منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#37935

أوباما وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط: اقتراحات للمرحلة الجديدة


استخدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما كل الكلمات المناسبة للتشديد على رأيه بأن مشاغل حقوق الإنسان هي عنصر جوهري في سياسته الخارجية في الشرق الأوسط. ففي خطابه في القاهرة في يونيو/تموز 2009، سلّط الضوء على أهمية حرية المعتقد الديني وحقوق المرأة، وتحدّث بطريقة مؤثرة عن "الإذلالات اليومية" والوضع "غير المقبول" للفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وقال إن الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع حكومة إسلامية مُنتخبة تحترم حقوق الأقليات. وفي خطابه في أوسلو عند تسلّمه جائزة نوبل للسلام في ديسمبر/كانون الأول 2009، ذكر أوباما أنه من الضروري أن "نلتزم ببعض قواعد السلوك" في الحرب، على غرار اتفاقيات جنيف، وأعرب عن دعمه لتطلّعات "مئات الآلاف الذين مشوا بصمت في شوارع إيران".

لكن عمل إدارة أوباما من أجل حمل الحكومات التعسّفية في الشرق الأوسط على احترام حقوق الإنسان غامض، ومتهاون في بعض الحالات، ما يثير مخاوف من أن الولايات المتحدة لاتزال تطبّق معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بمواجهة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان من جانب حلفائها المُهمين. لاشك في أن حقوق الإنسان لم تكن جزءاً من الدبلوماسية العامة التي أحاطت باجتماعات الرئيس مع قادة مصر والسعودية والأردن. وفي المغرب في نوفمبر/تشرين الثاني 2009، أثنت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على ضيوفها في مايتعلق بحقوق المرأة والمجتمع الأهلي، لكنها لم تتفوه بكلمة، على حد علمنا، حول المحاكمات الأخيرة للصحافيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان. وقد أشارت في مقابلاتها مع الإعلام المغربي إلى دعم الولايات المتحدة لسياسات الرباط في الصحراء الغربية، من دون التعبير عن القلق من سجل الحكومة المغربية السيئ في مجال حقوق الإنسان في ما يتعلق بالصحراويين والمغاربة الذين يطالبون بطريقة سلمية باستقلال تلك الأراضي المتنازع عليها.

وفي ما يخص النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، كان سجل الإدارة متفاوت. فقد أعلن الرئيس أوباما إن الولايات المتحدة "لاتقبل شرعية المستوطنات الإسرائيلية المستمرة"، لكن الإدارة تراجعت عن إصرارها على وقف إسرائيل كل عمليات البناء الجديدة. كما أن السياسة التي انتهجتها الإدارة الأمريكية في نزع الصدقية عن الاستنتاجات والتوصيات الواردة في تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق حول انتهاكات قوانين الحرب من جانب إسرائيل وحماس في غزة الذي وضعه القاضي المعروف من جنوب أفريقيا، ريتشارد غولدستون، لاتتناسب مع تشديد الرئيس في خطابه في القاهرة على "العدالة" و"سيادة القانون". لقد أُسكِتت الانتقادات للحصار الإسرائيلي لغزة في أفضل الأحوال، من دون بذل أي مجهود واضح لاستخدام النفوذ الأمريكي لوضع حد لسياسة العقاب الجماعي التي تنتهك القانون الإنساني الدولي.

ماذا يعني أن يصبح الرئيس وإدارته، على مشارف سنته الثانية، جدّيَين بشأن ترجمة أقوال أوباما حول حقوق الإنسان إلى أفعال؟ الشيء الأهم والأكثر ممارسة للتأثير الذي يستطيع الرئيس القيام به هو الحرص على اضطلاع الولايات المتحدة بموجباتها وفقاً للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف واتفاقية مناهضة التعذيب، والتحقيق بالتالي مع المسؤولين الأمريكيين الذين أصدروا الأوامر بتعذيب المعتقلين لدى الولايات المتحدة ومارسوا التعذيب، ومحاكمتهم. من الصعب على الولايات المتحدة أن تحض الآخرين، سواء كانوا حلفاء أم أعداء، على فعل الصواب في حين ترفض هي نفسها القيام به. كما يتعيّن على الإدارة الأمريكية أن تحرص على ألا تؤدي المنظومة التي سوف تحل مكان غوانتانامو إلى تقويض حظر الاعتقال لأجل غير مسمى من دون توجيه تهم أو من دون الحق بمحاكمة عادلة. في غياب هذه الخطوات، لن تكون السياسة الأمريكية أكثر من مجرد دعوة بأن "افعلوا ما نقوله لا ما نفعله"، عندما يتعلق الأمر بالتعذيب والتوقيف الاعتباطي اللذين يشكّلان انتهاكَين خطيرين في العديد من بلدان الشرق الأوسط.

