منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#37977
بدون مؤاخذة-
فن إدارة الصراع وكسب الوقت

منذ قيام اسرائيل في منتصف أيار 1948 وقيادتها تجيد إدارة الصراع بشكل لافت ومقنع للرأي العام العالمي، وإدارتها الإحترافية للصراع، وما يقابلها من ضعف إن لم نقل فشلا عربيا في إدارة هذا الصراع جعلت منها ضحية أمام العالم، وجعلت العرب والمسلمين مخربين ومعتدين ...الخ، مع أن العكس هو الصحيح.
فهل تعلمنا نحن العرب من أخطائنا في السنوات الثلاثة والستين الماضية، وهل استطعنا أن نوصل صوتنا الحقيقي إلى الرأي العام العالمي؟ وهل نجح دبلوماسيونا في إيصال عدالة قضيتنا وحقوقنا إلى دول العالم الأخرى؟ وهل التعامل مع أمريكا كامبراطورية تتحكم بمصير الشعوب والأمم والدول يمنع قادتنا من قول"لا" بالفم الملآن للقادة الأمريكيين؟ فالرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون قال بعد انتهاء مدة رئاسته لدورتين بأنه قابل جميع القادة العرب، ولم يسمع من واحد منهم طلبا بإقامة دولة فلسطينية، وجاء بعده سيء الصيت جورج دبليو بوش، الذي دمرَ العراق وأفغانستان واحتلهما، وفي أيامه الأخيرة في البيت الأبيض زود اسرائيل بالقنابل الفسفورية لحرق قطاع غزة المحاصر، هدد العرب مرات كثيرة، وكانت ردّ القادة العرب بـ"إننا نثق بشجاعة الرئيس بوش وبحكمته ورؤيته لتحقيق السلام في منطقتنا" والرجل كان شجاعا الى درجة الجنون، لكنه لم يكن حكيما ولم يكن محبا أو داعيا للسلام، بل كان مهووسا يزعم بأنه يتلقى أوامره من الرب، فلماذا لم يقل له القادة العرب "كفى إذلال لنا ولشعوبنا" حتى كنز أمريكا واسرائيل الاستراتيجي الذي تحكم برقاب أشقائنا في أرض الكنانة لما يقارب الثلاثين عاما، وكان كلب حراستهم المتقدم وفي ترويج سياساتهم العدوانية، لم يقل يوما"لا"لأسياده، إلى أن ثار شعبه عليه وألقى به في مزابل التاريخ.
واسرائيل التي تجيد فن إدارة الصراع، بدأت الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة بحجة إسكان عائلات الجنود في معسكرات الجيش مع الجنود، ثم فتحت مدارس لأبناء الجنود، ثم وسعت المستوطنات لـ"دواعٍ أمنية" ثم أصبحت المستوطنات مدنا فيها مناطق صناعية، وتوسعت المستوطنات لدرجة أن التصوير الجوي للضفة الغربية يظهر المدن والقرى العربية ك"خرائب"صغيرة في محيط مدن ضخمة وحديثة، ويعرف الفلسطينيون المرابطون في ديارهم أن المستوطنات قد تضاعف البناء فيها بشكل جنوني بعد اتفاقات أوسلو في العام 1993، لأن اسرائيل تسابق الزمن لفرض حقائق ديموغرافية على الأرض....وأن تهويد القدس تسارع بشكل جنوني منذ العام 2000، وأن جدار التوسع الاسرائيلي قد أحكم حصار المدينة المقدسة وعزلها عن محيطها الفلسطيني وامتدادها العربي، تماما مثلما اقتطع ما يزيد على 6%من مساحة الضفة الغربية ليشكل بذلك حدودا في أي حلّ قادم، إضافة الى المستوطنات الأخرى التي مزقت جسد الضفة الغربية.
وجاءت زيارة نتنياهو الأخيرة لأمريكا وخطابه في الكونغرس، ليعلنها صراحة أن اليهود ليسوا مستوطنين في"أرض اسرائيل، فهم ليسوا بريطانيين في الهند، أو بلجيكا في افريقيا، وهو بالتالي لا يعترف بأن اسرائيل دولة محتلة، فلا انسحاب الى حدود الرابع من حزيران 1967، ولا انسحاب من القدس، ولا انسحاب من منطقة الأغوار، ولا لتفكيك المستوطنات، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، وأن لا احتلال مسؤول عن استمرار الصراع، وأن المشكلة تتمثل في المصالحة بين حماس وفتح، ولكي تحظى السلطة الفلسطينية برضا نتنياهو فعلى الرئيس محمود عباس الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، وعليه تمزيق اتفاق المصالحة.
وما يهمنا هنا هو الدبلوماسية الناجحة التي قادها وأدارها الرئيس محمود عباس في السنوات الخمس الماضية، والتي استقطبت مختلف دول العالم للإعتراف بفلسطين كدولة في حدود الرابع من حزيران، وأن عرض الاعتراف بالدولة الفلسطينية على الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول القادم سيعري اسرائيل وأمريكا أمام العالم، وسيتركهما وحيدتين أمام الرأي العام العالمي....فهل ستساند الدول العربية الرئيس عباس في موقفه هذا؟ أم أنها ستضغط عليه للتراجع بناءا على وعود من الرئيس أوباما الذي سيطرح صيغة فضفاضة لن تؤدي الى حلول؟ وأنا شخصيا أشك في ذلك، وأتمنى أن أكون مخطئا.

بقلم / جميل السلحوت