منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#38476
حظى بنية اتخاذ القرار المتعلق بسياسة إيران الخارجية بخصوصية شديدة تميزها عن غيرها من السياسات الخارجية للدول الأخرى، إذ عادة وكما هو مفترض لدى أنظمة العالم كافة أو وزارة الخارجية هي التي تتصدى لاتخاذ القرار على الصعيد الخارجي، بيد أن وزارة الخارجية في إيران قد لا تتصدى بمفردها للقيام بمثل هذا الدور بقدر ما تتصدى له مؤسسات أخرى. ففي واقع الأمر، ربما تقع عملية صنع قرار السياسة الخارجية في بعض الأنظمة السياسية ذات البرامج السياسية المعقدة تحت تأثير نفوذ عدد من المؤسسات والشخصيات التي رغم عدم تمتعها بأي مسئولية رسمية إلا أنها وبنفوذها تتدخل في إدارة شئون الدولة، وتؤثر في صناعة القرار الخاص بالسياسة الخارجية، فبما يعرف في القاموس السياسي بـ "جماعات الضغط".
ولعلنا مع مثل تلك الأنظمة نشهد نوعين من بنى اتخاذ القرار: الأولى بنية رسمية، وهذه تحددها دساتير وقوانين الدولة، والثانية غير رسمية، وتلك تحددها توجهات الرأي العام، وأفكار الاحزاب السياسية، والنقابات والصحف، حيث إن بعض التوجهات قد تنهض للتأثير وبطرق شتى على صناعة القرار السياسي في الدولة، وسواء كان هذا لتحقيق مصالحها الشخصية أو مصالح غيرها. والأمثلة على ذلك كثيرة، فالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية مثلاً لا تجاز قبول مرورها على اللوبي اليهودي ومستشاري شركات البترول عابرة القارات، وكذا موافقة أصحاب الصناعات العسكرية غير الرسمية، وفي هذا السياق ربما تعد الدول النامية، وخاصة الدول ذات الأنظمة الأوتوقراطية نموذجاً لتفشي البنية غير الرسمية. إذ عادة ما يكون القرار الخارجي في ظل تلك انظمة إما متأثراً بمصالح الجهات الرأسمالية ذات النفوذ في الداخل أو بمصالح جهات أخرى في الخارج، أما فيما يتعلق بصناعة القرار الخارجي في إيران فالمسألة مختلفة لاختلاف النظام الإيراني نفسه الذي ينبع من ماهية دينية من ناحية، ولطبيعة صناعة القرار الخارجي القائمة على التشابك والتوازي من ناحية ثانية. فإيران تعتمد على نظام في القوى المتوازية من شأنه أن يجعل كل طرف. بما في ذلك موظفو الحكومة. في ظلال نسبي. أما الأكثر إظلاماً فهو هوية أولئك، الذين يتخذون القرارات المهمة، فتقريبا كل منظمة لها ظلها، وعادة ما يكون الظل أكثر أهمية من المنظمة نفسها. وبالتالي نرى أن أي مسئول إيراني عادة ما يتحدث عن أنهم يفعلون كذا وكذا أكثر مما يتحدث عن أننا نفعل كذا وكذا. ولعل الكتاب الذي نحن بصدده الآن يكتسب أهميته من حيث إنه يوضح جوانب كثيرة تتعلق بصناعة القرار الخاص بسياسة إيران الخارجية والتي لم تكن معروفة من قبل.
ففي عام 1999، قامت دار نشر "دادكستر" بطبع كتاب "سياسة إيران الخارجية"، ثم أعادت طبعه مرة أخرى عام 2003، والكتاب من القطع المتوسط، حيث يقع في مائتين وثمانية صفحة. وقد جاء في مقدمة وجزئين، تناولت المقدمة خصائص الثورة الإيرانية وما أحدثته من تغييرات واضحة المعالم على جميع المستويات والأصعدة في إيران خاصة صعيد سياستها الخارجية. كما تناولت أهداف هذه السياسة والأساليب التي تنتهجها من أجل تحقيق أهدافها المرجوة. وقد فرق الكتاب بين الأهداف القومية لإيران كحماية استقلالها وصيانة أمنها القومي في الداخل والأهداف الأخرى التي تسعى إلى تحقيقها على الصعيد الإقليمي والدولي.