ثانياً، يجب أن تجد الإدارة، وبسرعة كبيرة، طريقة لتظهر أن ما وصفته وزيرة الخارجية كلينتون في خطاب ألقته في جامعة جورجتاون في ديسمبر/كانون الأول 2009 بـ"السعي البراغماتي والرشيق... لتطبيق أجندتنا لحقوق الإنسان" لن يكون رحلة سهلة ومجانية للحكومات التي ترفض بصوت عال انتقاد سياساتها التعسفية. ويبدو أن الرغبة الأمريكية في الحفاظ على دعم الرئيس حسني مبارك للسياسات الأمريكية حيال إسرائيل والفلسطينيين، والاستياء المصري الرسمي من جهود الدمقرطة التي بذلتها إدارة بوش، هما السبب وراء قول الوزيرة كلينتون بأنه لن تُفرَض "شروط" حول حقوق الإنسان في العلاقة الأمريكية-المصرية. ولسوء الحظ، يبدو أن ذلك يعني أن المضمون الخاص بحقوق الإنسان في العلاقة بين البلدين سيكون ضئيلاً أو معدوماً.

يجب أن يتغيّر هذا الوضع. فمصر، وعلى الرغم من انحسار نفوذها في المنطقة، لاتزال مؤشراً، إيجابياً وسلبياً، عن سياسات الدول العربية الأخرى. فضلاً عن ذلك، سوف تشهد مصر انتخابات برلمانية ورئاسية في سنتَي 2010 و2011. تقف البلاد على مشارف محطة انتقالية حساسة نظراً إلى تقدّم الرئيس حسني مبارك في السن ووضعه الصحي الملتبس. يتعذّر إجراء انتخابات حرة وعادلة في ظل القوانين التي تفرض قيوداً مشدّدة على الأحزاب السياسية وعلى الترشّح، إلى جانب تطبيق قانون الطوارئ الذي أجاز للسلطات منذ نحو ثلاثة عقود احتجاز الآلاف، وبينهم نقّاد سلميون، من دون تهم أو محاكمات. وفي غياب التزام مصري راسخ بمعالجة هذه المشاغل، يتعيّن على الرئيس أوباما أن يوضح، في خطاب أساسي أومناسبة عامة مشابهة، أن إجراء الانتخابات في ظل حال الطوارئ وقيود أخرى على النشاط السياسي السلمي سيعرقل قيام علاقات وثيقة بين الولايات المتحدة ومصر، وسيؤثر على المساعدات الأمريكية، في المستقبل.

ثالثاً، يجب أن تحرص الإدارة على أن يتحمّل حلفاء الولايات المتحدة الآخرون في المنطقة تداعيات الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي يوثّقها المسؤولون الأمريكيون وسواهم. وأحد الأمثلة على ذلك هو التمييز الرسمي والشامل ضد الأقلية الشيعية في السعودية. توثّق وزارة الخارجية الأمريكية، بموجب تفويض من الكونغرس، هذا الأمر إلى جانب انتهاكات سعودية أخرى لحرية المعتقد الديني منذ سنوات، لكن حتى الآن لم تترتّب عن ذلك أي تداعيات في مجال السياسات الأمريكية، كما لم تصدر أي احتجاجات علنية عن البيت الأبيض. يجب أن يتغيّر هذا الواقع في عهد الرئيس أوباما، لاسيما على ضوء تركيزه على حرية المعتقد الديني في خطابه في القاهرة.

أخيراً، هناك النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. وهنا يبدو أن أوباما يدرك أن كثراً في المنطقة يعتبرون هذا النزاع محك الاختبار للسياسة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان. وفي هذا السياق، جرى الترحيب بتركيز أوباما على عدم شرعية المستوطنات بموجب القانون الإنساني الدولي. يبدو أن الإدارة عدّلت رفضها الجاف لتقرير غولدستون، ويجب أن تستمر في التركيز على الحاجة إلى إجراء تحقيقات إسرائيلية وفلسطينية مستقلة في الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، مع الإدراك بأن التقرير يوفّر فرصة غير مسبوقة لوقف دورة الإفلات من العقاب في الانتهاكات التي تمارسها كل الأطراف في هذا النزاع. وينبغي على أوباما أيضاً أن يتطرق إلى حصار غزة الذي تفرضه إسرائيل ويتم بتحريض من مصر. وفي حال لم تتوصل الدبلوماسية الخاصة إلى نتائج، وفي وقت قريب، يتعيّن على الرئيس أن ينتقد الحصار علناً باعتباره عقاباً جماعياً، ويحدّد التداعيات، بما في ذلك خفض المساعدات العسكرية، إذا لم تضع إسرائيل حداً للقيود التي تفرضها بالجملة على حركة البضائع والأشخاص.

جو ستورك نائب مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش.