منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#38322
باتريك سيل : انهيار اوباما أمام الضغوط الإسرائيلية
إن فشل الرئيس اوباما في الوقوف في وجه رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو المتعطش لحيازة الأرض خيب بشدة الرأي العام في البلدان العربية والإسلامية على حد سواء . ورسخ الاعتقاد بأن واشنطن قد باعت نفسها للمصالح الإسرائيلية .
لقد قوبل خطاب أوباما في يوم 19 أيار حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ـ والذي تم الإعلان عنه بوصفه يشكل محاولة لمد يد الصداقة الأمريكية لموجة الديمقراطية الجديدة في العالم العربي ـ بعدم الاكتراث أو بالسخرية من قبل بلدان المنطقة . ويُعتقد الآن أن عملية السلام في الشرق الأوسط قد ماتت تقريباً . لقد أثار نهج أوباما الذي يتصف بضعف الإرادة بعض الزعماء الأوروبيين الذين يتعين عليهم الآن النظر في ما إذا كان الوقت قد حان بالنسبة لأوروبا ـ دفاعاً عن مصالحها الأمنية الخاصة ـ أن تعتمد موقفاً مغايراً للموقف الأمريكي يكون أكثر تشدداً تجاه إسرائيل . ولا يمكن للمرء إلا أن يتساءل ماذا قال كاميرون لأوباما حول هذا الموضوع خلال زيارته إلى المملكة المتحدة هذا الأسبوع .
وفي كلمته ، ألقى أوباما بعظمة للفلسطينيين بالقول أن الحدود بين إسرائيل والفلسطينيين ” يجب أن تكون على أساس حدود 1967 مع تبادل للأراضي متفق عليه بين الطرفين ” . ولكن عندما أعترض نتنياهو على ذلك بغضب ، سارع أوباما إلى استرجاع العظمة بخطفها ثانية . وعندما قام بمخاطبة ايباك ـ اللوبي المؤيد لإسرائيل ـ الأحد الماضي ، سعى أوباما لتصحيح ما قال أنه تفسير خاطئ لكلماته . فقد أوضح أن ” تبادل للأراضي متفق عليه بين الطرفين ” يعني ” أن الطرفين سيقومان بالتفاوض على الحدود والتي تختلف عن تلك التي كانت موجودة يوم 4 حزيران 1967 ” . وبعبارة أخرى ، رسم الحدود يجب أن يُترك للمفاوضات بين الأسد والفأر .
ليس هناك إشارة في خطابه إلى أي عمل تقوم به الولايات المتحدة لتنفيذ رؤية الدولتين ، إسرائيلية وفلسطينية ، تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن . وبدلاً من ذلك كان يُنظر على نطاق واسع إلى هذه التصريحات بأنها تثبت مرة أخرى ـ إذا كان هناك حاجة لذلك ـ كيف أن المصالح الموالية لإسرائيل قد استحوذت على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط . ومن الواضح الآن لغالبية المراقبين المستقلين أن نتنياهو يريد الأرض ، وليس السلام . وأنه هو ومن أمثال عقليته من منظري إسرائيل الكبرى لن يستسلموا للإقناع . فقط الضغط الجدي ـ وحتى التهديد بفرض عقوبات ـ قد يسفر عن نتائج . أكثر من نصف مليون مستوطن إسرائيلي يعيشون بالفعل ما وراء حدود 1967 ، وبناء المستوطنات في الأراضي المحتلة يسير على قدم وساق . وعشية زيارة نتنياهو إلى واشنطن ، أعلنت إسرائيل في تحد بناء 1500 وحدة سكنية جديدة للمستوطنين اليهود في القدس الشرقية العربية .
لكن ، في الوقت الذي يبدأ فيه حملته الانتخابية لإعادة انتخابه العام المقبل ، قرر أوباما بشكل واضح أنه لا يستطيع إنفاق رأس المال السياسي الذي يكسبه بشق الأنفس على قضية لا تحظى بشعبية ـ فلسطين . الكونغرس كما هو معروف موالي لإسرائيل بأغلبية ساحقة ، وايباك ، ومعهد واشنطن ، المنظمة الشقيقة ، تشكل جماعات ضغط قوية ، واليهود الأميركيون هم من المساهمين الرئيسيين في حملة جمع الأموال للحزب الديمقراطي . وكانت القاهرة العاصمة العربية الوحيدة التي صدر عنها بعض التعليقات المؤيدة لخطاب أوباما بسبب عرضه على مصر مليار دولار لتخفيف عبء الديون ، ومليار آخر كضمانات للقروض . ولكن كما علقت صحيفة سعودية صادرة باللغة الإنجليزية بشكل لاذع في يوم 20 أيار عندما كتبت تقول ” إذا كان أوباما يريد ثقتنا وصداقتنا ، فلا بد له من العمل في مسألة واحدة حيث فشل بشكل مخز لتحقيق وعوده بشأنها ـ فلسطين . نحن لا نريد رشاوى أمريكية ، وبالتالي يمكنه أن يحتفظ بالأموال التي لديه . فاقتصاد الولايات المتحدة يحتاج إليها أكثر منا نحن ” .
دعونا ننظر ماذا قال اوباما في الواقع في خطابه يوم 19 أيار . عرض على إسرائيل الالتزامات الهامة التالية :
ألف ـ قال أنه ” لا يمكن فرض السلام ” ، وهذا هو اختزال مألوف لقوله أن إسرائيل لن تواجه أي ضغوط أمريكية للسماح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة .
باء ـ ” تصرفات رمزية لعزل إسرائيل في الأمم المتحدة لن تقيم للفلسطينيين دولة مستقلة … والجهود الرامية إلى نزع الشرعية عن إسرائيل نهايتها الفشل”. بهذه الكلمات أعلن معارضته لخطة الفلسطينيين الحصول على اعتراف بدولتهم ذات السيادة في الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة . وقوله أن الولايات المتحدة سوف ” تقف ضد محاولات استفراد إسرائيل بالانتقاد في المحافل الدولية ” ، يشير إلى أن الولايات المتحدة ستستمر في استخدام حق النقض لصالح إسرائيل ، كما فعلت على نحو يثير الدهشة بالفعل في شباط الماضي عندما اعترضت على قرار في مجلس الأمن يدين التوسع الاستيطاني ـ السياسة نفسها التي كانت الولايات المتحدة تفضلها حتى تلك اللحظة !
جيم ـ وصف أوباما في خطابه أمام ايباك اتفاق المصالحة بين فتح وحماس بأنه ” عقبة ضخمة في طريق السلام “. وتبنى اعتراضات إسرائيل عندما قال أنه ” لا يمكن أن نتوقع من أي بلد التفاوض مع منظمة إرهابية يدعو ميثاقها إلى تدميرها ” . وغني عن القول ، فإنه لم يأت على ذكر حقيقة أن إسرائيل قد حاولت تدمير حماس عندما غزت غزة في 2008-2009 مخلفة وراءها أكثر من1400 قتيلاً فلسطينياً .
دال ـ وكرر أوباما مقولة أن ” التزامنا بأمن إسرائيل لا يمكن أن يتزعزع ” . وكرر أمام ايباك التزام الولايات المتحدة بضمان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل ، وهذا يعني قدرتها على مواجهة وهزيمة أي تهديد عربي . ولم يأت على ذكر الأمن للفلسطينيين أو للبنان الذي عانى بما فيه الكفاية من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والغزوات . وأي دولة فلسطينية في المستقبل ، كما قال ، يجب أن تكون ” منزوعة السلاح ” . ومن الواضح ، في رؤية أوباما ، أن أياً من الدول المجاورة لإسرائيل ليس لها الحق في الدفاع عن نفسها .
هاء ـ وفيما يتعلق بموضوع إيران ، أكد أوباما معارضة أميركا ” للبرنامج النووي الإيراني غير المشروع ، ولرعايتها للإرهاب ” ـ ملاحظات أُخذت بدون روية من كتب الدعاية الإسرائيلية .
لقد سرد أوباما ما وصفه ب ” المصالح الجوهرية ” لأميركا في الشرق الأوسط على النحو التالي :
ـ ” مكافحة الإرهاب ” … على الرغم من أن دعمها لإسرائيل ، وتدخلاتها الوحشية في العراق وأفغانستان وباكستان واليمن هي الأسباب الرئيسية للإرهاب .
ـ ” وقف انتشار الأسلحة النووية ” … وهذا هو التعهد الذي سينظر إليه العرب انه بغرض الحفاظ على احتكار إسرائيل الإقليمي للأسلحة النووية . صحيفة هآرتس ذكرت أن الولايات المتحدة تعهدت سراً بتعزيز ترسانة إسرائيل النووية .
ـ ” تأمين التدفق الحر لحركة التجارة ، وحماية الأمن في المنطقة ” … العرب والإيرانيون يسألون ، فيما عدا إسرائيل ، من هو الذي يمكن أن يهدد الأمن في المنطقة .
ــ ” الدفاع عن أمن إسرائيل ” … من الواضح أن هذا الأمر يتخطى مصلحة أمريكا العليا .
ـ ” التوصل إلى سلام بين العرب وإسرائيل “… وهذا يشكل حتى الآن فشلاً ذريعاً للولايات المتحدة .
ولدى مخاطبته للعالم العربي ، أعلن أوباما ” نحن نعلم أن مستقبلنا يرتبط في هذه المنطقة بقوة عامل الاقتصاد ، والأمن ، والتاريخ ، والعقيدة “. ولكن لم يكن هناك أي شيء في خطابه يتضمن تقديم أدنى ضمان لحسن نوايا أميركا تجاه العرب والمسلمين . وحول العراق ، قال ” لقد انتهت مهمتنا القتالية ” ، لكنه لم يشر إلى القوات التي يخطط لتركها في العراق بعد الانسحاب . وحول أفغانستان ، ادعى ” لقد كسرنا زخم طالبان ” ، ولكن هجمات طالبان التي أصبحت أكثر فتكاً من أي وقت مضى تشير إلى أنه ليس هناك ما يثبت يقيناً هذا الادعاء . وبعدها يفتخر في قتل بن لادن الذي يصفه برسول الكراهية ، و” قاتل بالجملة ” كان يشارك في ” ذبح الأبرياء” . لكن أوباما فشل في الاعتراف بأن الضحايا الأبرياء لحروب أميركا ـ بل وإسرائيل أيضاً ـ هي بالمطلق أكثر عدداً من الرجال والنساء الذين قتلتهم القاعدة .
إذا كان أوباما ينشد حقاً علاقة أفضل مع الشبان والشابات الذين يقودون ” الربيع العربي “ فأعتقد أنه من الأفضل له أن يفكر في ما يقوله مرة أخرى


صحيفه نيويورك تايمز