أما الجزء الأول والذي جاء تحت عنوان "أسس ومبادئ سياسة إيران الخارجية" فقد بين فيه أن أهداف وأسس السياسة الخارجية الإيرانية إنما تنبع من الدستور الإيراني وأن من أهم وأبرز تلك الأهداف والمبادئ ما يلي:
1 ـ السعي لتأسيس أمة عالمية واحدة:
يؤسس الإيرانيين لهذا الهدف من منطلق الآية القرآنية: "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون" (المؤمنون: 52)، إذ أنهم رأوا أن الإسلام يدعو جميع المسلمين للوحدة والاتحاد، ولذلك يتحتم (من وجهة نظرهم) على الحكومة الإسلامية العمل لتأسيس ائتلاف إسلامي عالمي تجتمع أمة الإسلام كافة تحت لوائه حتى يتثنى تحقيق أمة واحدة نهاية الأمر، ويرون أن هذا الهدف ذاته لطالما كان يخيف أعداء الإسلام؛ ولذلك كانوا يعمدون إلى سياسة "فرق تسد" في العالم الإسلامي للحيلولة دون توحد هذا العالم، ولعل ما يحدث من فتن وخلافات كبرى بين فرق الإسلام الشيعة والسنة لعلامة بارزة على تلك السياسة. وجدير بالذكر أن تحقيق الأمة العالمية للإسلام لا يتأتى بتجييش الجيوش أو بفرض نظم خاصة على الأمم الأخرى كتلك التي فرضتها الإمبراطورية العثمانية على العالم الإسلامي من قبل وإنما يتأتى ذلك عبر تأسيس نظام فكري وروحي يتوحد تحت مظلته جميع المسلمين، وعليه يجب على المسلمين السعي والتغيير من أجل هذا الهدف اقتداءٌ بقوله: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد، 1).
2 ـ حماية المستضعفين أمام المستكبرين:
ينص البند الرابع عشر من الدستور الإيراني على أن الحكومة الإسلامية في إيران تعمل ضمن أهدافها على إسعاد الإنسان في المجتمعات البشرية كافة، وأن الاستقلال والحرية وإقرار حكومة العدل والحق لهو حق مكفول لجميع شعوب العالم، وعليه فهي تؤيد حقوق المستضعفين ونضالهم في مواجهة المستكبرين في نقطة من بقاع الأرض، وتباعاً تتحرك سياسة إيران الخارجية على نصرة المستضعفين في الأرض ومحاربة المستكبرين الأمر الذي من شأنه تحقيق الأمة العالمية الواحدة انطلاقاً من الآية القرآنية: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين" (القصص:5).
3 ـ صيانة الاستقلال وحماية الحدود:
نص البند الثالث والخمسون بعد المائة من الدستور على صيانة استقلال الأراضي الإيرانية وبقاء حدودها بعيدة عن كافة أشكال التهديدات الخارجية ومن ثم وضعت السياسة الخارجية الإيرانية استقلال بلادها والدفاع عن حدودها وثغورها محور اهتمامها.
4 ـ الدعوة:
من أهداف ووظائف السياسة الخارجية الإيرانية أيضاً الدعوة؛ بمعنى دعوة غير المسلمين إلى الإسلام استناداً لقوله: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" (النحل: 125).
5 ـ مبدأ اللا شرقية واللا غربية:
منذ قيام الثورة في إيران وهي تقع هذا الشعار "اللاشرقية واللاغربية" في سياستها الخارجية، ذلك الشعار الذي يعني الحياد من المنظور السياسي (الحياد عن الكتلة الشرقية والغربية)، واتباع سياسة الولاية الإسلامية على المجتمع من المنظور الديني وفقاً للآية: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق" (الممتحنة: 1).
أما الفصل الثاني وجاء بعنوان "أساليب وسبل تنظيم السياسة الخارجية"، فقد أوضح أن ثمة طرائق لتنظيم السياسة الخارجية يجب على أي نظام اتباعها وعلى أصعدة ثلاث هي: الشعوب، والحكومات، والمنظمات الدولية.
ـ الشعوب:
ترى إيران أن العلم مقسم إلى شعوب جائرة مستكبرة وأخرى مظلومة مستضعفة، وأن هذه الأخيرة تحتاج إلى النضال من أجل حصولها على حقوقها في مواجهة قوى الاستكبار؛ ولذلك فقد عمدت سياستها الخارجية بعض السبل لتوصيل تجربتها (نموذجها الثوري) إلى شعوب العالم الثالث وبخاصة المقهورة منها لاسيما شعوب روسيا، شعوب أفريقيا، سود أمريكا. ومن هذا المنطلق، ووفقاً لإمكانات وحدود صلاحيات حكومتها التي أقرتها في دستورها يتحتم على المتصدين لسياستها الخارجية اتباع العناصر التالية والتي تمكنها من تصدير ثورتها لشعوب العالم المستضعفة: دعم الحركات التحررية في العالم.
ـ تسخير وسائل الإعلام المختلفة لخدمة تصدير الثورة الإيرانية.
ـ قيام سفاراتها في الخارج بلعب دور مؤثر في هذا الاتجاه.
ـ تشكيل الندوات والمؤتمرات.
ـ إرسال البعثات العلمية للخارج من أجل الدعوة للثورة.
ـ الحكومات والمنظمات الاهلية:
رأت إيران كذلك أن الحكومات مقسمة إلى أقسام عدة؛ منها حكومات إسلامية وأخرى غير إسلامية على أن الأولى مقسمة بدورها إلى ثلاث، حكومات إسلامية صديقة؛ تربطها علاقات وثيقة بالحكومة الإيرانية وقد تتخذ هذه الحكومات نفس المواقف السياسية التي تنتهجها إيران حيال حكومات الاستكبار العالمي، وهذه الحكومات من الضروري الدخول معها في علاقات تعاون مشتركة وغض الطرف عن الخلافات الصغيرة الموجودة. وحكومات إسلامية محايدة؛ وهذه الحكومات قد لا تتوافق سياستها بالضرورة مع المبادئ الإيرانية لكنها في الوقت ذاته، لا تتخذ مواقف مناهضة للسياسات الإيرانية، وهذه يتحتم التواصل معها دون الإخلال بالأهداف الأساسية للجمهورية الإيرانية الإسلامية. وحكومات ثالثة لا تتخذ مواقف مناهضة غير أنها تعد أداة في يد قوى الاستكبار العالمي يسيطر عليها كيفما يشاء لظلم الشعوب المستضعفة، وهذه يتحتم التواصل معها أيضا من أجل إثنائها عن تلك السياسة.
أما الحكومات غير الإسلامية، فهي مقسمة إلى ثلاث: حكومات ثورية لديها سياسة مستقلة عن قوى الاستكبار، وهذه الحكومات تجد دعما من شعوبها وهو ما يحتم إقرار العلاقة معها من أجل ترغيبها في نهج السياسة الإيرانية، وحكومات لا تميل لسياسة إيران الخارجية ولكنها لا تعاديها، لذلك ينبغي إقامة علاقات اقتصادية سياسية معها حتى تظل ذا سياسة مستقلة بعيد عن نفوذ الاستكبار العالمي، وحكومات ثالثة مناهضة بالفعل للإسلام وإيران كحكومات نظام الاحتلال الإسرائيلي، أما هذه فمن الضروري عدم الاعتراف بها بل والعمل على عزلها عن المجتمع الدولي.
