- الأحد يونيو 05, 2011 3:42 pm
#38533
الشعب التركي من أكثر الشعوب تفهماً للثورات العربية، فقد مر بهذه المرحلة التي عاشها ويعيشها الشعب العربي مع أنظمته العسكرية والدكتاتورية تحت عناوين كثيرة من الديموقراطية وحماية الجمهورية والعلمانية والدستور وغيرها لأكثر من ستة عقود من القرن الماضي بعد قيام الجمهورية. كان يحكم تركيا لون فكري واحد يرفض مشاركة الشخصيات المستقلة ذات المرجعية الوطنية الدينية، فضلاً عن أن يسمح لها بتأسيس أحزاب سياسي للمشاركة في البرلمان أو في تشكيل الحكومة، وعلى أساس هذه النظرة الضيقة جرى حل العديد من الأحزاب السياسية التركية بعد تشكيلها رسمياً، فقد حل حزب النظام الوطني (الخلاص الوطني) عام 1971، بتهمة انتهاك الدستور العلماني، والعمل على إلغاء العلمانية، وحكمت المحكمة بمنع أي عضو في الحزب من العمل في حزب آخر، أو تأسيس حزب آخر، أو ترشيح نفسه في الانتخابات ولو بشكل مستقل ، وذلك طيلة خمس سنوات.
ومرة أخرى تم حل حزب السلامة الوطني في انقلاب عسكري عام 1980، بعد أن فاز بثقة الشعب بانتخاب الكثيرين من أعضائه في البرلمان. وبعد محاكمات عسكرية عام 1983، أمرت المحكمة التركية بحل حزب السلامة الوطني ، وحكم على رئيسه بالسجن لمدة أربع سنوات وبأحكام أخرى على العديد من قيادات الحزب.
ثم استطاع «حزب الرفاه» تجاوز المعضلة، وخاض انتخابات 1996، وحصل على 185 مقعدا برلمانياً ليصبح الحزب الأكبر في البرلمان التركي وعلى الساحة التركية السياسية. وقد حل «حزب الرفاه» ومنع رئيسه وعدد من قادته من العمل السياسي لمدة خمس سنوات.
ورغم ذلك تم تأسيس «حزب الفضيلة» من أعضاء من «حزب الرفاه» الذين لم تنلهم العقوبات السابقة، ولكن المحكمة الدستورية أصدرت عام 2001 قراراها بحل «حزب الفضيلة» أيضاً، فتم بعد ذلك طرح حزبين جديدين من أعضاء «حزب الفضيلة»، أحدهما باسم «حزب السعادة»، والآخر باسم «حزب العدالة والتنمية» بزعامة طيب رجب أردوغان، وعندما أجريت انتخابات 2002، لم يستطع حزب السعادة دخول البرلمان التركي بسبب عدم تمكنه من الحصول على 10 في المئة من أصوات الناخبين، بينما اكتسح «حزب العدالة والتنمية» الانتخابات وحصل على 363 مقعداً من أصل 550 مقعداً.
هذه التجربة السياسية التركية الحديثة كان من المأمول أن تنتقل إلى الدول العربية، بحكم القواسم المشتركة بين العرب والأتراك، وأن تخوضها الأحزاب والبرلمانات العربية دون إراقة دماء، وأن يتم التغيير وانتقال السلطة السياسية بالطرق السلمية، وكان على الأنظمة السياسية العربية والحكام العرب أن يستفيدوا من التجربة التركية، وأن يعلموا أن قطار التغيير إذا انطلق فلن يوقفه عائق إطلاقاً، لأنه يمثل إرادة الجماهير الفعلية، فلا مبرر لآلاف القتلى ولا مئات ولا عشرات القتلى، لأن ما يجري ليس مجرد احتمال ولا مجرد حالة عابرة ، إنه قرار الجماهير العربية كافة، وهذا قدرها وساعة قيامتها واستقلالها وإرادتها، ولا ينفع مع ثورة الشعوب التسويف ولا الرجاء الكاذب ولا الحلول الخادعة، لقد دقت ساعة الإرادة الشعبية، وما على الأنظمة التي انتهت صلاحيتها إلا الرحيل، ولكن واجبها قبل الرحيل التعاون في التغيير الدستوري، والتعاون في الانتقال السلمي للسلطة الى من ينتخبهم الشعب في البرلمانات العربية انتخاباً حقيقياً وصادقاً ونزيها.
بهذه الخطوات فقط تنجو الدول العربية مما هي فيه اليوم من حمامات دماء، فليس من مبرر لمزيد من القتلى والجرحى والسجون والمعاناة طالما أن النهاية محتومة ولو بعد حين، فالشعوب العربية اليوم هي أمام تحدي الأجيال الشبابية الجديدة في أن تأخذ زمام مصيرها مثل باقي شعوب العالم، وأن لا تسلم رقابها لأسرة حاكمة ولا جمهورية وهمية قائمة على استبداد الأسرة أو الحزب أو الطائفة بأكاذيب واهية وشعارات بالية.
إن الشعب التركي يأمل لكل الثورات العربية النجاح والسلامة ، وسرعة التغيير من غير عنف ولا حروب أهلية ولا انقسامات عشائرية ولا نزاعات قبلية، لأن الخسارة تحل بالجميع، والتغيير حاصل مهما تأخر التنفيذ، ومواقف الحكومة التركية لا تختلف عن هذا الموقف، وجهودها تصب في هذا الاتجاه، الذي نجحت الحكومة التركية من الوصول إليه بعد عناء طويل في نضالها الطويل مع الدكتاتورية العسكرية، والذي لا يزال قيد العمل به في فصوله الأخيرة، ولعل المؤسسة العسكرية التركية تستفيد من التجربة العربية المؤلمة ، بأن الجماهير لا تموت مهما طال صبرها، وأنها واعية مها ظن العسكر غبائها، وأنها شجاعة مهما راهن الجلادون على خوفها، وأنها منتصرة مهما راهن المستبدون على يأسها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الثورات العربية في مرآة الشعب التركي :الشعب التركي من أكثر الشعوب تفهماً للثورات العربية، فقد مر بهذه المرحلة التي عاشها ويعيشها الشعب العربي مع أنظمته العسكرية والدكتاتورية تحت عناوين كثيرة من الديموقراطية وحماية الجمهورية والعلمانية والدستور وغيرها لأكثر من ستة عقود من القرن الماضي بعد قيام الجمهورية. كان يحكم تركيا لون فكري واحد يرفض مشاركة الشخصيات المستقلة ذات المرجعية الوطنية الدينية، فضلاً عن أن يسمح لها بتأسيس أحزاب سياسي للمشاركة في البرلمان أو في تشكيل الحكومة، وعلى أساس هذه النظرة الضيقة جرى حل العديد من الأحزاب السياسية التركية بعد تشكيلها رسمياً، فقد حل حزب النظام الوطني (الخلاص الوطني) عام 1971، بتهمة انتهاك الدستور العلماني، والعمل على إلغاء العلمانية، وحكمت المحكمة بمنع أي عضو في الحزب من العمل في حزب آخر، أو تأسيس حزب آخر، أو ترشيح نفسه في الانتخابات ولو بشكل مستقل ، وذلك طيلة خمس سنوات.
ومرة أخرى تم حل حزب السلامة الوطني في انقلاب عسكري عام 1980، بعد أن فاز بثقة الشعب بانتخاب الكثيرين من أعضائه في البرلمان. وبعد محاكمات عسكرية عام 1983، أمرت المحكمة التركية بحل حزب السلامة الوطني ، وحكم على رئيسه بالسجن لمدة أربع سنوات وبأحكام أخرى على العديد من قيادات الحزب.
ثم استطاع «حزب الرفاه» تجاوز المعضلة، وخاض انتخابات 1996، وحصل على 185 مقعدا برلمانياً ليصبح الحزب الأكبر في البرلمان التركي وعلى الساحة التركية السياسية. وقد حل «حزب الرفاه» ومنع رئيسه وعدد من قادته من العمل السياسي لمدة خمس سنوات.
