمن بأن الإمام سيظهر في آخر الزمان، في حين يعتقد المهدويون الثوريون الجدد أن القيام بأعمال معينة سيعجل عودته.
الشكل الآخر من المهدوية في إيران هو المهدوية العلمانية التي تبحث عن بطل لإيجاد حل عجائبي لكل مشاكل إيران. إن انتظار المخلص، سواء كان وليا أو دنيويا، قد أصبح العنصر الرئيسي في النزعة البطولية المهدوية. إن هذا النوع من التطلع المهدوي إلى مخلص دنيوي يؤدي إلى اللامبالاة السياسية إزاء الأحداث المثيرة للقلق الجارية على مسرح السياسة والمجتمع.
يركز دعاة المهدوية اليوم سواء في إيران أو خارجها على الطقوس الإسلامية أكثر منها على الثقافة، والمعرفة، والعقل. وهذا ما يدفعهم لرفض الطرق التقليدية لفهم الإسلام كما مارستها الفلسفة الإسلامية أو الشريعة الإسلامية. وهم يتعاملون بالأساطير الدينية أكثر منها مع المفاهيم الفقهية المجردة، وتستخدم العادات والطقوس لاستثارة الخيال ولتوليد دينامية اجتماعية مؤيدة لرؤيا آخر الزمان الوشيك. وفي الخيال الاجتماعي الإيراني، ترتبط مفاهيم مثل التضحية والأمل بالصورة الخيالية لأبطال ما قبل الإسلام الذين يتجسدون في أئمة الشيعة. ويستخدم دعاة آخر الزمان هذه الصورة الاجتماعية لتعبئة الناس لأغراضهم. لذا، فرؤى آخر الزمان جذابة للناس العاديين، ويمكن نشرها بسهولة في المجتمع.
يكون المهدويون في العادة رجال دين لا يملكون الكثير من المعرفة الفقهية أو مدنيين على اطلاع ضحل على الفقه الإسلامي. ويؤمن معظم المهدويين أن المهدي، حينما يظهر، سيبطل التأويل التقليدي للإسلام ويأتي بتأويل جديد. ويبحث المهدويون طوال الوقت عن تأويلات جديدة للنصوص المقدسة لدعم معتقداتهم. ولهذا السبب، يتخذ رجال الدين التقليديون المحافظون موقفا مناوئا للمهدوية باعتبار أنهم ملتزمون بالحفاظ على التقاليد الراسخة. ولا يسعى الفقهاء التقليديون إلى تطبيق الأحاديث المتعلقة بالمهدوية على زمنهم هم، إذ هم أكثر اهتماما بحصر المخاطر منهم بالتغيير الجذري. نحن إذن أمام مشروع جديد قديم يسعى لدمج الرؤية الدينية بالمشروع السياسي والعسكري، فليست المرة الأولى التي تشهد فيها قيام حركات دينية أو مشروعات آيديولوجية عقائدية يعمل أصحابها على دمج المشروع الديني بالمشروع السياسي، لكن ما نشهده اليوم في إيران هو أن هناك دولة كبيرة لديها إمكانات عسكرية ومالية ضخمة وتعمل لإعطاء مشروعها السياسي أبعادا دينية تتصل بأحد أهم العناصر العقائدية في الدين الإسلامي عامة وفي المذهب الشيعي على الأخص، أي «فكرة المهدوية»، فهل سينجح هذا المشروع، أم أننا سنكون بعد فترة من الزمن أمام إحباط جديد ناتج عن عدم تطابق الرؤية الدينية السياسية مع الوقائع العلمية.