وجاء الفصل الثالث تحت عنوان "مصادر النفوذ الوطنية في أعمال السياسة الخارجية الإيرانية" أن ثمة عوامل كثيرة تميز السياسة الداخلية وتمنحها الضمانات الكافية لتنفيذ أهدافها على الصعيد المحلي سواء كان هذا عبر القانون أو قوات الشرطة وأساليب أخرى كثيرة وهو الأمر الذي لم يتوفر لتحقيق أهداف السياسة الخارجية على الصعيد الدولي بخاصة أو كانت هناك مصالح متعارضة بين سياسات الدول بعضها البعض، ففي مثل تلك الظروف يستحيل تحقيق أهداف السياسة الخارجية لاسيما السياسة الإيرانية التي لطالما تواجه عراقيل جمة من قبل قوى الاستكبار على الصعيد الدولي نظراً لدعوتها الساعية لتأسيس وحدة إسلامية كبرى تجمع العالم الإسلامي كافة تحت مظلتها. ومن هذا المنطلق، تحتاج السياسة الخارجية إلى مصادر تستمد منها قوتها بحيث تجعلها قادرة على تنفيذ أهدافها الخارجية، ومن أهم أبرز تلك المصادر؛ العوامل الجغرافية الاستراتيجية والمصادر الطبيعية إضافة إلى القوة العسكرية الرادعة (التقليدية وغيرها) الأمر الذي يساعد في النهاية على حماية الاستقلالية وصيانة الحدود، ولا ننسى أن المحافظة على بقاء النظام ثابت ومستقر وقوى في الداخل ينعكس بشكل كبير على أداء الدبلوماسية ويحقق أهدافها في الخارج.
أما الفصل الرابع بعنوان "بنية اتخاذ القرار الخاص بالسياسة الخارجية الإيرانية" فقد تطرق إلى أنه في إيران ثمة عدد من المؤسسات والقوى السياسية الاقتصادية والدينية التي تتمتع بنفوذ قوى في علمية صنع القرار، ومن جملة هذه المؤسسات:
مكاتب آيات الله، أئمة خطب الجمعة، الأحزاب السياسية ذات التأثير، لاسيما جمعية مدرسي الحوزة العلمية في قم، جمعية رجال الدين المناضلين (روحانيت مبارز)، مجمع رجال الدين المناضلين (روحانيون مبارز)، حزب الله، إضافة إلى وسائل الإعلام والصحف مثل صحيفتي الجمهورية الإسلامية والديمقراطية. إلى غير ذلك من الصحف المنتمية لتيارات اليمين واليسار في إيران، ومن ثم نفترض ومنذ البداية أن سياسة إيران الخارجية تعد محصلة تعامل معقد ومتعدد المستويات بين المسئولين في هرم السلطة الإيرانية، وليس كما هو متخيل محصلة أداء وزارة الخارجية بمفردها رغم أن المادة "57" من الدستور الإيراني تنص على أن إيران تلتزم بنظام حكومي يقوم على أساس الفصل بين السلطات، وطبيعي أن أساس هذا الفصل يجري على أعمال وزارة الخارجية التابعة للسلطة التنفيذية أيضا، إلا إننا نجد أن تدوين السياسة الخارجية الإيرانية وتنفيذها يقع كذلك وبشكل مباشر في نطاق صلاحيات المرشد (قائد الثورة)، والسلطتين التشريعية والتنفيذية معاً. ولعلنا إذا ما راجعنا الدستور الإيراني فيما يتعلق بهذا الخصوص لتأكدنا من تعدد مستويات التداخل نظرياً... وهذا تماما ما قد يبدو من الشرح التالي:
1ـ المرشد:
المرشد أو "الولي الفقيه" هو أعلى سلطة في إيران، ووفقا لـ "ولاية الفقيه المطلقة"، فإن سقف صلاحيات المرشد لا تحدد حدود قانونية، وبالتالي فإن جزءا هاما من قرارات السياسة الخارجية يقع بشكل مباشر أو غير مباشر في إطار صلاحيات المرشد، والمادة"110" تنص على أن المرشد هو الذي يعين السياسات العامة لإيران بالتشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام، ولعل السياسة الخارجية تعد جزءا من هذه السياسات التي تجب أن تحصل على موافقة المرشد.
2ـ رئيس الجمهورية:
رئيس الجمهورية هو الشخص الثاني بعد المشد في سلم هرم السلطة الرسمي في إيران، وهو الذي يتولى وفقا للمادة "113" من الدستور مسئولية تنفيذ الدستور، وتنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث، إضافة إلى رئاسته للسلطة التنفيذية، أما فيما يخص صنع القرار الخارجي فرئيس الجمهورية يلعب دوراً مؤثراً في صناعة هذا القرار من خلال جملة الوظائف التالية:
أ ـ تعيين الوزراء ومن ضمنهم وزير الخارجية ( المادة 124، 122).
ب ـ التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق التي تبرم بين الحكومة والدول الأخرى بعد المصادقة عليها في المجلس سواء رئيس الجمهورية بنفسه أو عن طريق ممثله القانوني (المادة 125).
ج ـ تعيين السفراء المقترحين من قبل وزير الخارجية، والتوقيع على أوراق اعتمادهم وكذا تسلم أوراق اعتماد سفراء الدول الأخرى (المادة 128).
3 ـ مجلس الوزراء:
يتم تنفيذ السياسات العامة التي يحددها المرشد بالتشاور مع مجمع تشخيص المصلحة في شكل قرارات وقوانين عبر مجلس الوزراء، مع الأخذ في الاعتبار مسئولية كل وزير من الوزراء فيما يخصه من وظائف وواجبات، وتباعا فإن عملية قطع العلاقات الدبلوماسية وكذا تقليصها أو توسيعها تقع في نطاق صلاحيات السلطة التنفيذية.
4 ـ مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان):
مجلس الشورى هو أعلى سلطة تشريعية في إيران، ويستطيع هذا المجلس إصدار وتشريع القوانين في إطار الحدود الواردة بالدستور ومع مراعاة المبادئ الدينية، هذا ويساهم مجلس الشورى في سياسة إيران الخارجية من خلال الصلاحيات التالية:
أ ـ يجب مصادقته على المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية (المادة 77).
ب ـ يُحظر مجلس الشورى إدخال أي تغيير على الحدود الإيرانية وحتى وإن كان التغيير لا يضر باستقلال ووحدة الأراضي الإيرانية ويراعي المصالح القومية فمن الضروري مصادقة أربعة أخماس نواب المجلس (المادة 78).
ج ـ التصديق على المصالحة في الدعاوى المتعلقة بالأموال العامة، وفي الحالات التي يكون فيها أحد أطراف الدعاوى أجنبياً (المادة 139).
د ـ عمليات الاقتراض والإقراض ـ داخل إيران وخارجها ـ التي تجريها الحكومة يجب أن تحظى موافقة المجلس (المادة 80).
هـ ـ لا يجوز للحكومة توظيف الخبراء الأجانب إلا في حالات الضرورة وبعد موافقة المجلس.
و ـ يحق للمجلس مراجعة شئون إيران كافة بما في ذلك السياسة الخارجية قطعاً وفقا للمادة (76).
5 ـ مجلس صيانة الدستور (الرقابة على القوانين):
وفقاً لصلاحيات هذا المجلس الواردة بالدستور تحت المادتين (94، 96)، يلعب مجلس صيانة الدستور دوراً مؤثراً هو الأخر في مراقبة السياسة الخارجية، وذلك من خلال تصديقه على القرارات التي يصدرها مجلس الشورى ومنها ما قد يتعلق بالسياسة الخارجية، للتأكد م مطابقتها للدستور والشرع.
6 ـ مجمع تشخيص مصلحة النظام:
الواقع أن هذا المجمع يعد جهة استشارية بالنسبة للمرشد واضع السياسات، لكنه رغم ذلك يحظى بمكانة حيوية بين اروقة صنع القرار في إيران. خاصة وأنه قد يفصل في الخلاف القائم بين مجلس الشورى ومجلس الصيانة، وقطعاً قد يكون هذا الخلاف حول مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية.
7 ـ مجلس الأمن القومي والسياسة الخارجية:
بموجب المادة (176)، من دستور إيران فإن مجلس الأمن القومي الإيراني منوط للقيام بالوظائف التالية:
أ ـ وضع السياسات الدفاعية والأمنية في إطار منظومة السياسات الموضوعة من قبل المرشد.
ب ـ العمل على التنسيق بين كافة الأجهزة المعنية فيما يتعلق بالشئون الأمنية والسياسات الداخلية والخارجية.
ج ـ الاستفادة الكاملة من الإمكانات الموجودة لدى إيران من أجل التصدي لأية تهديدات داخلية أو خارجية وكذا يدخل جزء هام من وظائف مجلس الأمن القومي في حيز العلاقات الخارجية.
8 ـ وزارة الخارجية:
وفقا للدستور فإن السياسة الخارجية الإيرانية تقوم على الاستقلال الكامل، ووحدة أراضيها، والدفاع عن حقوق جميع المسلمين، وعدم الانحياز مقابل القوى المتسلطة (المادة 152)، وكذا يمنع عقد آية معاهدة قد تؤدي إلى السيطرة الأجنبية على الثروات الطبيعية والشئون الأخرى لإيران (المادة 153)، كما تستطيع حكومة إيران منح اللجوء السياسي إلى الذين يطلبون ذلك باستثناء الذين يعتبرون وفقاً لقوانين إيران مجرمين وخونة (المادة 155)، وهكذا لم تتضمن نصوص الدستور ولا لوائح مجلس الشورى على قيام وزارة الخارجية بتحديد توجهات السياسة الخارجية الإيرانية، ولعل المواد سالفة الذكر توضح ذلك، غير أنه قد ظُن أن وزارة الخارجية هي الجهة المعنية بصناعة القرار الخارجي، من قبيل المعتاد، بينما وبالنظر إلى هيكل السلطة الفعلي في إيران وصلاحيات المسئولين سنجد أن تنفيذ السياسة الخارجية هناك يقع على كاهل وزارات ومؤسسات مختلفة كلا حسب نطاق صلاحياته؛ فوزير التجارة يتدخل فيما يتعلق الأمر بالتبادل التجاري مع العالم الخارجي، بينما يتدخل وزير الدفاع حينما يتعلق الأمر بشئون التسليح، وكذا وزير الثقافة وغيره من الوزراء، كلا وفقا لوظائفه وصلاحياته.
وعلى أية حال، يمكننا رصد مهام وزارة الخارجية الإيرانية في النقاط التالية:
أ ـ المتابعة والمراقبة الدائمة للأحداث الدولية والأوضاع الخارجية، وإعداد التقارير الخاصة بذلك.
ب ـ إجراء المباحثات مع الدول الخارجية والمنظمات الدولية.
ج ـ إقامة وتطوير العلاقات الخارجية مع الدول الخارجية.
د ـ مراقبة وتقيم أداء السفارات الإيرانية في الخارج.