ورغم ذلك تم تأسيس «حزب الفضيلة» من أعضاء من «حزب الرفاه» الذين لم تنلهم العقوبات السابقة، ولكن المحكمة الدستورية أصدرت عام 2001 قراراها بحل «حزب الفضيلة» أيضاً، فتم بعد ذلك طرح حزبين جديدين من أعضاء «حزب الفضيلة»، أحدهما باسم «حزب السعادة»، والآخر باسم «حزب العدالة والتنمية» بزعامة طيب رجب أردوغان، وعندما أجريت انتخابات 2002، لم يستطع حزب السعادة دخول البرلمان التركي بسبب عدم تمكنه من الحصول على 10 في المئة من أصوات الناخبين، بينما اكتسح «حزب العدالة والتنمية» الانتخابات وحصل على 363 مقعداً من أصل 550 مقعداً.
هذه التجربة السياسية التركية الحديثة كان من المأمول أن تنتقل إلى الدول العربية، بحكم القواسم المشتركة بين العرب والأتراك، وأن تخوضها الأحزاب والبرلمانات العربية دون إراقة دماء، وأن يتم التغيير وانتقال السلطة السياسية بالطرق السلمية، وكان على الأنظمة السياسية العربية والحكام العرب أن يستفيدوا من التجربة التركية، وأن يعلموا أن قطار التغيير إذا انطلق فلن يوقفه عائق إطلاقاً، لأنه يمثل إرادة الجماهير الفعلية، فلا مبرر لآلاف القتلى ولا مئات ولا عشرات القتلى، لأن ما يجري ليس مجرد احتمال ولا مجرد حالة عابرة ، إنه قرار الجماهير العربية كافة، وهذا قدرها وساعة قيامتها واستقلالها وإرادتها، ولا ينفع مع ثورة الشعوب التسويف ولا الرجاء الكاذب ولا الحلول الخادعة، لقد دقت ساعة الإرادة الشعبية، وما على الأنظمة التي انتهت صلاحيتها إلا الرحيل، ولكن واجبها قبل الرحيل التعاون في التغيير الدستوري، والتعاون في الانتقال السلمي للسلطة الى من ينتخبهم الشعب في البرلمانات العربية انتخاباً حقيقياً وصادقاً ونزيها.
بهذه الخطوات فقط تنجو الدول العربية مما هي فيه اليوم من حمامات دماء، فليس من مبرر لمزيد من القتلى والجرحى والسجون والمعاناة طالما أن النهاية محتومة ولو بعد حين، فالشعوب العربية اليوم هي أمام تحدي الأجيال الشبابية الجديدة في أن تأخذ زمام مصيرها مثل باقي شعوب العالم، وأن لا تسلم رقابها لأسرة حاكمة ولا جمهورية وهمية قائمة على استبداد الأسرة أو الحزب أو الطائفة بأكاذيب واهية وشعارات بالية.
إن الشعب التركي يأمل لكل الثورات العربية النجاح والسلامة ، وسرعة التغيير من غير عنف ولا حروب أهلية ولا انقسامات عشائرية ولا نزاعات قبلية، لأن الخسارة تحل بالجميع، والتغيير حاصل مهما تأخر التنفيذ، ومواقف الحكومة التركية لا تختلف عن هذا الموقف، وجهودها تصب في هذا الاتجاه، الذي نجحت الحكومة التركية من الوصول إليه بعد عناء طويل في نضالها الطويل مع الدكتاتورية العسكرية، والذي لا يزال قيد العمل به في فصوله الأخيرة، ولعل المؤسسة العسكرية التركية تستفيد من التجربة العربية المؤلمة ، بأن الجماهير لا تموت مهما طال صبرها، وأنها واعية مها ظن العسكر غبائها، وأنها شجاعة مهما راهن الجلادون على خوفها، وأنها منتصرة مهما راهن المستبدون على يأسها.