تأسيسا على ما سبق، يمكننا القول إن بنية القرار الخاص بسياسة إيران الخارجية إنما هي محصلة تعامل معقد ومتشابك بين المسئولين في سلم هرم السلطة، ومن ثم فهناك تغييرات قد تطرأ على محتوى هذا السلم أو وقوع أية اختلافات بين القائمين على صناعة هذا القرار والمنفذين له فسرعان ما يؤثر على توجهات السياسة الخارجية الإيرانية، ولعل المتتبع لعملية سير السياسة الخارجية في إيران خلال الثلاث عقود الأخيرة لسوف يلاحظ تراوحها بين الجدب تارة والمدى تارة أخرى وذلك انطلاقا من ذلك المحصلة نفسها التي ذكرنها، فإيران بعد الثورة، وتحديداً إبان فترة الحكومة المؤقتة بقيادة أبو الحسن بني صدر شهدت محاولات لإقامة علاقات خارجية تقوم على رؤى ليبرالية بحتة، ولكن سرعان ما دب الخلاف بين الحسن بني صدر والخميني، وحينما دانت الأمور للأخير، بدأت السياسة الخارجية تسير وفقا لمنظومة عرفت بمنظومة "خط الإمام" أي السير وفقا لتوجهات الخميني (وتحديدا وفقا لنظرية ولاية الفقيه)، وهكذا رفعت السياسة الخارجية الإيرانية شعارات "اللاشرقية واللاغربية"، "والتولي والتبري" في نهجها.
والحقيقة أن سياسة إيران الخارجية في تلك المرحلة اتسمت بالتوتر خاصة حينما راحت تتمحور حول مبدأ تصدير الثورة، وتعزيز العلاقات الإيرانية مع الحركات الإسلامية الناهضة في الدول الإسلامية أكثر من توطيد علاقاتها بالحكومات نفسها، ولكن بعد وفاة الخميني، وانتهاء فترة الحرب العراقية الإيرانية ومع تولي مقاليد حكم إيران التيار اليساري المعتدل أصبحت المصالح القومية تحتل الصدارة على قائمة أولويات السياسة الخارجية، ومن ثم شهدنا المرحلة الثانية من عمر السياسة الخارجية الإيرانية بانتهاج حكومة الرئيس محمد خاتمي سياسة نبذ التوتر في السياسة الخارجية، وكذا إقرار العلاقات الإيرانية مع جميع دول العالم باستثناء إسرائيل.
أما مع تولي الجناح الأصولي المتشدد بزعامة محمود أحمدي نجاد مقاليد الحكم فسرعان ما دخلت علاقات إيران مع العالم الخارجي مرحلة جديدة من التوتر مرة أخرى.
الجزء الثاني من الكتاب بعنوان قضايا السياسة الخارجية الإيرانية تناول أهم وأبرز القضايا التي شهدتها إيران منذ قيام ثورتها عام 1989، وحتى التسعينيات، حيث استعرض الفصل الأول منه السياسة الخارجية للحكومة الإيرانية المؤقتة، وأوضح مدى الفجوة التي كانت موجودة آنذاك بين الزعامة الدينية والقيادة السياسية والتناقضات التي ظهرت على السياسة الخارجية في ذلك الوقت من عمر الثورة. فبعد أسبوع واحد من قيام الثورة والإطاحة بنظام محمد رضا شاه قام الخميني بتعيين مهدي بازركاني أمين عام حزب "نهضة حرية إيران" في منصب رئاسة الوزراء للحكومة المؤقتة وهو الذي باشر أعماله وحدد مهام حكومته على النحو التالي:
ـ القيام بتنظيم وإدارة شئون البلاد.
ـ تنظيم استفتاء شعبي على تغيير النظام من ملكى إلى نظام جمهوري.
ـ تأسيس مجلس مؤسسين لتدوين الدستور.
ـ انتخاب مجلس لنواب الشعب الإيراني.
جدير بالذكر أن بازركان قام باختيار أعضاء حكومته من أطياف الوسط ذات التوجهات الليبرالية، ولذلك فسرعان ما اصطدمت هذه الحكومة الليبرالية بالزعامة الدينية بقيادة الخميني والقوى الثورية الأخرى، وكانت أبرز صداماتهم؛ الخلاف حول أيهما الأكثر أهمية وإلحاحا: جمهورية إيرانية أم جمهورية إسلامية.
ويؤكد الفصل الثاني بعنوان "احتلال السفارة الأمريكية"، أن قضية احتلال السفارة كانت من أبرز قضايا العلاقات الخارجية في تاريخ الثورة إبان تلك الفترة من عمرها حيث عرفت هذه القضية بالانقلاب الثاني نظراً لتداعياتها وآثارها السلبية على علاقات إيران الخارجية. فبعد قيام الثورة الإيرانية أعلنت الولايات المتحدة استعدادها استضافة الشاه المخلوع فقام الطلاب أعضاء الجمعيات الإسلامية (أتباع خط الإمام) باحتلال السفارة الأمريكية لدى طهران وأسر خمسة وستين من العاملين بالسفارة. تلك الأزمة التي دامت لأكثر من 444 يوماً الأمر الذي أفضى إلى تداعيات داخلية ومن جملتها إقدام الحكومة المؤقتة على تقديم استقالتها وأخرى خارجية وأهمها قطع العلاقات الأمريكية مع إيران.
أما الفصل الثالث بعنوان "الجذور التاريخية والسياسية لاعتداء العراق على إيرن" فقد تناول ظروف اعتداء العراق على الحدود الإيرانية، وبين كيف أن ثمة عوامل بعضها متعلق بالعراق وبشخصية رئيسها وبعضها كان يرجع لعوامل إقليمية ودولية استطاعت أن تلعب دوراً مؤثراً في الحرب المفروضة (الحرب العراقية الإيرانية)، وهكذا تناول الفصل الرابع قرار مجلس الأمن رقم 598. بعد أن استعرض أهم العمليات العسكرية والسياسية للجانبين والتي انتهت بقبول إيران وقف إطلاق النار والذي كان ـ على حد قول الخميني ـ بمثابة تجرع كأس من السم.
وأخيراً جاء الفصل الرابع تحت عنوان "الثورة الإسلامية والنظام العالمي" والذي تناول أهم وأبرز ملامح النظام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى أواخر التسعينيات، حيث أوضح مدى التأثيرات الجارية على الساحة العالمية بخاصة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وتحول النظام العالمي إلى نظام أحادي القطبية وتداعيات ذلك على مجريات الثورة وأهدافها في داخل وخارج إيران، حيث شهد العالم وإيران ـ في ظل النظام الجديد ـ فرض الهيمنة الأمريكية بما لديها م قدرات اقتصادية وعسكرية وسياسية مكنتها من احكام سيادتها على شعوب العالم وقطعاً الحكومة الإيرانية التي لطالما واجهت الهيمنة الغربية وسياساتها على شعوب العالم المستضعفة فقد واجهها الكثير من التحديات مع هذا النظام مما حال دون تحقيق أهدافها الخارجية وكذا وضع العراقيل أمام دبلوماسييها للقيام بالمهام المنوطة بهم على الصعيد الدولى.
في النهاية وما يجب التأكيد عليه هو أن هذا الكتاب يحظى بالأهمية ليس لمجرد أنه كتاب دراسي مقرر على طلاب العلوم السياسية ويبين المبادئ والأسس التي تقوم عليها سياسة إيران الخارجية فحسب وإنما نظراً لتوضيحه مدى أهمية الجانب الأيديولوجي في السياسة الخارجية الإيرانية وحجم تأثيرها على علاقاتها الخارجية سواء كان سلباً أو إيجاباً، ورأينا كيف أنها ظلت تحتفظ بمبدأ "اللاشرقية واللاغربية" حتى بعد سقوط الكتلة الشرقية وانهيار الاتحاد السوفيتي. وفي كل الأحوال، فإنه كلما زاد المؤثر الأيديولوجي للثورة الإيرانية على سياستها الخارجية كلما جاء هذا بالسلب على علاقاتها سواء الإقليمية أو الدولية.